الدعم الإيراني لـ«الصابرين» في غزة.. الدوافع والأهداف (1-2)

الإثنين 08/أكتوبر/2018 - 08:18 م
طباعة الدعم الإيراني لـ«الصابرين» أحمد سامي عبدالفتاح
 
انتهجت إيران منذ الثورة الإسلامية في عام 1979، ما عُرف بسياسة «تصدير الثورة»، وذلك من خلال تجييش حركات الاحتجاجات الشعبية في البلدان المستهدفة، إضافة إلى اللعب على المتناقضات الداخلية باتخاذها وضعية مناوئة لأنظمة الحكم العربية، بغض النظر عن مدى أخلاقية هذا الموقف، طالما أنه يحقق لها الصالح العام.

الدعم الإيراني لـ«الصابرين»
وفي إطار سياسة التمدد وترسيخ الوجود، حاولت إيران الإيهام بدعمها القضية الفلسطينية، كآلية لجذب المزيد من الأنظار الإيجابية نحوها، من خلال تأييد الفصائل السنية المسلحة في قطاع غزة.

لكن التصادم بين الطرفين وجد طريقه للبزوغ في أعقاب التدخل الإيراني في الثورة السورية لصالح النظام السوري؛ حيث طالبت إيران الفصائل السورية بانتهاج خطاب سياسي داعم لسلوكياتها العدوانية في المنطقة، إلا أن تلك الفصائل آثرت الانحياز إلى مطالب الشعب السوري، الذي تتقاطع معاناته مع الشعب الفلسطيني.

ودفع الإدراك الإيراني بعزوف الفصائل السنية عن الوقوف إلى جوار سياساتها العدوانية في المنطقة، إلى السعي نحو إنشاء ميليشيا شيعية خالصة تدين لها بالولاء على غرار «حزب الله» اللبناني؛ لتتمكن من ترسيخ وجودها في قطاع غزة، فدعمت انشقاق عدد من الأفراد عن حركة «الجهاد» الفلسطينية، بزعامة هشام سالم، ثم موّلت إنشاء حركة تحت اسم «الصابرين» في 2014.

ورغم المعارضة الشعبية للحركة إلا أنها تسعى لاستقطاب المزيد من الأفراد من خلال بوابة التخفي في رداء العمل الإغاثي الذي تُقدمه للعائلات المتضررة في القطاع، أو المتضررين من ظروف الحصار على القطاع.

لذا تسعى هذه الدراسة للتطرق لدوافع الدعم الإيراني لحركة الصابرين، وصوره المختلفة، إضافة إلى موقف الفصائل السنية في القطاع من الحركة، واستبيان الآليات المختلفة لمواجهة محاولات إيران التمدد في المنطقة من خلال الحركة، والدور المصرى في ردعها.

أولا: دوافع الدعم الإيراني لحركة الصابرين
استغلت إيران النفور العربي من الفصائل في قطاع غزة، خاصة صاحبة الميول الإسلامية، كوسيلة للحضور داخل القطاع من خلال توفيرها للدعم العسكري المطلوب؛ أملًا في التأثير على نزعتها المذهبية، وتحقق مراد إيران من خلال تشيع عدد من أفراد حركة الجهاد الإسلامي، أبرزهم «هشام سالم» الذي أسَّس الحركة في عام 2014.

وتدعم إيران الحركة وفقًا لعدد من التقديرات بنحو 10 ملايين دولار سنويًّا، ويتضح من قيمة الدعم الضخم الرغبة في تحقيق عدد من الأهداف، وهي:

سياسة أمنية
تدرك إيران أن القضية الفلسطينية هي موطن الصراع الأول في المنطقة، ولهذا فإنها تسعى بشدة لترسيخ وجودها في قطاع غزة؛ من أجل ضمان دور فاعل لها في أي تسوية مستقبلية لتستغلها كوسيلة لتبرير تغولها السياسي والعسكري في المنطقة.

وتتبنى العديد من دول العالم «سياسة أمنية استباقية» لحماية متعلقات أمنها القومي من خلال المبادرة بمحاصرة موطن التهديد جغرافيًّا، سواء كان داخل حدود الدولة القومية أو خارجها، مع عدم السماح لهذا التهديد بالتعاظم، قبل البدء بشنِّ حرب ضروس لاستئصال الخطر أو تحجيم تهديده في أضعف الحالات، وقد انتهجت العديد من الدول هذه السياسة في مواجهة تهديد التنظيمات المتطرفة.

