غزو العالم بجيش الخلافة.. حلم «أردوغان» بالعثمانية الجديدة ينطلق من «ديانت»

الخميس 03/أكتوبر/2019 - 12:41 م
طباعة غزو العالم بجيش الخلافة.. نورا بنداري
 
في ظل حلم العثمانية الجديدة الذي يسيطر عليه، يبذل الرئيس التركي  رجب طيب أردوغان ما بوسعه؛ حتى يحقق حلمه الخاص بإقامة الخلافة والسيطرة على العالم؛ ليصبح هو السلطان العثماني الجديد، وهذا باستخدام كافة الأدوات والوسائل التي تمكنه من ذلك، ويأتي الدين كأداة يستخدمها الرئيس التركي كذريعة لتنفيذ أجندته التوسعية ومخططاته الرامية؛ للسيطرة على مناطق عدة من العالم.

من هنا، يأتي دور أعلى سلطة دينية تركية وهي مديرية الشؤون الدينية التركية المعروفة باسم «ديانت»، التي استغلها الرئيس التركي لخدمة دوافعه السياسية، ولذلك تنامي نشاطها فنجدها توسعت في أوروبا ومناطق أخرى من العالم.

تم تأسيس «ديانت» في عام 1924 كمؤسسة خيرية دينية، تسعى لنشر نسخة علمانية من الإسلام، ومهامها الأساسية هي تقويم السلوك الديني للأتراك، إضافةً إلى بناء المساجد وصيانتها، وتتكفل بتوظيف الأئمة، وتفسير المبادئ الإسلامية، حتى الثمانينيات، لم تلعب «ديانيت» دورًا يُذكر خارج تركيا، لكن بعد عام 1980، توسعت لتشمل عدة دول من أرجاء العالم من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا وأفريقيا وآسيا، وأصبحت اليوم تمتلك حوالي 1000 فرع في جميع أنحاء تركيا، لتصبح الجهة الدينية الأولي في تركيا.

ومع وصول حزب «العدالة والتنمية» للحكم، توسع دورها، وأصبحت أداة الحزب لنشر أجندته السياسية والأيديولوجية بدءًا من عام 2010، وأصبحت المؤسسة الدينية معروفة بتحيزها السياسي للحزب الحاكم، فهي تنفذ تعاليم النظام التركي الخاصة بفرض أدبيات الحزب، وإعلائها فوق التعاليم الإسلامية على الأئمة الأتراك، الأمر الذي دفع النظام لإحكام قبضته على الأئمة وتهديد بعضهم بالإقالة في حالة عدم الالتزام بهذه الأدبيات؛ ومن ثم أصبحت «ديانت» السلاح المسيس في يد «أردوغان»؛ لتحقيق مشروع الخلافة وأستاذية العالم.

وأوضح تقرير لموقع «دويتشه فيله» الألماني في 20 سبتمبر الجاري، أن ميزانية «ديانت» تقدر بحوالي 10.5 مليار ليرة في 2019؛ لتكون بذلك 4 أضعاف ميزانية الوزرات الاستثمارية و5 أضعاف ميزانية جهاز الاستخبارات التركية، مؤكدًا أنه تمت مضاعفة ميزانية «ديانت» وعدد العاملين بها وقدرتها على التأثير ، كما باتت الروابط التي تجمع بين «ديانت» والاستخبارات التركية شبه علنية؛ حيث إن «ديانت» تعمل لتنفيذ استراتيجيتها مع وكالة الاستخبارات التركية ، ومن ثم شهد العقد الماضي صعود المؤسسة الدينية؛ لكي تصبح المؤسسة المفضلة لـ«أردوغان» إلى جانب المخابرات.

وتشرف هيئة «ديانت» على مجموعة من الهيئات الإسلامية ومن ضمنها الاتحاد الإسلامي التركي «ديتيب»  الذي يعد الذراع التركي لجماعة الإخوان في أوروبا، والذي وجه له اتهامات  بشأن قيام الأئمة التابعين له بالتجسس لصالح «أردوغان»، إضافةً إلى الشكوك حول مصادر تمويلها.

