«فتح أوروبا».. كيف ساهمت «الدوحة» في تمكين الإخوان بالقارة العجوز؟

السبت 28/سبتمبر/2019 - 09:48 ص
طباعة «فتح أوروبا».. كيف دعاء إمام
 
تبدي عدد من الدول الأوروبية من حين لآخر، قلقها إزاء توغل فكر جماعة الإخوان في المجتمعات الغربية، إذ اعتبرتها الاستخبارات الألمانية خطرًا على المجتمع وتماسكه، ومن قبلها أبدت هولندا وإيطاليا وفرنسا تخوفها من سيطرة قيادات الجماعة على الجمعيات الخيرية والمراكز التي تستقبل المسلمين الجدد، محذرين من خطورتهم على القارة بأكملها.


 وكشف فيلم وثائقي بثته محطة «Arte» التليفزيونية الألمانية-الفرنسية، بعنوان «قطر: ملايين من أجل إسلام أوروبا» إستراتيجية الدوحة المتمثلة بالاستثمار في الإسلام السياسي ودعم تحركات الإخوان في أوروبا، عبر تمويل قرابة 140 مشروعًا في القارة العجوز بقيمة 120 مليون يورو، إذ حصلت القناة على وثائق تبين تفاصيل تمويل مؤسسة «قطر الخيرية» لمشاريع المساجد والمراكز الإسلامية والمدارس في أوروبا، والتي ترتبط جميعها بتنظيم الإخوان.

وبحسب الفيلم الوثائقي، تحتل إيطاليا المركز الأول من حيث عدد هذه المشاريع بـ47 مشروعًا، تليها فرنسا بـ22 مشروعًا، ومن ثم إسبانيا والمملكة المتحدة بـ11 مشروعًا لكل منهما، وأخيرًا ألمانيا بـ10 مشاريع.

وأوضح الفيلم الوثائقي أن قائمة المتبرعين للمؤسسة ضمت أسماء مسؤولين وأفراد من الأسرة الحاكمة القطرية مثل: الشيخ محمد بن حمد آل ثاني، والشيخ سعود جاسم أحمد آل ثاني، والشيخ خالد بن حمد بن عبد الله آل ثاني، والشيخ جاسم بن سعود بن عبد الرحمن آل ثاني، إضافة إلى الديوان الأميري نفسه.

مقاطعة الرباعي العربي

أبرز «الوثائقي الفرنسي» أن مقاطعة دول الخليج لقطر، أظهرت أن تمويل المساجد في أوروبا يهدف إلى محاولة استغلال الجاليات الإسلامية، حيث يتضح عمل  مشاريع قطر الـ22 في فرنسا  من خلال مؤسسة مسلمي فرنسا أو ما يعرف باتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا سابقًا، وهي منظمة تتبنى أيديولوجيا الإخوان.

ويقع أكبر مشاريع مؤسسة قطر الخيرية في مدينة مولوز) شرق فرنسا، وهو الأبرز في أوروبا، حيث يتمثل المشروع بمركز النور الإسلامي الذي يشتمل على: جامع، وفصول دراسية، ومكتبة، ومطعم، وسوق منتجات حلال، وحوض سباحة غير مختلط، إضافة إلى مركز طبي.

وبهدف إنشاء مركز النور، استعانت جمعية مسلمو منطقة ألزاس «AMAL» بتبرعات الجالية الإسلامية، ومعونات من البلدية، ولكن تكلفة المركز البالغة 28 مليون يورو دعت إلى طلب الدعم من متبرعين أثرياء، وبحسب ناصر القاضي، رئيس الجمعية، فقد مول أكثر من نصف ميزانية المشروع من قبل دولتين خليجيتين وهما: الكويت، وقطر.

وقال «القاضي»:  طلبنا تبرعات من قطر، وقد تبرعوا بحوالي 7 ملايين يورو، مرت إلى الجمعية بصورة رسمية عبر مؤسسة قطر الخيرية، وردًا على سؤال من الصحفي الفرنسي، حول انتماء «القاضي» إلى الجماعة، أجاب: «المسلمون كلهم إخوان مسلمين».
 
