حركة الشباب واستهداف المساجد ورجال الدين
الإثنين 26/نوفمبر/2018 - 02:48 م
طباعة
حسام الحداد
لا تزال حركة الشباب الصومالية تمثل تهديدا وتحديا لأمن دول القرن الإفريقي، وخاصة الصومال وكينيا وإثيوبيا. وعلى الضفة الأخرى تتواصل جهود دولية وإقليمية للحد من هجماتها أو القضاء عليها نهائيا، وذلك بعد تزايد هجماتها خارج الصومال ورغم كل الجهود الدولية التي تبزل للحد من هذه الهجمات الا انه قام مسلحين وانتحاريا يقود سيارة ملغومة من حركة الشباب الصومالية المتشددة اليوم الاثنين 26 نوفمبر 2018 باقتحام مركزا دينيا في وسط الصومال وقتلوا رجل دين و14 من أتباعه على الأقل، على خلفية اتهام الحركة لرجل دين صومالي بالإساءة للنبي رغم عدم حدوثه، وأُخرجت الحركة من مقديشو عام 2011 ومن أغلب المدن والبلدات لكنها أبقت على وجود قوي خارج العاصمة واستمرت في شن هجمات وتفجيرات في إطار حملة للإطاحة بالحكومة الاتحادية.
وقال النقيب نور محمد من الشرطة من بلدة جالكعيو ”انتهت العملية (الأمنية) الآن. الشباب قتلت 15 شخصا منهم رجل الدين وزوجته وأتباعه وحراسه كما قتل ثلاثة من المتشددين الذين اقتحموا المركز.
وأعلنت حركة الشباب مسؤوليتها عن الهجوم وقالت إن عدد القتلى بلغ 26. وقالت إن بعضا من رجال الشرطة الذين استجابوا للهجوم الأول قتلوا كذلك أثناء محاولتهم التخلص من سيارة ملغومة ثانية.
وتحارب حركة الشباب لفرض تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية، وتسيطر الحركة على مناطق صغيرة من إقليم مدج لا تشمل جالكعيو.
وتعليقا على هذا الحادث الإرهابي أدان الأستاذ الدكتور شوقي علام – مفتي الجمهورية – العملية الإرهابية وأكد مفتي الجمهورية – في بيان له – أن جماعات التطرف والإرهاب تسعى دائمًا إلى التخريب وسفك دماء الأبرياء، لإثارة الفتن وزعزعة الأمن والاستقرار في البلدان. وتوجه المفتي بخالص العزاء إلى الشعب الصومالي وأسر الضحايا، داعيًا الله أن يتغمدهم برحمته ويلهم أهلهم الصبر والسلوان.
ويذكر انه في 10 سبتمبر 2018 قبل يوم واحد من ذكرى هجمات 11سبتمبر الإرهابية، شنت مليشيات الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة هجوما انتحاريا استخدمت فيه سيارة مفخخة على مسجد فى مديرية هدن وسط العاصمة الصومالية مقديشو، وذلك في مسلسل التفجيرات الارهابية التي تضاعف المليشيات المتطرفة وتيرتها فى الصومال مستهدفة المصلين وأماكن العبادة طوال الأشهر القليلة الماضية بصفة مكثفة وبدرجة لاتكشف النقاب عن انتماءها الوهمي للإسلام فحسب، وإنما عن فقدانها الكامل لروح الحياة والقيم الإنسانية نهائيا.
كما استهدفت في وقت سابق سيارات مفخخة لمليشيات الشباب الارهابية على مسجدين مختلفتين في مديريتي هدن وهولوداغ التابعتين للعاصمة مقديشو، حيث اسفرت تلك التفجيرات الارهابية عن مقتل عشرات الصوماليين وجرح العديد منهم، فيما دمرت كلا المسجدين بشكل كامل.
ويعتبر استهداف مليشيات الشباب الإرهابية للمساجد في الصومال نقلة أمنية نوعية، إذ أثبتت انها لم تتمكن من مواصلة هجماتها الارهابية على المؤسسات الحكومية ولا على مقرات القوات الأفريقية في مقديشو، بل بالعكس من ذلك لم يكترث فرع تنظيم القاعدة فى الصومال من استهداف الأسواق والمدنيين والأماكن المكتظة بالسكان وأماكن العبادة بالذات.
تأتي الحوادث الاجرامية الأخيرة التي من خلالها استهدفت مليشيات الشباب الارهابية على المساجد، في سياق محاولاتها الفاشلة في زعزعة الأمن واستقرار البلاد وإثارة الفتن وإثبات وجودها على الأرض ومنع المسلمين من أداء الصلوات المفروضة عليهم جماعيا وتعطيل المساجد وتحويلها نحو بقعة مهجورة ومحظورة أمنيا.
