العودة مجددًا.. قمة أنقرة ومستقبل التسوية السورية والدور العربي

الأحد 22/سبتمبر/2019 - 02:43 م
طباعة العودة مجددًا.. قمة مصطفى صلاح
 
شهدت تركيا في 16 سبتمبر 2019، قمة ثلاثية بين كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الإيراني حسن روحاني، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للتباحث حول المستجدات الداخلية والإقليمية والدولية المرتبطة بالأزمة السورية، خاصة ملف منطقة إدلب وشمال سوريا، وتكمن أهمية هذه القمة كونها جاءت بعد العديد من التطورات الداخلية والإقليمية والدولية؛ على المستوى الداخلي والمتعلقة بسيطرة القوات السورية على العديد من المناطق في منطقة إدلب، وعلى المستوى الإقليمي الدعوات لعودة سوريا مجددًا للجامعة العربية، ودوليًّا فيما يتعلق بالموقف الأمريكي والأوروبي من الأزمة السورية والدور الروسي المتنامي هناك ومشكلة اللاجئين.(1)


الثلاثي الخامس وملفات متداخلة

ويعد الاجتماع الثلاثي بمثابة الخامس لرؤساء الدول الضامنة لعملية أستانا، بعد أن استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيريه التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني للمرة الأولى بسوتشي في نوفمبر2017، جدير بالذكر أنه يتم التباحث لتسوية الأزمة السورية المستمرة منذ عام 2011، عبر منصتي جنيف وأستانا (نور سلطان حاليًا)، وعلى الرغم من أن القمة تجمع العديد من الأجندات المختلفة؛ ففي الوقت الذي دعمت إيران وروسيا الرئيس السوري بشار الأسد، دعت تركيا مرارًا إلى الإطاحة به ودعمت فصائل مسلحة في المعارضة؛ لكن مع تمكن الأسد من تعزيز وضعه، تحولت أولويات تركيا إلى منع تدفق اللاجئين بشكل كبير من إدلب الواقعة في شمال غرب البلاد.



ووفق ما أعلنته الرئاسة التركية فإن القمة الثلاثية ستناقش التطورات الأخيرة في سوريا؛ إضافة إلى مسألة ضمان الظروف المناسبة من أجل العودة الطوعية للاجئين ومناقشة الخطوة المشتركة التي سيتم اتخاذها في الفترة المقبلة بهدف التوصل إلى حل سياسي دائم، وتأتي القمة على خلفية العديد من الملفات أهمها:

1) منطقة إدلب: تأتي أهمية التدخل العسكري السوري بمساعده الحليف الروسي كونه جاء بعد مؤتمر أستانا 13 في مطلع أغسطس 2019، والذي تم التباحث خلاله حول أهمية تسوية الأزمة السورية وصياغة دستور جديد للبلاد، والفصل في المنطقة الآمنة في إدلب، والتي تُعد تركيا أحد الدول الضامنة لتنفيذ هذه الاتفاقيات، كما تواصلت الضربات الجوية الروسية في المنطقة رغم اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين أنقرة وموسكو الذي أبرم في 31 أغسطس، على إنشاء منطقة منزوعة السلاح حول إدلب - بما في ذلك أيضًا المحافظات المجاورة اللاذقية وحماة وحلب - لإبقاء الهجمات السورية بعيدة. لكن في 30 أبريل 2019، بدأت القوات السورية، بدعم من القوة الجوية الروسية، بقصف إدلب ومناطق المعارضة في حماة.(2)

وعلى جانب آخر؛ تنشر تركيا 12 نقطة مراقبة في إدلب ومحيطها في تطبيق لاتفاق سوتشي الذي تم التوصل إليه في سبتمبر 2018، مع الجانب الروسي؛ لكن تواجه هذه النقاط مخاطر متزايدة في حال انفصال إحداها عن باقي أجزاء إدلب عندما تقدمت القوات السورية في أغسطس 2019، لمناطق خان شيخون للمرة الأولى منذ عام 2014.

