"بوابة الحركات الإسلامية" تخترق معاقل الجماعات الإرهابية في ألمانيا
السبت 31/أغسطس/2019 - 01:25 م
طباعة
برلين – هانى دانيال
«تحويل الأموال من تركيا ودول أخرى» وسيلة الإرهابيين فى تمويل العمليات
مرتكبو الجرائم الإرهابية يتنقلون من برلين إلى درسدن بحرية بعيدًا عن عيون الألمان
الشرطة الألمانية تسعى لفك لغز شركاء أنيس العامرى فى العملية الإرهابية
«العامرى» استخدم جوازات سفر مزورة لاستلام تحويلات مالية قادمة من تركيا ودول أخرى
لا تزال العملية الإرهابية التى قام بها التونسى أنيس العامرى، فى ديسمبر 2016 فى ألمانيا فى بؤرة اهتمام السلطات الألمانية، رغم الإعلان عن مقتله فى إيطاليا، وتحاول ألمانيا فك شفرة تحويل الأموال وكشف العناصر الإرهابية، غير أن تتبع خطوات الجماعات الإرهابية فى أوروبا أمرًا معقدًا فى ظل تشابك القوانين وتداخل المعاملات داخل دول الاتحاد الأوروبي.
تمكن محرر «بوابة الحركات الإسلامية» الموجود فى برلين لعدة أشهر من التعرف على الطرق التى تتبعها الجماعات الإرهابية فى الحصول على مصادر تمويلها، وكيفية التعامل مع أفرادها، والحصول على عدد من الوثائق التى تكشف عن صعوبة مواجهة الأساليب التى تتبعها هذه الجماعات فى تمويل العمليات الإرهابية وتحديد مهام أفرادها.
وحتى الآن لا تزال عملية الدهس التى قام بها التونسى أنيس العامرى، فى ديسمبر ٢٠١٦ بسوق عيد الميلاد، فى ساحة براتشيدبلاتز، محل اهتمام المجتمع الألمانى، وهناك تساؤلات لا تجد لها أجوبة من قبل الشرطة والمحققين الألمان، وكشفت صحيفة «بيلد» الألمانية الجمعة الماضية أن الشرطة تحقق فى بعض لقطات الفيديو القريبة من الحادث للبحث عن شخصيات قامت بمساعدة أنيس العامرى، الذى تم الإعلان عن مقتله فى إيطاليا.
بداية القصة
حسب ما وصلنا من معلومات، قامت الشرطة الألمانية بمداهمة عدد من الأماكن التى تردد عليها التونسى أنيس العامري، والذى سبق وأعلن الولاء لتنظيم داعش الإرهابي، ومن هذه الأماكن مكتب لتحويل الأموال «ويسترن يونيون» وتحديدا بشارع كارل ماركس بحى نيوكولن فى برلين، الشهير بوجود عدد من العرب والأتراك به، قام العامرى بتحويل مبالغ مالية إلى والدته «نور الهدى» عبر هذا المكتب باستخدام بطاقة اللجوء التى يحملها من ألمانيا، حيث قام بتحويل مبالغ ٨٠٠ يورو، ٦٠٠ يورو، ٢٠٠ يورو، خلال عام ٢٠١٦، وقامت الشرطة بتتبع العمليات التى قام بها العامرى فى يناير ٢٠١٧، بعد أسابيع من قيامه بالعملية الإرهابية وفراره إلى إيطاليا، والحصول على نسخ من هذه العمليات للتعرف على قانونية هذه الخطوة والوثائق التى استخدمها العامري.
بينما استخدام «العامري» جوازات سفر مزورة لاستلام تحويلات مالية خاصة به قادمة من تركيا ودول أخرى من مكتب آخر بشارع زونين آليه بنفس الحي، مستغلا الثغرات القانونية وألاعيب جماعات النصب والعصابات الإجرامية المنتشرة فى برلين وعدد من المدن الألمانية، حيث تتفق جماعات مع مكاتب لتحويل الأموال على سرقة بعض الأرقام الخاصة بالتحويلات والسطو عليها وسحبها دون مستندات، مستغلين تراخى الإجراءات التى تقوم بها الشرطة الألمانية فى ملاحقة هؤلاء.
