داعش وطالبان ومحاولات السيطرة الارهابية على الأفغان
الثلاثاء 20/أغسطس/2019 - 02:22 م
طباعة
حسام الحداد
قالت وزارة الداخلية الأفغانية إن مسلحين من طالبان أضرموا النيران، فجر الثلاثاء 20 أغسطس 2019، في مدرسة للبنات في العاصمة كابول، فيما نفت الحركة ضلوعها بالأمر.
ونقلت قناة طلوع نيوز المحلية عن نصرت رحيمي، المتحدث باسم وزارة الداخلية، قوله إن حركة طالبان حرقت ثانوية “بويا زار” للبنات، في وقت متأخر من ليلة الإثنين الثلاثاء، في قرية نصيري بالعاصمة.
ونفت حركة طالبان، في بيان، ضلوعها في الحادث، بحسب المصدر نفسه، وبنفي حركة طالبان فقد تشير أصابع الاتهام إلى تنظيم الدولة "داعش أفغانستان" والذي يحاول سحب البساط الإرهابي من حركة طالبان.
وقال مسؤولون محليون إن مئات الفتيات كنّ يتلقين التعليم في المدرسة التي تم حرقها.
ولم يوضح المصدر أية تفاصيل عن وجود إصابات بشرية، فضلا عن حجم الأضرار المادية التي لحقت بالمدرسة.
وفي نفس السياق قال مسؤولون ان سلسلة من التفجيرات أصابت المطاعم والساحات العامة يوم الاثنين 19 أغسطس 2019، في مدينة جلال اباد بشرق أفغانستان مما أسفر عن اصابة 34 شخصا على الاقل في الوقت الذي تحتفل فيه البلاد بالذكرى المئوية لاستقلالها.
كما لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن القنابل العشر لكن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومقاتلي طالبان يعملون في المنطقة.
وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤوليته عن هجوم بالقنابل في عطلة نهاية الأسبوع على حفل زفاف في العاصمة، كابول، أسفر عن مقتل 63 شخصًا وجرح 200 آخرين.
كما زرعت قنابل جلال أباد بالقرب من سوق تجمهر فيه المئات من الناس بعد حضور أحداث يوم الاستقلال. وقال المسؤول الصحي البارز فهيم بشاري إن 34 شخصا على الأقل أصيبوا.
ودعا الرئيس أشرف غني، في خطاب بمناسبة يوم الاستقلال في كابول، المجتمع الدولي إلى الوقوف مع أفغانستان للقضاء على "أعشاش" المتشددين.
وقال في اشارة الى داعش "سوف يستمر كفاحنا ضد داعش".
وأضاف "لقد وضعت حركة طالبان الأساس لمثل هذه الأعمال الوحشية".
ولم يشر غني في كلمته إلى المفاوضات بين الولايات المتحدة وطالبان حول صفقة يمكن بموجبها للجنود الأمريكيين الانسحاب مقابل الضمانات الأمنية لطالبان.
كما تريد الولايات المتحدة التزامًا من طالبان بشأن محادثات تقاسم السلطة مع حكومة غني ووقف إطلاق النار.
ولكن هناك مخاوف بين المسؤولين الأفغان ومساعدي الأمن القومي الأمريكي بشأن انسحاب الولايات المتحدة، مع مخاوف من أن أفغانستان قد تدخل في حرب أهلية جديدة يمكن أن تبشر بعودة حكم طالبان والمسلحين الدوليين، بما في ذلك داعش، وإيجاد ملجأ.
كما يأمل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
وقال إن الولايات المتحدة ستسعى إلى خفض مستويات القوات إلى أقل من 13 ألف جندي، لكن تترك قدرات استخبارية "مهمة للغاية".
وتقوم القوات الأمريكية في أفغانستان بتدريب وتقديم المشورة لقوات الأمن الأفغانية والقيام بعمليات مكافحة التمرد.
وقالت طالبان في بيان يوم الاستقلال إنها تتطلع إلى رحيل جميع القوات الأجنبية.
وقالوا: "يقترب اليوم أكثر عندما يغادر هؤلاء الغزاة بلادنا تمامًا، على غرار البريطانيين والسوفيت أمامهم".
