حركة الشباب والدور القطري التركي لتفكيك الجيش الصومالي
الإثنين 27/مايو/2019 - 02:12 م
طباعة
حسام الحداد
لا يكاد يمر يوم الا ونطالع في الصحف والمواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي هجوما جديدا لحركة الشباب الصومالية سواء كان هذا الهجوم على القرى الصومالية أم على قواعد للجيش الصومالي، كان أخرها هجوم مسلحو حركة "الشباب" الصومالية المتطرفة أمس "الأحد" 25 مايو 2019، قاعدة عسكرية بمنطقة "بليس قوقاني" الواقعة في إقليم جوبا السفلي جنوبي الصومال.
وذكرت إذاعة "شابيلي" الصومالية أن الهجوم أسفر عن تبادل كثيف لإطلاق النار بين مسلحين "الشباب" وقوات حكومة إقليم "جوبا لاند" التي تلقى دعما من بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال "أميصوم"، مما أدى إلى وقوع عدد من الإصابات بين الجانبين.
يذكر أن حركة "الشباب" المتطرفة تشن بشكل مستمر هجمات مسلحة تستهدف القوات الصومالية وقوات "أميصوم" في شتى أنحاء الصومال.
وعلى جانب أخر وفي محاولة منها لومواجهة هجمات حركة الشباب شنت مليشيات محلية هجوما مباغتا على مقاتلي حركة الشباب وهم يقومون بتوزيع مواد غذائية في قرية “أبوري” القريبة من مدينة “بولوبردي” في إقليم هيران وسط الصومال.
وأشارت التقارير الواردة إلى أن المليشيات استهلت هجومها على مقاتلي الشباب بالتفجيرات وتمكنت من قتل كثير منهم ومن بينهم قائدهم الشيخ علي غروين الذي كان مسئول حركة الشباب في المنطقة الواقعة بين مدينة “بلدوين” مركز إقليم هيران وبين مدينة “بولوبردي” في الإقليم.
وأضافت التقارير أن المليشيات التي أصيب أحد عناصرها فقط بجروح استولت على المواد الغذائية التي كانت حركة الشباب تقوم بتوزيعها.
وتحصل هذه المليشيات على دعم من القوات الجيبوتية التابعة لبعثة الاتحاد الإفريقي والتي تتحمل المسئولية الأمنية في إقليم هيران حيث تقدم أسلحة ومعدات إلى تلك المليشيات التي شنت العديد من الهجمات على حركة الشباب.
هذا وغيره من تعقيدات الوضع في الصومال طرح اشكاليات عديدة أمام الخبراء والباحثين في الشأن الافريقي وشأن الحركات الإسلامية لمحاولة التوصل الى الاهداف الحقيقية والمرجوة من هجمات حركة الشباب وقد أكد خبراء أمنيون صوماليون أن الرئيس محمد عبدالله فرماجو يدفع نحو تفكيك الجيش الصومالي ما سيؤدي إلى انزلاق البلاد إلى مرحلة فراغ أمني وسياسي وعودة الصراعات الأهلية والقبلية تمهيدا لتسليمها إلى الحركات والجماعات الإرهابية ودول مثل قطر التي تسعى للسيطرة على البلاد.
وأشار الخبراء إلى أن قوات ووحدات الجيش الصومالي انسحبت في مارس الماضي 2019، من القواعد العسكرية في إقليمي شبيلي الوسطى والسفلى القريبين من العاصمة مقديشو، احتجاجا على عدم صرف رواتبهم، وأن عناصر حركة الشباب الإرهابية تمكنت من الاستيلاء على الطريق الرئيسي الرابط بين مدينة مركا الساحلية عاصمة الولاية مع مقديشو فور انسحاب وحدات الجيش من قاعدة دناني الاستراتيجية.
وأوضح الخبراء أن الحكومة الصومالية بقيادة محمد عبدالله فرماجو لم تستطع حل الأزمة المالية التي تضرب الجيش، كما أكدوا وجود تضارب حكومي بشأن طرح حلول حقيقية لمواجهة المشكلة المتفاقمة.
وتضاربت الأقوال والتصريحات الحكومية بشأن وجود أزمة مالية حقيقة دفعت قوات من الجيش الصومالي إلى إعلان تمردها والتوقف عن العمل، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد تصاعدا "استثنائيا" لهجمات حركة الشباب الإرهابية.
وكانت الحركة الإرهابية صعّدت هجماتها الانتحارية في المدن بما فيها العاصمة مقديشو، وكثّفت هجماتها على القواعد العسكرية وعلى وحدات الجيش في وسط البلاد وعلى قوات البعثة الأفريقية، فيما بدا الجيش الصومالي والقوات الأمنية عاجزة عن صد تلك الهجمات.
وقادت تصريحات رئيس الوزراء الصومالي حسن علي خيري، التي نفت وجود أي أزمة مالية مع تأكيداته بصرف جميع الجنود رواتبهم وإشارته إلى أن حكومته غير مستعدة لصرف رواتب جنود لا يقدمون خدمات للبلاد، إلى موجة غضب عارمة في أوساط الجيش.
وأصدرت وزارة الدفاع الصومالية حينها بيانا أكدت فيه أنها بدأت في إجراءات حصر للجنود ومراجعة كشوفات المجندين والرواتب، موضحة أن "الأفراد الذين تم تسجيلهم سابقا تلقوا رواتبهم وأن الباقين سيأخذون حقوقهم بعد اكتمال التسجيل".