فعلى سبيل المثال، قادت الولايات المتحدة تحالفًا دوليًّا لمحاربة «داعش» في سوريا والعراق، ولم تنتظر قيام التنظيم بنقل حربه إلى أراضيها، كما طبقت الولايات المتحدة هذه السياسة في التعامل مع إيران، حيث عمقت من وجودها العسكري في أفغانستان وباكستان من ناحية الشرق، إضافة إلى ترسيخ قواعدها العسكرية في الخليج العربي من ناحية الغرب؛ ما يعني أن إيران أصبحت محاصرة من كلا الجانبين.

ولهذا تسعى إيران للردِّ على هذه التهديدات من خلال اتباعها نفس السياسة مع إسرائيل، من خلال دعمها ميليشيا «سرايا الرسول الأعظم» التابعة لحركة الصابرين في قطاع غزة، لتشكل بذلك تهديدًا للعمق الداخلي لإسرائيل من حدودها الجنوبية، إضافة إلى تهديدها لإسرائيل من الشمال من خلال «حزب الله» في لبنان أو ميليشياتها الموجودة في سوريا.

وتعتقد إيران أن الولايات المتحدة لن تُقدم على شنِّ أي حرب عليها، طالما حافظت على قدرتها التهديدية لإسرائيل- حليف الولايات المتحدة الأول في الشرق الأوسط-، التي تملك لوبيات قوية بإمكانها التأثير على صناعة القرار الأمريكي، وتوجيهه بما يخدم مصالحها التي تتضمن تحييد الخطر الإيراني.

وفي سياق متصل، تريد إيران إحكام تهديدها للمصالح الاقتصادية الإسرائيلية في البحر المتوسط والمتمثلة في آبار الغاز الطبيعي، مثل حقل ماري القريب من غزة، وحقل شمس قرب أسدود، إضافة إلى حقول أخرى بعيدة مثل ليفاثيان وتمارا اللذين يحتاجان صواريخ متوسطة المدى، وبإمكان إيران أن تمد «الصابرين» بها من أجل استهدافهما، على غرار ما فعلته مع الحوثيين باليمن، حيث أمدتهم بصواريخ بالستية طويلة المدى مكنتهم من استهداف عدد من المدن السعودية.

كما يمنح الوجود المسلح لحركة الصابرين، في قطاع غزة، إيران وضعية تفاوضية مميزة في أي حوار ثنائي مستقبلي مع الغرب؛ من أجل التقليل من التهديدات التي يمثلها كل طرف للآخر، وفي هذا الشأن، ستربط إيران تقليل دعمها لحركة الصابرين بتقليل الولايات المتحدة، نفوذها العسكري في الخليج العربي، والتي تستهدف بالأساس إيران ومصالحها النفطية.

موازنة نفوذ الميليشيات السنية
لا تريد إيران للفصائل السنية المسلحة أن تحتكر النزاع مع إسرائيل من أجل تحرير الأرض المحتلة، بل تريد إقحام نفسها في الصراع بسبب وعيها التام بمدى التأييد الشعبي العربي، لأي حركات مناوئة لإسرائيل، ما يُسهل عليها لاحقًا تحسين صورتها واستقطابها للأفراد، ومن ثم التأثير على توجهاتهم الدينية من أجل تشيعهم لاحقًا.

ومن أجل تحقيق ذلك، تقدِّم إيران دعمًا ماليًّا كبيرًا لحركة الصابرين، ويكشف هذا الدعم المالي الكبير الرغبة الإيرانية في تطوير النشاط الاجتماعي للحركة من خلال تعميق دورها التنموي للأنشطة الخدمية داخل القطاع الذي يعاني من الحصار منذ عام 2007؛ ما يساعدها على سحب بساط التأييد الشعبي من الحركات العاجزة عن إنهاء معاناة القطاع.

وترغب إيران في إعادة توظيف الدعم الشعبي للحركة، كمانع أمام محاولات الحركات السنية حلها أو التقليل من دورها؛ ما يساعدها لاحقًا على استثمار الدور المناوئ لإسرائيل في خلق تأييد شعبي عربي لأنشطة إيران العدوانية في المنطقة، وقد ظهر ذلك جليًّا في حوار زعيم الحركة «هشام سالم» مع صحيفة «الأخبار» اللبنانية، الذي أكد فيه أن إيران هي الدولة الوحيدة التي تدعم غزة بالسلاح من أجل قتال إسرائيل وتحرير القدس.

كما صرح في حوار آخر مع موقع «مصر العربية» في نوفمبر 2014، أي بعد أكثر من عامين من تدخل حزب الله في الحرب السورية، وارتكابه جرائم بحق السوريين العُزّل، بأن حزب الله حركة مقاومة تعمل من أجل تحرير القدس من الاحتلال الإسرائيلي.

