تنظيم الاخوان الدولي ومحاولة الهيمنة على الغرب انطلاقا من فرنسا

الثلاثاء 20/أغسطس/2019 - 01:01 م
طباعة تنظيم الاخوان الدولي حسام الحداد
 
تحاول الدول الأوروبية تكثيف مساعيها للقضاء علي الإرهاب من خلال وقف كافة الأشكال الداعية للتطرف وبالأخص التي بدأت تبثها جماعة الإخوان الإرهابية لنشر الفكر المتطرف في القارة العجوز بأكملها، وتواصل فرنسا التصدي للفكر الإخواني باستمرار، حيث طرحت الأخيرة تطبيق إلكتروني أطلقت عليه اسم "يورو فتوي"، وطالب أعضاء في مجلس الشيوخ الفرنسي، وزارة الداخلية بمنع التطبيق المرتبط بتنظيم الإخوان الإرهابي، وبإدارة شيخ الفتنة يوسف القرضاوي الممنوع من دخول فرنسا.
يأتي ذلك في الوقت الذي أصبحت فيه باريس واعية بالمشروع التخريبي الذى يحمله تيارات الإسلام السياسي، وهو ما ظهر جليا من تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السابقة حيث أكد أن الإسلام السياسي يمثل تهديدا خطيرا.
ومؤخرا وفي نفس السياق نشرت وسائل إعلام غربية، تقارير صحفية عن الدور الخفي لجماعة الإخوان في فرنسا، وسيطرتها على عدد كبير من المنظمات والجمعيات غير الحكومية، المعترف بها رسمياً ستاراً لترويج أفكارها المتطرفة. وفي تقرير للصحيفة الاستقصائية البريطانية "ذا إنڤستيجيتيف چورنال - تي آي چيه"،  جاء أن التنظيم الدولي للإخوان اخترق كيانات غير ربحية عبر الدعم المالي لتلك المنظمات، وزرع قيادات الاخوان داخلها، للترويج للأدبيات الفكرية للجماعة.
ويعتبر اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، الممثل الرسمي للتنظيم الدولي للإخوان في باريس، التي قسمها إلى 8 قطاعات إدارية، ويضم أكثر من 250 جمعية إخوانية، ويشرف على عدد من المؤسسات والكيانات والمراكز الإسلامية التابعة للتنظيم.
يوجد مقر "اتحاد المنظمات الإسلامية"، الذي عُدل اسمه إلى "مسلمو فرنسا"، في المنطقة الصناعية بـ"كورناف"، ويعد الفرع الفرنسي من اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا.
تأسست النواة الأولى لـ"اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" UOIF، في مارس 1983 على يد مجموعة من الطلاب العرب، هم المصري أحمد محمود، والتونسي عبدالله بن منصور، والعراقي زهير محمود، والسوري محمد خلدون باشا، واليَمَني عبد الرحمن بافاضل.
كانت البداية في إقليم موت وموزيل، بعد تجمع 4 جمعيات لشمال وشرق فرنسا، ذات تنظيم سرى، لم تخرج إلى العلن إلا حين أُثيرت قضية الحجاب الإسلامي، في أكتوبر (تشرين الأول) 1989، وهي الحادثة الأولى التي عرفتها فرنسا قبل حوادث مماثلة في مدينتي كريتاي ومرسيليا، قبل حل المشكلة في إطار مندوبيات التعليم، إذ زار رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، مدير المدرسة لإقناعه بإعادة إدماج الفتيات الثلاث، ثم وجها رسالة مفتوحة للوزير الأول ميشال روكار، شرحا فيها موقف الإسلام من الحجاب.
بعد عام من تأسيسه، ضم الإتحاد 31 جمعية إسلامية، تعود أصول أعضائها إلى تركيا والمغرب العربي، وزادت توسعاته في مطلع التسعينات.
