المجتمع الايذيدي: "داعش" لم يسقط بعد و 3 آلاف امرأة في عداد المفقودين

الثلاثاء 23/يوليو/2019 - 10:32 ص
طباعة المجتمع الايذيدي: روبير الفارس
 
على الرغم من إعلان العراق نهاية تنظيم داعش الارهابي  في العام 2017، إلا أن الندوب لا تزال محفورة في الذاكرة الجماعية للشعب اليزيدي. وبالرغم من أن شهر أغسطس المقبل يسجل مرور خمسة أعوام على الإبادة الايزيدية، لا يزال الايزيديون يعانون. فقد دفعت الحملة التي شُنت على المجتمع اليزيدي آلاف الأشخاص إلى عيش حياة بائسة إلى أبعد الحدود، كما أدت التوترات المذهبية الممزوجة بالتعصب الديني إلى دمار المجتمع اليزيدي القديم في منطقة سنجار الواقعة في محافظة نينوى العراقية وأجبرت فتيات يزيديات على العبودية الجنسية، باستخدامهن كدروع بشرية وتخديرهن وغرس العقائد في عقولهنّ، في حين تم التخلص من آلاف الرجال والنساء المسنات في قبور جماعية. لا يزال الكثيرون في عداد المفقودين، في حين أن الناجين منهم لا يزالون يعانون من الظُلم الذي ألحق بهم.الباحث  ديليمان عبد القادر اكد في تقرير له نشره معهد واشنطن لسياسيات الشرق الادني علي ان المعاناة الايزيدية مازالت مستمرة 
قبل داعش 
يقول ديليمان قبل الهجوم الذي شنه تنظيم "داعش " في العام 2014، كان عدد السكان الايزيديين يبلغ حوالى 400 ألف نسمة. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، تم قتل أو إخفاء 10 آلاف واختطاف 6400 شخص في أعقاب هذا الهجوم. أبلغت "يزدا"، وهي منظمة يزيدية هدفها التوعية، عن أعداد مروعة مماثلة، مقدّرة أعداد القتلى بـ 12 ألفًا. ووفقًا للأمم المتحدة، لا تزال 3 آلاف امرأة وفتاة في عداد المفقودين. واليوم  يسكن من تبقى منهم في إقليم كردستان العراق كنازحين داخليًا أو يعيشون في مخيمات اللاجئين في شمال شرق سوريا. أما أولئك الذين تمكنوا من الهرب من المنطقة فيقيمون كلاجئين في أرجاء أوروبا والولايات المتحدة. 

ويضيف الباحث كسب اضطهاد الايزيديين اهتمامًا دوليًا تجلّى بسنّ الكونجرس الأميركي مشاريع قوانين عديدة مرتبطة بمناصرة اليزيديين. في العام 2016، صوّت الكونجرس بالإجماع (بنسبة 393 صوتًا مقابل صفر) على مساعدة المسيحيين واليزيديين وأقليات دينية أخرى تعيش في مناطق خاضعة لسيطرة "داعش" بواسطة قانون العدالة لليزيديين. وفي العام 2018، سنّ الكونجرس قانون الإغاثة والمساءلة عن الإبادة الجماعية في العراق وسوريا، الذي "يخول الوكالات الحكومية الأميركية تأمين المساعدات الإنسانية وتحقيق الاستقرار والتعافي للمواطنين والسكان في العراق وسوريا، بصورة خاصة الجماعات العرقية والأقليات المعرضة لخطر الاضطهاد أو جرائم الحرب". ويمنح القانون الوكالات أيضًا الصلاحية للمساعدة في مقاضاة مرتكبي الجرائم في ما يتعلق بهذه الأعمال.
المعاناة مستمرة
و الايزيديين الذين لا يزالون في العراق عالقون في صراع على السيطرة بين بغداد وأربيل، في حين أنهم يتجنبون أيضًا صراعات عنيفة مستمرة بين المليشيات الشيعية المدعومة من إيران. هذا وقد حاولت "قوات الحشد الشعبي" والقوات الأمنية العراقية وقوات البشمركة الكردية وجماعات ذات صلة بـ"حزب العمال الكردستاني" - الذي صنفته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية - وتركيا إقناع الايزيديين بأن بإمكانها توفير أفضل الأوضاع الأمنية، إلا أن قوات "حزب العمال الكردستاني" هي التي وفّرت الأمن على الفور لليزيديين في العام 2014 عندما هرب الكثير من القوات الأخرى من بغداد وأربيل.

