ألمانيا ومواجهة الأئمة الأتراك.. ما بين التطرف والاعتدال

الجمعة 12/أبريل/2019 - 10:46 ص
طباعة ألمانيا ومواجهة الأئمة حسام الحداد
 
التطرف والإرهاب هما الخطر الحقيقي التي تواجهه القارة العجوز هذه الأيام، خصوصا بعد تزايد أعداد المهاجرين من الدول الملتهبة، والتي عانت من ويلات التطرف، فتحاول الحكومة الألمانية مدعومة من المجتمع المدني والمؤسسات التشريعية والتعليمية وقف موجات التطرف التي تسيرها وتقودها مؤسسات تركية عاملة في الداخل الألماني تحت دعاوى نشر الاسلام ورعاية مصالح المسلمين خصوصا أن عدد المسلمين في ألمانيا يقدر بحوالي 5 مليون شخص، تتجاوز نسبة الأتراك منهم الثلثين، ومع موجة الهجرة الجديدة من الشرق الأوسط، ارتفعت أعداد اللاجئين الذين معظمهم من المسلمين بطريقة كبيرة، ما سمح للبلاد بأن تضم مئات المساجد وعشرات المراكز الدينية.
ويقول كبير موظفي الخدمة المدنية في وزارة الداخلية الألمانية ماركوس كيربر، في مقابلة مع صحيفة "فاينانشال تايمز": "ما نحتاج إليه الآن، هو الإسلام المعتدل للمسلمين الألمان الذين ينتمون إلى المجتمع الألماني".
ويشير إلى أن "هذا لا يعني أننا نريد خلق دين جديد، بل يعني أن على المسلمين الألمان أن يقرروا: ما نوع الإسلام الذي نريده هنا؟"، في إشارة إلى الإسلام المتطرف، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى يكشف الرفض الأوروبي لسلوكيات تركيا عن تراجع مضطرد في إعجاب الغرب بنموذج «العدالة والتنمية» الإسلامي، والذي ادعي وقت ولادته أن فكرة برنامجه السياسي مستلهمة من الحزب المسيحي الديموقراطي في ألمانيا، فكسب بذلك رضا واشنطن التي رأت ضرورة دعمه باعتباره تجربة تقدم «نموذجاً متوازناً».
فماذا حدث لكل هذا؟ وهل اكتشفت أوروبا حقيقة أردوغان وحزبه مؤخرا وعلاقاته بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان ونشر التطرف في أوروبا؟ 
يحاول هذا التقرير الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها.
حيث أعلن عدد من النواب الألمان نهاية ديسمبر 2018، بدعم من المحامية الألمانية ذات الجذور التركية سيرين أطيش، توجههم لفرض ضريبة على المساجد في ألمانيا؛ أسوة بما هو مطبَّق على الكنائس. وبحسب هؤلاء النواب، فإن مشروع القانون يستهدف «تحرير الإسلام في ألمانيا من تأثير دول أجنبية وتعزيز التوجه المحلي للمساجد... ضريبة المسجد ستكون خطوة مهمة نحو ذلك». وجاء هذا التوجه في ظل تصاعد الأدوار السلبية للأئمة المتشددين في ألمانيا، وبخاصة الأتراك التابعين للاتحاد الإسلامي التركي «ديتيب». وتزامن هذا التحرك مع توجهات سلبية، وأعمال تخالف القانون يقوم بها الخطباء المتشددون بعيداً عن القانون، «ما يسهم في انتشار العنف». وتراجعت الصورة الذهنية للاتحاد بعد تورط أعضائه في فضائح تجسس في ألمانيا لمصلحة تركيا، ما دفع برلين إلى التضييق على أنشطة الاتحاد، ومشاريعه. وألغت حكومة ميركل في نوفمبر 2018، الدعم الذي كانت تقدمه لمشاريع «ديتيب». 