ولا يمكننا أن نغفل اللافتات التي يتم تعليقها داخل قطاع غزة، ويتم الترويج فيها للدور الإيراني المناهض لإسرائيل من أجل تحرير القدس، كما تسعى إيران من خلال «الصابرين» للضغط على القوى السنية للتأثير في مواقفها السياسية من الصراعات الدائرة في المنطقة، والتي أخذت صبغة طائفية، بعد أن فشل قطع الدعم المادي في 2012 في إثناء الفصائل السنية على تبني رؤي أكثر إيجابية فيما يتعلق بنشاط ايران في المنطقة، وتحديدًا سوريا.


نظريًّا، من المفترض أن تدفع مذهبية الصراع الحركات السنية، وعلى رأسها حماس والجهاد، للوقوف على الجانب الآخر من إيران، إلا أن العزلة الدولية المفروضة على القطاع، إضافة إلى عزوف القوى الإقليمية عن تعويض دور إيران مع الفصائل السنية، دفع الأخيرة لإعادة العلاقات مع إيران منتهجين «سياسة الحياد» بشأن الأزمة السورية بعد أن كانت سياساتهم «الدعم والتأييد» لها؛ ما يعني أن قطع الدعم أحدث تغييرًا جزئيًّا في الخطاب الإعلامي للفصائل، إلا أنه رغم ذلك لم يتزحزح نحو المدح والمباركة اللذين أرادتهما إيران.

وبالتأكيد، هذا لم يُعجب إيران التي ترى في دعمها المالي والعسكري، منذ الثمانينات، الوسيلة الرئيسية التي مكَّنت فصائل المقاومة من الصمود أمام إسرائيل.

ولهذا، أصبحت إيران في حاجة ماسة لوسيلة أكثر قوة تمكنها من التأثير على الجماعات السنية في القطاع، ومن هنا تبرز أهمية الدعم الإيراني لحركة «الصابرين» التي تريد لها إيران موازنة نفوذ الحركات السنية في القطاع، باستخدام قاعدتها الشعبية التي تعمل على تكوينها من خلال عملها الإغاثي للفئات الأكثر تضررًا من الحصار.

ورغم أن «الصابرين» لا يمكن أن تضاهي «حزب الله» في دوره التخريبي حتى وإن تعاظمت قوتها، بسبب امتلاك الحزب ممرات آمنة تمكنه من الحصول على احتياجاته العسكرية من السلاح والصواريخ بوفرة -عن طريق سوريا- قبل أن يقوم بعملية «إعادة توزيع» على الجماعات الشيعية التخريبية في المنطقة، مثلما حدث مع الكويت -والتي تم الكشف عن خلية حزب الله الإرهابية بها 2017-، إلا أنها تظل نقطة تأثير قوية على القرارات السياسية التي تتخذها الفصائل السنية؛ حيث بإمكان هذه الحركة أن تُشعل حربًا في أي لحظة مع إسرائيل من خلال استهداف دورياتها الموجودة على حدود قطاع غزة، كما يمكنها أن تنقض أي هدنة في محاولة لتقمص شخصية المدافع عن القطاع من أجل زيادة شعبيتها.

ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أن إيران ترغب في إطالة أمد الصراع العربي ـــــــ الإسرائيلي، إضافة إلى رغبتها في استمرارية التفوق العسكري للأخيرة في المنطقة؛ لأن هذا يمكنها من الترويج لنفسها بصفتها القوة العسكرية القادرة على مواجهة إسرائيل، ومن هنا تبرز قيمة التصريحات الإيرانية الخاصة بتطوير مدى أنظمتها الصاروخية التي أصبحت قادرة على استهداف إسرائيل رغم البُعد الجغرافي.

وتتضح الرغبة الإيرانية في موازنة نفوذ الحركات السنية، التي لا تخضع لها في القطاع، من خلال سعيها لإحلال حركة الصابرين محل حركة الجهاد.

