باحثة في جامعة هارفارد: الهجمات الإرهابية القادمة على الغرب تأتي من القوقاز

الأحد 06/يناير/2019 - 01:48 م
طباعة باحثة في جامعة هارفارد: حسام الحداد
 
كثيرة هي الدراسات المهتمة بما بعد "داعش" وقد انشغل عدد من الباحثين الغربيين والعرب بمحاولة الإجابة على سؤال مهم عن وجهة "داعش" بعد اقتراب زوالها نهائيا من العراق والشام خصوصا بعد الانتصارات المتتالية التي تحققها المؤسسات الامنية في العراق وسوريا لمكافحة التنظيمات الإرهابية، وبعيدا عن هذا السؤال المحوري تحلق فيرا ميرونوفا الباحثة الزائرة في قسم الاقتصاد بجامعة هارفارد، في فضاء مواز ففي تقرير نشرته مجلة فورن بوليسي الأميركية، أن “التهديد الحقيقي يأتي من مكان أبعد إلى الشرق، من الاتحاد السوفييتي سابقا وما بعده، مؤكدة أن "هذا هو الخطر الذي يجب مراقبته في عام 2019".
يؤكد ذلك حسب قول الباحثة أن العديد من الهجمات الإرهابية التي استهدفت بلدانا أوروبية خلال السنوات الأخيرة والتي قام بها إرهابيون قادمون من بلدان الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا تراجعت مقابل تهديد أكبر مصدره المنحدرون من جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا، خاصة تلك التي تعيش فيها المجتمعات المحلية المسلمة اضطهادا أو أوضاعا اجتماعية واقتصادية سيئة.
وقد تزايد النشاط الإرهابي المعادي للغرب الذي مصدره ارهابيون ينحدرون من جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا، خاصة أن سوريا شكلت لوقت قريب أول جبهة خارج إقليم شمال القوقاز للمقاتلين الشيشانيين. وفي المقابل تراجعت الأعمال والهجمات التي ينفذها إرهابيون ينتمون إلى منطقة الشرق الأوسط بشكل ملحوظ. هذا التحول في طبيعة التهديدات الإرهابية تعتبره الباحثة في جامعة هارفارد فيرا ميرونوفا خطرا حقيقيا جديدا يجب متابعته عن كثب والتصدي له خلال العام الحالي، بالنظر إلى التطور الكبير في عقيدة المتشددين في البلدان التي كانت في السابق تتبع الاتحاد السوفييتي والتي تعود بالأساس إلى القتال في صفوف تنظيم داعش، حيث تغيرت أيديولوجياتهم من قضايا محلية محدودة إلى قضايا أشمل تتعلق بمحاربة الغرب بشكل عام.
وكان الإرهابيون في الشرق الأوسط مشغولين للغاية بالصراعات المحلية في العراق وسوريا واليمن خلال السنوات الماضية، لكن تنظيم الدولة الإسلامية تراجع بعد هزيمته شبه الكاملة في العراق وسوريا. وفي المقابل، ارتفع نسبيا النشاط الإرهابي المعادي للغرب القادم من منطقة ما بعد السوفييت. ولم يكن الرئيس فلاديمير بوتين يرى في تنظيم داعش تهديدا مباشرا لروسيا، لكنه حذر من وجود مواطنين من القوقاز وآسيا الوسطى يقاتلون في سوريا، كما أن موسكو أدرجت هذا التنظيم ضمن قوائم الإرهاب الروسية.
 ويقدر عدد هؤلاء ما بين 400 و700 مقاتل، ينقسمون إلى قسمين أساسيين: الأول من الطلبة الشيشانيين الذين كانوا يدرسون العربية والدين الإسلامي في الدول العربية. والثاني، شيشانيون قدموا من وادي بانكيسي، شمال شرقي جورجيا، وقسم قليل جاء من الشيشان التي تحكم بجهاز أمني قوي من قبل قاديروف.