وتحولت الأنظار إلى الاتحاد، بعد أن انتشرت مقاطع فيديو تصور أطفالاً في مساجد تابعة له يمثلون مشاهد لمحاربين يحملون رايات تركية، ودفع هذا «الهيئة الاتحادية لحماية الدستور» إلى فرض الرقابة الاستخباراتية على «ديتيب»، الذي تأسس في العام 1924، بهدف "الحفاظ على الإسلام في الجمهورية التركية العلمانية". لكن في عهد أردوغان تحوَّل إلى أداة سياسية لتعزيز مصالح حزب «العدالة والتنمية»، وترويج خطاب سياسي يستدعي إرث العثمانية القديمة، ومحاولة إحياء مظاهرها في ثوب جديد.
كما لم تكن حتى وقت قريب وظيفة DITIB سياسية صريحة، ولكن مع تآكل الرصيد الجماهيري للرئيس أردوغان وسط الكتل التصويتية للمهاجرين الأتراك في أوروبا، بدأ يظهر كإحدى أذرع الرئيس التركي. 
ويتجلى الاستخدام السياسي للأئمة الأتراك في أوروبا، في ترويج خطاب سياسي يستدعي إرث الدولة العثمانية، ومحاولة إحياء مظاهرها، خصوصاً أن أردوغان يرى أن هناك عدداً من دول أوروبا تُعد امتداداً للوجود التاريخي العثماني. في هذا السياق لا يمكن النظر إلى قرار ألمانيا بفرض «ضريبة مسجد»، وكذلك إعلان فرنسا قبل عام استبعاد الأئمة القادمين من تركيا، والبحث عن آليات لتأهيل مُتخصصين في «الإسلام المُعتدل»، بعيداً من توجهات السلطة في تركيا لـ"أسلمة المجتمع". كما لا يمكن فصل مواقف الدول الأوروبية بشأن الخطباء الأتراك عن التوجه العام للاتحاد الأوروبي الذي قضى بتجميد مفاوضات عضوية تركيا منذ نوفمبر 2016 في ظل تماهي أردوغان مع التيارات المعادية للعلمانية.
والمخاوف الأوروبية في هذا الصدد ليست جديدة، ففي فبراير 2015، وافق برلمان النمسا على مشروع قانون ينص على إخلاء البلاد من الأئمة الأتراك العاملين في مساجد تابعة لفرع الاتحاد الإسلامي التركي DITIB هناك، والامتناع عن استقبال أئمة جدد من تركيا. كما تفحص النمسا حالياً ملفات رفعها النائب عن حزب «الخضر» بيتر بيلز، ويتهم فيها فرع DITIB بالتجسس لصالح أنقرة. وأكد بيلز حيازته معلومات تثبت ضلوع DITIB في مراقبة عناصر من جماعة «خدمة» إضافة إلى أكراد وصحافيين معارضين. وفي العام الماضي ألقت الاستخبارات الألمانية القبض على أئمة من DITIB موالين لأردوغان، وبحوزتهم قوائم بمشتبه فيهم من أنصار غولن، تم تقديمها للسلطات التركية.
وتعد DITIB المنظمة الأكبر للجالية التركية المسلمة في أوروبا وتتبع مباشرة أنقرة، وتدير شؤون نحو 900 مسجد وجماعة دينية في ألمانيا إضافة إلى إدارة مساجد في النمسا وفرنسا وغيرها. وكانت صحيفة «دير شبيغل» الألمانية قد أكدت أخيراً، أن أردوغان يستخدم DITIB كجزء من شبكات التحكم في الأتراك المغتربين من أجل أهدافه الخاصة. ويلاحظ أن التعاطي السلبي مع الأئمة الأتراك يعود في جانب معتبر منه إلى شكوك أوروبية في الخطاب المؤدلج، فضلاً عن الحرص على ضمان تلبية متطلبات الاندماج في المُجتمعات الغربية، وضمان التنوع الثقافي بجوار الحفاظ على مبادئها العلمانية.
وفي هذا السياق، تتجه فرنسا إلى إغلاق بعض المساجد التي يديرها أتراك، وسبق أن خفضت منذ العام 2016 عدد الأئمة القادمين من تركيا بمعدل 5 موظفين سنوياً. ولم تكن الإجراءات الفرنسية في إطار مكافحة التشدد التركي لتقتصر على ما سبق، إذ علقت فرنسا مطلع العام الماضي إعلان نيات كانت وقَّعته مع تركيا في العام 2010، يتضمن زيادة تدريجية لعدد الأئمة حتى يصل إلى 151 إماماً بنهاية العام نفسه.