ونستدل على ذلك من خلال وقف إيران الدعم العسكري والمالي الذي كان مخصصًا من قبل للجهاد، قبل أن تقوم بإعادة توجيهه مرة أخرى إلى «الصابرين» من أجل توسيع قدرتها العسكرية، لتتمكن من الصمود أمام حركات السلفية الجهادية التي تهادن حركة «حماس» ولا تخضع لها، مثل جيش الإسلام الفلسطيني -والذي سبق أن اتهمته مصر بالقيام بتفجير كنيسة القديسين في 2011- أو مجموعة سيوف الحق التي تبنت تفجير مقر قناة العربية في غزة في 2007.
الدعم الإيراني لـ«الصابرين»
التهديد الإقليمي
تشير تقارير إلى أن إيران تدعم حركات متطرفة على حدود غزة، ومنها تنظيمات أعلنت انتماءها لتنظيم «داعش»، وترغب من خلال حركة «الصابرين» أن تؤمن تمويلها لهذه التنظيمات، إذ تريد إيران من «الصابرين» أن تلعب دورًا عابرًا للحدود من خلال دعم التنظيمات المتطرفة على تلك الحدود بالقرب من فلسطين.

ومن أجل تعميق نفوذها في الشرق الأوسط، تسعى إيران إلى تكرار تجربتها السابقة مع تنظيم القاعدة إبان الغزو الأمريكي للعراق، حينما قامت بدعمه من أجل إطالة أمد الحرب، لتستنزف الولايات المتحدة، كما نجد أن استمرارية الحرب، وسوء الأوضاع الاقتصادية مكّن إيران من اختراق النسيج المجتمعي للشعب الأفغاني من بوابة المساعدة الاقتصادية، والعمل الإغاثي قبل أن تستقطب بعض أفراده نحو المذهب الشيعي.

ولا يمكننا أن نغفل «المثلث المسلح» الذي تسعى إيران لتكوينه في المنطقة، فأحد أضلاعه حركة الصابرين في قطاع غزة، وضلعه الثاني الجماعات المتطرفة على الحدود مع غزة، بينما ضلعه الثالث هو عدد من العناصر المتطرفة التي تسعى إيران إلى تهريبهم إلى الجنوب الإسرائيلي المعروف بجباله الوعرة وتضاريسه الصعبة.

وليس سرًّا أن أحد أسباب عدم لجوء التنظيمات المتطرفة إلى الجنوب الإسرائيلي المُطل على خليج العقبة هو التباعد الجغرافي بين المناطق الجبلية في الجنوب وبين المناطق المأهولة؛ ما يعني صعوبة قيام التنظيمات المتطرفة باستهداف المستوطنات والمدن الإسرائيلية، كما فضلت الجماعات المسلحة دومًا الوجود داخل قطاع غزة أو على الشريط الحدودي، عن الوجود داخل الجنوب الإسرائيلي بسبب محدودية دقة صواريخها؛ ما يعني أن وجودها في الجنوب قد لا يحقق لها الضرر المرجو إذا قررت استهداف أي من المستوطنات الجنوبية، على عكس وجودها في القطاع الذي يضمن لها الفعالية في تحقيق أضرار لدى الجانب الإسرائيلي رغم عشوائية إطلاق الصواريخ.

ويعد إمداد إيران للجماعات المتطرفة بصواريخ متوسطة وطويلة المدى، على غرار ما فعلته مع الحوثيين في اليمن، دافعًا لتلك الجماعات من أجل الدخول إلى الجنوب الإسرائيلي، ويعد مجرد وجود جماعات موالية لإيران داخل إسرائيل نقلًا للمعركة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.

استعادة قوتها الناعمة
تسعى إيران من خلال حركة «الصابرين» لاستعادة قوتها في المنطقة، والتي فقدتها بخوضها الحرب إلى جانب النظام السوري، إضافة إلى دعمها العسكري لميليشيا الحشد الشعبي في العراق، وتحريضها للحوثيين على الانقلاب على الشرعية اليمنية في 2014؛ ما جعلها تقف ضد التطلعات الشعبية العربية التي عكفت على الادعاء بدعمها لهم منذ الثورة الإيرانية في 1979.

واستطاعت إيران أن تكتسب قوتها الناعمة من خلال خطابها السياسي الرافض للمفاوضات مع إسرائيل، ودعمها للخيار المسلح كوسيلة لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة.

إضافة إلى ذلك، عمدت إلى استغلال التحالفات العربية مع الغرب، واعتماديتها عليه في تأمين احتياجاتها الأمنية -من خلال صفقات السلاح الكبيرة والقواعد العسكرية الأجنبية- كوسيلة لاختراق المكون الشعبي العربي الداعم لفكرة التأمين الذاتي، والرافض للهمينة الغربية على مقدراته من بوابة الأمن.

وقد ظهرت نتائج هذه السياسات بوضوح في الحرب التي خاضها «حزب الله» اللبناني ضد إسرائيل في 2006، حيث رسخ الحزب صورته بصفته المدافع عن لبنان ضد الاعتداءات الإسرائيلية، مستغلًا حيادية الجيش اللبناني في تعميق صورته كمقاوم لإسرائيل.

