الإخوان المسلمون وإيران.. تاريخ أسود من الإرهاب والدماء
الجمعة 23/نوفمبر/2018 - 02:39 م
طباعة
حسام الحداد
من المعروف أن سياسة الجمهورية الإيرانية مناهضة للسنة بشكل عام، ولكن مع ذلك لا يوجد لديها أدني مشكلة لإقامة تحالفات إستراتيجية وتكتيكية مع أعدائها من السنة طالما تخدم مصالحها الخارجية، ويمثل تعاون إيران مع الإخوان المسلمون، أحد أكبر التنظيمات السنية في العالم، والذي يحمل أيضا خلافات أيديولوجية مع الجمهورية الإسلامية.
بداية العلاقات
وتعود بداية العلاقات الإخوانية الإيرانية، إلى العام 1938 وحتى الآن، فقد كشفت وثائق تاريخية عديدة، بقيام روح الله مصطفى الموسوي الخميني عام 1938، بزيارة المقر العام لجماعة الإخوان، وتشير هذه الورقة إلى لقاء خاصّ تمّ بين المرشد الأول للجماعة حسن البنا و روح الله مصطفى الخميني، الذي أصبح فيما بعد الإمام آية الله الخميني مفجر الثورة الإيرانية.
وعندما تبنى الأزهر الشريف سياسة التقريب بين المذاهب، زار رجل الدين الإيراني محمد تقي القمي مصر، والتقى حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، وشارك الرّجلان في اجتماعات التقريب بين المذاهب، كما زار "نواب صفوي"، مؤسس الحركة الشيعية الثوريَّة "فدائيان إسلام" المناوئة لحكم الشاه آنذاك- مصر بدعوة من الإخوان المسلمين.
فلم يرحب فقط الإخوان المسلمون بظهور الجمهورية الإسلامية في إيران في أعقاب ثورة 1979، ولكن إيران احتفت أيضا بحماس بالغ بصعود الإخوان المسلمين في مصر ليس هذا فقط بل شاهدنا التقارب القطري الايراني في ظل الأزمة العربية مع قطر، والتي ترعي وتآوي أبرز قيادات الإخوان الهاربين من مصر في أعقاب ثورة 30 يونيو والتي سقط فيها النظام الإخواني أنذاك.
وينظر الأخوان إلي إيران في 1979 باعتبارها نصرا لرؤيتهم، وأول حكومة إسلامية منذ انهيار الخلافة العثمانية، فقد أيدت جماعة الإخوان، الثورة الإسلامية في إيران منذ اندلاعها لأنها قامت ضد نظام حكم الشاه رضا بهلوي الذي كان منحازاً للعدو الصهيوني، فإن إيران تنظر أيضا إلى تصدير الإخوان المسلمين للثورة باعتباره نجاحا.
وفي العديد من تصريحاتهم يقول الإخوان المسلمون إن أدبياتهم تركز على فكرة الإسلام الشامل والتقارب بين مذاهبه، لكن الفكرة في الواقع تتعدى كونها نظرية دينية طيبة، فما أظهرته التجارب والوقائع وخاصة في العلاقة المشبوهة، التي ربطت جماعة الإخوان منذ نشأتهم بنظام الملالي في إيران، يؤكد وجود ما هو أبعد من ذلك في أدبيات هذا التنظيم.
إخوان مصر وإيران
وتأكدت العلاقة بين الإخوان وإيران، من خلال تقارير عالمية ، ووثائق وشواهد علي ذلك، وكان أخر تصريح للأمين العام السابق للجماعة الإسلامية في لبنان، فتحي يكن، عندما قال إن "مدارس الصحوة الإسلامية تنحصر في 3 مدارس هي مدرسة حسن البنا ومدرسة سيد قطب ومدرسة الإمام الخميني، وكذلك تصريحات علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية عندما قال مرة، إن الإخوان هم الأقرب إلى طهران بين كافة المجموعات الإسلامية، موقف يناقض تماما حالة التوتر المذهبي في المنطقة.
ومن بين التاكيدات علي العلاقات بين إيران والإخوان، هي صمت الإخيرة عن الاعتداء على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في قم عام 2016، وقبل ذلك بثلاث أعوام ، في فبراير 2013، استضاف الرئيس المعزول آنذاك محمد مرسي نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد، خلال قمة إسلامية عقدها في القاهرة، بعد مظاهرات عمت البلاد ضد حكمه، حينها خطب نجاد في الأزهر الشريف معبرا عن عمق العلاقة بين الجانبين، ومعتبرا ضمنا، أن مصر باتت بوابة تدخل إيران إلى المنطقة.
ولم تكن زيارة نجاد للقاهرة الوحيدة حينها، فشخصيات استخباراتية وعسكرية عدة زارت مصر خلال فترة حكم الإخوان، لعل أبرزها زيارة قام بها الجنرال قاسم سليماني، بعد طلب مرسي المساعدة من إيران سرا، لتعزيز قبضة الإخوان على السلطة، وفي ثلاثينات القرن الماضي، زار الخميني الذي أصبح فيما بعد مرشدا أعلى، الأراضي المصرية ، والتقى مع المرشد الأعلى لجماعة الإخوان حسن البنا
ويقول خبراء إن طهران طالما استغلت العلاقة السيئة بين الإخوان وحكومات بلدانهم، بهدف استقطابهم، في مصر وتونس واليمن والعراق وأماكن أخرى، وحتى في سوريا، التي كان فيها النظام السوري حليفا لها، والتي استغلت إيران علاقتها الجيدة معه لتتوسط لديه للإفراج عن عدد كبير من قيادات الإخوان وكوادرهم من السجون، مع بدايات الأزمة السورية.
