جماعة الإخوان وإعادة إنتاج "داعش" بعد هزيمتها
الإثنين 25/مارس/2019 - 10:33 ص
طباعة
حسام الحداد
حينما نتحدث عن عنف جماعة الإخوان وارهابها يدعي كثير من المنتمين للجماعة أن الأفكار التي تدعو لاستخدام القوة لتغيير الأوضاع القائمة لا تمثل بنودا أصيلة في المنهج الذي أرساه المرشد المؤسس حسن البنا، وإنما هي مجرد اتجاهات طارئة فرضتها ظروف السجن والتعذيب والتنكيل التي جابه بها النظام الناصري الجماعة وقياداتها، مما دفع الأخيرة ممثلة في سيد قطب لاستحداث فكر العنف والتكفير، وهو الفكر الذي تبرأت منه الجماعة في مرحلة لاحقة كما يزعمون، خصوصا فترة حكم السادات ومبارك، فأدانت الجماعة بالفعل معظم العمليات الإرهابية التي قامت بها جماعات أو حركات خارجة من عباءتها، خصوصا في تسعينيات القرن الماضي.
والمتابع لشأن الحركات الإسلامية والقارئ في أدبيات الجماعة يكتشف زيف هذا الادعاء، ويدرك أن فكرة استخدام القوة والعنف تعتبر من الأفكار الجوهرية التي نهض عليها بنيان المنهج الذي وضع لبناته الأساسية ومنطلقاته الرئيسية المرشد المؤسس. والخلاف بين الأخير وسيد قطب في طريقة استخدام القوة، ليس سوى خلاف في التوقيت والأسلوب وليس في المبدأ والفكرة.
هذا ما تحاول الجماعة احياءه مرة أخرى خصوصا بعد هزيمتها في 30 يونيو 2013، وعزلها من الحكم والممارسة السياسية عزلا مجتمعيا من ناحية، ومؤسسيا "قضائي وأمني" من ناحية أخرى، فقد انتشرت مقالات كثيرة لقيادات في الجماعة تدعو لاستخدام العنف والقوة عبر قنوات السوشيال ميديا "تيليجرام، فيس بوك، تويتر.. وغيرها"، بجانب القنوات الفضائية الخاصة بالجماع والتي تبث من قطر وتركيا، وكذلك عبر المنصات الإلكترونية، والمواقع الاخبارية.
وكان أخر هذه المقالات دعوة صريحة بتبني أفكار وأطروحات السيد قطب في كتابه "معالم على الطريق"، والحكم على المجتمع بالجاهلية والتأكيد على عقيدة الحاكمية، ذلك المقال الذي نشر على موقع التواصل الاجتماعي "تيليجرام"، تحت عنوان "معركة المصحف – أين حكم الله؟"، والذي تم تصديره بآيات قرآنية تم نزعها من سياقها لخدمة أهداف ومصالح الجماعة، تلك الآيات التي تسمى بآيات الحاكمية عند سيد قطب وأبو الأعلى المودودي " وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) /سورة المائدة 5/49-51
ويفسر كاتب المقال هذه الآيات وفقا لمصلحة الجماعة وأهدافها كما قلنا سابقنا بأن "الإسلام دين ودولة ما في ذلك شك. ومعنى هذا التعبير بالقول الواضح أن الإسلام شريعة ربانية جاءت بتعاليم إنسانية وأحكام اجتماعية، وكلت حمايتها ونشرها والإشراف على تنفيذها بين المؤمنين بها، وتبليغها للذين لم يؤمنوا بها إلى الدولة، أي إلى الحاكم الذي يرأس جماعة المسلمين ويحكم أمتهم. وإذا قصر الحاكم في حماية هذه الأحكام لم يعد حاكماً إسلامياً. وإذا أهملت الدولة هذه المهمة لم تعد دولة إسلامية. وإذا رضيت الجماعة أو الأمة الإسلامية بهذا الإهمال ووافقت عليه لم تعد هي الأخرى إسلامية….، ومهما ادعت ذلك بلسانها. وإن من شرائط الحاكم المسلم أن يكون في نفسه متمسكاً بفرائض الإسلام بعيداً عن محارم الله غير مرتكب للكبائر"