وفي إطار خارطة الطريق التي تبنتها جهات ألمانية لوقف الاعتماد على مدرسين وأئمة تابعين لتنظيم الإخوان الإرهابي، تعتزم جامعة "مونستر، خلال الفترة المقبلة، توقيع بروتوكول للتعاون مع وزارة الأوقاف المصرية، فضلا عن التعاون مع الأزهر الشريف، من أجل إعداد وتهيئة الأئمة في الداخل. 
ومن المقرر أن تعلن الجامعة، خلال الأيام المقبلة، عن تفاصيل دبلومة مشتركة بين كلية الدراسات الإسلامية بها، ووزارة الأوقاف تحت شعار "التجديد"، وهى الدبلومة التي ستستمر لمدة عام.
وقال البروفيسور مهند خورشيد، عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية، في تصريح خاص لبوابة "العين الإخبارية" في فبراير الماضي 2019: "نجهز في الوقت الحالي لإعداد دبلومة مشتركة بين الجامعة، ووزارة الأوقاف، ونأمل مشاركة عدد كبير من الأئمة من مصر وألمانيا ومن دول أخرى كثيرة في هذا البرنامج التأهيلي المشترك"، وأوضح أن "الجامعة تتعاون مع وزارة الأوقاف بسبب حاجتنا الماسة إلى خطاب تجديدي"، وكشف خورشيد عن أنه "تحدث مؤخرا عن المشروع التجديدي لوزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة، مع مجموعة من السياسيين الألمان في مقدمتهم رئيس وزراء ولاية شمال الراين، آرمين لاشت، الذي يعد من أبرز السياسيين الألمان، وينوي لقاء الوزير قريباً من أجل توقيع مسودة اتفاق وبروتوكول التعاون".
وتابع القول: "كما أننا على تواصل مع الأزهر الشريف، وتشرفنا بزيارة شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب لجامعة مونستر في عام 2016، ونتمنى تعزيز تعاوننا مع الأزهر بشكل أكبر".
وشارك شيخ الأزهر الشريف مارس 2016، في مؤتمر "مقومات السلام في الأديان" الذي نظمته جامعة مونستر في ألمانيا، وشدد في كلمته على رفض الإسلام لكل أشكال الإرهاب، قائلا: "الإسلام دين السلام والمسلمون يعيشون السلام". 
ونوه "خورشيد" إلى أنه شارك في افتتاح أكاديمية الأوقاف الدولية يناير الماضي 2019، ولقائه بوزير الأوقاف، مشيرا إلى أن التعاون والدبلومة المشتركة الجاري إعدادها هي أهم نتائج اللقاء بالوزير المصري. وقال عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية إن "الدولة الألمانية بحاجة ماسة لهيئة تمثل مسلمي ألمانيا تتبنى خطاب التنوير والحوار الديني، حيث إن معظم المساجد في ألمانيا تدعمها وتقوم عليها الدولة التركية".
وتابع: "أتمنى أن تظهر دول ومؤسسات أخرى على الساحة الألمانية يهمها دعم وترسيخ الإسلام التنويري المتسامح، والبعيد عن الأجندات السياسية التي تسعى لتوظيفه من أجل مصالحها". 
وكان موقع "فيستفاليا" الإخباري المحلي بألمانيا قد كشف مؤخرا أنه سيتم دعم مشروع تنظيم اختبارات ودورات تدريبية لإعداد الأئمة في الوكالة الدولية للأوقاف، وإرسالهم لألمانيا وأوروبا، بهدف دعم فكرة الإسلام الوسطي المعتدل والمتسامح.
وتسعى السلطات الألمانية إلى دعم الإسلام الوسطي المعتدل ورموزه الكبيرة، بعيدا عن منهج المتطرفين والجماعات الإرهابية.
وكانت وزيرة العدل في مقاطعة ساكسونيا السفلى بألمانيا، باربرا هافليزا، قد أعلنت في فبراير الماضي 2019، تجديد الحظر المفروض على أئمة الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية لممارسة الأنشطة الدينية داخل السجون.

شارك