مجلس كنائس الشرق الاوسط يهنيء الامارات لدورها الريادي في تعزيز التسامح

الأربعاء 06/فبراير/2019 - 10:30 ص
طباعة مجلس كنائس الشرق روبير الفارس
 
قدم مجلس كنائس الشرق الأوسط التهنئة الي  دولة الإمارات على الدور الريادي الذي لعبته في تعزيز ثقافة التسامح والسلام، والمجلس  يعتبر أن وثيقة الأخوّة الإنسانية التي صدرت من أبو ظبي بتوقيع قداسة البابا فرنسيس، بابا السلام، وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيّب، إمام الإعتدال، شُرعة جديدة للانسانيّة ودستورًا عالميًّا للأمم والشعوب التي تؤمن بالديانات السماوية وتتوق الى الاستقرار والتعايش والسلام.
كما ويدعو المجلس، كنائس الشرق والعالم، والإخوَة المسلمين في العالم العربي والعالم، الى التوقُّف عند البند الذي يعتبر "أن الحوار بين المؤمنين يعني التلاقي في المساحة الهائلة للقيَم الروحيّة والإنسانيّة والاجتماعيّة المشتركة، واستثمار ذلك في نشر الأخلاق والفضائل العليا التي تدعو إليها الأديان، وتجنب الجدل العقيم"، فنحن نؤمن أن القيَم الروحيّة هي جسر العبور الى السلام الحقيقي، ونعتبر أن هذه الوثيقة التاريخية هي دعوة حقيقية للتغيير وشهادة لعظمة الإيمان وروح الله المحبة.
ومازالت صحف العالم تنشر التقارير والتحليلات والمتابعات للزيارة التاريخية التى قام بها البابا فرنسيس للامارات وتوقيعه مع شيخ الازهر وثيقة الاخوة الانسانية 
ونشرت صحيفة الاتحاد  الاردنية تقريرا راصدا لاثار هذه الزيارة الرائعة مما جاء فيه من «دار زايد»، وفي عاصمة التسامح العالمي أبوظبي، سجلت دولة الإمارات العربية المتحدة هذه الأيام بصمة إيجابية في تعزير الحوار بين الأديان، وتصحيح صورة المنطقة العربية، التي طالما تشبعت بتنميط يختزلها في التطرف والإرهاب والنزاعات القائمة على أسس طائفية. قوة الإمارات الناعمة تجلت في أبهى صورها عبر فصول تكتب تاريخاً جديداً في التسامح والأخوّة بين بني البشر. زيارة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفعاليات «المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية» الذي نظمه «مجلس حكماء المسلمين»، برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وتوقيع الوثيقة التاريخية «وثيقة الأخوة الإنسانية- إعلان أبوظبي»، وهي أشبه بشِرعة جديدة للإنسانية من صرح «زايد المؤسس»، ووضع حجر الأساس لمسجد الشيخ أحمد الطيب، وكنيسة القديس فرنسيس في العاصمة الإماراتية، تكريماً لقيادتيْـن دينيتين لهما دور فاعل في تعزيز الحوار، ومنحهما جائزة «الأخوة الإنسانية»، والقداس التاريخي الذي أداه البابا في مدينة زايد الرياضية بأبوظبي.. كلها معطيات جديدة وحصيلة تبقى طويلاً في ذاكرة هذا البلد والعالم أجمع، كي ترفد مسيرة الإمارات الخلاقة بعطاءات في إرساء قيم الأخوّة الإنسانية وقبول الآخر، وتؤكد ترجمة الأقوال إلى أفعال تتجاوز المحلي إلى الإقليمي والعالمي في عام التسامح.
رصيد كبير لا تخطئه العين من مؤسسات وسياسات ومبادرات، بل وإرث إنساني أسس له زايد الخير، كل هذا من أجل هدف واحد: احترام الآخر وقبوله وإرساء ثقافة قبول الاختلاف والتنوع والبحث عن قيم مشتركة تضمن حواراً بين أتباع الديانات والثقافات المتنوعة في رسالة سلام للعالم.