وتأتي هذه العمليات بعد تفجير داعش لصالة أفراح في العاصمة الأفغانية كابول ورغم دموية الحادث والعدد الضخم الذي خلفه من الضحايا المدنيين الأبرياء ومعظمهم من النساء والأطفال فإن الهجوم الانتحاري الدموي الذي استهدف عرسًا في العاصمة الأفغانية كابول قبل يومين ربما لا يبدو مستغربًا في بلد، مثل أفغانستان يعيش منذ سنوات حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، وينام ويصحو على وقع تفجيرات ومواجهات مسلحة شبه يومية بين القوات الأمريكية والأفغانية النظامية ومقاتلي حركة طالبان.
لكن هناك مجموعة من العوامل التي قد تعطي لهذا الهجوم الإرهابي الأخير العديد من الدلالات والرسائل السياسية والأمنية سواء ما يتعلق بمكان وزمان الهجوم أو العدد الكبير لضحاياه من المدنيين أو- وهذا هو الأهم- الجهة المسئولة عنه، وكلها عوامل تجعل ما جرى يبدو مختلفًا عن غيره الهجمات والتفجيرات الانتحارية التي تشهدها مناطق مختلفة من أفغانستان.
فالمكان هو العاصمة كابل، والزمان بعد أيام قليلة من إعلان كل من حركة طالبان والولايات المتحدة أنهما على وشك التوصل لاتفاق سلام طال انتظاره يمهد الطريق لانسحاب القوات الأجنبية من البلاد، ويفتح الباب لتقاسم السلطة بين طالبان والحكومة الأفغانية الحالية وينعش آمال المواطنين الأفغان في أن ينعموا بعودة الاستقرار والأمن المفقود في ربوع بلادهم.
ومن حيث حجم الخسائر البشرية، فقد أوقع هذا الهجوم الدموي الذي استهدف صالة للأفراح في ضاحية "تشار قلعة" غربي العاصمة الأفغانية، نحو 63 قتيلًا وأكثر من 180 جريحًا من المدنيين الأبرياء، ما يجعله أحد أعنف الهجمات التي شهدتها أفغانستان خلال الشهور الأخيرة وأكثرها دموية.
لكن المسألة الأهم في هذا السياق تتمثل في الجهة التي نفذت هذا الهجوم، وهي هنا تنظيم "داعش" الإرهابي الذي أعلن في بيان له مسئوليته عن الحادث، وكشف البيان عن أن انتحاريًا باكستانيًا ينتمي للتنظيم قام بتفجير نفسه في حفل عرس لأحد أبناء الأقلية الشيعية في أفغانستان، وأعقب ذلك تفجير سيارة مخففة قرب القاعة التي كان يقام فيها العرس.
على ضوء كل ما سبق، لا يمكن النظر- كما يرى مراقبون- إلى هذا الهجوم الانتحاري الدموي الذي شنه تنظيم داعش في قلب كابل بمعزل عن التطورات الراهنة في المشهد السياسي الأفغاني وخصوصًا ما يتعلق بالمفاوضات الجارية بين طالبان وواشنطن، والتي حققت تقدمًا لافتًا نحو التوصل لاتفاق سلام شامل في أفغانستان، حسب تصريحات المشاركين في هذه المفاوضات من الجانبين.
وفي هذا الإطار يحمل هذا الظهور اللافت لتنظيم داعش على الساحة الأفغانية في هذا التوقيت وبهذه الطريقة الدموية، العديد من الرسائل التي تستهدف خلط الأوراق في المشهد السياسي والأمني في البلاد، إذ إن توقيت الهجوم يبدو كمحاولة لاستباق الإعلان المرتقب عن التوصل لاتفاق السلام بين الولايات المتحدة وطالبان، وللتأكيد على أن تنظيم داعش حاضر بقوة على الساحة الأفغانية، وأنه قادر على إرباك أو إجهاض أي خطط لإعادة الاستقرار والأمن في البلاد.
كما أن التنظيم يبعث بذلك رسالة إلى حركة طالبان برفض أي تفاهمات أو ترتيبات أمنية ستوقعها الحركة مع الولايات المتحدة، الأمر الذي يجعل الأوضاع المستقبلية في أفغانستان مفتوحة على الكثير من الاحتمالات، لا سيما وأن داعش من خلال هذا الموقف الرافض لاتفاق السلام، يبدو وكأنه يحاول إغراء بعض المتشددين في صفوف طالبان والرافضين للاتفاق بالانضمام إلى صفوفه.