حركة شباب المجاهدين
تم تأسيس حركة الشباب المجاهدين كوسيلة للحماية الذاتية بسبب الشعور بالاستياء من المنظمات الجهادية القائمة، والمنشقة عن اتحاد المحاكم الإسلامية، حيث كانت الذراع العسكري له، بعد رفضها انضمام الاتحاد إلى ما يعرف بـ"تحالف إعادة تحرير الصومال"، بعد الهزيمة الأخيرة أمام القوات التابعة للحكومة الصومالية المؤقتة، واعتبرت الحركة أن التحالف انحراف عن المنهج الإسلامي الصحيح؛ لأنه يضم بين صفوفه علمانيين، كما أنه لا يتفق مع مبادئ حركة الشباب، التي تؤكد عدم التفاوض مع المحتل الإثيوبي، بالإضافة إلى رفضها التعامل مع الحكومة الانتقالية، واصفة لها بالعمالة والانضواء تحت الأهداف والرغبات الغربية والإقليمية.
وللأسف لا يوجد تاريخ محدد لنشأة الحركة فيما تفيد بأنها تأسست في العام ما بين عامي 2003، 2006، وذلك التضارب يرجع إلى كونها بدأت كشبكة حرة، قبل أن تتخذ طابعاً رسمياً في وقت لاحق لتصبح تنظيماً، واتخذت الحركة طريق المقاومة وحرب العصابات ضد القوات الإثيوبية التي تكبدت خسائر فادحة، حتى استغاث الرئيس الإثيوبي مليس زيناوي بالمجتمع الدولي لانتشال قواته من المستنقع الصومالي، وبذلك حظيت حركة الشباب بشعبية كبيرة بين الصوماليين.
ليكون أول ظهور علني لاسم حركة الشباب المجاهدين عام 2006، عقب سيطرة اتحاد المحاكم الإسلامية على العاصمة مقديشو، ومعظم مناطق وسط وجنوب الصومال، وكان للشباب المجاهدين نفوذ قوي في المحاكم الإسلامية، حيث كان معظم الميليشيات المسلحة التابعة لتلك المحاكم، تحت قيادات عسكرية من شباب المجاهدين، وكان أمير حركة الشباب الشيخ مختار أبي زبير والمعروف أيضا بأحمد عبدي جودان، يشغل آنذاك منصب الأمين العام للمكتب التنفيذي لاتحاد المحاكم الإسلامية، وكان في العاصمة معسكر لتجنيد وتدريب المقاتلين الجدد.
ضمت الشبكة مع بداية تأسيسها أعضاء حاليين وسابقين من تنظيم القاعدة في شرق إفريقيا، وحظي المحاربون القدامى من أفغانستان بامتيازات داخل الحركة بناء على علاقاتهم الواضحة بينهم وبين تنظيم القاعدة؛ لتكون هذه هي بداية العلاقة بين الحركة والتنظيم.
بحلول عام 2005، كانت شبكة حركة الشباب المجاهدين قد قويت كتنظيم وشاركت في حملات للسيطرة على مقديشيو في ذلك الوقت، والذي عرف بـ"شبح الحرب في مقديشو"، وقامت الحركة بدعم المحاكم الشرعية ضد القادة العسكريين.
تسلمت الحركة السلطة لدى امتداد المحاكم الشرعية في العام 2006، لكنها كانت مجرد مجموعة واحدة من بين مجموعات كثيرة داخل هذا التحالف، وبالطبع لم تكن الأقوى، واتسمت حركة الشباب المجاهدين بأنها أكثر اتحادا من المجموعات الأخرى، خاصة وأن الذي كان يقودها آنذاك هو عبد الله سودي أرال، الذي اعتقلته الولايات المتحدة لاحقا، وأرسلته إلى خليج جوانتانامو.
أما عضو حركة الشباب الأكثر دهاء في أمور وسائل الإعلام، وعلى الرغم من ميله إلى عدم إظهار وجهه في الصور، فهو "آدم حاشي عيرو"، على الرغم من إنكار الحركة كونه قائدا فيها.
نجحت حركة الشباب المجاهدين في تعزيز موقعها ونفوذها ضمن نظام المحاكم الشرعية الإسلامية، وشغلت منصب نيابة القيادة في جيش المحاكم الشرعية، وقامت بجمع تبرعات بين الشتات الصومالي، وتسلمت مسئوليات في أنشطة الصحة وعمل الشبيبة ضمن التحالف، ولكن مع دخول القوات الإثيوبية نهاية عام 2006، ودحرها لسلطة المحاكم في مقديشو أخذت حركة الشباب المجاهدين فرصة قوية لإثبات وجودها ومبررات لفرض أجندتها الجهادية، حيث توفر لهم المبرر الكافي لحمل السلاح واستخدامه في وجه العدوان الإثيوبي.
وبحلول منتصف 2007، انفصلت الحركة عن باقي المحاكم الشرعية، مصرحة عبر وسائل الإعلام أنها "لم تعد تحارب كمقاومة، بل إنها تخوض جهادا مسلحا ضد ما سمته "العدوان الإثيوبي"؛ الأمر الذي يتعارض مع التحالفات التي كانت المحاكم الشرعية قد قامت بها مع العلمانيين والمسيحيين، ومع مشاركة نساء متزوجات من رجال غير مسلمين في المعارضة، وتزامن في ذلك الوقت تولى أحمد عبدي جودان قيادة الحركة.
استطاعت الحركة على الصعيد الميداني تحقيق مكاسب على الأرض، وأسست ولايات إسلامية في معظم مناطق وسط وجنوب الصومال، وخضع لسيطرتها ثلثا مساحة أحياء العاصمة مقديشو من 2009 وحتى أواخر عام 2011.