والتقينا مدير مكتب لتحويل الأموال، وهو عراقى الجنسية بشارع زونين آليه وقال: هناك الكثير من العصابات التى ترغب فى التعامل معى وتقديم بعض الأرقام ومنحهم الأموال وتقاسم المبالغ، مستغلين الثغرات القانونية التى تفيد بعدم تحمل الشركة أى تعويضات جراء عدم استلام المبالغ أو حدوث أى شيء، خاصة أن الشركة تتطلب نسخ من جواز السفر، وهذه الجماعات لديها الكثير من جوازات السفر المزورة وتقوم باستخدامها والحصول على الملايين من اليورو.
وبسؤاله ماذا يضمن لأصحاب هذه الشركات من سحب المبالغ دون التأكد من صحة جواز السفر، وقال: لست خبيرا فى جوازات السفر، وهناك الكثير من أصحاب المكاتب يستغلون هذه الثغرة، ويقومون بصرف المبالغ فى حال توفر الرقم والاسم، ومن ثم يقومون بإرسال هذه البيانات إلى مقر الشركة الأم والحصول على النسب الخاصة بهم والعمولة، وهذه العصابات المنظمة تستغل الكثير من الثغرات التى فشلت الشرطة الألمانية فى مواجهتها، وهناك ضحايا النصب لا يزالون يعانون من عدم الحصول على مستحقاتهم، فى ظل رفض الشركة تقديم المبالغ التى تم السطو عليها إلى أصحابها.
مسجد سلفي
ومن المواقع التى قامت الشرطة الألمانية بمراقبتها بعدما تردد عليها مسجدا ومؤسسة بمدينة هيلدشايم فى ولاية ساكسونيا السفلي، حيث تردد «العامرى» على هذا المسجد كثيرًا، ورغم أنه تم مداهمة المسجد قبل أشهر من جريمة العامرى، إلا أنه لم يتم اتخاذ خطوات صارمة تجاه القائمين عليه، حيث يربط البعض بين هذا المسجد وبين جماعات سلفية.
المهم هنا، هو رصد وجود عدد من التوانسة فى هذه المدينة، ومنهم من يعمل فى شركات أمن، ويقومون بالتعاون مع السلطات الألمانية، وهو ما يسمح بتبادل المعلومات بين مواطنين تابعين لجماعات متطرفة وبنى وطنهم لتنفيذ عمليات إرهابية بناء على ما يحصلون عليه من معلومات، ليس فقط داخل هذه الولاية التى تشهد انتخابات داخلية فى سبتمر المقبل، وإنما فى ولايات أخرى للابتعاد عن مراقبة الشرطة الاتحادية وجهاز الاستخبارات الداخلية الألمانية «مكتب حماية الدستور».
ورغم عدم قدرة الشرطة الألمانية فى فك لغز شركاء العامرى فى العملية الإرهابية، إلا أن هناك لقطات بثتها الصحف الألمانية تشير إلى وجود شركاء له، ولكن تكتم الشرطة الألمانية يعقد الأمر ولا يفصح المزيد من المعلومات، خاصة أن هناك عمليات مراقبة لعدد من المترددين على هذه المساجد، وتأمل الشرطة الاتحادية فى التوصل إلى خيوط للجريمة التى هزت ألمانيا.
وحسب ما رصدته «البوابة نيوز» أن ملف العامرى لم يغلق بعد حتى بعد الإعلان عن تصفيته فى ديسمبر من عام ٢٠١٦، وبعد أيام قليلة من تنفيذه لعملية الدهس، ولكن هناك تحقيقات مكثفة يتم القيام بها للتوصل إلى مصادر تمويله والشركاء الذين قاموا بمساعدته وتوفير الدعم اللوجيستى له، وحينها سيتم إصدار بيان موسع حول هذه الملابسات.
وطبقًا للوثائق التى اطلعت عليها «البوابة نيوز» هناك عدد من البلاغات والتحقيقات التى تجرى داخل ألمانيا بسبب عمليات تحويل الأموال واستغلالها لصالح الجماعات الإرهابية، وفى كثير من مكاتب الشرطة فى برلين، ايسن، درسدن، دوسلدورف، كولن، هناك مئات البلاغات من قبل أشخاص جرى النصب عليهم عبر هذه العمليات، وتحقق الشرطة فيها ولكن لم تصل إلى معلومات مؤكدة بعد أو القبض على هؤلاء، خاصة وأن عمليات تحويلات تجرى من وإلى تركيا تساهم فى تعقيد الأزمة، وسط بيرواقرطية معقدة تطيل عملية التحقيقات، ومن ثم تسمح الفرصة للجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة فى الإفلات من العقاب، واتخاذ مسارات بديلة للابتعاد عن أعين المحققين الألمان.
