عبد الفتاح مورو.. من الخلاف مع حركة النهضة إلى الترشح باسمها في الانتخابات التونسية
الخميس 08/أغسطس/2019 - 12:34 م
طباعة
حسام الحداد
أكد مجلس شورى حركة النهضة الإسلامية 7 أغسطس 2019، أنَّه حسم بأغلبية مريحة أمره، لصالح ترشيح عبدالفتاح مورو، نائب رئيس الحركة ورئيس البرلمان الحالي، للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها منتصف سبتمبر المقبل.
وأكدت الحركة أنَّها اجتمعت طويلاً حتى تستقرَّ على اختيار مورو، في حين كان رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني، قال الأحد الماضي، إنَّ «مجلس الحركة شهِدَ اختلافات في الآراء، بين مدافعٍ عن ترشيح شخصية من داخلها، وبين مَن يرى ضرورة مساندة مرشح من خارجها». مؤكداً أنَّ «نتيجة التصويت داخل الحركة كانت لصالح الرأي المدافع عن ترشيح شخصية من داخل النهضة لخوض الانتخابات الرئاسية، بـ45 صوتاً، مقابل 44 صوتاً طالبوا بترشيح شخصية من خارج الحركة» .
فهل أصابت الحركة بترشيح وجه إسلامي بارز لها، وعلى ماذا تراهن بترشيح الشيخ مورو، وكيف سيكون موقفها من الانتقادات الموجَّهة لها من قبل خصومها، بعدم التوافقية والسيطرة على الرئاسة والمجلس التشريعي والمجالس البلدية، كما اتُّهمت بذلك أختها جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 2012، وكانت النتيجة الإطاحة بها وبالرئيس المنتخب الأول في تاريخها، الراحل محمد مرسي.
حول ذلك، يقول الكاتب والصحفي التونسي عبدالسلام علي لـ «عربي بوست»، إن لكل تجربة عربية استقلاليتها، ولا يوجد تشابه بين تجربة مصر وتونس أو حتى السودان أو الجزائر، فطبيعة كل تجربة بين هذه الدول تمرُّ في سياق مختلف عن أختها، مشيراً أن تونس استطاعت الحفاظ على مسارها الديمقراطي منذ اندلاع الثورة عام 2011، التي أسقطت نظام زين العابدين بن علي، وأن النهضة قدمت تنازلات كثيرة، على عكس غيرها في الدول الأخرى منذ البداية، وذلك في سبيل الحفاظ على التوافقية بين جميع القوى السياسية.
وحول حيثيات اختيار النهضة لمورو، يقول علي، إن القوائم التشريعية داخل حركة النهضة حصل فيها مؤخراً انقسام وتشرذم، بسبب ما سمَّاه البعض بـ «انقلاب المكتب التنفيذي» على الانتخابات الداخلية، وتغييره للقوائم التشريعية، وهذا كان قد أعقب بتهديدات بانسحاب لقيادات كبيرة داخل الحركة، بحسب مصادر صحفية، وهدّد بانقسامها، مما دفع مجلس شورتها بتزكية الشيخ مورو خصيصاً لانتخابات الرئاسة، نظراً لتوافق الجميع داخل الحركة عليه والتفافهم حوله.
وبحسب علي، فإن حركة النهضة ترى أنها الحزب الأكبر في البلاد، والأكثر تنظيماً، ولها قاعدة انتخابية ثابتة وقوية، وبالتالي فإنها تعتقد أنه لا يجوز أن يكون الحزب الأكبر في تونس دون مرشح خاص به في الانتخابات الرئاسية.
وترى الحركة أن التجارب الانتخابية السابقة، كتلك في عام 2014، عندما امتنعت الحركة عن تقديم مرشحها الخاص وتركت المجال لغيرها، أثبتت فشلها.
إذ لم تستجب القواعد الانتخابية للحركة بالامتناع عن التصويت، وتشرذمت الأصوات بشكل كبير، وخسرت بعدها النهضة أصواتاً كثيرة في الانتخابات البلدية.
فيما قال المحلل السياسي التونسي شاكر الشرفي إن الحدث الأبرز في الانتخابات هو ترشيح حركة النهضة لشخصية قيادية داخلها وهو عبد الفتاح مورو والذي اقترح اسمه الشيخ الغنوشي.