وتوضح ميرونوفا أن المتطرفين في البلدان التي كانت تتبع في السابق الاتحاد السوفييتي، والذين كانوا يشعرون بمظالم محلية، أصبحوا يديرون انتباههم إلى الغرب.
وفي عام 2017، توافد ما لا يقل عن 8500 مقاتل من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق إلى سوريا والعراق للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية. هذه التجربة جعلت هؤلاء الجهاديين يتذوقون طعم محاربة أميركا وقوات الناتو، وتركتهم يبحثون عن الانتقام، مقتنعين بأن الغرب يجب أن يكون هدف الهجمات القادمة.
وحولت حروب الشرق الأوسط المتطرفين المتحدثين باللغة الروسية، الذين ركزوا في السابق على محاربة حكوماتهم الظالمة محليا، إلى إرهابيين دوليين.
ومع تزايد اضطهاد المسلمين في قارة آسيا، فإن فرص تحول تلك المظلوميات إلى مظلوميات دولية تتزايد أيضا.
ولقد جعل إهمال الحكومة وقمع المسلمين المتدينين في كازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان منهم أهدافا جذابة للمتطرفين الذين يبحثون عن مجندين جدد.
وتعيش الأجيال الجديدة في شمال القوقاز حالة اغتراب جعلتها عرضة لتأثير الأيديولوجيا الجهادية، في ظل إضعاف الحركات القومية في المنطقة نتيجة السياسات الروسية، حيث أن الجهاديين طالما سعوا إلى إيجاد موطئ قدم لهم في شمال القوقاز، منذ تراجع دور المقاتلين العرب في الشيشان عام 2003.
وخلال الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، كان المتحدثون باللغة الروسية من دول الاتحاد السوفييتي السابق قد ارتكبوا بالفعل العديد من الهجمات الكبرى في الغرب.
وتضمنت تلك الأحداث أحداثا بسيطة، مثل الهجوم بشاحنة على المشاة عام 2017 في نيويورك وفي ستوكهولم- وقام رجلان من أوزبكستان بالهجومين- بالإضافة إلى عمليات أكثر تعقيدا أيضا، مثل التفجير الانتحاري في 2016 في مطار إسطنبول -الذي تم ترتيبه من مواطن روسي- والهجوم على ناد ليلي في المدينة ذاتها الذي قاده أوزبكي.
وترجح الباحثة في جامعة هارفارد أن التهديد الإرهابي القادم من روسيا وخارجها سيزيد خلال السنوات القادمة. وتفسر أنه مع سقوط تنظيم الدولة الإسلامية، استطاع الإرهابيون المتحدثون باللغة الروسية بشكل عام الفرار من العراق وسوريا بسهولة أكبر من المقاتلين ذوي الأصول الشرق أوسطية، وقد عادوا إلى دول الاتحاد السوفييتي سابقا أو إلى أوروبا.
وبإمكان الإرهابيين من دول الاتحاد السوفييتي السابق أن يسافروا بسهولة أكبر بكثير من العرب الذين يحملون جوازات سفر عراقية أو سورية أو يمنية.
ولقد تجاوز الزمن طريقة تفكير الغربيين في ما يتعلق بالإرهاب القادم من الشرق الأوسط، وفق فيرا ميرونوفا، التي ترى أنه مع تغير موقع الإرهاب، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها تحديث استراتيجياتها لمحاربة الإرهاب.
وخلال العقدين الماضيين، ركزت واشنطن على الإرهاب في الشرق الأوسط حيث صرفت الملايين من الدولارات لإيجاد وتدريب الباحثين والمحللين الناطقين بالعربية.
