في الرسالة الأخيرة لبطاركة الشرق الكاثوليك: داعش صناعة غربية!

الثلاثاء 06/نوفمبر/2018 - 12:49 م
طباعة في الرسالة الأخيرة روبير الفارس
 
سياسة الدمار الغربية في الشرق هي نفسها التي سببت بقتل وتهجير الملايين من بلداننا بما فيهم المسيحيون.وبهذه السياسة نفسها ظهر الإرهاب واستقرّ في بلداننا وارتدّ على الغرب نفسه الذي ولَّده“.هكذا وبوضوح تام  قالها النائب البطريركي للاتين في الأردن المطران وليم شوملي عند شرحه لمفهوم الدولة المدنية، بحسب ما جاء في رسالة مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك الأخيرة، تحت عنوان “مسيحيو الشرق اليوم:مخاوف وآمال“، خلال مؤتمر “رؤى أردنية للدولة المدنية” بتنظيم من المركز الكاثوليكي للدرسات والإعلام ومؤسسة كونراد أديناور الألمانية.

وقال المطران شوملي في مداخلته: “كرّس البطاركة الفقرة ١٢من رسالتهم الأخيرة للحديث عن الدولة المدنية، علمًا بأن الرسالة قصيرة وتمتد إلى ١٩فقرة فقط. ولكي نفهم كلام البطاركة لا بدّ من وضعه في الإطار الجغرافي والسياسي والديني. في العنوان الرئيسي هي موجهة إلى مؤمنينا في شتى أماكن إقامتهم. إذًا الرسالة موجهة إلى كل المؤمنين الكاثوليك الشرقيين في الدول العربية، لا بل وفي العالم كله، أعني الأقباط والموارنة والسريان والروم الكاثوليك والكلدان والأرمن واللاتين المتواجدين في الدول العربية. كما أن الرسالة موجهة إلى بلداننا وجميع مواطنينا من مسيحيين ومسلمين ودروز، وإلى حكوماتنا وإلى أصحاب القرار السياسي في الغرب الذين يريدون أن يخلقوا في شرقنا شرقًا جديدًا ويزعمون أن قدراتهم المادية والعسكرية تجيز لهم التصرف بمقدراتنا.لهذا السبب الرسالة مترجمة إلى الفرنسية حتى تصل من خلالها إلى اللغات الأوروبية الأخرى.وبناءً على المستهدفين الثلاثة فإن الرسالة مقسمة الى ثلاثة فصول:إلى مؤمنينا، إلى الحكام والمواطنين، وإلى صانعي السياسة في الغرب“.

وحول الإطار السياسي للوثيقة، قال المطران شوملي: إن“الرسالة مكتوبة عام ٢٠١٧، أي قبل اندحار داعش في سوريا، وفي الخلفية الدمار والموت والتهجير والتكفير الذي خلفته وراءها الدولة الإسلامية والصراعات الطائفية التي سيّست الدين و أولجته في قوالب قاتلة.تقول الوثيقة في المقدمة: ’لكنا مسيحيون ومسلمون نُقتل ونُهجر في العراق وسوريا وفلسطين وليبيا واليمن.ولم يبقى بلد عربي يعرف السلام والإستقرار‘.ينسب البطاركة الدمار الذي حصل بسبب التدخلات الأجنبية، لقد تمت التضحية بالإنسان وبشعوب المنطقة في سبيل مصالح أجنبية.ومرّت معظم بلداننا بمرحلة دمار أحدثتها قوى داخلية، تسندها أو خططت لها قوى خارجية.بدأ الدمار بالعراق ثم سوريا وبتفكك الأوضاع في مصر.أما الأردن ولبنان تعيشان تحت تهديد دائم.إن سياسة الدمار الغربية هذه في الشرق هي نفسها التي سببت بقتل وتهجير الملايين من بلداننا بما فيهم المسيحيون.وبهذه السياسة نفسها ظهر الإرهاب واستقرّ في بلداننا وارتدّ على الغرب نفسه الذي ولَّده“.