وكانت بداية علاقات إخوان مصر مع إيران، بعد وصول الخميني للسلطة في إيران 11 فبراير 1979، كانت من أوائل الطائرات التي وصلت مطار طهران واحدة تحمل وفداً يمثل قيادة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وتناقلت الألسن وسط المعارضة السورية آنذاك أخبار بأن الوفد طرح على الخميني مبايعته خليفة للمسلمين إن قبل ببيان يصدره يقول "بأن الخلاف على الإمامة في زمن الصحابة مسألة سياسية وليست ايمانية”.
تقول الرواية بأن الخميني تريث ووعدهم بالإجابة لاحقاُ، وعندما صدر الدستور الجديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي يقول بـ المذهب الجعفري مذهباً رسمياً.. وبولاية الفقيه نائباً عن الإمام الغائب”، كان من الواضح ماهي إجابة الخميني.
التقارب الإيراني للإخواني
وعقب 25 يناير 2011 ازداد التقارب الفعلي بين جماعة الإخوان وإيران، من خلال توجيه آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران تحية إلى ثوار التحرير، واصفا إياهم بأنهم أبناء حسن البنا، وهي إشارة صريحة وقوية إلى طبيعة العلاقة بين أبناء البنا وأبناء الخميني، واعتبر الدكتور علي أكبر ولايتي وزير الخارجية الإيراني الأسبق والمستشار الأعلى لمرشد النظام الإيراني علي خامنئي، أن الإخوان المسلمين هم الأقرب إلى طهران بين المجموعات الإسلامية كافة ، وقال: "نحن والإخوان أصدقاء، ونقوم بدعمهم، وهم الأقرب إلينا عقائدياً بين جميع الجماعات الإسلامية".
وكانت إيران أول المهنئين بفوز محمد مرسي الرئيس المعزول، وقد كانت هناك خطب عديدة في صلاة الجمعة بإيران، وأغلبها تعبر عن موقف رسمي دعا المصريين إلى التقارب الإيراني المصري بانتخاب مرسي باعتبار ذلك واجباً دينياً، لا يُعفى منه أحد.
هذا، وكان الاخوان المسلمون في مصر مستمرون على تأييد الحكم الجديد الإيراني، وقد سيَروا مظاهرات كبرى ضد استضافة الرئيس السادات لشاه إيران في مصر، ثم أيدوا إيران في حربها ضد العراق، وفي عدد مجلة ”كرسنت”،المسلمة الكندية، بتاريخ 6 كانون أول 1984 يقول المرشد العام للجماعة عمر التلمساني:” لا أعرف أحداً من الاخوان المسلمين في العالم يهاجم إيران”. كان هناك استثناءات لهذا عند الفرع الاخواني السوري الذي كان خارجاً للتو من مواجهة ضارية (1979-1982) مع نظام الحكم السوري الحليف لإيران، وإن كان هذا ليس رسمياً، وإنما في كتابات لأحد قيادات الاخوان في سوريا هو الشيخ سعيد حوا.
ولطالما كان المرشد الأعلي، علي خامنئي، وجه بترجمة أثنين من كتب حسن البنا وسيد قطب، إلى اللغة الفارسية، ما يشير إلي التقارب الإيراني الإخواني وإثارة إعجابه بجماعة الإخوان ورؤيتهم الإرهابية، وكان يمثل كتاب سيد قطب "في ظلال القرآن"، الذي صدر في الستينات من القرن الماضي، أحد المفاتيح المهمة لفهم اتجاه "ولاية الفقيه"، و"الحكومة الإسلامية"، عند الإمام الخميني في تلك الحقبة، فضلا عن مفهوم "الحاكمية"، كما ترجم المرشد الحالي علي خامنئي وكان وقتها تلميذا للخميني، كتاب سيد قطب "المستقبل لهذا الدين" الذي صدر عام 1966 إلى اللغة الفارسية، وكتب مقدمة للترجمة يصف فيها مؤلف الكتاب، الذي أعدم في السنة ذاتها، بـ"المفكر المجاهد".
وهذا يوضح التشابه بين التشكيلات الحزبية العربية الشيعية وتنظيم الإخوان حتى قيل إن تنظيم حزب الدعوة الإسلامية في العراق الذي تشكل في 1959، هو النسخة الشيعية من تنظيم الإخوان المسلمين من حيث الشكل التنظيمي، والأهداف والمرحلية في العمل الحركي.
ويرى خبراء، أن هناك أزمة حقيقية يعيشها الإخوان وإيران أنهم يفكرون بعقلية القرون الوسطى في القرن الحادي والعشرين، يحلمون بالخلافة الإسلامية التي سقطت فعليا بظهور الدولة القومية الحديثة قبل أربعة قرون، وليس في عام 1924، فقد تم الربط بين زيارة الرئيس الإخواني المخلوع محمد مرسي إلى إيران، وفكرة زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن عن الجبهة العالمية لقتال الصليبيين واليهود.
والتاريخ بين جماعة الإخوان المسلمين والجمهورية الإيرانية، يحمل في طياته كافة أشكال الإرهاب والدماء والعنف الذي استخدمته الجماعة الإرهابية بمباركة من جمهورية الشر الإيرانية علي مدار الأعوام السابقة وكافة أعمال العنف والإرهاب التي شهدتها المنطقة طيلة الفترة الماضية، لعل كان أبرزها التفجيرات الإرهابية التي قامت بها جماعة الإخوان في مصر بعد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي.