مصير مجهول ينتظر أطفال أستراليا العائدون من داعش

الأحد 04/أغسطس/2019 - 03:50 م
طباعة مصير مجهول ينتظر
 
نشرت وحدة رصد اللغة الإنجليزية بمرصد الأزهر للفكر المتطرف تقريرا حديثا حول أطفال أستراليا العائدين من داعش، وحاول التقرير عرض رؤية مرصد الأزهر في هذا الشأن. وتسأل التقرير هل يتحمَّل المنضمُّ لداعش وحده نتيجة انضمامه لهذا التنظيم المتطرف البربري بغض النظر عن أية سياقات أخرى أو ظروف محيطة؟ أم أن المنضمِّين لداعش تختلف أحوالهم تبعًا لأسباب انضمامهم للتنظيم وسياقاتها وسلوكهم بعد الانضمام؟!
وقال التقرير سؤال ليس من الهيِّن الإجابة عنه؛ إذْ تُحدد ذلك مصير أعداد كبيرة من هؤلاء المقاتلين الأجانب الذين يرغبون في العودة الآن إلى بلادهم الأصلية بعد أن فقد التنظيم الإرهابي الأراضي الواسعة التي سيطر عليها يوما ما، وصار من تبقى من مقاتليه مطاردين في الجبال أو متحولين لوجهات أخرى بحثًا عن موطئ قدم لإقامة خلافة جديدة مزعومة. بيد أنه من بين هؤلاء العائدين فئة ينبغي أن نتوجه إليها بمزيد من الفحص والدراسة؛ حيث إنها تحتاج إلى حلول ناجعة وناجزة؛ وهي "أطفال داعش".
وتابع التقرير منذ القضاء على تنظيم داعش ميدانيًا، تحتجز قوات سوريا الديمقراطية (قسد) نحو ألف من نساء داعش وأطفاله في مخيم شمال سوريا، وقد دعت هذه القوات جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة الدول المعنية إلى تحمل مسئولياتها واستقبال رعاياها المحتجزين؛ حيث تعود أصول هؤلاء المحتجزين إلى حوالي 50 دولة، من بينهم نحو 70 أستراليًا ما بين امرأة وطفل.
وفي أعقاب هذه الدعوة التي وُجهت لدول هؤلاء المقاتلين لاستعادة مواطنيهم مرة أخرى، ثار جدل في أروقتها السياسية حول هذا الأمر بين مؤيد لاستعادتهم ومعارض لها. ولم تكن أستراليا بمنأى عن هذا الجدل. وقد غلب في البداية رأي المعارضين الذين رأَوا أن هؤلاء المقاتلين ينبغي أن يتحمَّلوا نتيجة قرارات اتخذوها بكامل إرادتهم، وأنه لا ينبغي تعريض البلاد للخطر باستعادة هؤلاء الأشخاص الذين انخرطوا في حياة داعش وعايشوا الأعمال الوحشية البربرية التي قام بها التنظيم؛ بل ربما شارك بعضهم فيها. ومن ثَمَّ صرّح رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، إنه لن يُعرِّض مواطنيه للخطر باستعادة هؤلاء المتطرفين، وذلك بعد أن طلبت أرملة مقاتل بالتنظيم الإرهابي إعادة أطفالها إلى البلاد من مخيم للاجئين السوريين.
وربما يبدو هذا طبيعيًّا؛ "حيث إن انضمام هؤلاء الأشخاص إلى التنظيم يجعلهم يمثلون خطورة على الصعيديْن الفكري والأمني. لقد انضموا إلى التنظيم بعد أن تمَّ تجنيدهم وبطبيعة الحال كانوا مقتنعين تمامًا بأهداف التنظيم، وما يسعى لتحقيقه على مستوى العالم، كما أنّهم تلقوا تدريبات على استخدام الأسلحة، وعاشوا في أجواء من العنف والقسوة والتطرف العنيف، ومن ثمَّ فقد اكتسبوا خبرات قتالية واسعة تجعل منهم خطرًا دائمًا أينما حلّوا".
وأوضح التقرير لم يقتصر الأمر على المقاتلين البالغين؛ حيث استخدم التنظيم الأطفال كجلادين ومنفذين لعمليات الإعدام. ففي أحد مقاطع الفيديو التي بثَّها التنظيم الإرهابي، نجد طفلًا صغيرًا يطلق النار على رجل من مسافة قريبة، مع تصاعد هتافات التكبير في الخلفية، حسب خبر منشور في صحيفة "فرونت بيج" الأمريكية في 19 يناير 2017. ولم يكن هذا حادثًا عارضًا، بل منهجية معتمدة من التنظيم المتطرف لإعداد ما أطلق عليهم "أشبال الخلافة" في معسكرات أطلقوا عليها "معسكرات الأشبال" كان جُلَّ همّهم فيها تدريب الفتيان دون سن البلوغ على حمل البنادق والرشاشات والقتال من أجل الجماعة الإرهابية، بل وإعدادهم ليكونوا انتحاريين.
على ضوء هذه المعلومات والخلفية السابقة، كان من الطبيعي أن ترفض أستراليا عودة هؤلاء الأطفال مرة أخرى إلى أراضيها، إلا أنه بعد فترة وجيزة من قرارها الأول الرافض لاستقبال هؤلاء الأطفال، وبعد النظر إلى هذا الموضوع من زاوية أخرى، راجعت الحكومة الأسترالية موقفها؛ لتقرر استعادة الأطفال اليتامى الأستراليين الذي قضى آباؤهم نحبهم في الشرق الأوسط أثناء انضمامهم لداعش الإرهابي، حيث أكد رئيس الوزراء أنّ "قرار إعادة هؤلاء الأطفال إلى البلاد لم يتخذ باستخفاف"، مضيفًا: "كما قلت مرارًا وتكرارًا، لن تسمح حكومتي بتعريض أي أسترالي للخطر. حقيقة الأمر أن الآباء هم من وضعوا أطفالهم في طريق الأذى عن طريق نقلهم إلى منطقة حرب، وقد كان هذا عملاً مشينًا. ولذلك، لا ينبغي معاقبة الأطفال على جرائم آبائهم".
إذن، فكلنا نقر أن هؤلاء الأطفال ربما يشكلون خطرًا، ولكننا نقر في الوقت ذاته أن الخطأ لم يكن خطأهم من البداية، بل لم يكن لهم في الأمر ناقة ولا جمل؛ فقد أُخذوا من مرابع صباهم صغارًا لا يفقهون شيئًا ولا يملكون من أمر أنفسهم شيئًا، فَلِمَ يؤخذون بذنب غيرهم، وبجريمة لم يرتكبوها؟ وهل كان في مقدورهم الفرار من هذا التنظيم الوحشي؟ وهل كان يمكنهم تشكيل عقلية رافضة لهذه الوحشية وهم قد تشربوها في فترة تكوينهم الأولية؟َ!

وأضاف التقرير ربما يكون السؤال الأهم في هذا الوقت هو: هل لدى أستراليا القدرة على توفير الدعم الكافي لهؤلاء الأطفال لتساعدهم على الاندماج في المجتمع من جديد بعد أن تعرضوا لكل تلك الوحشية والبربرية على يد مقاتلي داعش؟ الواضح حتى الآن أن أستراليا ليس لديها برامج واضحة في هذا الصدد تساعد في إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال؛ حيث صرحت "آن علي"، وهي عضوة في حزب العمّال المعارض وأستاذة سابقة في مكافحة الإرهاب في جامعة بيرث، قائلةً: "إنّ هؤلاء الأطفال الصّغار لم يروا الحياة الطبيعيّة لفترة كبيرة من حياتهم؛ بل ربّما عاشوا أشياء يخافها الكبار"، مضيفة: "سيحتاجون إلى برنامج دعم شامل حقًّا لمساعدتهم على إعادة الاندماج. وهو أمر لم يسبق لنا القيام به".
ولكن رئيس الوزراء الأسترالي أكد في الوقت ذاته أن بلاده لن تترك هؤلاء الأطفال، وستوفر لهم كل الدعم اللازم. ويرى خبراء الصّحة العقليّة ومكافحة التطرف أنّ دعم المجتمع والأسرة يُعدّ من أهم العوامل في عمليّة إعادة الاندماج. لكن البعض حذّر من أنّ مواجهة أساليب التّلقين المتطورة التي يتبعها "داعش" تحتاج إلى برامج إعادة إدماج متطوّرة بالقدر نفسه.
وأكد التقرير أنه مما لا شك فيه أن قرار أستراليا استعادة أطفالها الذين ينحدرون من نسل مقاتلي داعش هو القرار الصائب؛ وذلك لأمريْن، الأول: أنه من غير المتصوّر أن يُتركوا فريسة للتطرف وللمستقبل المجهول، وذلك أن المعسكرات التي يُحتجز فيها هؤلاء الأطفال وغيرهم من أطفال حوالي 40 دولة أخرى حول العالم تُعدّ معسكرات غير آدمية؛ حيث صرحت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" أن الأطفال في مخيم "الهول"، شمال شرق سوريا، يواجهون أوضاعًا إنسانية شديدة الصعوبة، وتزداد معاناة الكثيرين منهم نتيجة تعرضهم للاستغلال أو إجبارهم على القتال والقيام بأعمال عنفٍ في غاية القسوة." الأمر الثاني: أن عدم تحمُّل الدول لمسئولياتها، وعدم المسارعة إلى استعادة أبنائها سيجعل من هؤلاء الأطفال أشخاصًا بلا وطن، وهو ما يسهل على جماعات التطرف وسماسرة الدم اجتذابهم من جديد والإيقاع بهم في براثنها.
ومن ثم، يؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على ضرورة استعادة هؤلاء الأطفال؛ حمايةً لهم من مستقبل يكونون فيه وقودًا للاضطرابات والقلاقل حول العالم، مع ضرورة تبني مناهج وبرامج واضحة لإعادة تأهيلهم وإدماجهم بشكل كامل في مجتمعاتهم، بل وربما الاستفادة منهم مستقبلاً في برامج توعية وحماية لتحصين الشباب من الوقوع في براثن مثل هذه الجماعات المتطرفة التي لا تعرف إلا القتل والتخريب والدمار.

شارك