وفي سياق موازٍ، يمكننا أن نقول إن إيران دأبت على تمثيل أكبر تهديد للدول الخليجية، بصفتها الفاعل الرئيسي في النظام العربي، من أجل إجبارها على اللجوء إلى القوى الغربية، ومن ثم إفقاد النظام العربي ككل مصداقية أي خطاب داعم للقضية الفلسطينية؛ ما مكّن إيران من استقطاب الميول السياسية للمواطن العربي، الداعم لفلسطين، بعد أن رسخت في ذهنه صورتها كدولة مناوئة للإمبريالية الغربية التي تمثلها إسرائيل والولايات المتحدة، والتي يعجز النظام العربي عن مواجهتها.

واستطاعت إيران تطويع قدراتها العسكرية لخدمة خطابها السياسي؛ حيث حملت كل عملية إطلاق لصاروخ بالستي مُطور المدى رسالتين، أحدهما إلى الغرب وحليفه إسرائيل بقدرتها على الرد على أي عدوان على أراضيها، بينما استهدفت الثانية المواطن العربي من خلال نظرية «العدو المشترك» التي حملها الإعلان؛ ما يعني وقوف إيران في نفس الجانب مع دول المنطقة في حالة تعرضها لأي اعتداء خارجي.

ورغم أن الممارسات على أرض الواقع تثبت عكس ذلك، حيث دعمت إيران الغزو الأمريكي للعراق من أجل إسقاط خصمها آنذاك، الرئيس الراحل صدام حسين، والذي خاض معها حربًا ضارية لمدة ثماني سنوات في ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن الخطاب السياسي العنيف الذي تنتهجه إيران ضد الغرب نجح في إبراز صورتها كدولة مقاومة.

وقد أزعج إيران فقدانها لقوتها الناعمة في المنطقة، والذي حدث بعدما كُشفت طائفية سياساتها الخارجية وزيف صورتها الممانعة من خلال الدور التدميري الذي لعبته قواتها المتمثلة في الحرس الثوري والميليشيات الموالية له -منها ما هو باكستاني وأفغاني- في سوريا والعراق؛ حيث دأبت هذه القوات على القيام بعمليات قتل خارج إطار القانون، وتهجير طائفي ضمن عمليات تغيير قسرية للتركيبة السكانية لبعض المدن، وقد حدث هذا في العديد من المناطق السكانية، مثل كفريا والفوعة، إضافة إلى حلب وغوطة دمشق الشرقية، والزبداني.

وتسببت أعمالها العدوانية في إحداث خلل في أدوات قوتها الناعمة؛ ما جعلها في حاجة ماسة للبحث عن بديل يُعيد لها قوتها المفقودة مرة أخرى، ولم تجد إيران أفضل من القضية الفلسطينية، والتي تُعد بوصلة لكل العرب على اختلاف توجهاتهم لتمارس نشاطًا عسكريًّا يعيد لها مكانتها المفقودة.

ولهذا، ترغب إيران من خلال حركة «الصابرين» الشيعية والتي تؤمن بولايه الفقيه أن تعيد رسم صورة إيجابية لها في الأوساط العربية مرة أخرى، خاصة أن «حزب الله» لم يعد قادرًا على أداء هذا الدور بسبب جرائمه في سوريا، وتدخلاته في عدد من البلدان العربية.

مراجع
1- سكاي نيوز عربية، حركة الصابرين.. ذراع إيران في غزة، https://www.skynewsarabia.com/video/1018245-%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%86-%D8%B0%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%95%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%BA%D8%B2%D8%A9

2- العرب، حركة الصابرين حجر آخر من أحجار اللعبة الإيرانية يظهر في غزة، https://alarab.co.uk/%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%86-%D8%AD%D8%AC%D8%B1-%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%AD%D8%AC%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%8A%D8%B8%D9%87%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%BA%D8%B2%D8%A9

3- جريدة الرياض، مجموعة سيوف الحق تتبني مسؤولية الاعتداء على مكاتب العربية في غزة، http://www.alriyadh.com/219778
Arik Agassi, in Sinai: ISIS grows with Iran’s help, The Tower, http://www.thetower.org/article/in-sinai-isis-grows-with-irans-help/

4- سعد العنزي، خلية العبدلي: تفاصيل إدانة حزب الله والحرس الثوري الإيراني، العربية نت، https://www.skynewsarabia.com/middle-east/807001-%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D9%84%D9%8A-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%95%D8%AF%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%95%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A

شارك