وأشار الشرفي، في تصريحات لراديو "سبوتنيك" إلى أن عدد المترشحين كبير وأغلبهم دخل بصورة غير جدية وصورية دون أمل في المنافسة وأوضح أنه كان هناك رأي داخل حركة النهضة عبر عنه د. رفيق عزام بأن ترشيح الحركة لشخص من داخلها خطأ لأن الوضع الدولي والإقليمي لا يسمح بذلك والأفضل خوض غمار البرلمان واختيار مرشح توافقي يضمن الحريات والمسار الانتقالي الديمقراطي التوافقي.
وأكد شاكر أن هناك ضغوطات من داخل مجلس الشورى في حركة النهضة فرض رؤيته على الجميع، وأوضح الشرفي أن هناك وجوه بارزة سيكون لها حظ في الدور الثاني مثل عبد الفتاح مورو ورئيس الحكومة يوسف الشاهد وعبد الكريم الزبيدي ومصطفى بن جعفر، منوها بأنه لم تتضح بعد خارطة الترشحات النهائية لإعطاء انطباعا حول طبيعة التحالفات المقبلة في هذه الانتخابات الرئاسية مؤكدا أن هناك مشاورات بين مختلف الأحزاب والأطياف مع انتظار ما يمكن أن يحدث من موقف باقي الأحزاب والشخصيات.
من هو عبد الفتاح مورو:
ولد عبد الفتاح مورو، في 1 يونيه 1948 في تونس، وهو محام وسياسي في التيار الإسلامي التونسي وأحد القادة التاريخيين لحركة النهضة.
درس مورو في المدرسة الصادقية، ثم ذهب إلى كلية الحقوق في جامعة تونس، وتخرج في عام 1970، وحصل على شهادة في القانون وأخرى في العلوم الإسلامية، عمل قاضيًا حتى عام 1977، ثم أصبح محاميًا، وهو متزوج وله أربعة أولاد وفتاة.
تأسيس حركة النهضة:
بدأ مورو أنشطته الإسلامية عام 1960، في المدارس الثانوية والمساجد، وفي عام 1968 التقى راشد الغنوشي، في تونس العاصمة في إحدى المساجد، وبدأ يتفق معه في تأسيس حركة إسلامية في تونس.
في عام 1973، و بعد محاولة تنظيم اجتماع سري لـ100 شخص في مدينة سوسة التونيسية، تم اعتقال عبد الفتاح مورو وراشد الغنوشي من قبل السلطات التونيسية، مع عددٍ من القيادات وحكم عليهم بعشر سنوات سجنًا، خلصتهم منها وساطة محمد مزالي رئيس حكومة بورقيبة في الثمانينات والذي رأى في الإسلاميين المتأثر غالبهم بالثورة الإيرانية قوة مضادة لليسار المتغول في تلك الفترة.
عقب خروجهم، تقرر إنشاء منظمة سرية "منظمة الجماعة الإسلامية"، التي تنقسم إلى هياكل إقليمية ووطنية، وهي تنشط بشكل رئيسي في المساجد والجامعات وله صحيفة خاصة.
ويعتبر مورو واحدًا من أكثر الدعاة المعروفين في تونس وهو من الجماعة الإسلامية.
الهجوم عليه:
تعرض مورو للضرب بكأس بلور من قبل شخص متعصب أثناء ندوة رمضانية حول التسامح في الإسلام بالقيروان في 5 أغسطس 2012، خلال نفيه ما نسب للمفكر العلماني التونسي يوسف الصديق من أنه سب السيدة عائشة وشارك فيها يوسف الصديق ورضا بلحاج زعيم حزب التحرير في تونس إلى جانب مورو.
وتعرض للاعتداء بالعنف اللفظي والجسدي في 23 يناير 2013 أمام جامع المكي بجمّال بولاية المنستير من قبل مجموعة من الشباب محسوبين على التيار السلفي.
بداية الأزمة:
يرى متابعون للشأن التونسي أن مورو قد تعرض إلى ظلم كبير من حركة النهضة الإسلامية التي كان من أول الداعين إلى تأسيسها لكن الأضواء أحاطت براشد الغنوشي الذي ذاع صيته في تونس وخارجها، في حين كتب على مورو البقاء في عزلة داخل بلاده بسبب منعه من الحصول على جواز سفره وتعرضه لسنوات طويلة إلى التنكيل والسجن والمحاصرة قبل ثورة 14 يناير 2011، وإلى الإقصاء بعدها، ذلك انه تم استبعاده إبان حصول الحركة على الترخيص القانوني وسد الطريق أمامه اثر إعلانه عن نيته تكوين حزب جديد، ووصل الأمر إلى الاستيلاء على نضالاته و نسبها إلى غيره.