فيما أكدت مصادر خاصة لـبوابة العين الإخبارية مارس الماضي، أن "وحدات من الجيش الصومالي بدأت بالانسحاب من ضواحي مدينة جوهر ومدن من مهداي وقلمو وغرسالي في إقليم شبيلي الوسطى شمالي العاصمة"، ردا على تصريحات رئيس الوزراء.
وبحسب المصادر، فإن "الوضع الأمني أصبح مرتبكا للغاية في البلاد خصوصا مع تهديدات بدء دول أفريقية سحب قواتها من القواعد المتمركزة فيها خصوصا القوات الكينية التي أخلت جميع مواقعها في البلاد".
قطر وتركيا
وأكد الخبير الأمني الصومالي حسين عبدو عاوود أن الحكومة الحالية فشلت في وضع حد للأزمة الرئيسية وهي غياب الجيش الوطني القادر على حماية البلاد.
وأضاف عاوود، في تصريحات صحفية مارس الماضي أن "حكومة فرماجو لم تضع ترتيبات بناء مؤسسات الدولة الأساسية بما فيها الجيش في موضع الاهتمام وانشغلت بالصراعات مع حكومة الولايات وقمع المعارضة في البرلمان، وتمتين التحالفات الإقليمية المشبوهة مع قطر وتركيا".
وأشار إلى أن "الجيش الحالي لا يعد جيشا بالمعنى الحقيقي بسبب تفشي الفساد في جميع مؤسساته"، مضيفا أن "الولايات المتحدة أوقفت دعمها لبناء جيش صومالي قوي بسبب تفشي الفساد واستيلاء كبار اللواءات على المعونات المالية وتلاعبهم في كشوف الرواتب والترقيات".
وأضاف الخبير الأمني أن "انسحاب وحدات الجيش من عدد من القواعد سيحدث فراغا أمنيا ستستغله الجماعات الإرهابية مثل حركة الشباب التي تتلقى دعما من قطر للسيطرة على مناطق مهمة واستراتيجية؛ تمهيدا لتكون الذراع الإرهابية للدوحة في منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي".
من جانبه، أكد الخبير في منطقة القرن الأفريقي محمد البدوي أن "المؤشرات الحالية تؤكد وجود فراغ أمني، وعجز كبير للجيش عن التصدي للهجمات الإرهابية في الصومال بسبب الفساد الداخلي وعدم وجود عقيدة داخلية للجيش".
وقال إن "تماسك الجيش يعد ضمانة لأمن الصومال، في ظل محاولات من جهات إرهابية مثل قطر لضرب المؤسسة العسكرية الصومالية وإفشال الجهود الدولية في بناء جيش قوي للقضاء على الإرهابيين مثل حركة الشباب التي باتت تهدد أمن المنطقة بأسرها".
وأكد أن "المشكلة الحالية في داخل الجيش الصومالي وتفشي القبلية والفساد الداخلي تعود إلى تدخل قطر في شؤون الصومال ودعمها لوصول قيادات فاسدة إلى سدة الحكم وإلى مفاصل صنع القرار وهو ما قاد إلى انهيار القوات المسلحة والمؤسسات المعنية بالأمن والدفاع".
وحذر البدوي من تداعيات فشل حكومة فرماجو في حل المشكلات الداخلية التي يعيشها الجيش، مؤكدا أنه "سيقود إلى سيطرة حركتي الشباب وداعش الإرهابيتين على البلاد وعودة شبح الصراعات الأهلية والعشائرية من جديد، ما سيؤدي لتفكك البلاد".
وكشفت قيادات صومالية رفيعة، العام الماضي، عن اختراق حركة الشباب الإرهابية لمؤسسات الجيش الصومالي ووجود تعاون بين بعض قياداته وحركة الشباب وإمدادها بالأسلحة من مخازن الجيش، كما كشفت التقارير عن ابتزاز قيادات الحركة لضباط الجيش المتورطين مقابل الحصول على المعلومات والأسلحة.
فيما أكد الخبير السوداني في شؤون القرن الأفريقي محمد الأنور صالح أن "الحديث عن وجود فساد في أوساط الجيش الصومالي لا يكفي، لأن هناك جهات متعددة تريد إبقائه ضعيفا حتى لا يتمكن من القضاء على الحركات الإرهابية التي تستفيد دول مثل قطر وتركيا من وجودها".
وأضاف، في تصريحات صحفية، أن "إضعاف الجيش يأتي في مصلحة دول مثل قطر التي تريد ضرب التطورات الإيجابية في منطقة القرن الأفريقي وإحداث فراغ أمني بالصومال، وإضعاف الجيش لصالح تمتين سيطرة الجماعات الإرهابية التي تنفذ أجندات هذه الدول".
وحذر الأنور من خطورة حدوث فراغ أمني في الصومال في حال تواصل ضعف أداء الجيش ، مشيرا إلى أن التهديدات الأمنية ستتفاقم داخل البلاد وستقود إلى نشوء مؤسسات أمنية بديلة (عشائرية وقبلية)، ما يعني التحول لدولة فاشلة أمنيا، وسقوطها في مستنقع الصراعات القبلية والعشائرية ما سينعكس على دول الإقليم ويقود إلى حدوث أزمات إنسانية وأمنية.