في هذا النص المقتبس من المقال لا نجد فارقا كبيرا بين ما يقوله الكاتب وما تنادي به وتتبناه دولة الخلافة "داعش"، فقد قامت داعش وتمددت وارتكبت كل هذه البشاعات والإرهاب والتخريب تحت هذا الشعارات نتيجة تأويلاتهم الخاصة:
- وإذا قصر الحاكم في حماية هذه الأحكام لم يعد حاكماً إسلامياً
- وإذا أهملت الدولة هذه المهمة لم تعد دولة إسلامية
- وإذا رضيت الجماعة أو الأمة الإسلامية بهذا الإهمال ووافقت عليه لم تعد هي الأخرى إسلامية
فقد اخرجت جماعة الإخوان بداية كل الحكام المسلمين من "الإسلام"، هكذا بكل بساطة لا لشيء سوى أن هذا الحاكم أو ذاك لا يحكم حسب رؤية الجماعة، ومن ثم تم إخراج الدولة كلها بمؤسساتها من الإسلام، وبعد ذلك تم إخراج الأمة الإسلامية من الإسلام لا لشيء أيضا سوى أنها لا الأمة ولا الدولة ولا الحاكم يتبنون رؤية جماعة الإخوان، وبالتالي تصبح الدولة والشعب والحاكم في مرمى نيران الجماعة، لأنها الوحيدة كما تعتقد التي تمتلك صحيح الإسلام وما دونها كافر مهدر ماله ودمه وعرضه، فأي تأسيس للإرهاب والعنف بعد ذلك، وأي ادعاء بأن الجماعة لا تمارس العنف ولا تدعو له؟!
ويستطرد كاتب المقال نهجه التكفيري والإرهابي بأن يقول "ولا يكفي في تحقيق الحكم بما أنزل الله أن تعلن الدولة في دستورها أنها دولة مسلمة، وأن دينها الرسمي الإسلام، أو أن تحكم بأحكام الله في الأحوال الشخصية وتحكم بما يصطدم بأحكام الله في الدماء والأموال والأعراض، أو يقول رجال الحكم فيها إنهم مسلمون سواء أكانت أعمالهم الشخصية توافق هذا القول أم تخالفه. لا يكفي هذا بحال. ولكن المقصود بحكم الله في الدولة أن تكون دولة دعوة، وأن يستغرق هذا الشعور الحاكمين مهما علت درجاتهم والمحكومين مهما تنوعت أعمالهم. وأن يكون هذا المظهر صبغة ثابتة للدولة توصف بها بين الناس، وتعرف بها في المجامع الدولية، وتصدر عنها في كل التصرفات، وترتبط بها في القول والعمل"
هكذا يؤكد كاتب المقال على فكرته لتكفير الدولة والمجتمع بشكل عام، حسب قراءته المتواضعة والمغرضة لبعض آيات القرآن التي هي بالفعل قول حق لكنه يريد بها باطل، حيث يخرجها من سياقاتها ويلبسها تأويلا يخدم مصالحة الضيقة وأهداف جماعته التي لا تريد شيء سوى الوصول إلى السلطة، رغم أنها فشلت فشلا زريعا في ادارة السلطة حينما كانت فيها ولم نسمع ولم نرى هذا الحديث الإيماني والدعائي التي تتحدث به الجماعة الأن.
أما بخصوص مسألة الحاكمية والخلافة والتي تناولناها في تقارير سابقة، فلم نقوم بالرد عليها بل سوف نستعين برد أحد العلماء المنتمين للجماعة وهو الشيخ الريسوني رئيس اتحاد علماء المسلمين في تناوله للحديث الذي يحتج به الإخوان ومعهم أردوغان: " عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها. فأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة “.
يكثر الاستشهاد بهذا الحديث على أهمية الدول الإسلامية وعلى أولويتها أو ضرورة استعادتها ضمن حركة التصحيح وإعادة البناء، حيث إن الحديث اعتبر الحكم عروة من عرى الإسـلام.