2) المنطقة الآمنة: تمثل المنطقة الآمنة أحد أهم الملفات المهمة بالنسبة لتركيا وكذلك الجانب السوري، والتي ترى فيها أنقرة منطقة أمان في مواجهة القوات الكردية والطموحات الكردية بمناطق حكم ذاتي، الأمر الذي تعده أنقرة تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وبالنسبة لروسيا وسوريا تتزايد التخوفات من أن يتمكن الجانب التركي والأمريكي إلى التوصل لاتفاق نهائي حول الوضع في الشمال السوري، والذي قد يؤدي إلى استمرار النفوذ لفترة أطول، وما له من تداعيات سلبية على النفوذ الروسي، والنظام السوري، ولهذا السبب، أُريد من الهجوم الذي تشنه روسيا والنظام السوري في إدلب تغيير مجريات الأحداث في منطقة شرق الفرات على تركيا والولايات المتحدة، وفرض واقع جديد وحقيقة جديدة قد تفقد فيها تركيا جميع أرباحها المحتملة، وهذا الأمر دفعها إلى مراجعة سياستها في إدلب في اتجاه تكثيف المفاوضات مع روسيا، وهو ما تم بالفعل في زيارة الرئيس التركي أردوغان إلى موسكو في 28 أغسطس 2019، وما حاولت أنقرة مراجعته خلال القمة الثلاثية، إلا أن روسيا من جانبها أعلنت على لسان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأنه لا يجوز تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ.

3) إعادة الإعمار: يشكل هذا الملف أحد الملفات التي ناقشتها الدول الثلاث في القمة، خاصة وأن هذا الملف يرتبط بالعديد من الملفات الأخرى مثل ملف إعادة اللاجئين وصياغة دستور جديد للبلاد، ومشاركة الدول المانحة الإقليمية والدولية لتحقيق ذلك، ولكي يتم ذلك لابد من وجود تسوية سياسية وهذا مرتبط بالأساس بالتفاهمات التركية والإيرانية والروسية من جانب والقوى الدول مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جانب آخر، ومن ثم فإن هذه القمة تؤكد اعتزام سوريا وحلفاؤها الوصول إلى معادلة جديدة للبناء الداخلي وتنحية كل المشكلات الإقليمية وحلحلتها خاصة تلك المرتبطة بالجانب السوري.

4) الدستور: في نهاية شهر أغسطس أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، أن اللجنة الدستورية السورية على وشك الانتهاء، وأعرب عن أمله في أن يتم الانتهاء من العمل قبل نهاية سبتمبر، وتحاول اللجنة الدستورية منذ يناير 2018، وفق أساس مؤتمر الحوار الوطني السوري، الذي انعقد في سوتشي؛ حيث قامت روسيا بجمع أكثر من 1500 سوري، يمثلون مختلف المجموعات السياسية والعرقية والدينية في البلاد، وذلك في إطار العمل، من طرف موسكو وشركائها الرئيسيين والمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، على تشكيل لجنة دستورية مشتركة بين الأطراف السورية، والتي تهدف إلى وضع رؤية لإصلاح دستوري في سوريا.

ومن ثم فإن مناقشة الملف من جانب الدول الضامنة للجنة صياغة الدستور في أنقرة مؤشر آخر على اقتراب تسوية الأزمة السورية خاصة وأن موسكو تسعى للضغط من أجل تحقيق خطوات أخرى في مسألة تشكيل لجنة دستورية تعمل الأمم المتحدة على تأليفها للإشراف على المرحلة المقبلة للتسوية السياسية في سوريا.(3)

سوريا والجامعة العربية

جاءت القمة الثلاثية بين تركيا وروسيا وإيران بعد فترة وجيزة من الدعوات العربية لعودة سوريا إلى الجامعة العربية؛ حيث كشف وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في 11 سبتمبر 2019، عن مشاروات عربية لإعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، بالتزامن مع تطبيق المسار السياسي للأزمة السورية. وقال شكري، في تصريحات خلال اجتماع وزارء الخارجية العرب، وتجددت المطالب العربية بعودة سوريا إلى الجامعة العربية؛ حيث دعا سفير العراق لدى الجامعة العربية أحمد نايف الدليمي لإعادة عضوية سوريا بالجامعة، فيما طالب السوريين واليمنيين والليبيين بتجاوز الخلافات والحوار لإحلال الأمن والاستقرار ببلدهم، جاء ذلك خلال كلمة افتتاحية للدليمي لأعمال الدورة الـ(152) العادية لمجلس الجامعة العربية في مقرها بالقاهرة، حيث ترأس العراق أعمال هذه الدورة التي عقدت على مستوى المندوبين الدائمين.