كتابة التاريخ بقلم إماراتي
إنها كتابة للتاريخ بقلم إماراتي، فزيارة البابا هي الأولى لشبه الجزيرة العربية، وهي ترسخ صورة الدولة كوطن للتسامح تتعايش على أرضه 200 جنسية بثقافاتها ومعتقداتها، ونقلة نوعية على صعيد حوار الأديان، استمدت زخمها من التلاقي بين إرادة سياسية إماراتية واعية لديها رؤية وبين سعة أفق البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، بفكره التجديدي وانفتاحه ونهجه الإنساني في الحوار واحتضان الفقراء والمهاجرين واللاجئين، وهو الذي سمى نفسه «فرنسيس»، اقتداء بفرنسيس الإسيزي المعروف باسم «بابا الفقراء». زيارة تحقق الوئام بين نصف سكان المعمورة: مليار ونصف المليار مسلم، ومثلهم تقريباً من المسيحيين الكاثوليك، في إطار رسالة سلام وحوار في عام التسامح، فالزيارة حملت عنوان «يا رب استعملني لسلامك»، وهي صلاة تُنسَب إلى القديس فرنسيس الإسيزي، وتصادف ذكرى المئوية الثامنة على زيارته إلى السلطان الأيوبي الكامل، ما يؤكد رمزية الزيارة ودورها في تعزيز التواصل والحوار بين الديانتين. ومفردات الصلاة: «يا ربْ استعملني لسلامِكَ فأضعَ الحبَّ حيثُ البُغض، والمغفرةَ حيثُ الإساءة، والاتفاقَ حيثُ الخلاف، والحقيقةَ حيثُ الضلال، والإيمانَ حيثُ الشك، والرجاءَ حيثُ اليأسْ، والنورَ حيثُ الظُّلمة، والفرحَ حيثُ الكآبة». ما حدث في أبوظبي الأيام الثلاثة الأخيرة فعالية عالمية كبرى من أجل السلام وضد التطرف والعنف والإرهاب، من أجل أن تعيش الإنسانية كما أرادها خالقها.
«المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية»
أهداف واضحة انعقد من أجلها «المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية»، تمثلت في إرساء ثقافة السلام والتأكيد على قيم الأخوة الإنسانية، وفتح آفاق الحوار، وإزالة ما يعترضها من عقبات، والدعوة لترسيخ قيم التسامح والتعايش، ورفض خطاب الكراهية.
كلمات المشاركين في المؤتمر وإفاداتهم لوسائل الإعلام تؤكد ثمار التسامح والسياسات الرشيدة التي أسست صورة رائعة للإمارات، يُجمع عليها أتباع الديانات كافة، وعلى سبيل المثال يرى القس بيشوي فخري، راعي كاتدرائية الأنبا أنطونيوس بأبوظبي، أن التسامح ثمرة من شجرة المحبة التي رعاها الشيخ زايد، طيب الله ثراه. أما «مايكل شودريش» رئيس حاخامات بولندا، فيقول: «طوال قرون لم يتمكن المسلمون واليهود من أن يتحاوروا إلا نادراً، ومن هنا تتجلى عظمة الإمارات وبُعد نظرِ قيادتها، ليكونوا في مقدمة من يقولون: نريد أن نتحاور، وهذا لا يعني أن علينا أن نتفق بل أن نتحاور.. تعلمت الكثير من البابا يوحنا بولس الثاني، بابا الكنيسة الكاثوليكية الأسبق، وهو بولندي الأصل، ولديه رؤية مفادها: كلما كنت أكثر تعمقاً في دينك استطعت أن تكون أكثر انفتاحاً على أديان الآخرين. قضيتنا جميعاً أن نجعل العالم مكاناً أفضل لأبنائنا وأحفادنا، ولهذا نحن في أبوظبي». ولدى الأب رفعت بدر، رئيس المركز الكاثوليكي بالأردن، قناعة بأن المؤتمر قد فتح صفحة جديدة تخرج من الإمارات مضمونها: الدين سلام.. الدين محبة.. الدين صداقة. وبعدما كنا نتحدث عن العنف والإرهاب نتكلم عن التضامن البشري والكرامة الإنسانية. المصافحة بين شيخ الأزهر وقداسة البابا صورة زاهية للإنسانية.. رسالة أخوّة تخرج من الإمارات. آن الأوان لاستثمار أجواء الانفتاح وصقل هذه الأفكار الجديدة والمنفتحة. وأكد «بدر» أن صداقة شيخ الأزهر مع قداسة البابا لابد من البناء عليها في إطار صداقة بين أتباع الديانات كلها. ولابد من تصميم مناهجنا التربوية بالأسس التي تضمن رعاية فكر ديني سليم. ويشير بدر إلى تجربة الأردن مع «رسالة عمّان» في 2004، التي أكدت رسالة الإسلام كدين سلام، ودعوة الأردن لأسبوع الوئام بين الأديان الذي أقرته الأمم المتحدة عام 2010.