غير أن هذا الحديث يشير إلى حقيقتين ضمنيتين لا ينتبه إليهما المستشهدون به، وهما:
1 – كون الحكم هو أضعف عروة من عرى الإسلام، لأن الانتقاض والانكسار يصيب أول ما يصيب الجزء الأضعف أو الأقل صلابة من أي شيء. بينما يظل الجزء الأكثر قوة ومتانة صامدا مقاوما لعوامل الهدم والكسر، حتى يكون الأخير بقاء والأخير انكسارا وانتقاضا. فمعنى الحديث أن أضعف ما يعتمد عليه الإسلام في وجوده وبقائه هو الحكم، وأن أقوى ما يقوم عليه و أصلب ما فيه هو الصلاة.
2 – إن الإسلام يمكنه أن يستمر ويستقر وينمو ويمتد حتى مع انتقاض عروة الحكم، بانحرافه أو غيابه. فمن المعلوم أن الله تعالى أنزل دينه “ليظهره على الدين كله” وأنه وجد ليبقى إلى قيام الساعة، فإذا كان سيفقد عروة الحكم في وقت مبكر من تاريخه، فمعنى هذا أنه سيعيش ويستمر قائما زمنا طويلا دون الاعتماد على تلك العروة المنتقضة !
ومصداق هذا التنبيه النبوي وتفصيله وبيانه يوجد في تاريخ الإسلام والمسلمين، من أول قرونه إلى الآن، فقد ترعرع الإسلام واشتد عوده وامتد نفوذه عبر الزمان والمكان بالرغم من انتقاض عروة الحكم. وصان المسلمون عزتهم ومنعتهم وحفظوا بيضتهم وأقاموا حضارتهم وطوروا علومهم، بل وسعوا رقعتهم ونشروا في العالمين دينهم، بالرغم من الانحراف والفساد والوهن في دولتهم وحكامهم وحكوماتهم"
والسؤال الملح هنا على جماعة الإخوان وخاصة الفرع التركي هو "ما جدوى التركيز الأن على مفهوم الخلافة والارتفاع به إلى مقام الدين والنظر إلى المسألة وكأنه لا دين دون خلافة؟
والإجابة تكاد تكون واضحة للجميع فان الأمر ببساطة يصب في مصلحة أردوغان الذي يحلم بأن يكون خليفة عثمانلي جديد ويعيد أمجاد الدولة العثمانية وسيطرتها وهيمنتها على بلاد المسلمين، فالإخوان في تركيا التقطوا حلم أردوغان ويقومون على تحقيقه ليس هذا فقط بل محاولة تنميته وتطويره في الآونة الأخيرة ليس للخلافة نفسها أو لمصداقية طرحهم بل لتكون تركيا ملاذا آمنا لهم لأطول فترة ممكنة.
ان ما تقوم به الجماعة الأن من تبني لخطاب ديني يحض على الكراهية والإرهاب وتكفير الآخر انما يؤكد على مجموعة من الأشياء:
أولا: ان الجماعة في اكثر فترات ضعفها البنيوي والعضوي وأنها فقدت العديد من جهات التمويل والجهات المانحة، نظرا لارتباطها بالإرهاب وان العالم استفاق مؤخرا من كابوس داعش وبدأ يفكر جديا في الحواضن التي خرج منها هذا التنظيم وان الجماعة من بين أهم هذه الحواضن لذا توقفت التمويلات والدعم حتى على المستوى اللوجيستي.
ثانيا: ان الجماعة تعمل الأن على محاولة شغل الفراغ الذي تخلفه داعش، حيث تحاول بهذا الخطاب استعادة العناصر التي تركتها وذهبت لداعش من ناحية، ومن ناحية أخرى جذب مجندين جدد ليس لهم سجلات في المؤسسات الأمنية.
ثالثا: ان الجماعة تتعامل كالذئب الجريح في هذه الفترة، فلم يعد لديها ما تخشى عليه من السلطة وبالتالي سوف ننتظر هجمات وعمليات ارهابية نوعية في الفترات القادمة تكون الجماعة مسؤولة عنها مسؤولية كاملة، وهنا مكمن الخطورة حيث كثرة وتعدد الخلايا النائمة وانتشارها في المجتمع المصري.
رابعا: بناء على ما سبق يجب على المؤسسات الامنية أخذ الاحتياطات اللازمة لما تنتوي الجماعة القيام به من عمليات ارهابية، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى على وسائل الاعلام والمؤسسات الثقافية والدينية القيام بدورها في المواجهة الفكرية لهذه الجماعة وتلك التأويلات المغرضة للنصوص بشكل عام.