السلام في أفغانستان بين طموحات طالبان ومصالح الأمريكان
الإثنين 19/أغسطس/2019 - 02:25 م
طباعة
حسام الحداد
أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مجددا، أن بلاده تجري محادثات "جيدة جدا" مع كل من حركة "طالبان" والحكومة الأفغانية بهدف إبرام اتفاق سلام يتيح لواشنطن سحب قواتها من أفغانستان.
وقال ترامب للصحافيين أمس الأحد: "نجري محادثات جيدة جدا مع طالبان. نجري محادثات جيدة جدا مع الحكومة الأفغانية"، مكررا بذلك ما سبق وأعلنه يوم الجمعة عن إحراز تقدم في المفاوضات الرامية لإنهاء التدخل العسكري الأمريكي المستمر في أفغانستان منذ 18 عاما.
وكان ترامب عقد الجمعة اجتماعا مع مسؤولين في إدارته، تناول المفاوضات الجارية مع "طالبان" وشارك فيه كل من وزير الدفاع مارك إسبر، ووزير الخارجية مايك بومبيو، ورئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الجنرال جوزف دانفورد.
وجول هذا الموضوع قدم د. محمد فايز فرحات على بوابة العين الاماراتية قراءة للإشكاليات والسناريوهات التي تفرضها المفاوضات بين الجانبين الامريكي والطالباني حيث أكد علي أن أهم مقومات نجاح عملية الحوار الجارية مع طالبان أفغانستان، سواء تلك المتعلقة بتحول مواقف الأطراف من مبدأ الحوار ذاته أو الدعم الملحوظ من جانب القوى الإقليمية أو مشاركة قيادات مهمة داخل الحركة في الجولات الأخيرة من المفاوضات، فضلا عن الخلفية السياسية والاجتماعية والمهنية للمبعوث الأمريكي للمصالحة الأفغانية زلماي خليل زاد.
وكان قد أشار فرحات إلى أنه رغم أن فكرة الحوار مع الحركة ليست فكرة حديثة ولم ترتبط بوصول إدارة دونالد ترامب، فإن افتقادها إلى العديد من الشروط خلال المراحل السابقة حال دون نجاحها أو استدامتها، وهو ما يميز عملية الحوار الجارية بجولاتها الثمانية التي تمت حتى الآن.
ومع أهمية هذه المقومات، إلا أنها لا تمثل شروطا كافية لنجاح عملية الحوار. وبالأحرى، فإنها لا تمثل شروطا كافية لبناء سلام مستدام في أفغانستان أو حتى توقيع اتفاق سلام يشمل كل أطراف الصراع، إذ لا تزال تلك "العملية" تفتقد إلى مجموعة من الشروط الإضافية اللازمة للوصول إلى مثل هذا الاتفاق، وتثير مجموعة من الإشكاليات والتحديات، نناقش ثلاث إشكاليات رئيسية منها.
1- السياق العام لعملية الحوار
بشكل عام، تجري مفاوضات السلام بين الأطراف المتصارعة في أحد سياقين. الأول، هو اضطرار أطراف الصراع للجلوس على مائدة التفاوض للوصول إلى "اتفاق سلام" يتعامل مع المطالب المتبادلة، وفي ظل حالة من التوازن العسكري النسبي فيما بينها. ويحدث ذلك في حالة عدم قدرة أي من أطراف الصراع على إلحاق هزيمة عسكرية واضحة بالطرف الآخر، ووصول أطراف الصراع إلى قناعة بصعوبة حسم الصراع الجاري باستخدام الأداة العسكرية.
السياق الثاني، هو تحقيق أحد أطراف الصراع انتصار عسكري واضح على الطرف الآخر، حيث يقوم الطرف المنتصر بفرض "سلام" يملي من خلاله شروطه التي تعكس موازين القوى القائمة.
مشكلة عملية السلام الجارية بين الولايات المتحدة وحركة طالبان أنها لا تندرج بدقة تحت أي من هذين النمطين؛ فعلى الرغم من التفوق العسكري الأمريكي على حركة طالبان- من حيث القدرات العسكرية التقليدية والنظامية- لكنها لم تستطع بعد مرور ما يقرب من ثمانية عشر عاما من الوجود العسكري المباشر على الأرض، والعمليات العسكرية التي تم تنفيذها ضد الحركة الحديث عن انتصار عسكري محدد وواضح على الحركة. كما أن ما تم تحقيقه من نجاحات على الأرض- سياسيا واقتصاديا وعسكريا- لا يتناسب مطلقا مع حجم التكاليف العسكرية والاقتصادية والبشرية الأمريكية للعمليات العسكرية الجارية منذ أكتوبر 2001 حتى الآن.
على الجانب الآخر، ورغم الخسائر البشرية لحركة طالبان التي لا يمكن تجاهلها- رغم عدم وجود إحصاءات دقيقة حولها، فضلا عن عدم الاعتبار الذي توليه الحركة لهذا النوع من الخسائر- لكنها في المقابل تبدو في وضع أقرب إلى وضع "المنتصر"، سواء وفقا لإدراكها وحساباتها الخاصة أو قياسا إلى حجم التكاليف المالية والبشرية التي تكبدتها الولايات المتحدة في هذه الحرب (حيث بلغ حجم تكاليف العمليات والأنشطة الأمريكية ذات الصلة بالحرب على الإرهاب في أفغانستان خلال الفترة من عام 2001 إلى 2019 نحو 975 بليون دولار).