وثيقة «الأخوة الإنسانية»
محتوى «وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك» الصادرة أول أمس من أبوظبي، والتي وقعها شيخ الأزهر والبابا فرنسيس، خطوة عالمية استراتيجية وُلدت من رحم الزيارة البابوية لأبوظبي تؤسس لدور الأديان في حماية السلام العالمي ونشر ثقافة المحبة، وتؤكد الشراكة الكاملة بين الديانتين بحضور قيادتيهما.
وثيقة تتسق مع دعوة الإمارات للتسامح والأخوة الإنسانية في عام التسامح. ولتأكيد هذه الدعوة ليس أبلغ من نص الوثيقة الذي يشير إلى «القناعة الراسخة بأن التعاليم الصحيحة للأديان تدعو إلى التمسك بقيم السلام وإعلاء قيم التعارف المتبادل والأخوة الإنسانية والعيش المشترك، وتكريس الحكمة والعدل والإحسان، وأن الحرية حق لكل إنسان: اعتقاداً وفكراً وتعبيراً وممارسة، وأن التعددية والاختلاف في الدين واللون والجنس والعرق واللغة حكمة لمشيئة إلهية، قد خلق الله البشر عليها، وجعلها أصلاً ثابتاً تتفرع عنه حقوق حرية الاعتقاد، وحرية الاختلاف، وتجريم إكراه الناس على دين بعينه أو ثقافة محددة، أو فرض أسلوب حضاري لا يقبله الآخر. وأن الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح، وقبول الآخر والتعايش بين الناس، من شأنه أن يسهم في احتواء كثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية التي تحاصر جزءاً كبيراً من البشر. لتكن هذه الوثيقة دعوة للمصالحة والتآخي بين جميع المؤمنين بالأديان، بل بين المؤمنين وغير المؤمنين، وكل الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة. لتكن وثيقتنا نداء لكل ضمير حي ينبذ العنف البغيض والتطرف الأعمى، ولكل محب لمبادئ التسامح والإخاء التي تدعو لها الأديان وتشجع عليها».
صورة إعلامية مشرفة
وحتى التغطيات الصحفية الأجنبية التي رصدت زيارة البابا فرنسيس عززت صورة الإمارات كبلد للتسامح، ففي «نيويورك تايمز»، وقبل يومين كتب «جيسون هورويتز»، مدير مكتب الصحيفة في روما، و«ديكلان وولش»، مدير مكتب الصحيفة في القاهرة، عن الأجواء المثالية التي ينعم بها أبناء الأقليات الدينية المُقيمون في الإمارات عبر الإشارة إلى أن عدد المسيحيين بات يناهز مليون نسمة ويتزايد باطراد، رغم أن العدد الإجمالي لأقرانهم في المنطقة يتقلص بفعل الحروب والعنف والتوترات الطائفية المستعرة في دولٍ أخرى.
