الذئاب المنفردة وقوة الخطاب.. آليات داعش لبناء نفسه

الأربعاء 07/نوفمبر/2018 - 02:55 م
طباعة الذئاب المنفردة وقوة حسام الحداد
 
"الذئاب المنفردة" مصطلح سياسي يطلق على أشخاص يقومون بهجمات بشكل منفرد دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما، كما يطلق هذا الوصف أيضًا على هجمات فردية تنفذها مجموعات صغيرة من شخصين إلى خمسة كحد أقصى. وقد تتبنى هذا النوع من الهجماتِ المنفردة جماعاتٌ مسلحة من بينها تنظيم الدولة "داعش"، مثلما حصل في تبنيه لهجوم باردو في تونس وهجوم أورلاندو في أميركا.

دلالة المفهوم

بالعودة إلى أصول تسمية "الذئاب المنفردة" يظهر أنها غير مرتبطة فقط بـ"الجماعات الإرهابية الإسلامية"، فهي تعبر عن أي شخص يمكن أن يشن هجوما مسلحا بدوافع عقائدية أو اجتماعية أو نفسية أو مرضية أو سياسية، كما فعل اليميني المتطرف أندريه بريفيك في النرويج 2011 حين قتل العشرات احتجاجًا على سياسة بلاده في مسألة هجرة الأجانب إليها.
ويقول الخبراء الأمنيون: إن المقصود بهذا المصطلح الاستخباري هم الأفراد الذين ينفذون عمليات قتل بشكل انفرادي دون وجود بنية تنظيمية توجهها وتخطط لها، أو يتحركون بتأثير من دعاية تنظيم ما، ولكنهم ليسوا مكلفين بهذه المهمة من قبل قيادته بأي طريقة. وغالبا ما يكون هؤلاء أشخاصا عاديين لا يثيرون ريبة في حركاتهم وسلوكهم.
للمزيد عن الذئاب المنفردة اضغط هنا
هل تعود الذئاب المنفردة مرة أخرى لعملياتها الإرهابية في تونس؟
تلك الاستراتيجية التي تحاول "داعش" العودة بها إلى تصدر الساحة الإرهابية مرة أخرى فقد يعتمد على تبني فكرة الدفع نحو زيادة الهجمات الإرهابية خارج مناطق سيطرته عبر "الذئاب المنفردة" مستخدمًا في ذلك الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، هذا بالإضافة إلى الدعوة إلى إرهاب المواطنين عبر الخطف، حيث رُصد في العراق -عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي شهدتها العراق- زيادة في نسب عمليات الخطف في الفترة من مايو إلى أغسطس بتسجيل ما يقرب من 130 حالة اختطاف لشخصيات عامة ومواطنين. 
أما على مستوى قوة الخطاب فهو يحاول أن يقوم بعملية تقزيم لمعجم الحركات الإرهابية على الساحة، لإظهار نفسه في الصدارة ليس هذا فقط بل يقوم أيضا بتكفير بعض هذه التنظيمات او اتهامهم بالردة إذا قامت هذه التنظيمات بمراجعات ما او توصلت لاتفاق مع حكومات بلد توجدها لنبذ العنف وهذا ما أشارت بوابة الحركات الإسلامية له في قراءتها لأخر اصدارات تنظيم "داعش" من صحيفة النبأ.
ففي الإصدار الأخير من صحيفة "النبأ" اللسان الناطق باسم تنظيم الدولة "داعش" والمنبر الإعلامي الوحيد للتنظيم المنتظم في الصدور كل يوم خميس، جاء محملا كالعادة بكم هائل من الأكاذيب الذي يستخدمها التنظيم للترويج لنفسه في أوساط الشباب الناطق بالعربية.
وما لفت الانتباه في هذا الإصدار هو اتهام تنظيم الدولة "داعش" بالردة والتكفير لحركة طالبان وغيرها من الحركات الإرهابية التي قامت بعمل مراجعات حتى ولو صورية وألقوا أسلحتهم وتوقفوا عن القتال لتحقيق مكاسب سياسية ما.
مصدرين بيانهم بقوله تعال: "وَلَن تَرْضَٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَ النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ" (البقرة: 120 ). تلك الآية التي نزعت من سياقها النصي والتاريخي لاستخدامها في نشر العداوة والكراهية والتحريض ضد الأبرياء أيا كانوا، وبعيدا عن مناقشة الآية ومعناها ومغزاها والسياق التي نزلت فيه، فان تنظيم الدولة "داعش" وغيره من الحركات والتنظيمات الإسلامية انا تستخدم آلية اجتزاء النص من سياقه لتكييفه حسب مصالحها وان تنوعت هذه المصالح.
ما يهمنا هنا هي الخطوة التي قام بها تنظيم الدولة بإطلاق حكم الردة على هذه التنظيمات مما يعد مؤشرا لحرب جديدة بين هذه التنظيمات و"داعش" حول امتلاك الدين مما يغير من طبيعة المعارك في المستقبل القريب والهدف منها جذب الشباب الأكثر راديكالية وتشددا في هذه التنظيمات لتنظيم "داعش".
الذئاب المنفردة وقوة