وكشف مدير مكتب لتحويل الأموال لـ«البوابة نيوز» أن هناك عصابات منظمة فى تركيا تمكنت من السطو على ٣٣ ألف يورو فى يوم واحد، والقيام بعمليات تحويل عبر هاكرز للسيستم، ورغم تدخل الشرطة الألمانية والتحقيق فى الأمر إلا أنه لم يتم التوصل إلى هذه الجماعات، وإنما تم غلق مكتب الشركة فى اسطنبول والحصول على هذه الأموال من رصيد المكتب لدى الشركة الأم فى الولايات المتحدة.
أوضح أن كل من تعرضوا للنصب لم يحصلوا على أموالهم فى ظل تباطؤ الإجراءات التى تقوم بها السلطات الألمانية، فهناك محاضر لعمليات نصب استمر التحقيق فيها عدة أشهر ولم يتم الوصول إلى الجناة.
مراكز المشورة
وبالفحص والمتابعة تبين أن هناك عددًا كبيرًا من الحالات التى تعرضت للنصب أمام مراكز مشورة المستهلكين، حيث تلقت العديد من الشكاوى وتقوم بمتابعتها مع الجهات المعنية، حيث قام عدد من الأفراد سواء ألمان أو من جنسيات عربية مختلفة بتقديم طلبات لهذه المراكز لمساعدتهم أمام جهات التحقيقات والحصول على مستحقاتهم، خاصة أن هذه المراكز تقوم بانصاف الضحايا وتنوب عنهم فى التحقيقات، وتتواصل مع المحكمة فى هذا الأمر حتى ولو تطلب الأمر استغراق وقت طويل.
وقال جوليان ريولي، مستشار بأحد مراكز المشورة فى برلين: هناك الكثير من عمليات النصب التى يقع فيها مواطنون ألمان أو أجانب، ودور هذه المراكز متابعة الحالات أمام المحاكم وتقديم المشورة وإنابة المحامين عنهم، والحصول على أتعاب المحاماة من الطرف الخاسر، وتقوم هذه المراكز بحل المشكلات بين المواطنين والمتاجر والكثير من المؤسسات الحكومية، والخدمات المقدمة بأسعار رمزية، فالمشورة تتطلب ١٥ يورو فقط، وكذلك رسوم سنوية ٢٠ يورو لمن يريد التواصل مع المراكز خلال العام، وغيرها من الخدمات المقدمة بأسعار زهيدة.
وشدد على أن هناك العديد من المدن المشهورة بوجود عصابات منظمة وتقوم باستغلال المواطنين والالتفاف على القوانين ولكن يجرى متابعة هؤلاء، وفق القوانين الألمانية، خاصة أن وزارة الداخلية الألمانية تقوم حاليا بمراجعة سجل كل العصابات المنظمة بأنحاء البلاد وقامت بإلقاء القبض على الكثير منهم، وتم تفكيك خيوط التواصل بينهم فى برلين، وجار العمل على ملاحقة هؤلاء فى المدن الألمانية الأخري.
مشكلات قانونية
وحول سُبل التعامل القانونى مع تمويل الجماعات الإرهابية، قال الدكتور عوض شفيق، أستاذ القانون الدولى بالمعهد العالى للقانون فى جنيف، إن وجود عدد كبير من الدواعش داخل أوروبا عامة وألمانيا خاصة، من شأنه تعقيد عملية ملاحقة هذه الجماعات ومراقبة تمويل الجرائم الإرهابية التى يقومون بها، وبالتالى تقع المسئولية كاملة على ألمانيا فى حال عجزها عن مواجهة هذا النوع من العمليات الإجرامية، ولكن فى ظل ما يمر به المجتمع الدولى من ازدواجية المعايير وعدم القدرة على تفعيل قرارات مجلس الأمن، أصبح الأمر حبرًا على ورق، وتستغل الجماعات الإرهابية هذه الثغرات فى تنفيذ مخططاتها، ويتنقل أفرادها بحرية من دولة لأخرى تحت مزاعم حقوق الإنسان وتوفير حماية لهم بشكل غير مباشر كما حدث مع أصحاب الخوذ البيضاء فى سوريا، بعد أن انتقلوا من هناك إلى أمريكا وكندا عبر وجودهم لفترة فى الأردن ودول أوروبية.