الصورة مفعمة بالرسائل المشرفة، بساطة البابا فرنسيس وتواضعه، وسيارته التي انتقل بها إلى «صرح زايد» وكلمته الرائعة، ستحفز الملايين من شباب المسلمين في العالم للبحث على شبكة الإنترنت عن هذا الرجل وعن المسيحية الكاثوليكية، والأمر نفسه للكاثوليك الذين سيبحثون عن شيخ الأزهر وعن الإمارات وأبوظبي.. دعوة للقاء والتعارف والتسامح ونبذ التطرف والعنف والإيمان بالاختلاف الإيجابي الثري بمفرداته المتنوعة، دعوة الإمارات صوت الاعتدال والتسامح في الشرق العربي الإسلامي.
لا لتأجيج العنف باسم الدين
وقبل التوقيع على «وثيقة الأخوّة الإنسانية»، كانت كلمتا شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الكاثوليكية ترياقاً لمشكلات كثيرة، مكتنزاً برؤية مستقبلية تنشد عالماً أفضل، ومن كلمة الدكتور أحمد الطيب أقرأ رسائل وازنة تتجه صوب هدف واضح، حيث يقول: أول أسباب أزمة العالم المعاصر غياب الضمير الإنساني وتحكم النزعات المادية والإلحادية والفلسفات البائسة التي سخرت من القيم العليا، والأديان غير مسؤولة عن قتل الناس، بل السياسات التي تستغل الدين، وهناك رجال دين يتم تأويل كلامهم تأويلاً فاسداً.
«الطيب» يدعو إلى وقف استخدام الأديان والمذاهب في تأجيج العنف، علينا ألا ننسى أن المسيحية احتضنت الإسلام وحمته من الوثنية والشرك، وذلك حين أمر النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، أصحابه بالتوجه إلى الحبشة لأن فيها ملكاً لا يظلم أحد في جواره. ومن رسائل شيخ الأزهر للمسلمين: استمروا في احتضان إخوانكم المسيحيين في كل مكان، فهم أقرب الناس مودة إليكم. المبادرات الطيبة والضرورية نحو تحريك الأخوة الإنسانية سوف تؤتي ثمارها، ففي مصر يقول الدكتور الطيب: تم فتح أكبر مسجد وأكبر كنيسة في العاصمة الإدارية الجديدة لترسيخ الأخوة، وذلك بمبادرة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
رسالة لمسيحيي الشرق
الطيب يقول لمسيحيي الشرق: أنتم جزء من هذه الأمة، أنتم مواطنون، عليكم التخلص من مصطلح الأقلية، فأنتم مواطنون كاملو الحقوق والواجبات، وحدتنا هي الصخرة الوحيدة التي تتحطم عليها المؤامرات. ووجه الطيب رسالة للمسلمين في الغرب يدعوهم فيها للاندماج في مجتمعاتهم، وأن يحافظوا على هويتهم الدينية، واعتبر أن أمن هذه المجتمعات يأتي ضمن مسؤوليتهم الشرعية.
ومن كلمة البابا فرنسيس، أركّز على ومضات مفعمة بالرؤية والنصيحة، فهو يؤكد بناء هويات منفتحة تستطيع التغلب على الانغلاق والتصلب، وأن المستقبل في الحوار بين الأديان، ويجب أن نصلي من أجل بعضنا بعضاً، ومن دون الرب ليس هناك شيء ممكن. حان الوقت للأديان أن تقدم نفسها بطريقة فعالة وشجاعة كي تساعد العائلة البشرية على إنجاز المصالحة.. السلام سيحلق ويحتاج لجناحين: التربية والعدالة.. وفي الإمارات الاستثمار ليس في موارد الأرض فقط بل في موارد القلوب أي في الشباب. والمؤسسات الدينية تعزز التربية القائمة على السلام، والشباب بحاجة إلى عدم الاستسلام للإغراءات المادية والأحقاد والظلم وخبرات الماضي، والعدالة هي الجناح الثاني للسلام، لكنها تتآكل ببطء جراء سرطان الظلم. السلام والعدالة لا ينفصلان أبداً.. على عاتق الأديان واجب لا ينبغي إرجاؤه وقف سباق التسلح، والحروب لا تولد سوى البؤس، والأسلحة لا تولد سوى الموت، الأخوة البشرية تتطلب وقف التسلح. لنلتزم معاً ضد منطق القوة المسلحة، والتسلح على الحدود وضد بناء الجدران. لتكن الأديان صوت المهمشين، وتقف بجانب الفقراء.
