مبادرات «الصلابي».. تاريخ من المراوغات لتلميع إخوان ليبيا
الإثنين 01/أكتوبر/2018 - 09:03 ص
طباعة
عبدالهادي ربيع
تحاول قيادات جماعة الإخوان في ليبيا المراوغة السياسية بشأن الأحداث الأخيرة، التي ضربت العاصمة طرابلس، بعد مهاجمة ميليشيات «لواء الصمود» بقيادة صلاح بادي للعاصمة واشتباكها مع الميليشيات المسلحة (تشكيلات عسكرية تتبع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا)، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 111 شخصًا وإصابة المئات، إذ قدمت نفسها في صورة حمامة السلام التي تبحث عن حلٍّ سلمي، ووقف لإطلاق النار.
وخرج زعيم جماعة الإخوان الروحي «علي الصلابي»، داعيًا إلى مبادرة جديدة للتوصل إلى ما أسماه بـ«حل سلمي»، تقوم على دعم جهود مؤسسات المجتمع المدني الـ16 في طرابلس، داعيًا رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج والمبعوث الأممي، غسان سلامة، إلى فتح حوار بين المتخاصمين في طرابلس.
وتجاهل الفريقان المتقاتلان مبادرة «الصلابي»، إلا أن وسائل إعلام ألقت الضوء عليها، خاصة المقربة من الإسلاميين والتابعة لهم، مثل قناة «النبأ» المملوكة لعبدالحكيم بلحاج أمير الجماعة الليبية المقاتلة السابق، والموضوع على قوائم الإرهاب، الذي سبق وتوسط له «الصلابي» لدى سيف الإسلام القذافي عام 2008، لإخراجه مع قيادات إسلامية أخرى من السجون.
الهجوم على طرابلس.. الميليشيات تتلاعب بمستقبل العاصمة الليبية
تاريخ من الفشل
وليست هذه هي المبادرة الوحيدة، التي قدمها علي الصلابي للحل منذ بداية الحرب الليبية في أعقاب ثورة 17 من فبراير 2011، لكن تاريخه في هذه المبادرات مليء بالفشل، فطرح «الصلابي» مبادرة مشابهة للمرة الأولى في مايو 2013، بشعار «رؤية للحل»؛ لبدء حوار وطني بين الأطراف المعنية، وهي المؤتمر الوطني العام والحكومة المؤقتة وكتل المستقلين في المؤتمر الوطني وتحالف القوى الوطنية وحزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان في ليبيا، إلى جانب مَن وصفهم بـ«شخصيات وطنية»، إلا ان هذه المبادرة لم تفضِ إلى حل.
وفي أبريل 2015 ومع بدء الحديث عن توقيع اتفاق سياسي في مدينة «الصخيرات» المغربية برعاية أممية، انساق «الصلابي»، في الجو العام المؤيد للاتفاق، فطرح مبادرة جديدة مشترطًا أن لا ترتبط بالجسمين الرئيسيين في الأزمة: مجلس النواب الليبي والمؤتمر الوطني العام، داعيًا لإجراء انتخابات تشريعية تنهي الانقسام السياسي، وعقد لقاءات مع ممثلين سياسيين وعسكريين بالعاصمة التونسية، داعيًا لتوقيع الاتفاق على إصدار قانون العفو العام الذي يشمل كل المقاتلين المشاركين في المواجهات إلا أن السياق العام للمجتمع السياسي الليبي رفض المبادرة مبهمة الأهداف.
ونفذ برناردينو ليون المبعوث الأممي إلى ليبيا حينها مخططه لتوقيع اتفاق الصخيرات دون الالتفات إلى مبادرة الصلابي، ولم يرضَ «الصلابي» عن نتائج الاتفاق رغم ما مثله من نجاحات لخدمة غالبية الإسلاميين، وعلى رأسهم جماعة الإخوان، فأعلن «الصلابي» مبادرة جديدة فى 28 ديسمبر 2016، عبر مؤتمر وطني للسلام والمصالحة الشاملة يقوم على الحوار بين رئيس «المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني» فائز السراج، وبين معارضي الاتفاق السياسي أمثال حزب العدالة والبناء التابع لجماعة الإخوان يرأسة محمد صوان، وحزب الوطن التابع للجماعة المقاتلة الذي يترأسه عبدالحكيم بلحاج، وتحالف القوى الوطنية والمجلس الأعلى للقبائل الليبية، وقادة الميليشيات المسلحة.