وبالرغم من أن هذه المحاولات المتنافسة تُعتبر حامية للأقليات الايزيدية، لا يزال أغلبية المجتمع يواجه ظروفًا قاسية. على حدّ تعبير الممثلة الخاصة لأمين عام الأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، "يفاجئني الآن وبعد مرور حوالى خمسة أعوام على سيطرة "داعش" على سنجار وما تلا ذلك من تحرير للمنطقة أن أرى أن الكثيرين لا يزالون يعيشون في الخيم، على قمة الجبل الذي هربوا إليه في ذورة الحملة الإرهابية".

الايزيديين يخشون من أن تؤدي عودتهم إلى منطقتهم التاريخية في سنجار إلى عواقب وخيمة. وأفادت "مجموعة الأزمات الدولية" بأنه يُعتقد أن "قوات الحشد الشعبي" "هي المسيطرة من الناحية السياسية والعسكرية [في المنطقة] وتوفر ممرًا لإيران للوصول إلى سوريا". وفي إحدى مقالات "فورين بوليسي" الصادرة في العام 2018، أكّد نائب قائد "قوة حماية إيزيدخان" اليزيدية، إيدو حيدر مراد، على هذا التقييم بشأن "قوات الحشد الشعبي" في سنجار: "يريدون استخدام هذه المنطقة للسيطرة على قمة الجبل،يريدون السيطرة على كل شيء".

ومن الجانب المشرق، تمكن القادة الايزيديون من الحصول على أربعة مقاعد في مجلس حكومة إقليم كردستان التي أُعلن عنها حديثًا. ذُكر أن رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان المكلف، مسرور بارزاني، قد وافق على المناصب التالية: نائب وزير، ووزير للشؤون اليزيدية، ومستشار لدى القيادة البرلمانية الكردستانية لشؤون اليزيديين، ومدير لشؤون الايزيديين العامة. بينما يصعب تقييم ما إذا كان منح هذه المناصب مجرد مسألة رمزية أو ما إذا كانت المناصب ستتمتع بصلاحيات، فقد يسمح الوضع الأخير للايزيديين بممارسة تأثير أقوى على مسائلهم الخاصة. يأمل الكثيرون من الايزيديين في محاسبة أولئك المسؤولين عن الإبادة وتأمين التعويضات لأفراد عائلاتهم والحصول على ضمانات أمنية لمناطقهم والسعي على وجه الاحتمال إلى تحقيق المزيد من الاستقلالية داخل العراق.

ونظرًا إلى التحديات التي تواجه الايزيديين الذين يأملون في العودة إلى سنجار، يبني الكثيرون منهم حاليًا مجتمعات خارج العراق. وبشكل خاص، يتمتع أولئك الذين يعيشون في الولايات المتحدة بالحرية الدينية، ولهذا السبب شهدت الجالية اليزيدية فترة إعادة بناء في أميركا، بعيدًا عن فظائع تنظيم "داعش". تضم مدينة لينكولن في نيبراسكا أكبر عدد من اليزيديين في الولايات المتحدة ويبلغ عددهم حوالى 3 آلاف شخص. بدأ هناك السكان اليزيديون حياة جديدة بينما يحاولون إرسال المساعدات إلى عائلاتهم في الشرق الأوسط. ويوضح الناشط من المجتمع اليزيدي، خلف حسو، بأن أفراد المجتمع "لم يكونوا واثقين مما إذا كان عليهم البقاء هنا أو العودة مجددًا إلى الشرق الأوسط، وفجأةً بدأ الايزيديون كلهم بالمجيء إلى هنا". بعدما أدرك أفراد المجتمع بأن احتمال عودتهم إلى بلادهم في المستقبل القريب ضئيل، كان أول ما سعوا إليه هو بناء مقبرة، ما له معانٍ كبيرة نظرًا إلى أنّ المجتمعات في المهجر كانت تعيد الجثث إلى العراق من أجل دفنها.