وهكذا بدأت هذه المنظمة تشق طريقها إلى الإعلام والسياسة في الحياة الفرنسية، حتى وصل الأمر بوزير الداخلية آنذاك، بيار جوكس، إلى ضم عضوين من الاتحاد، هما رجل الأعمال المغربي عمار لصفر، والتونسي عبدالله بن منصور إلى المجلس الاستشاري لمسلمي فرنسا.
وفي 1985، شارك "اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا"، في تأسيس الفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا، التي هي في الأصل مبادرة لأحد الفرنسيين الذين اعتنقوا الإسلام، ويدعى دانيال يوسف لوكليرك، قبل أن ينخرط التنظيم ابتداء من 1993 في غزو المساجد الفرنسية، التي كانت في أغلبها تقع في أسفل العمارات في الأحياء، والتي يطلق عليها دانيال لوكليرك تسمية "مساجد المغاور" للسيطرة على المساجد المكتظة بالشباب من أبناء الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين.
يتكتم أصحاب الاتحاد كثيراً على مصادر تمويلهم، وتغمض الدولة الفرنسية أعينها عن التمويل طلباً لتحقيق بعض مصالحها استراتيجيا واقتصادياً.
وكانت الأموال تتدفق على الاتحاد عن طريق هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، التي يسيطر عليها الإخوان، وعبر مؤسسة الأعمال الخيرية لعمارة المساجد، وعن طريق الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، التي أطلق فكرتها يوسف القرضاوي، أحد مرجعيات الإخوان.
يقيم "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، مؤتمرا سنويا عملاقا في ضاحية باريس، في مارس، بمشاركة قيادات الإخوان واتباعهم، يلقون فيه محاضرات فكرية، لكن الإعلام الفرنسي كثيرا ما يتجاهلهم.
و يمثل المؤتمر السنوي معرضاً تجارياً مهماً تُعرض فيه الكتب التي تهتم بالثقافة الاسلامية والعربية، ويزوره الكثير من المسلمين وغير المسلمين من جميع دول أوروبا المحاذية لفرنسا.
يدير "اتحاد المنظمات الإسلامية" أيضاً، معهداً للتعليم يسمى "المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، ويقع أحد فروعه في باريس، تأسس في يناير(كانون الثاني) 2001، ويدرّس مرتاديه اللغة العربية والشريعة الاسلامية.
ينشر المعهد بعض المنشورات والكتيبات الإسلامية باللغة الفرنسية تعبر في الغالب عن وجهة نظر الإتحاد الإخواني حول الإسلام.
في 2017، صوت "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" ، على تغيير اسمه إلى "مسلمو فرنسا"
وتشير الدراسات المهتمة بتمويل الأذرع الإخوانية في فرنسا إلى أن هذا الاتحاد يزعم أنه "لا يحصل على أي دعم من أي دولة، وأن حوالي أكثر من 80 % من مداخيله تأتي من منخرطيه بالأساس، في حين يأأتي نحو 12 % فقط من هبات من ممولين من الشرق الأوسط".
غير أن الباحثة الفرنسية المختصة في الشؤون السياسية فيامتا فينر في كتابها الأخير "عرض شراء للإسلام في فرنسا: الطموحات السرية لاتحاد منظمات مسلمي فرنسا"، تشير في الفصل الذي خصصته لتمويل هذا الاتحاد إلى أن القسم الأكبر من الأموال تأتي في الحقيقة من أثرياء عرب.
ويدفع القطريون القسط الأكبر من هذه الأموال التي يخصصها الاتحاد للمشاريع العقارية مثلما بيّن الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية سنيغر حواس في حوار مع جريدة "ليبيراسيون" الفرنسية في 23 أبريل (نيسان) 2013 بقوله: "صار واضحاً أن أعضاء الاتحاد يزورون الخليج لجمع الأموال، وهذه الأموال تتخذ صيغة السيولة النقدية أو الاستثمارات في المجال العقاري أو المشاريع ذات الصلة الوثيقة بالأيديولوجية الدينية للإمارة القطرية".