أوضح أن ألمانيا لديها التزامات وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم ١٣٧٣، فهناك التزامات فيما يتصل بتجريم تمويل الإرهاب، الأول بتمويل الأعمال الإرهابية، والثانى بتمويل الإرهابيين، ويرد الالتزام الأول فى الفقرتين ١(أ) و١(ب). وينص القرار فى الفقرة ١ (أ) على أنه يتعّين على الدولة «منع ووقف تمويل الأعمال الإرهابية»، وتنص الفقرة ١ (ب) على أنه على جميع الدول «تجريم قيام رعايا هذه الدول عمدا بتوفير الأموال أو جمعها، بأى وسيلة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو فى أراضيها لكى تستخدم فى أعمال إرهابية، أو فى حالة معرفة أنها ستستخدم فى أعمال إرهابية». وهذه الصيغة قريبة جدًا من الصيغة الواردة فى اتفاقية عام ١٩٩٩.
وفى الفقرة ٣ (د) من القرار، «يطلب» مجلس الأمن من جميع الدول «أن تصبح أطرافًا فى الاتفاقية. وإضافة إلى ذلك، يتعين على الدول أن تضمن اعتبار تلك الأعمال الإرهابية جرائم خطيرة فى قوانينها الداخلية، وأن تجسد العقوبة الطابع الجسيم لتلك الجرائم على النحو الواجب. وتتضمن الاتفاقية أحكاما مماثلة. ولذلك، يبدو، أن الفقرتين ١ (أ) و(ب) تشيران إلى الاتفاقية.
ويرد الالتزام الثانى فى الفقرة ١ (د) من القرار، التى تنص على أن على الدول أن «تحظر على رعايا هذه الدول أو على أى أشخاص أو كيانات داخل أراضيها إتاحة أى أموال أو أصول مالية أو موارد اقتصادية أو خدمات مالية أو غيرها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، للأشخاص الذين يرتكبون أعمالا إرهابية أو يحاولون ارتكابها أو يسهلون أو يشاركون فى ارتكابها، أو للكيانات التى يمتلكها أو يتحكم فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة هؤلاء الأشخاص، أو للأشخاص والكيانات التى تعمل باسم هؤلاء الأشخاص أو بتوجيه منهم». وينشىء هذا الجزء من القرار التزاما مستقلا لم تتضمنه الاتفاقية، إذ أنها لا تتناول مسألة تقديم المساعدة المالية للإرهابيين أو للكيانات الإرهابية.
نوه على أن القرار لا يقتصر على المعاقبة على تمويل الإرهاب الدولى، بل يمتد لتشمل كل الأعمال الإرهابية، بصرف النظر عن أى عنصر عابر للحدود. وفى حين أن اتفاقية سنة ١٩٩٩، لا تنطبق فى جوهرها، وخصوصا فيما يتعلق بالتجريم، إلا حينما يتوافر هذا العنصر. وتنص المادة ٣ من اتفاقية عام ١٩٩٩: «لا تنطبق هذه الاتفاقية إذا ارتكبت الجريمة داخل دولة واحدة وكان مرتكبها المفترض من رعايا تلك الدولة، وموجودا فى إقليمها، ولم تكن أى دولة أخرى تملك، بموجب الفقرة ١ أو ٢ من المادة ٧، الأساس اللازم لتقرير ولايتها القضائية، إلا أن أحكام المواد من ١٢ إلى ١٨ تنطبق فى تلك الحالات حسب الاقتضاء». فإن التدابير المنصوص عليها فى القرار ١٣٧٣ لا تخضع لهذا الشرط.
وأضاف، ألمانيا عليها اتخاذ تدابير فى قوانينها الداخلية لتجريم الأعمال المتصلة بتمويل الإرهاب، والمعاقبة على تلك الجرائم بعقوبات تراعى طابعها الجسيم، خاصة أن جريمة «التمويل» يجب أن تكون خاضعة للعقوبة على نحو مستقل عن أى عمل إرهابى فعلى. بيد أنه فى معظم التشريعات الوطنية، لا يُعاقب الشريك فى الجريمة إلا إذا ارتكب الجانى الجريمة الأصلية أو عوقب أيضًا.