ولعل هذه الدعوات تؤشر على أن هناك قناعات لدى العديد من الدول العربية بأن سوريا الآن باتت أكثر استقرارًا، وأنه لابد من مواجهة التوغل التركي والإيراني في الشأن السوري، وعلى الرغم من هذه الدعوات إلا أنه هناك استمرار لحالة انقسام الدول العربية بشأن عودة دمشق إلى المنظمة، ما يمكن أن يضعف الدور العربي بالمقارنة مع علاقاتها بإيران الحليفة لها.(4)

يذكر أن الإمارات والبحرين كانا قد قاما بإعادة فتح سفاراتهما في دمشق وأعلنت المملكة العربية السعودية مشاركاتها في عمليات إعادة الإعمار، بالإضافة إلى الزيارة الأولى لزعيم عربي إلى العاصمة السورية منذ 2011، والتي قام بها الرئيس السوداني المعزول، عمر البشرير، الذي التقى في دمشق نظيره الأسد.

 العودة المشروطة

حددت الجامعة العربية العديد من الشروط التي يجب أن يتبناها النظام السوري حيال عودته إلى الجامعة العربية وذلك وفق ما أكده الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير أشرف زكى «بأن عودة سوريا للجامعة العربية مرتبط بوجود توافق بين الدول العربية الأعضاء على قبولها وموقف النظام السوري من التسوية السياسية والعلاقة مع إيران، وأن المبدأ الذي سيقوم عليه هذا التحالف هو مبدأ تقوية الدولة الوطنية ضد العصابات الإرهابية».

وفي الإطار نفسه فإن هناك العديد من الدول العربية مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين؛ إضافة إلى مصر والأردن في طريقها لتشكيل تحالف إقليمي جديد مع سوريا لتفادي التدخلات الخارجية من جانب إيران وتركيا في المنطقة، الأمر الذي يتطلب إعادة سوريا للجامعة العربية، كما حدث في اجتماع البحر الميت في يناير 2019، الجدير بالذكر أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية وإن كانت متأخرة إلا أنها ستكون فرصة مناسبة أمام سوريا لاثبات ارتباطها بالمجتمع العربي، واستقلالها فيما يتعلق بمخرجات السياسة الخارجية بعيدًا عن الجانب الإيراني، إضافة لذلك فإن استعادة سوريا لعلاقاتها مع الدول العربية سيكون له تأثيره المباشر تجاه جهود إعادة الإعمار فيما يتعلق بتمويل هذه المشروعات التي يمكن أن تفيد الحكومة السورية.(5)

ختامًا: هناك مسارات عدة أمام الأزمة السورية للخروج بتسوية شاملة لها، سواء من جانب الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة وروسيا، إلا أن هذا له العديد من الانعكاسات السلبية المباشرة على المنطقة خاصة وأن ابتعاد سوريا عن المجتمع العربي، سيحدد بصورة كبيرة فاعلية الأدوار الأخرى الإقليمية والدولية خاصة من جانب تركيا وإيران، اللذان يمثلان تهديدًا لأمن المنطقة الإقليمي، وبالتالي فإن أهمية القمة الثلاثية بين تركيا وإيران وروسيا تأتي بالتزامن مع الدعوات العربية لإعادة دمشق إلى الجامعة العربية، وهو ما يخلق مسارات عدة أمام سوريا لتحقيق الاختيار الأمثل لها وإن كان مقترح عودتها إلى الجامعة العربية قد تأخر كثيرًا.

المراجع:

1) قمة تركية روسية إيرانية في أنقرة لضمان سريان الهدنة في شمال غرب سوريا، على الرابط: https://cutt.us/jXvZ2

2) بوتين وروحاني وأردوغان في قمة ثلاثية حول إدلب السورية، على الرابط: https://cutt.us/yDtEW

3) مصطفى صلاح، تحركات ضاغطة .. تركيا وسيناريوهات ما بعد معركة إدلب، على الرابط: http://www.acrseg.org/41320

4) شكري: مشاورات عربية لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، على الرابط: https://cutt.us/HNyRr

5) من الذي يختار التّوقيت المُناسب لعودة سورية إلى الجامعة العربيّة.. ضحيّة المُؤامرة الذي انتصر أم المُتآمرون الذين انهزم مشروعهم التّفتيتي؟ ولماذا نُرشّح هذه الشخصيّة بالذّات لكيّ يكون مندوبًا لها في حال المُوافقة على العودة؟، على الرابط: https://cutt.us/l7oH5

شارك