قام الوضع المتزعزع في سنجار، مقرونًا بالفرص المتاحة في لينكولن، بتشجيع أفراد العائلات إلى بناء مجتمعهم ومساعدة الوافدين الجدد والتوعية بمشاكل الايزيديين، في حين أنهم يواصلون ممارسة تقاليدهم اليزيدية. وكما يوضح نائب رئيس "يزدا"، هادي بير: "عانى المجتمع بما يكفي. يجب أن نشعر كما كنا نشعر في العراق، أن نعيش على الأقل حياة طبيعية نوعًا ما". ويجب بالتالي على الأميركيين أن يستمروا بالتشجيع على الاستقرار ودعم هؤلاء الذين عانوا في ظروف قاسية، بما أن المعاملة المنصفة والعدالة لمجتمع الأقليات اليزيدية أمر ضروري لترسيخ المعايير الإقليمية التي ستوفر درجة من الاستقرار في الشرق الأوسط.
الإيزيديون 
مجموعة عرقية دينية تتمركز في العراق وسوريّة. يعيش أغلبهم قرب الموصل ومنطقة جبال سنجار في العراق، وتعيش مجموعات أصغر في تركيا، وسوريا، وألمانيا، وجورجيا وأرمينيا. ينتمون عرقياً إلى أصلٍ كرديٍ ذي جذور هندوأوروبية مع أنهم متأثرون بمحيطهم المتكون من ثقافات عربية وسريانية، يرى الإيزيديون أن شعبهم ودينهم قد وُجدا منذ وجود آدم وحواء على الأرض ويرى باحثوهم أن ديانتهم قد انبثقت عن الديانة البابلية القديمة في بلاد ما بين النهرين. ويرى بعض الباحثين الإسلاميين وغيرهم أن الديانة الإيزيدية هي ديانة منشقة ومنحرفة عن الإسلام، ويرى آخرون أن الديانة هي خليط من عدة ديانات قديمة مثل الزردشتية والمانوية أو امتداد للديانة الميثرائية. الشخصيات الأساسية في الديانة الإيزيدية هي عدي بن مسافر وطاووس ملك.

يتكلم الإيزديون اللغة الكرمانجية، والعربية خصوصاً إيزيدية بعشيقة قرب الموصل وإيزيدية سوريا. صلواتهم وأدعيتهم وجميع طقوس دينهم باللهجة الكرمانجية (إحدى اللهجات الكردية) أما كتبهم الدينية القديمة فمكتوبة باللغة السريانية، وكانت لهم لغةٌ قديمةٌ خاصة بهم اندثرت مع مرور الزمن. أكبر قبائلهم هي الهبابات والمسقورة وعمرا وعبيدي وهراقي والشهوان والحياليون والجحش. قِبلتهم ومركزهم الديني الأساسي هي لالش حيث الضريح المقدس للشيخ عدي بن مسافر بشمال العراق. يُقسّم المجتمع الإيزيدي إلى ثلاث طبقاتٍ هي: الشيخ، والبير، والمريد، ويحرّم الزواج بين الطبقات. الإيزيديون هم موحدون يواجهون الشمس في صلواتهم ويؤمنون بتناسخ الأرواح وبسبع ملائكة، وتعتبر عين زمزم من الأماكن المقدسة لديهم. يصوم اليزيديون أربعين يوماً في السنة بدايةً من شهر كانون الثاني.

الديانة الإيزيدية غير تبشيرية حيث لا يستطيع الأشخاص من الديانات الأخرى الانتماء إليها، وبذلك يعدها العديد) قوميةً مستقلة وديانةً، في حين يرى الكثير من الإيزيديين أنفسهم كرد القومية كما يصفهم مسعود بارزاني بأنهم "أعرق الكرد". في حين قسم ثالث من الإيزيديين يرون أنفسهم عرب القومية كإيزيدية بعشيقة وبحزاني.

تعرض الإيزيديون عبر التاريخ إلى 72 حملة إبادةٍ شُنت ضدهم لأسبابٍ مختلفة، حيث تسببت هذه الحروب والمذابح بآثار ترسخت في النسيج الاجتماعي والعقلية الإيزيدية فصار الانزواء عن العالم والتقوقع الاجتماعي والخوف من الغرباء سمةً أساسيةً لهم. لكن كل هذا لم يمنع المثقفين الإيزيديين من إنشاء مراكز ثقافيةٍ واجتماعيةٍ لتعريف العالم بديانتهم وجعل الإيزيديين ينفتحون أكثر على العالم الخارجي. تعرض الايزيديون لهجمات متكررة من تنظيم داعش تمثلت بتفجيراتٍ وعمليات اغتيالٍ تستهدفهم في العراق. أدّى سقوط الموصل وسيطرة تنظيم داعش على مناطق شاسعةٍ من شمال العراق وسقوط مدينة سنجار الإيزيدية بيد المسلحين إلى قتل المئات وسبي أعداد كبيرة من النساء والأطفال وكذلك هجرة الآلاف منهم من مدنهم وقراهم فراراً من بطش تنظيم داعش.

شارك