وفي كتابه الشهير "قطر: الصديق الذي يريد بنا شراً" كشف الصحافي نيكولا بو، دور سفير قطر في فرنسا محمد جهام الكواري، في تمويل غالبية المؤسسات الإسلامية في فرنسا، منبهاً إلى  أن الخطر الحقيقي لا يتمثل فقط في معرفة من ينفق، بل في الغايات التي يوجه إليها هذا الإنفاق، وإلى أن القطريين يؤدون دوراً أكثر خطورة يتمثل في غرس الأيديولوجية الإخوانية في كل أنحاء أوروبا وفرنسا تحديداً.
ويشير إلى أن الإسلام الفرنسي، هو الرهان الحقيقي للسياسة القطرية للتحكم في الإسلام الأوروبي، ووسيلتها ايضاً للتحكم في الجاليات الأفريقية، إذ يبدو أن لقطر حسابات في هذه البلدان، لأنها تسعى إلى احتكار الإسلام الإخواني ووضعه تحت مظلتها وإعادة بيعه لأوروبا معلباً في أشكال متعددة.
وفي غياب السلطات الفرنسية دفع القطريون رموز وقيادات الإخوان إلى أعلى المؤسسات الدينية الفرنسية، مثلما فعلوا مع أحمد جاب الله عضو الاتجاه الإسلامي التونسي السابق لرئاسة الاتحاد وهو عضو بالمجلس الأوروبي للإفتاء الذي يرأسه الإخواني يوسف القرضاوي، والسبيل طبعاً لكل هذه السياسيات كما يقول نيكولا بو، هو "الدفع بالدولار".
وفي بداية 2012 وعن طريق مؤسسة قطر الخيرية دفع أحد الأثرياء القطريين عدة ملايين، لبناء مسجد في مدينة نانت يبلغ ارتفاع مئذنته 17 متراً، وكان رموز الإخوان الفرنسيين حاضرين يوم التدشين مع ممثلي السلطات الفرنسية.
إن قطر بهذه الاستثمارات لا تستثمر في الحجر كما يقول نيكولا بو، بل تستثمر في الرجال والأفكار، وهي مستعدة "لشراء" الداعية الإخواني طارق رمضان كما تشتري أي لاعب كرة قدم لفريق باريس سان جيرمان، لتحقيق أهدافها التي تتجاوز بالتأكيد حجم الإمارة نفسها.
ومثلما بين الباحث سنيجر حواس، الذي يذهب إلى حد القول، إن جنون العظمة هو الذي يدفع القطريين إلى تصور أنهم قادرون من خلال ثرواتهم أن يكونوا "محور النهضة الإسلامية العالمية عوض السعودية".
عرف اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا، بصفته الإخوانية منذ بدايته في 1983، خلال تلك الفترة لم يجد الاتحاد أزمة مع هذا التوصيف والانتماء للتنظيم الدولي، لكن محاولة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إدراج الجماعة على قوائم الإرهاب دفعت اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا، لإعلان أنه لا يتبع التنظيم، في مؤتمر صحافي عقده فى تركيا، في محاولة للمراوغة والهروب من قرار الحكومة الأمريكية.
وكشف تقرير للصحيفة الاستقصائية البريطانية "ذا إنڤستيجيتيف چورنال - تي آي چيه" ت أن منظمة "مسلمو فرنسا" نفت أي علاقة بينها وبين الإخوان، ولكن بعض المسؤولين الفرنسيين السابقين في المنظمة، كشفوا وجود علاقات حية بين المنظمة والجماعة تمتد حتى اليوم، ما يجعلها مركزاً لنشر الأصولية والتطرف الإسلامي في فرنسا.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أنها التقت بمحمد لويزي، أحد المسؤولين السابقين في المنظمة الذي أكد صلة المنظمة بالإخوان، وأنها تعمل بفاعلية في الترويج لأجندة الإخوان، وأن هناك قائمة طويلة من منظمات المجتمع الإسلامي في فرنسا تخضع لتأثير فكر جماعة الإخوان وقياداتهم.

شارك