على ضوء العقوبات الأمريكية.. باكستان تحظر استيراد الغاز المسال من إيران
الثلاثاء 01/أكتوبر/2019 - 12:01 م
طباعة
نورا بنداري
في خطوة ستهدد الاقتصاد الإيراني الذي يعاني خلال الفترة الماضية من بعض الضربات؛ بسبب فرض واشنطن عقوبات اقتصادية على طهران؛ أعلنت وسائل الإعلام الباكستانية في 29 سبتمبر الجاري، أن هيئة تنظيم الغاز الحكومية الباكستانية فرضت حظر على الشركات المحلية العاملة في قطاع الغاز من استيراد الغاز المسال من إيران، موضحةً أن هذا القرار اتخذته الحكومة الباكستانية في ضوء العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على إيران.
هذه ليست المرة الأولي التي تطرح فيها مشكلة وقف استيراد الغاز من إيران والحديث عن البديل، ففي فبراير لعام 2017، كشفت وسائل إعلام باكستانية، أن إسلام آباد قد تغير وجهتها من إيران إلى أذربيجان؛ لتأمين حاجتها من الغاز، وذلك بعدما أعلن كبار المسؤولين الحكوميين بأن باكستان تفكر جديًّا في إلغاء صفقة استيراد الغاز من إيران واستبدالها بصفقة مشابهة مع أذربيجان.
وأبرمت صفقة نقل الغاز المسال بين إيران وباكستان منذ أكثر من 10 سنين؛ حيث تمتد الأنابيب من جنوب إيران إلى عمق الأراضي الباكستانية بعد مرورها بإقليمي بلوشستان في إيران وبلوشستان في باكستان، وتكلف أنابيب نقل الغاز مليارات الدولار، ومع ذلك فإن خط الأنابيب واجه عقبات في السنوات الأخيرة بعد خلاف بين البلدين حول الأسعار وكلفة خط الأنابيب، ولذلك بدأ الحديث عن نقل الغاز من أذربيجان إلى باكستان.
إضافةً لذلك، قد أعلن رئيس إدارة الغاز في باكستان «موبين سولات» في 11 مايو الماضي، أن العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران منذ العام الماضي تعيق استئناف العمل بخط الغاز الرابط بين طهران وإسلام آباد.
حيث إن المشروع المشترك بين البلدين لمد خط أنابيب غاز ضخم كان من المزمع أن يربط بين البلدين بطول 2700 كم، وتم توقيع عقد الغاز في عام 1995، وبدأت إجراءات تنفيذ المشروع عام 2009، وتم تجميده في عام 2013؛ بسبب فرض عقوبات دولية على إيران، وتم إحياء المشروع مرة أخرى في عام 2017 بعد أن رفعت الولايات المتحدة معظم العقوبات المفروضة على إيران، ولكن فرض الرئيس الأمريكي «ترامب» مرة أخرى عقوبات اقتصادية على طهران، أحال دون استكمال المشروع.
وبناءً على الاتفاق المبرم، يتعين على باكستان شراء 21.5 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال يوميًّا من إيران منذ عام 2015، وقد اضطرت باكستان لتوقيع هذا العقد مع إيران بعد تضاؤل فرصة وصول الغاز التركماني لها؛ بسبب انهيار الوضع الأمني في أفغانستان، وبالفعل أنهت إيران الجزء الخاص بها؛ حيث استطاعت إنشاء قسم خطوط الأنابيب في إيران عام 2013، ولكن باكستان لم تستطع حتى الآن استكمال المشروع؛ بسبب الضغوط الأمريكية المتزايدة.
وفي مايو الماضي، أوضحت وكالة الأنباء الإيرانية «تسنيم»، أن المسؤولين الإيرانيين منحوا باكستان مهلة حتى أغسطس المقبل؛ لاستكمال القسم الباكستاني من المشروع، كما أجرت إيران محاولات عدة لتنفيذ المشروع المشترك مع باكستان، كان من بينها تقديم شكوى رفعتها طهران في نوفمبر الماضي لدى الوكالة الدولية للطاقة؛ بسبب عدم استكمال خط أنابيب الغاز في الموعد النهائي المحدد في الاتفاق بين البلدين، وبعدها تشكلت جولة جديدة من المحادثات بين البلدين في إيران.
إلا أن الحصار الاقتصادي الذي فرضه «ترامب» عليها أحال دون ذلك؛ حيث فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات اقتصادية على كل من يشتري النفط الإيراني، خاصةً بعدما قيام «ترامب» بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران عام 2017، والذي سمح للشركات الغربية للاستثمار في صناعة النفط والغاز الإيرانيين.
كما سعت باكستان من خلال رئيس وزرائه «عمران خان»؛ لمحاولة القيام بوساطة لخفض حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وهذا ما أعلن عنه «خان» على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة 24 سبتمبر الجاري.
من جانبه، أوضح «أحمد قبال» الباحث المتخصص في الشأن الإيراني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الحظر الذي فرضته هيئة تنظيم الغاز الباكستانية على الشركات المحلية المستوردة للغاز الإيراني المسال، يمثل تحول نوعي في العلاقات الإيرانية الباكستانية بوجه عام، خاصة وأن بوادر شراكة في مجال النفط والغاز بدأت في الظهور منذ عقود بين الدولتين، كان على رأسها المشروع المشترك لإقامة خط للغاز الطبيعي يساهم بدرجة كبيرة في تسويق الغاز الإيراني، وهو ما علقت عليه إيران آمالًا عريضة في ظل سياسة العقوبات الأمريكية القصوى التي ساهمت بدرجة كبيرة في تدهور قطاع النفط والغاز الإيراني.
وأشار «قبال» أنه لعل تلك الخطوة الباكستانية مدفوعة بضغوط غربية ومزايا اقتصادية من دول خليجية تضررت بفعل السياسات الإيرانية، خاصةً بعد استهداف إيران لمنشآت نفطية سعودية.
ولفت الباحث الإيراني، أن العلاقات الباكستانية الإيرانية يشوبها بين الحين والآخر تدهور على خلفية قضايا أمنية وحدودية، إلا أن إيران دفعت باتجاه تحسين علاقاتها الاقتصادية مع باكستان منذ سنوات؛ لفتح أسواق جديدة وإيجاد بديل لتسويق منتجاتها من النفط والغاز، لكن باكستان على الصعيد الاستراتيجي بعيد المدى أكثر انفتاحًا على دول الخليج خاصة المملكة العربية السعودية، الطرف العربي المرشح لخوض صراع مباشر ضد إيران.
و أكد «قبال» أن هذا القرار ربما يكون مقدمة لمزيد من إجراءات من شأنها انهيار التعاون الإيراني الباكستاني ووقف المشروعات المشتركة العملاقة في مجال النفط والغاز، ومن ثم مزيد من التدهور في الاقتصاد الإيراني وفشل أحد أهم الروافد التي تعتمد عليها طهران للالتفاف على العقوبات الأمريكية، وصولًا لعزلة اقتصادية تطال حدود إيران الشرقية البعيدة عن بؤرة الصراع الخليجي.