استياء مورو، ربما كان هو السبب الرئيسي في تشبّثه بالإعلان عن كونه مستقلا سياسيا على الرغم من حضوره الدائم في كل اجتماعات وتظاهرات حركة النهضة وخطبه في المساجد باسمها، إلا أن مواقفه المختلفة تارة والمناقضة لمواقف الحركة تارة أخرى، جعلت منه الشخصية الأكثر مراوغة وضبابية بين كل القيادات الإسلامية في تونس وجعلت العلمانيين على اختلافهم مع الإسلاميين ينقسمون في تقييمه بين محترم له وعاتب عليه دفاعه عن الهادي الجيلاني صهر الرئيس السابق زين العابدين بن علي وكان وراء تبرئته من تهم الفساد و استغلال النفوذ والذي برره الشيخ بوجوب توفير المحاكمة العادلة لأي متهم بعد الثورة.
خلافه مع حركة النهضة:
خلافات مورو مع الحركة بدأت منذ التسعينيات حين ندد بالعنف الذي اتخذته الحركة منهجا في التعامل مع السلطة و الخصوم السياسيين، فندد بعمليات باب سويقة التي قتل فيها الجناح العسكري للحركة حارس مقر محلي للحزب الحاكم و استعماله للمياه الحارقة في بعض عملياته و ندد أيضًا بعملية "ستينغر" التي كانت تهدف إلى إسقاط الطائرة الرئاسية في التسعينيات بصاروخ ستينغر، وهي مواقف صرحت بها الحركة بعد ثورة 14 يناير وقبل حصولها على الترخيص القانوني وهي التي استبعدت بموجبها مورو، معتبرة انه حاد عن مبادئ الحركة التي لم يكن على علم أصلا بوجود جناحها العسكري رغم أنه كان أمينها العام وهوما زاد من استيائه منها إذ صرح من قبل "أنا لا أخفي أنني مستاء من الحركة، فقد نددت منذ سنة 1991 بالعنف وهو حدث سياسي بالفعل، وطلبت من حركة النهضة وقتها أن تحسم أمورها وتتخذ موقفا حازما ضد العنف، إلا أنها عوض الإجابة عن الموضوع، وبيان أسباب ذاك العنف للرأي العام التونسي، سارعت إلى تجميد عضويتي.
واعترف مورو بأنّه أصبح عبئا على حركة النهضة، ويُفسّر ذلك بقوله "رؤايا لا تتأقلم مع رؤى الحركة وخياراتها في هذه المرحلة".
يستزيد في توضيح أبعاد تهميشه "واقع حضوري في حركة النهضة باهت وغير مؤثّر، فالخطّ التقدّمي الذي أمثله في حركة النهضة لا يروق لبعض الإخوة في الحركة. فأنا أعتقد أنّ هذه الحركة نشأت في العام 1970 /1971حركة تقدّميّة على المستوى الفكري ولم تكن حركة محافظة، وأعطت رؤى لم تكن معهودة لدى الحركات الإسلاميّة التي نشأت في حضنها.
موقفه المتناقض من الإخوان:
في الوقت الذى يطبق فيه مورو الفكر الإخواني، لم يتردّد في التعبير عن أسفه لما حلّ بحركة النهضة من عودتها إلى الفكر الإخواني، لدى قيادات وإعلاء شعارات رابعة العدويّة نفسها، قائلا "هذا يسوؤني لأنّ فيه نكوصا عن الواقع التقدّمي الذي عشناه في السبعينات، الحركة الآن أمام تحدّي السلطة كأنّها فقدت مميّزاتها الفكريّة، وما يسوؤني أكثر من قضيّة رابعة أنّ من وقفوا لتمثيل حركة النهضة في فترة من الفترات في شارع الحبيب بورقيبة "الشارع الرئيس في تونس العاصمة" هم حاملون للفكر السلفي مثل الحبيب اللوز، بل واستدانت سلفيا آخر وهو البشير بن حسن للوقوف إلى جانب راشد الغنوشي، معتبرا أن ذلك إفلاسا على المستوى الفكري.
خلاصة القول، لقد عُرف مورو، بمواقفه التي تلتبس فيها الوسطية مع التشدد ففي الوقت الذى يدعو إلى أفكار الجماعة يلتزم بمبادئها في السمع والطاعة، وفى الوقت الذى يطالب فيه بالديمقراطية وحكم الشعب يسعى بجماعته للاستيلاء على السلطة وقهر المعارضين.
للمزيد عن عبد الفتاح مورو أضغط هنا