تابع سيادته: “وُلد الإرهاب إذ لجأ صانعو السياسة أنفسهم في الغرب إلى أداة تنفيذ فعّالة لتغيير وجه الشّرق.فأوجدوا مع أحلافهم في المنطقة داعش، بمواد بشرية محلّية من عندنا، بما في النفوس من تطرّف وسوء فهم لدينهم.بعبارة أخرى ضروا الناس بتدينُّهم.وفي داعش بلغ التطرف الديني أقصى حدود القسوة واللاإنسانية.وفي هذا الدمار، قال الكثيرون ومنهم صانعوا القرار في الغرب:المسلمون المتطرّفون قتلوا المسيحيين وقضوا على المسيحيّة في الشرق.نعم، الظاهر هو هذا.هم متطرِّفون مسلمون الذي قتلوا مسيحيين ومسلمين أيضًا (سنّة وشيعة)، ويزيديّين، وعلويّين، ودروزًا، وكل من عارضهم.أما القاتل الحقيقي فهو أصحاب القرار في الغرب وحلفاؤهم في المنطقة الذين يريدون خلق شرق أوسط جديد، بحسب رؤاهم ومصالحهم“.

وقال المطران شوملي: “ثم يلغي البطاركة المسؤولية أيضًا على التربية الدينية في البيت والمدرسة والجامعة. أولاً:دور رجال الدين، دور حاسم في التربية، في البيت والمدرسة أيضًا وفي كلّ المجتمع. لأن البيت أيضًا في حاجة اليوم الى تنقية من كل المواقف الرافضة للآخر المختلف في دينه، ومن الأحكام المُسبقة المتناقلة.يجب أن تمرّ العائلة بمرحلة تنقية وتبديل في الذهنيّات والمواقف من الآخر. يجب أن يحدث تبديل في الذهنيّات والمواقف في المجتمع كلّه.المجازر والحروب الأهلية ووحشيّة الأخ تجاه أخيه في هذه السنوات الماضية، التي لم تنتهِ بعد، تقتضي تنقية وتبديلاً وانتقالاً من الموت إلى الحياة. ثانيًا:القاتلون باسم الله الباقون حتى الآن، أو الذين يربُّون قاتلين افتراضيين بطُرق التربية القديمة، يجب أن يبدّلوا هم أيضاً ممَّا في أنفسهم، ليكتسبوا روحاً جديدة، ويربُّوا رجالاً ونساءً قادرين على المحبّة واحترام الآخر المختلف في دينه. ثالثًا:المربّي هو أيضًا مدارسنا وجامعاتنا ووسائل الإعلام.تربية تقول إننا كلُّنا متساوون في الإنسانية والكرامة التي منحنا إياها الله.يجب على المسؤولين في المدراس الخاصة والرسمية أن يطرحوا على أنفسهم السؤال:أي نوع من المؤمن، المسيحيّ أو المسلم أو الدرزي، نُعدّ؟ وأي نوع من المواطن نُعدّ؟ وأي مستقبل نُعدّ للوطن؟ كيف نربّي؟ هل نربّي لبناء وطن متماسك متراصّ بجميع الإختلافات في الديانات أو الأحزاب السياسية، أم نربّي على روح طائفية وحزبية، ونُعدّ لحروب أهلية باسم الدين أو الحزب؟ وأي نوع من المؤمنين نريد؟ نريد مؤمنين ومواطنين، محبِّين وأقوياء، لايستقوون على أحد بأحد، ولا يسمحون أن يتسضعفهم أحد، قوّتهم في مقدرتهم على المحبّة، وعلى إيقاف كل اعتداء عليهم أو على غيرهم“.

أضاف: “وضمن تشخيص الأزمة يواصل البطاركة قولهم بأن هنالك تيارات دينية لا تقبل المساواة بين المؤمنين في الديانات المختلفة وما زالت غير مستعدة لبناء الدولة المدنية ورافضة لمفهوم المواطنة المتساوية.وما زال التطرف الديني والميل الى الاقصاء في قلوب الكثيرين…ما زال في واقعنا اليوم عصبيات طائفية تقسم بين المؤمنين باسم الله الواحد والمحب لجميع خلائقه على أي دين كانوا.وما زلنا نرى في واقعنا القتل باسم الله.ويدعو البطاركة أهل الشرق أن يأخذوا مصيرهم بيدهم ليبنوا دولهم على أسس جديدة إنطلاقاً من خبرة مريرة لا حاجة الى وصفها.وبدون شك فإنه في ذهن بطاركة الشرق الكاثوليك الأخطاء الكثيرة التي ارتكبت في الغرب عندما تحالف الدين والدولة وكان الإمبراطور يحكم باسم الله والبابا كان رجل سياسة، واختلط الدين بالسياسة والحابل بالنابل.وكم سقط في اوروبا من ضحايا للحروب الدينية بسبب الرغبة في تسيس الدين!والى أمد قريب كان الكاثوليك والبروتستنت في ايرلندا في صراع مرير.نعم إن الدين براء منهم ولكنهم في الواقع كانوا يسيسون الدين ويقتلون بناءً على الهوية الدينية“.