واستعرض الصحفيان الفرنسيان كريستيان شيزنو، ولوريزنو فيدينو، من جامعة جورج واشنطن وثائق رسمية لمؤسسة قطر الخيرية تتضمن مشاريع المؤسسة المختلفة في أوروبا، بالإضافة إلى حوالة بنكية لصالح مركز إسلامي في سويسرا؛ ما يثبت تمويل القطريين للإخوان في أوروبا.

كما ضمت الوثائق المعروضة، خطابًا موقعًا باسم «يوسف القرضاوي» مفتي الإرهاب، يوصي فيه بدعم مشروع في ميلانو، بصفته المرشد الأعلى لتنظيم الإخوان، مبينًا أن الجماعة تقف وراء هذا المشروع.

فتح أوروبا

انطلاقا من حديث «القرضاوي» عن حديث فتح روما وأوروبا، تعتبر إيطاليا هي الهدف الأول والأساسي لمؤسسة قطر الخيرية حيث تمول فيها 47 مشروعًا بأكثر من 25 مليون يورو، وأغلب هذه المشاريع يقودها اتحاد الجاليات والمنظمات الإسلامية في إيطاليا (UCOII) المقربة من جماعة الإخوان.

وقال رئيس الجالية الإسلامية في صقلية، عبدالحفيظ خيط: لقد حصلنا على التمويل من الدوحة. إذ  كانت الجالية الإسلامية في صقلية هي الجمعية الأولى التي اعترفت بها مؤسسة قطر الخيرية. وكانت أول من تلقى الدعم المالي.

وشكّل توافد المهاجرين المستمر  إلى صقلية معضلة أساسية، لاسيما أن الأمر يتطلب إنفاقا ماليا لإيوائهم، وبهذا الصدد طلب إمام قطانية في وثيقة مسربة من لفت هذا التحرك الكبير لقطر في صقلية انتباه المسؤولين السياسيين والاستخبارات الإيطالية، ومن تحليلاتهم هي أنه ضمن إطار مشروع التطرف، تستهدف مؤسسة قطر الخيرية المناطق التي يتوافد إليها المهاجرون للدخول إلى أوروبا.

ومن بين الوثائق المسربة، تثبت وثيقة تمويل مؤسسة قطر الخيرية لمركز «فيل نوف داسك» إضافة إلى إيصال يثبت التمويل بمبلغ 252.200 ريالًا قطريًّا، بجانب تحويلات بنكية، الأول بمبلغ 1 مليون ريال قطري، والآخر بمبلغ 575 ألفا.

وفي بلجيكا، لم تفصح رابطة مسلمي بلجيكا (مؤسسة غير ربحية)، عن حساباتها السنوية لدى المحكمة التجارية، ما دفع صحفية بلجيكية في مجلة «لو فيف ماري» سيسيل روين، حسابات الرابطة واكتشفت أن مؤسسة قطر الخيرية قد قدمت تبرعًا بمبلغ ضخم مقداره 1.081.940 مليون يورو من أجل مشروع إنشاء مركز ثقافي في مدينة سان جيل في ضواحي بروكسل، وأن المفاوضات وصلت إلى مرحل متقدمة لدرجة أن مستشارًا في السفارة القطرية رافق مفاوضي الرابطة لتقديم دعم قطر.

وفقًا للوثائق المسربة، تثبت عدد من العناصر دعم مؤسسة قطر الخيرية، حيث تعهدت المؤسسة في عقد أبرمته بالتكفل بقيمة إيجار مؤقت من 1 أكتوبر 2015 إلى 31 أكتوبر 2016. وتثبت وثيقة أخرى بتاريخ 4-4-2016 تحويلًا بنكيًّا إلى منتدى الإسلام في ميونخ بقيمة 44.756 ألف يورو، ويكشف بريد إلكتروني مسرب عن مفاوضات متقدمة حول تبرع بقيمة 5 ملايين يورو، وهو المبلغ اللازم للحصول على الأرض.