كلمة البابا تضمنت إعجاباً بالتجربة الإماراتية في النمو والازدهار، فهو يقول: خلال سنوات قليلة تحولت الصحراء إلى مكان مزدهر يجري لقاءات بين الديانات والثقافات، هذا البلد تعانق فيه الرمال ناطحات السحاب، يتقاطع فيه الشرق والغرب والشمال والجنوب، مكان للنمو يقدم فرص العمل لأشخاص من أمم مختلفة.
لحظات تاريخية وخطوات عالمية
إصدار «وثيقة الأخوة الإنسانية» من أبوظبي بتوقيع البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، خطوة رائدة تؤسس للحوار ونبذ التطرف والعنف، الإمارات بقيادتها السياسية رعت هذا اللقاء، والنتيجة ظهور وثيقة رائدة تضم أكبر زعيمين روحين في العالم، مؤتمر كبير استمر يومين، ضم 700 مشارك، و75 متحدثاً من مختلف الأديان والطوائف، وبتغطية إعلامية ضمت قرابة ألف صحفي، قرابة 400 شبكة بث مباشر.. الجميع تواجدوا، والجلسات والورش التي شاركت فيها القيادات الدينية من شتى أرجاء العالم دعت بوضوح للسلام والمحبة وتقبل الآخر. التراث العربي الأصيل نجد فيه الكنائس تجاور المساجد، لكن في فترات التعصب تختفي هذه الظاهرة، اليوم الإمارات تقدم نموذجاً للتلاقي والتسامح والتعايش. تأثير زيارة البابا سينعكس بالإيجاب على المنطقة، ما يعزز العلاقات المسيحية- الإسلامية، وينشر الألفة والمحبة بين الجميع، خاصة في ظل الفتن التي يتم إشعالها.
وعندما يوقع البابا فرنسيس على تدشين مسجد، والشيخ أحمد الطيب على بناء كنيسة، وأن يلقي البابا فرنسيس 4 كلمات في زيارة واحدة، فنحن أمام حدث تاريخي، من أرض قال عنها البابا فرنسيس إنها أرض مباركة. والقداس الذي أداه البابا في مدينة زايد الرياضية هو الأول من نوعه في منطقة الخليج، بمشاركة 135 ألف شخص من داخل الإمارات وخارجها.. إنها رسالة تسامح ومحبة من أبوظبي، من دار زايد، تعزز التقارب بين الأديان والحوار الإيجابي بينها من أجل سلام العالم وخير البشرية.
فلسفة إنسانية الأديان
وأكد عبدالوهاب بدرخان، الكاتب والمحلل السياسي، أن وثيقة الأخوة الإنسانية ستبقى محفورةً في الأذهان، فهي نتاج حوار معمّق تشهد عليه الكلمتان الجامعتان للبابا فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب، إذ إنهما قدّما وبسّطا، كلٌّ من جهته، عصارة فلسفة إنسانية الأديان وتلاقيها بين المسيحية والإسلام. ولاشك أن توقيع الفاتيكان والأزهر على وثيقة مشتركة لمحاربة التطرّف، خلال مؤتمر دعت إليه أبوظبي ورعته واستضافته، مبادرة حضارية ناصعة تتوّج «عام التسامح» الذي اختارته دولة الإمارات شعاراً لها، ووضعت له برنامج فعاليات على مدار السنة.