ومما يعزز هذه القراءة أن تفجير كابل الانتحاري سبقه انفجار بأحد المساجد في منطقة "كتشلاك" قرب مدينة كويتا مركز إقليم بلوشستان الباكستاني، وقتل فيه إمام المسجد وهو شقيق زعيم «طالبان» الأفغانية.
وقد ذكرت مصادر أفغانية أن الجناح المنشق عن حركة طالبان، بقيادة ملا رسول أعلن مسؤوليته عن مقتل شقيق مولوي هبة الله أخوند زادة زعيم طالبان الحالي فيما قالت مصادر أخرى إن التفجير من تدبير تنظيم داعش المعادي لطالبان حيث قتل خمسة أشخاص وجرح أكثر من عشرين آخرين.
ولذا فقد كان موقف حركة طالبان من الهجوم الانتحاري الأخير في كابل، لافتًا ولا يخلو من دلالات، فقد سارعت الحركة بالتنديد بهذا التفجير، ووصفته بأنه إجرامي يستهدف المدنيين والسكان الآمنين.
هذه التطورات على الساحة الأفغانية تطرح العديد من الأسئلة حول مستقبل الوضع في أفغانستان ولا سيما ما يخص الصراع المتوقع بين طالبان وتنظيم داعش عقب التوصل لاتفاق السلام مع الولايات المتحدة والذي يفترض أن تتعهد فيه طالبان بعدم السماح بأن تكون أفغانستان ساحة للتنظيمات الإرهابية مثل داعش أو القاعدة، وهو تعهد قد يجعل طالبان في مواجهة مباشرة ومفتوحة مع داعش وعناصره الأمر الذي يطرح مخاوف وتساؤلات حول فرص عودة الأمن والاستقرار إلى البلاد عقب التوصل لهذا الاتفاق.
ومما يزيد من تلك المخاوف بشأن الصراع مع تنظيم داعش على الساحة الأفغانية، هو احتمال أن يدفع توقيع حركة طالبان لاتفاق سلام مع الجانب الأمريكي، بعض مقاتلي الحركة، وخصوصًا المتشددين منهم، إلى أحضان تنظيم داعش (ولاية خراسان)، والذين سيرفضون الانضمام لهذا الاتفاق.
ويرى محللون وسياسيون أفغان أن تنظيم داعش قد يجد في هؤلاء المتشددين المعارضين لاتفاق السلام المرتقب، فرصة مهمة لتجنيد وضم العديد من مقاتلي طالبان إلى صفوفه، فالنسبة لهولاء المتشددين من سيمثل تنظيم داعش فرصة لهم، لمواصلة حربهم على من يرون أنهم "كفار"، وعلى أنصارهم كما أن داعش قد يصبح ملاذًا أيضًا لبعض مقاتلي طالبان ممن يخشون الانتقام منهم إذا ما حاولوا الاندماج في المجتمع الأفغاني والعودة إلى حياتهم العادية.
كل ذلك يمثل تحديًا كبيرًا أمام أي اتفاق سلام في أفغانستان، كما أنه يشكل مصدر قلق لحركة طالبان وللولايات المتحدة بشأن مستقبل الأوضاع الأمنية في أفغانستان، لما قد يشكله تنظيم داعش وأنصاره من تهديد لأي ترتيبات أمنية أو سياسية مستقبلية في أفغانستان عقب التوصل لاتفاق السلام بين الجانبين.
وتشارك الحكومة الأفغانية في نفس القلق من الخطر الأمني المتزايد الذي بات يشكله تنظيم داعش على الساحة الأفغانية، فقد أعلن صديق صديقي المتحدث باسم الرئيس الأفغاني أشرف غني أن القوة المتنامية لتنظيم داعش وجاذبيتها لبعض عناصر طالبان تمثل مصدر قلق رئيسيًا، لا سيما وأن أغلب عناصر داعش هم من مقاتلي طالبان السابقين.
هكذا فإنه ورغم الآمال التي أنعشها قرب التوصل لاتفاق سلام بين الولايات المتحدة وطالبان، في عودة الاستقرار إلى أفغانستان ووضع حد للحرب الأفغانية التي حصدت أرواح عشرات الآلاف من المواطنين الأفغان فإن التهديدات الأمنية لا تزال كبيرة وعلى رأسها تهديد تنظيم داعش الإرهابي.