 مؤشرات

قبل أيام، نشر موقع «ذا إنڤيستيجيتيڤ چورنال» البريطاني تفاصيل عمليات التمويل التي تتلقاها الإخوان في هولندا من تنظيم الحمدين؛ ما مكن الإخوان من شراء 4 عقارات في أمستردام وروتردام ولاهاي، بقيمة 5 ملايين يورو على الأقل، خلال فترة قصيرة.

وأبرز الموقع خلال تحقيق استقصائي أجراه «رونالد ساندي»، المحلل السابق لدى الاستخبارات العسكرية الهولندية، أن الحكومة الهولندية لم تتخذ أي رد فعل على اندماج جماعة الإخوان والجماعات المتطرفة الأخرى إلى البلاد.

وبيّن «ذا إنڤيستيجيتيڤ چورنال» تركيز استراتيجية الإخوان على المدن الكبيرة في الفترة الأخيرة، خاصة أمستردام وروتردام؛ حيث ركزت الجماعة على الهولنديين الذين اعتنقوا الإسلام، والجيل الثالث من المسلمين الذين بالكاد يتحدثون العربية، وكانت المحاضرات والعظات تلقى باللغة الهولندية، ويشارك بها محاضرون دوليون معروفون داخل الجماعة، مثل جمال البدي وحسين حلاوة، وكثيرًا ما كانوا يلقون محاضراتهم بالإنجليزية.

فيما نشر المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، منتصف يوليو الماضي، دراسة بعنوان «كيف تدير جماعة الإخوان المسلمين شبكات عملها من داخل أوروبا ؟»؛ تمحورت حول الدور القطري في بقاء الجماعة بأوروبا، التي مثلت للإخوان الحاضنة والملاذ الآمن.

وركز الباحث حازم سعيد، على كيفية تمكن الجماعة من تأسيس شبكة علاقات من جنسيات مختلفة، إذ أكد أن تلك الشبكة  تداخلت فيها المصاهرات السياسية بالعلاقات الشخصية، وجمعتها الخطط والأهداف، وامتدت نشاطاتها في أوروبا عبر مؤسسات ومراكز كثيرة وحصلت على الدعم من الدول الداعمة للجماعة أبرزها من قطر وتركيا، التنظيم الدولي للإخوان.

وبحسب الدراسة، تهدف قطر وراء دعمها المالي والسياسي لمشروع الإخوان، إلى إعادة إنتاج الطروحات المتطرفة إلى مؤسس الجماعة حسن البنا، وأحد أكبر منظريها يوسف القرضاوي وبقية أقطاب الإخوان.

واستندت الدراسة إلى تجربة نزوح قيادات الإخوان إلى الدول الأوروبية، معتبرًا أنها  ليست الأولى من نوعها بل سبقتها تجارب عدة بدأت في حقبة الستينيات، وبدأ من خلالها التوغل في الدول الأوروبية ونشر أفكارهم ومعتقداتهم من خلال إقامة مراكز إسلامية، ومحاولة خلق مجتمع مواز والتحالف مع الجماعات الإرهابية الأخرى كتنظيم «داعش» لنشر الأفكار المتطرفة في هذه الدول ومحاولة خلخلة التماسك المجتمعي لهذه الدول.

كما خلصت دراسة أعدها مركز الأهرام للدراسات، للباحث الدكتور طارق دحروج، إلى أن الحكومة القطرية استحدثت آليات جديدة لتمويل مسلمى أوروبا خارج الإطار المؤسسى الإخوانى المعتاد، فى إطار محاولة الابتعاد عن الصورة النمطية لقطر بتمويل الإسلام السياسى، من خلال استحداث صندوق ANELD بإجمالى 100 مليون يورو بالتنسيق مع الحكومة الفرنسية، لتمويل مشروعات ريادة الأعمال للمسلمين بضواحى باريس الأكثر تهميشًا وكثافة مغاربية من أبناء المهاجرين من الجيلين الثانى والثالث التي يوجد فيها التيار الإخوانى والسلفي.

شارك