هذه الوثيقة تثبت أن العالم في حاجة ماسّة إلى إعادة تذكير نفسه بأن للإنسانية ركائز وأسساً لم تذبل ولم تفقد قوّتها ومصداقيتها، وبالتالي ينبغي أن يكون لهذه الوثيقة ما بعدها، لأنها ترمي إلى تعميم ثقافة الحوار، وإلى تنزيه الدين عن الانزلاق به إلى تسويغ العنف والإرهاب. ولعل المناسبة والمكان أتاحا لبابا الفاتيكان وشيخ الأزهر المضي إلى أقصى المنطق التصالحي حين حثّ كلٌّ منهما طائفته على مراجعة نظرتها إلى الآخر. فالبابا اعتبر أن الحرية الدينية لا تقتصر على حرية العبادة بل ترى في الآخر أخاً بالفعل، وأن العدالة تكون مزّيفة إنْ لم تكن كونية وتكون عرجاء وظلماً مقنّعاً إذا كانت فئوية. أما شيخ الأزهر، فقد سجّل للتاريخ نداءين: الأول إلى المسيحيين بقوله «لستم أقلية وأرجوكم أن تتخلّصوا من ثقافة مصطلح الأقلية الكريه، فأنتم مواطنون كاملو الحقوق والمسؤوليات»، والثاني إلى المسلمين في الغرب إذ دعاهم للحفاظ على هويتهم الدينية والاندماج في دولهم المضيفة واحترام قوانينها... حبذا لو يكون لهذه الوثيقة وروحها الصدى العالمي الذي تستحقّه، والسبيل إلى التأثير في السياسات الحكومية.
رمزية البابا فرنسيس
الفاتيكان مرجع أخلاقي عالمي مؤثر في السياسة، ومؤثر في هوية أوروبا، هكذا يصفه د. رضوان السيد. أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية، ولذلك -بالفعل- ساعدنا كثيراً نحن -المسلمين- خلال السنوات الماضية، في الخروج التدريجي من الصورة السوداء التي اشترك فيها البابا السابق، بسبب العنف الذي انتشر، والتطرف الذي أضرنا في ديارنا كثيراً، وأيضاً في العالم. هناك اتجاهات محافظة شديدة في الكنيسة الكاثوليكية نفسها، والبابا الحالي، يقوم بخطوات إصلاحية كبرى، منذ اللحظة الأولى، لدى هذا الرجل وعي كبير، لأنه نشأ في مجتمعات فقيرة في أميركا اللاتينية، ولذلك لديه حساسية تجاه الأخوّة الإنسانية وتجاه مشكلات عالمية غير أوروبية وغير أميركية، وبدأ يؤثر في اللاهوت الكاثوليكي، فحتى اللاهوت الكاثوليكي الجديد منه به كثير من الخصوصيات، بمعنى أنهم يعتقدون أنهم مسؤولون عن هوية أوروبا المسيحية. وينبغي التركيز على أهمية الكاثوليكية، فنحن وهم نشكل ثلث سكان العالم. كل بابا يتخذ لنفسه اسماً غير اسمه الشخصي، ويعودون في ذلك إلى شخصيات تاريخية في الكنيسة، أو شخصيات تاريخية شغلت منصب البابا، مثلاً بيندتكوس السادس عشر، كان قبله من الباباوات 15 يحملون الاسم نفسه، فرنسيس، لم يكن أحد قبله من الباباوات، يحمل الاسم نفسه، واسمه «جورجيو»، وسمى نفسه فرنسيس الأول، نسبة إلى فرنسيس الإسيزي الذي كان قديساً عندهم، وكانوا يسمونه في القرن الرابع عشر «بابا الفقراء» الذي أجرى رحلات طويلة داخل أوروبا وخارجها، وواجه الطاعون آنذاك الذي أودى بحياة الملايين.
