مأزق حركة النهضة بعد صعود نجم شعبويين في تونس
الخميس 03/أكتوبر/2019 - 01:25 م
طباعة
حسام الحداد
رفض المرشح الرئاسي للدور الثاني بتونس، نبيل القروي، أي تحالف مع حركة النهضة الإسلامية، واتهم رئيسها راشد الغنوشي، بالتضليل والمغالطة، وبتورطها في الإرهاب وإرسال الشباب لبؤر التوتر.
وشدد القروي المسجون في رسالة قاسية وجهها للغنوشي، بعد أن رفضت المحكمة الإفراج عنه وقررت استكمال التحقيقات معه وخوضه الانتخابات من محبسه، على أن "رفضه للتحالف مع النهضة، كان السبب الأساسي وراء رفض الإفراج عنه"، مؤكدا أنه لن يتحالف مع هذه الحركة، حسبما ذكر موقع "أبناء تونس" اليوم.
وجاء في رسالة القروي: "أرفض التحالف معكم ومع حزبكم حركة النهضة لما تعلقت بكم من شبهات قوية مدعمة بملفات جدية، يعلمها الجميع، بسبب جرائم خطيرة في حق الوطن والشعب التونسي جراء الاغتيالات وذهب ضحيتها شكري بلعيد والشهيد محمد البراهمي ولطفي نقض وخيرة شباب تونس من أمنيين وجنود ومدنيين عزل".
وشدد القروي على رفضه أي تحالف مع النهضة قائلا: "أرفض التحالف معكم ومع حزبكم بعد أن تواطأتم في التغرير بشباب تونس وتسفيرهم إلى محرقة سوريا وجعلتم منهم حطبا لحرب إرهابية ضد شعب أعزل وبلد شقيق، وأصبحت تونس جراء ذلك تصنف ضمن البلدان المصدرة للإرهاب".
واتهم "حركة النهضة الإسلامية بمحاولة السطو على إرادة الشعب التونسي والانفراد بالحكم للبقاء فيه ومنع التداول السلمي على السلطة"، مشيرا إلى أن "النهضة لجأت إلى جناحها القضائي وتنظيمها السري، لتوقيفه وتغييبه من الساحة السياسية".
وجاء في رسالة القروي أيضا: "أرفض التحالف معكم لأنكم حكمتم علي وعلى حزبي واتهمتمونا بالفساد، مستعينين في ذلك بالجناح القضائي لجهازكم السري الذي يمكنكم من الحكم على أي شخص في تونس ويمنع الوصول إلى الحقيقة مثلما هو الحال في ملف اغتيال بلعيد والبراهمي، رحمهم الله، لحجبها عن عائلاتهم وعن الشعب التونسي لسنوات طويلة".
واتهم القروي، النهضة ورئيسها بما وصفه "تفقير وتجويع الشعب التونسي فيما تمتعتم أنتم بالتعويضات وبالمناصب وعشتم من الدولة وإمكاناتها"، وفق ما جاء في رسالته. وشدد على أن مشروع "النهضة" يتعارض مع مشروع ومع مصلحة الشعب التونسي، مضيفا: "مشروعكم هو الاصطفاف وراء جهات تموّلكم وتربطكم بها إيديولوجيات تقدّمون خدمتها ومصالحها على خدمة ومصالح الشعب التونسي العزيز".
وختم القروي رسالته بالقول إن "كل من يرى حصيلة حكمكم مع حلفائكم في الحكومة، وخيانتكم للشعب الذي أكرمكم وبجلكم يدرك أنه لا يمكن التحالف معكم ونحن متمسكون بتطبيق مشروعنا لإنقاذ البلاد وإصلاح ما أفسدتموه وهدمتموه".
وحسب وكالة رويترز يبرز الانزعاج الذي يشعر به ناخبون في مدينة العالية الرابضة على تل المأزق الذي يواجه حركة النهضة في تونس وهو يسعى للفوز في انتخابات يوم الأحد البرلمانية بعد أن ظل سنوات يقتسم السلطة مع النخبة السياسية العلمانية.
ولن يكون لمصير حركة النهضة صدى في تونس وحدها. إذ أن سعيه لرسم مسار معتدل يحظى بالمتابعة في مختلف أنحاء العالم العربي الذي أخفق على مدار عقود في التوفيق سلميا بين الحركات الإسلامية والوطنية.
وقال محمد أمين (35 عاما) الذي يعمل سائق شاحنة وهو يجلس تحت شجرة قرب طاولة للدعاية الانتخابية تابعة لحزب النهضة في مواجهة مبنى البلدية ”المتعاطفون مع النهضة تخلوا عنه بسبب تنازلاته ولم يتبق سوى أعضائه“.