قول البيان: "فبات الخطاب الخارجي لتلك الفصائل يحرص على تجنب الحديث عن تطبيق الشريعة الإسلامية على الأرض، وتطمين الغرب بأن ذلك لن يحدث، وكذلك طمأنة أجهزة المخابرات أننا رهن الإشارة والسمع والطاعة، سعيا لاستمرار التمويل وطمعا في الزيادة، -فكانت النتيجة المتوقعة منذ البداية- تسليم تلك الفصائل أسلحتها وحل نفسها والندم على ما خاضوه من تجربة فاشلة".
للاطلاع على البيان اضغط هنا
وفي قراءة لتلك الأوضاع أصدر مرصد الفتاوي التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية تقريرًا حول استراتيجيات داعش نحو إعادة تنظيم نفسه من جديد، وذلك تحت عنوان "داعش ومحاولات النجاة عبر اللامركزية وتفويض الصلاحيات" رصد فيه أبرز محاولات تنظيم داعش للظهور والعودة مرة أخرى عبر مسارات عدة.
وأوضح التقرير أن تنظيم "داعش"، منذ أن تم تضييق الخناق عليه، اعتمد على استراتيجية للانسحاب التكتيكي لصالح التمدد في أماكن أخرى والانتشار في مساحات بديلة وتوظيف آليات مغايرة للتجنيد والاستقطاب، حيث لن تكون هذه مجرد خلايا نائمة بقدر ما هي اندماج في كيانات بديلة، عبر محاولة إقامة تنظيمات أخرى تشبه التنظيم الأم، وتندرج بعد ذلك تحت رايته.
وبيَّن التقرير أن التنظيم اعتمد على نمط اللامركزية في الانتشار والتمدد، وذلك من خلال تجميع الفارين من التنظيم لأنفسهم وتكوين كيانات وتنظيمات أخرى تسير على نهج التنظيم الأكبر، مبينًا أن هذه العناصر شكَّلت تنظيمات تحت أسماء عدة كتنظيم الرايات البيضاء، وأنصار البخاري، وأنصار الفرقان، وهي تنظيمات من المتوقع أن تكون هي الوريثَ الشرعي لتنظيم داعش. ويحاول التنظيم عبر هذه الخطوة أن يعود للسيطرة وخلق مؤيدين له لأن التنظيم كان قد بالغ في التكفير وعمليات سفك الدماء بصورة كبيرة جعلت الكثيرين من المنضمين له ينشقون عنه. 
 وأشار التقرير إلى أن تنظيم داعش بات يبحث عن طرق عديدة للعودة مرة أخرى إلى السيطرة وبسط النفوذ، وهو التحدي الأكبر الذي يواجه كافة دول العالم في كيفية التصدي وكشف محاولات التنظيم للعودة من جديد، حيث تشير التقارير والدراسات إلى أن التنظيم اتجه نحو التحالف مع تنظيمات متطرفة للبحث عن مناطق بديلة من أجل التمدد والانتشار، بل سيكون أكثر إجرامًا، وفقًا لما صرح به وزير الخارجية الأمريكي السابق "ريكس تيلرسون".
  وذكر التقرير أن التنظيم بعد أن فقد عددًا من قياداته في المعارك والاغتيالات التي نفِّذت ضدهم تعرض إلى هزات داخلية جعلته يدخل في حالة من التخبط؛ نظرًا لأهمية هذه العناصر في هيكله التنظيمي، وهو ما دفع بالتنظيم إلى توزيع المهام والمسئوليات على أفراد أقل خبرة من قيادات الصف الأول، حيث عمل على تفويض مسئولية صنع القرار إلى مستويات أدنى للقادة المحليين من التنظيم، حيث إن التنظيم عانى في الفترة الأخيرة من تصدعات هيكلية داخلية، ودبت الانقسامات الداخلية بين عناصره، وهو ما يعني أن داعش أصبح يواجه تهديدات خارجية وداخلية معًا.
وأضاف التقرير أن تنظيم داعش توسع في استخدام الإنترنت، ليس فقط بهدف الاستقطاب، بل بهدف التوظيف والقيادة وتوزيع المهام والمسئوليات وفقًا لما عرف بـ "الخلافة الافتراضية"، وقد أورد التقرير في هذا الجانب عمليات بيع تتم للتنظيم عبر الإنترنت، وهي وسيلة للتنظيم بات يعتمد عليها في استقطاب المقاتلين خاصة من الخارج، وبالتالي صار بالإمكان لأي شخص إتمام البيعة في أي مكان عبر منصاته عبر مواقع الإنترنت، كما أن هذه المنصات سوف توفر للتنظيم  ملجأ في العالم الافتراضي يمكنه من مواصلة تنسيق الاعتداءات والإيحاء بها ونشر أفكاره وتغيير قياداته.
وأفاد المرصد في تقريره أن داعش اعتمد على تبني فكرة الدفع نحو زيادة الهجمات الإرهابية خارج مناطق سيطرته عبر "الذئاب المنفردة" مستخدمًا في ذلك الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، هذا بالإضافة إلى الدعوة إلى إرهاب المواطنين عبر الخطف، حيث رُصد في العراق -عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي شهدتها العراق- زيادة في نسب عمليات الخطف في الفترة من مايو إلى أغسطس بتسجيل ما يقرب من 130 حالة اختطاف لشخصيات عامة ومواطنين.
وأكد التقرير على أن عودة قوة تنظيم "داعش" مرتبطة بشكل كبير بقدرته على استحداث فصيل جديد من التنظيم الأم، وفي هذه الحالة سيأخذ التنظيم وقتًا لحين القدرة على السيطرة والتمدد، خاصة أن التنظيم واقعيًّا خسر مناطق استراتيجية كانت تحت سيطرته.


شارك