ومؤخرًا وجهت عدة اتهامات لمؤسسة «ديانت»؛ لأنها تجني ملايين الدولارات من أنشطتها التجارية، وتساءل بعض الأتراك الرافضين للأنشطة الاقتصادية للمؤسسة الدينية، عن طبيعة هذه الأنشطة وعلاقتها بالدين، وهذا ما أشار إليه عالم الدين التركي «جميل كيليك» في تصريحات صحفية في 28 سبتمبر الجاري، أن مؤسسة «ديانت» تبدو اليوم كشركة عملاقة، بل الأسوأ من ذلك، كدولة داخل الدولة، ولا يجوز لها التصرف كقوة اقتصادية، ويجب أن تقوم بمهمتها الأساسية الأولى التي نشأت لأجلها لتوضيح مبادئ الدين الإسلام، إضافةً إلى أنها تأسست في الأصل لخدمة الفقراء وليس للاغتناء الذاتي، وهو أمر  يتعارض مع منطق الإسلام.

تسعى أنقرة لتتريك الهوية في سوريا، وتتولى «ديانت» مسؤولية استنساخ الدين التركي ونشر فكر جماعة الإخوان في شمال سوريا؛ حيث تروج المناهج التعليمية التي وضعتها «ديانت» لنموذج الإسلام السني التركي، كما تحتوي على لهجة معادية للأكراد، وتظهر مناهج «ديانت» الأكراد باعتبارهم ملحدين، وتقول: إن المقاتلين في صفوف وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني «كفار»، كما أكدت لهم أن غزو «عفرين» هو جهاد مقدس.

وكانت البداية بعد التدخل العسكري التركي في سوريا والسيطرة على عفرين؛ حيث استطاعت «ديانت» بحلول عام 2017 السيطرة على المؤسسات التعليمية والدينية والصحية في ريف حلب الشمالي الذي يقع تحت سيطرتها، إضافةً لشبكة كبيرة من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية التابعة لها، مهمتها ترسيخ دور تركيا في هذه المؤسسات.

ويعمل لدي «ديانت» في منطقة شمال سوريا أكثر من 470 شخصًا، كما خصّص مبلغ يقدر بـ5.5 مليون ليرة تركية «885 ألف دولار»؛ لدفع رواتب رجال دين ووعاظ، قد تلقوا تدريبًا من قبل شيوخ تابعين للمؤسسة الدينية التركية، إضافةً إلى أن إدارة «ديانات» في سوريا هما أعضاء في جماعة الاخوان.

وأشارت مجلة «فورن أفيرز» الأمريكية، في 12 أغسطس الماضي، أن «أردوغان» استغل الأئمة والمساجد؛ لتثبيت بقائه في السلطة، والتغلغل عبر الأئمة إلى دول مختلفة بتطبيق أدبيات حزبه الحاكم لمساندة جماعة الإخوان لزيادة قوتها بالشرق باعتبارها حليفًا أيديولوجيًا؛ إضافةً إلى استغلاله عضوية تركيا بحلف الناتو، وعلاقاتها مع دول الغرب؛ لزراعة أئمة مدفوعين الأجر الذين أحكموا بأدبيات حزب العدالة والتنمية في الغرب؛ بهدف خدمة الأهداف السياسية لنظام الحاكم.

وفي سبتمبر العام الماضي، نشر تقرير على موقع «كامبردج» البريطاني، تناول دور «ديانت» كأداة للسياسة الخارجية التركية؛ حيث تسعى لاستغلال البلدان ذات الأقلية التركية المسلمة المهمة كبلغاريا وهولندا، وهذا الاستغلال يزعزع استقرار  هذه الدول، فعلى سبيل المثال، فإن بلغاريا يوجد بها أعداد كبيرة من الأتراك، وقد عمل عناصر تابعون لحزب «العدالة والتنمية» مع رجال دين وموظفين يعملون في «ديانت» على استهداف أتباع « فتح الله جولن»، وهو ما كاد يتسبب في أزمة دبلوماسية بين بلغاريا وتركيا، كما وجهت اتهامات لمساجد تابعة لـ«ديانت» في هولندا ودول أخرى في أوروبا بالقيام بعمليات تجسس على أعضاء في حركة «خدمة» بزعامة «جولن» إلى توتر علاقات بعض الحكومات الأوروبية بأنقرة.

ووفقًا لتقرير دويتشه فيله، فإن الاستخبارات الألمانية تدرس وضع «ديانت» على قوائم المراقبة، بعدما صعدت لهجة الأئمة التابعين لها في المساجد التركية في ألمانيا، دعمًا للجيش التركي في حربه ضد تنظيم سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب وجماعات كردية أخرى في شمال سوريا.

شارك