هذا السياق العام الذي يجري فيه الحوار الجاري بين الولايات المتحدة وطالبان، يجعل من الوصول إلى اتفاق "سلام" مستدام في أفغانستان مسألة شديدة الصعوبة والتعقيد، وأوجد فرصة لإملاء طالبان لشروطها على الولايات المتحدة، وهو ما عكسه نجاح الحركة في إجبار الولايات المتحدة على القبول بشرط سحب كامل قواتها العسكرية من أفغانستان- حتى ولو بشكل تدريجي- بعد أن كانت تطرح بديل الاحتفاظ بجزء من هذه القوات.
خطورة القبول الأمريكي بالانسحاب الكامل من أفغانستان يعني، من ناحية، عدم وجود "ضامن" لأي اتفاق سلام يمكن الوصول إليه، ويعني أيضا من ناحية أخرى وجود فرصة كبيرة لتراجع الحركة عن أي التزامات يمكن التوصل إليها.
ويعني من ناحية ثالثة خضوع أي عمليات أو تفاعلات سياسية محلية بعد الانسحاب لموازين القوى (المختلة) بين الحركة والحكومة الأفغانية.
كذلك، انعكس هذا السياق نفسه في فشل المفاوض الأمريكي في إجبار/ إقناع الحركة بالقبول بالحوار المباشر مع الحكومة الأفغانية، وتمسكها بالفصل بين الحوار مع الولايات المتحدة من ناحية، والحوار مع الحكومة الأفغانية من ناحية أخرى، وأن يأتي الأخير- إذا تم بالفعل- في مرحلة تالية لتوقيع "اتفاق سلام" مع الولايات المتحدة، وهو ما ينقلنا إلى الإشكال الثاني.
2- تهميش الحكومة الأفغانية
إحدى نقاط ضعف عملية الحوار الجارية مع حركة طالبان أنها تركزت بين طرفين رئيسيين من أطراف الصراع، هما الولايات المتحدة وطالبان، في ظل غياب وتهميش واضح لطرف ثالث لا يقل أهمية هو الحكومة الأفغانية، بسبب رفض الحركة الحوار المباشر مع الحكومة.
ورغم قبول الحركة الجلوس مع ممثلين للحكومة الأفغانية خلال جولة الحوار السابعة (7- 9 يوليو 2019)، فإنها أصرت على مشاركة هؤلاء بصفتهم الشخصية وليس الرسمية، وغابت الحكومة الأفغانية- بشكل رسمي أو غير رسمي- عن جولة الحوار الثامنة (3- 12 أغسطس 2019).
ورغم إعلان وزير الدولة الأفغاني لشؤون السلام عبدالسلام رحيمي في 27 يوليو- أي قبل أسبوع من بدء الجولة الثامنة- احتمال عقد مفاوضات مباشرة بين طالبان والحكومة الأفغانية خلال أسبوعين في إحدى الدول الأوروبية، لكن لا توجد مؤشرات حقيقية على بدء هذا الحوار المباشر، حيث سارع المتحدث باسم المكتب السياسي للحركة في قطر سهيل شاهين برفض إجراء مثل هذا الحوار قبل الإعلان عن انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان أولا، وهو ما تبعه مباشرة إعلان الولايات المتحدة اتجاهها إلى تخفيض حجم قواتها العسكرية في أفغانستان من أربعة عشر ألف جندي إلى ثمانية آلاف فقط.
لكن من غير المعروف أيضا إذا ما كانت هذه الخطوة كافية من وجهة نظر حركة طالبان أم لا؟ وانتهت جولة الحوار الثامنة دون الإعلان عن تاريخ محدد لبدء الحوار بين الحركة والحكومة.
وفي جميع الحالات، وحتى بافتراض نجاح الجهود الأمريكية لنقل الحوار بين طالبان والحكومة الأفغانية من طبيعته ومستواه الحالي- على نحو ما جرى خلال الجولة السابقة- إلى حوار مباشر، هناك عدد من الملاحظات المهمة التي يجب أخذها في الاعتبار بهذا الشأن:
أ- ليس من المتوقع أن يكون هذا الحوار سهلا، بالنظر إلى أزمة الثقة والفجوة الضخمة بين الجانبين، ومن ثم ليس من المتوقع توصل الطرفين إلى توافقات سريعة بشأن قضايا الخلاف، أو على الأقل قد تؤدي الضغوط الأمريكية على الحكومة الأفغانية إلى القبول بشروط "سلام" سرعان ما سينهار أو سيقود إلى سيطرة جديدة لطالبان على السلطة، على نحو ما سنشير إليه لاحقا، خاصة أن هذا الحوار سيتناول قضايا تتعلق "بالنظام الديني" في أفغانستان وإجراء الإصلاحات اللازمة في بنية الحكومة الأفغانية- وفقا للتقارير المنشورة حول مضمون ورقة التفاهمات التي تم التوصل إليها خلال الجولة السابعة- وهي قضايا تشير إلى احتمالات قوية لمطالبة طالبان بإعادة النظر في الدستور الأفغاني وطبيعة النظام السياسي الذي تم تأسيسه بعد إزاحة نظام طالبان في عام 2001 والعودة إلى صيغة أقرب إلى نموذج ما قبل 2001. ومن ثم، فإن انهيار أو فشل الحوار الأفغاني- الأفغاني هو احتمال لا يمكن استبعاده.
ب- تحت ضغط عامل الوقت وحرص إدارة ترامب على الوصول إلى اتفاق مع طالبان قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، قد تضطر الولايات المتحدة إلى توقيع اتفاق ثنائي مع طالبان دون مشاركة الحكومة الأفغانية، أو في حالة فشل الحوار الأفغاني- الأفغاني، أو توقيع اتفاق سلام هش بين الأطراف الثلاثة يتضمن قبول الحكومة الأفغانية بتقديم تنازلات ضخمة فيما يتعلق بالدستور والنظام السياسي الأفغاني.