تجديد البعثة الأممية.. ليبيا الحائرة بين الفشل الدولي والتناحر الداخلي
فشلت المبادرة أيضًا وهو ما عبَّر عنه عضو لجنة الدفاع والأمن بمجلس النواب الليبي طارق الجروشي، في تصريح صحفي، معتبرًا أنها محاولة تشويش والتفاف على أدوار الدول التي تحاول حل الأزمة، إذ تضع المبادرة مجلس النواب الليبي وهو الهيئة الشرعية في البلاد، والحكومة المنبثقة عنه في نفس الكفة، وعلى قدم المساواة مع التيارات غير الشرعية، وهو ما ذكره في مذكرة رسمية لمجلس النواب.
ولم تمثل هذه المبادرة رؤية فردية للصلابي بل سبقها اجتماع مع رئيس الديوان في الرئاسة الجزائرية أحمد أويحيى (بصفته أمين عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي الجزائري)، وزعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي في بيته، بتنسيق من الأخير، وفقًا لإذاعة شمس التونسية.
وعلى نفس الطريقة من طرح المبادرات الفاشلة لتقديم جماعة الإخوان بشكل رسمي ودمجها الفعلي في العملية السياسية، قدم الصلابي في أواخر سبتمبر 2017، مبادرة لتشكيل ما يُسمى «الجمعية العمومية لتكتل السلام والمصالحة الوطنية»، بمدينة ترهونة 80 كلم جنوب شرق العاصمة طرابلس في أكتوبر من العام نفسه، ولكن أخطر ما جاء في المبادرة أن هدفها الرئيسي عقد اجتماع يضم 100 شخصية ليبية في إسطنبول، لجرِّ المباحثات الليبية بعيدًا عن الجهود الأممية والعربية لحلِّ الأزمة، يتم انتقاؤهم من مؤتمر ترهونة، لكن المبادرة فشلت إذ تعذر عقد هذا المؤتمر، فقد رأى مراقبون أن «الصلابي» يدعو إلى التدخل التركي السافر في الأزمة الليبية، فلم ينل حضورًا مطلوبًا ولا نتائج ملموسة تجعل من مقترحه لتأسيس «تكتل السلام والمصالحة» قابلًا للتنفيذ.
للمزيد:
إسلاميو ليبيا.. أحلام العودة «الفاشلة» عبر «منفذ الإخوان»
«تنتوش».. «بوسطجي بن لادن» ومهندس عمليات «الليبية المقاتلة»
مبادرة ميتة
يعلق محمود غريب الباحث المتخصص في الشأن الليبي، على مبادرة «الصلابي» بالقول: إنها مبادرة ليس لها أي معنى، وأن أي مبادرة تقوم على الحل السياسي في ليبيا مصيرها الفشل .
وأكد «غريب» في تصريح لــ«المرجع»، أن مصير أي مبادرة للحل في ليبيا لا تعتمد على الحل الأمني، لا قيمة لها، مشيرًا إلى أن الميليشيات المسلحة لا تهتم بالحلول السياسية؛ لأن أغلبهم مرتزقة ولا يفهمون لعبة السياسة والمفاوضات.
واعتبر أن علي الصلابي، طرفًا غير محايد في عملية التوافق السياسي في ليبيا لانتمائه إلى جماعة الإخوان الذين يسعون إلى تخريب البلاد.
وأضاف، أنه لابد من دخول الجيش الليبي في أي مفاوضات قادمة، ولابد من وضع المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي، كأحد أطرافها، منبهًا إلى أن اتفاق «الصخيرات» فشل لاعتماده على الحلِّ السياسي فحسب، في حين لا يستطيع أحد من القوى السياسية الليبية السيطرة على الميليشيات؛ لأن أغلبها يسعي لتحقيق مصالحه فحسب، مدللًا بخرق ميليشيات «لواء الصمود» لاتفاق الزاوية لوقف إطلاق النار في طرابلس في اليوم التالي لتوقيع الاتفاق، ومهاجمته للمؤسسات النفطية.
وكشف الباحث المتخصص في الشأن الليبي، أن تركيا وقطر تقفان بشكل كامل وراء مبادرات «الصلابي»، معتبًرا أنه يحاول إنقاذ جماعة الإخوان؛ نظرًا للخسائر التي يتلقونها في مصراته وطرابلس.
يذكر أن علي محمد محمد الصلابي (مواليد عام 1963) يُعد الزعيم الروحي لجماعة الإخوان في ليبيا، باعتباره وريث يوسف القرضاوي وتلميذه المقرب، وتجمع «الصلابي»، علاقات وطيدة بالجماعات الإسلاموية في ليبيا من قيادات «الجماعة الليبية المقاتلة»، وتنظيم القاعدة، وموضوع على قائمة الإرهاب في الدول العربية المقاطعة لقطر.
إقرأ أيضا.. «آل الصلابي».. عائلة الإرهاب الممولة من قطر في ليبيا