الإرهابيون من دول الاتحاد السوفييتي السابق يستطيعون السفر إلى كل دول العالم بسهولة أكبر بكثير من المواطنين العرب الذين يحملون جوازات سفر عراقية أو سورية أو يمنية
فوفقا للبيانات الواردة من برنامج اللغات الضرورية الذي تديره الحكومة الأميركية، من بين 550 طالبا جامعيا سيتم قبولهم في عام 2019، هناك 105 طلاب يدرسون اللغة العربية و60 فقط سيدرسون الروسية.
ويقول أساتذة مدارس السياسة العليا، مثل كلية هارفارد كينيدي ومدرسة جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة ومدرسة بوش للخدمات العامة والخدمة العامة في تكساس، إن الغالبية العظمى من طلاب الجامعات الذين يريدون العمل في مكافحة الإرهاب لا يزالون يدرسون دراسات الشرق الأوسط واللغة العربية، مقابل عدد قليل من المتخصصين في وسط آسيا.
وإعادة توجيه تركيز الغرب لمحاربة الإرهاب تتطلب إيجاد طريقة تعاون بين الولايات المتحدة وبين روسيا وغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا.
وكانت الشركات الأميركية قد نجحت على مدى السنوات الماضية في إزالة الدعاية الجهادية من منصات التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة، لكن نفس الدعاية لا تزال متاحة على نطاق واسع على التطبيقات باللغة الروسية مثل “في كي” و”أو كي” المنتشرة في دول الاتحاد السوفيتي. وأصبح تطبيق “تليغرام”، الذي أسسه مواطن روسي، أداة تواصل رئيسية للإرهابيين من جميع الخلفيات.
ومن ناحية أخرى، تبين للأجهزة الأمنية أن الهواتف المحمولة التي تمت مصادرتها من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية كانت تعمل بشرائح أوكرانية.
هذه المعطيات تؤكد أن مراقبة هذه الأنظمة وغيرها تتطلب تعاونا عميقا ومشاركة في المعلومات الاستخبارية مع روسيا. وهذا الأمر يطرح تحديات سياسية، إذ لا يبدو هذا التعاون الضروري مرجحا في المستقبل القريب بسبب العداء بين واشنطن وموسكو.
كما تقف مشكلة نوعية المعلومات الاستخبارية عائقا إضافيا أمام تحقيق التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا، فالكثير ممن ينتهي بهم المطاف في قوائم المراقبة الإرهابية المحلية وفي قوائم الإنتربول في جميع أنحاء المنطقة هم في الواقع أعضاء في المعارضة الداخلية.
وفي الوقت ذاته فإن الكثير من الإرهابيين المعروفين لا يتم إدراجهم على القوائم. ومعروف أن روسيا تقدم جوازات السفر للمتطرفين من القوقاز؛ بحجة أن جعل هؤلاء الجهاديين المحتملين يغادرون البلد أسهل من التعامل معهم في داخلها.
وأصبحت المعلومات الاستخباراتية من المنطقة مسيّسة إلى حد كبير، وتستخدم في انتهاك حقوق الإنسان للمواطنين المتدينين أكثر من إيقاف الهجمات الإرهابية الحقيقية، ما يجعل من الصعب معرفة ماذا يمكن للولايات المتحدة أن تفعل بمثل تلك المعلومات.
وتقر فيرا ميرونوفا بأن البلدان الغربية تأخرت في إدراك هذا التحول في مجال الإرهاب، حيث تؤكد أن الولايات المتحدة وحلفاءها يحتاجون إلى إدراك أن الهجمات المستقبلية من المرجح أن تأتي من الشرق أكثر من الشرق الأوسط، وأنه لا يوجد خيار آخر سوى التعاون مع روسيا وجيرانها لوقف تلك الهجمات.
وفي حال فشلت واشنطن في التعاون مع موسكو، تحذر ميرونوفا من احتمال التداعيات السلبية لذلك؛ إما بزيادة الهجمات على الولايات المتحدة وإما بظهور مجموعة إرهابية جديدة من دول الاتحاد السوفييتي في إحدى مناطق الحروب العديدة في العالم.

شارك