وبحسب الفقرة ١٢من رسالة بطاركة الشرق الكاثوليك، فإن الدولة المدنية، تابع النائب البطريركي للاتين في الأردن يقول، “تقوم على مساواة بين المواطنين ولا يفرق شيء بين مواطن ومواطن، لا الديانة ولا أي سبب آخر.يتمتع الكل بنفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.الفصل بين الدين والدولة، ويعني ذلك عدم تسيس الدين لخدمة مصالح معينة.وفي الدولة المدنية، فإن الدولة تحترم الأديان والحريات وتسهر على عدم تحول الدين الى طائفيات دينية أو سياسية.وهذا يتطلب تربية جديدة على الحياة السياسية لتكوين مواطنين جدد غير منغلقين على ذاتهم بل منفتحين وقادرين على معانقة اخوتهم واخواتهم جميعاً والعالم كله“.

وحول دور القيادات الدينية في علاقتها مع الدولة، قال المطران شوملي: “تترك للدولة سلطتها واستقلالها في شؤونها تهديها وترشدها بمبادئ الأخلاق العامة.وتساعد الدولة للهداية ولتأييد كل عمل عادل وتوسس لحياة سالمة مطمئنة في الجماعة وترفع صوتها لتدافع عن الفقراء والمظلومين.أما القيادات الدينية فتدافع عن الحريات، وتعلم المؤمن كيف يستعمل حريته.تعلم أن الحرية ليست للتفريق بين مؤمن ومؤمن ولا لهدم الجماعة ولا لظلمها بل لبنائها“.

وأضاف: “يقر البطاركة بأهمية وفاعلية الدور الذي يقوم به رجال الدين في التربية.ولهذا نحن بحاجة الى تربية جديدة، لتكوين إنسان جديد.الدولة مسؤولة، والكنيسة مسؤولة، والمسجد مسؤول.كل رجل دين في كل دين مسؤول.نحن بحاجة إلى تربية جديدة مرسَّخة على قواعد الرحمة والمحبة، وعلى قواعد المساواة والكرامة الواحدة التي منحها الله كل إنسان.بتربية إنسان جديد يولد مؤمنون يرون الله سبحانه خالقًا رحيمًا ومحبًا للبشر.ويولد مجتمع جديد فيه عدل وحريّة وتعاون.وبتربية إنسان جديد، تولد دولة جديدة لكل مواطنيها، أيًا كان دينهم“.

وخلص المطران شوملي إلى القول:إن“التربية الدينية السليمة، للمسيحيّ والمسلم والدرزي، لكل واحد في دينه، تمكن من بناء مشروع وطني جديد حيث الكلّ إنسان والكلّ مواطن، والكلّ مؤمن في دينه مخلص له.المشروع الوطني يبني وطناً للجميع وفوق الجميع.هذا شعار معروف نادَينا به وننادي به.ولكنه حتى الآن لم يتحقق بعد.لأن الوحدة والمساواة ما زالتا غير مكتملتين بعد.ما زال هناك تفرقة وتفضيل مواطن على مواطن بسبب دينه أو بسبب حريّته.بل ما زال هناك اعتداءات ودماء، وما زال هناك تعذيب في السجون بسبب الحريات.يجب أن نتذكّر الشرور التي فينا حتى لا ننسى أننا لم نبلغ الكمال بعد، بل علينا حتى الآن واجب تربية وتنقية يجب أن نقوم به.نحب بحاجة الى تربية دينية ومدنّية جديدة تربّي المؤمن فتقول له إنك أولاً إنسان وخليقة ربّك، وكل إنسان آخر هو مثلك خليقة الله.كلنا بالخلق أخوة، وكلُّنا في الوطن سواء“.

شارك