نقل عام التسامح إلى العالمية
ويؤكد د. وحيد عبدالمجيد، مدير مركز الأهرام للبحوث السياسية والاستراتيجية، أن زيارة البابا فرنسيس للإمارات خير استهلال لمبادرة عام التسامح، حيث إنها بالفعل قد أضفت طابعاً عالمياً عليها، ونقلت رسالتها إلى المجتمع العالمي الذي تابع هذه الزيارة وشاهد القداس في مدينة زايد الرياضية بأبوظبي، والذي يعد الأكبر منذ قداس تنصيب البابا فرنسيس على الكنيسة الكاثوليكية في ساحة القديس بطرس في 19 مارس 2013 (بعد ستة أيام على انتخابه)، من حيث عدد المدعوين إليه، والمشاركين فيه، فضلاً عن تنوعهم وتعدد أديانهم وعقائدهم، وانتماءاتهم، وخلفياتهم.. في تجسيد واقعي حي وغير مسبوق لمعنى التسامح وروعته. أما الزاوية الثانية، فهي توجهات البابا فرنسيس التي يتبناها ويعبر عنها كل يوم، وليست رمزيته التي تعود إلى موقعه على رأس الكنيسة الكاثوليكية ومكانته لدى المسيحيين الكاثوليك في العالم فقط. فقد تبنى مبدأ التسامح منذ أن كان أسقفاً في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس، ثم رئيساً لأساقفتها، ومسؤولاً عن الكنائس الكاثوليكية في بلده، وقبل أن يصبح أول بابا من أميركا الجنوبية، والأول من خارج أوروبا منذ نحو ثلاثة عشر قرناً، أي منذ عهد البابا جريجوري الثالث 731–741 ميلادية.
الانتصار للإنسانية
رسالة واضحة مكتنزة بالتسامح والأخوة واللقاء ورافضة للتطرف والتعصب والكراهية هي أهم نتيجة لزيارة البابا فرنسيس للإمارات. رسالة تتحول إلى معطيات على الأرض تجسدها وثيقة الأخوة الإنسانية ونصها الداعي للحوار والتلاقي ورفض التطرف، وبوضع حجر الأساس لمسجد وكنيسة متجاورين في أبوظبي، واتضحت عبر كلمات المتحدثين في مؤتمر «الأخوة الإنسانية».. الإمارات، بدعوتها البابا وما تزامن مع الزيارة من فعاليات وأنشطة وخطوات، تنتصر للإنسانية بتنوعها وتعددها الديني والثقافي، وتترجم عام التسامح من رؤية سامية في ذهن القيادة الرشيدة إلى واقع ومبادرة فعلية يشترك فيه العالم كله.
نداءان تاريخيان
شيخ الأزهر سجّل للتاريخ نداءين: الأول إلى المسيحيين بقوله «لستم أقلية وأرجوكم أن تتخلّصوا من ثقافة مصطلح الأقلية الكريه، فأنتم مواطنون كاملو الحقوق والمسؤوليات»، والثاني إلى المسلمين في الغرب إذ دعاهم للحفاظ على هويتهم الدينية، والاندماج في دولهم المضيفة واحترام قوانينها.
ريادة أبوظبي
كلمة البابا فرنسيس في «صرح زايد المؤسس» تضمنت إشادة باحتضان أبوظبي لأول منتدى دولي للتحالف بين الأديان من أجل مجتمعات أكثر أماناً، وكان محوره «كرامة الطفل في العالم الرقمي». المنتدى انعقد في 17 نوفمبر الماضي، وكان امتداداً لرسالة صدرت من روما قبل عام في مؤتمر دولي حظي بدعم البابا وتشجيعه.
فرنسيس الإصلاحي
البابا فرنسيس يقوم بخطوات إصلاحية كبرى، ومنذ اللحظة الأولى لحبريته، لدى هذا الرجل وعي كبير، لأنه نشأ في مجتمعات فقيرة في أميركا اللاتينية، ولذلك لديه حساسية تجاه الأخوّة الإنسانية وتجاه مشكلات عالمية غير أوروبية وغير أميركية، وبدأ يؤثر في اللاهوت الكاثوليكي.

شارك