وتراجع نصيب حركة النهضة من الأصوات على مستوى البلاد باطراد منذ إجراء أول انتخابات حرة في تونس عام 2011 الأمر الذي أثار تساؤلات عن استراتيجيته وهو يسعى للتعافي بعد انتخابات الرئاسة التي احتل فيها المركز الثالث الشهر الماضي.
في السابق كان بإمكان الحركة أن تعول على تأييد المناطق المحافظة اجتماعيا الأقل استفادة من التنمية في داخل البلاد أما الآن فإنه يواجه تحديا من دخلاء شعبويين يتحدون الأحزاب الرئيسية بسبب الفقر.
وعادت الحركة تسعى لاستمالة قاعدة مؤيديه بعد أن خيب آمال الإسلاميين بإطلاق وصف حزب ”المسلمين الديمقراطيين“ على نفسه وآمال الفقراء في تونس بالانضمام لحكومات فشلت في تحسين معيشتهم.
غير أنه بعد قضاء سنوات في الحكم قدم خلالها تنازلات رأت الحركة أنها ضرورية للحفاظ على النظام الاجتماعي ومعالجة الأزمات فليس من السهل استعادة صورته القديمة ذات الشعبية كحزب ثورة دون أن يرفض ما صدر عنه من أفعال في الآونة الأخيرة.
وكات الحركة قد احتضنت قيس سعيد أستاذ القانون المنتمي للتيار المحافظ الذي حصل وهو مرشح مستقل على أعلى الأصوات في انتخابات الرئاسة وأعلن تأييده له رسميا في جولة الانتخابات الثانية التي تجري في 13 أكتوبر.
وبهذا اختارت الحركة أن تقف ضد خصم سعيد في الانتخابات قطب صناعة الإعلام نبيل القروي الذي يواجه محاكمة لاتهامه بالتهرب الضريبي وغسل أموال. وينفي القروي تلك الاتهامات.
ومنذ سنوات يستخدم القروي محطته التلفزيونية وجمعية خيرية لمساعدة الفقراء في رسم صورة لنفسه باعتباره نصير الفقراء رغم أن خصومه يصفونه بالفساد بسبب ثروته الشخصية وعلاقاته بالنخبة القديمة الحاكمة.
تنازلات
في العالية أحد معاقل حركة النهضة في واحدة من المناطق التي شهدت تراجع شعبيته بشدة حمل نشطاء الحزب القروي المسؤولية عن مشاكلهم.
وقال مهدي الحبيب عضو الحركة ”عمل ثلاث سنوات مستهدفا الفقر وهو ما أدى إلى التراجعات لكل الأحزاب وليس النهضة فقط“.
وفي الأسبوع الماضي هاجم راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة القروي في مؤتمر صحفي في معرض إبراز مزايا أي تحالف مستقبلي بين سعيد ونواب حزب النهضة.
ولفترة طويلة ظلت الانتخابات البرلمانية محور اهتمام حزب النهضة لأن الحركة التي يحصل على أكبر عدد من المقاعد يملك أفضل فرصة لاختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة في حين أن صلاحيات الرئيس محدودة نسبيا.
كان حزب النهضة محظورا قبل انتفاضة 2011 وبرز بعدها كأقوى الأحزاب وكان خصومه يعتبرونه حزبا رجعيا وخطيرا وأنصاره يرون فيه صوت الثورة.
غير أن نصره الانتخابي في ذلك العام بعدد 1.5 مليون صوت تمثل 37 في المئة من مجموع الأصوات دفع العلمانيين في تونس للتصدي له إذ أقلقتهم هجمات متطرفين إسلاميين وما حدث في مصر عندما تولى الإخوان المسلمون الحكم.
ومع استقطاب ينذر بالخطر في البلاد ومواجهة أزمة اقتصادية تبنى حزب النهضة مواقف اجتماعية معتدلة وانضم لأحزاب علمانية في سلسلة من الائتلافات التي حاولت معالجة الدين العام.
وتعتقد قيادات الحزب أن تلك القرارات ساعدت في تحاشي اضطرابات مماثلة لما صاحب صعود نجم الإخوان المسلمين وسقوطهم في مصر وفي تفادي كارثة اقتصادية. غير أنه أضعف هوية الحزب وربطه بسياسات حكومية لا تحظى بالقبول الشعبي.
وبحلول 2014 كان نصيب حزب النهضة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية قد انخفض إلى 28 في المئة بإجمالي 947 ألف صوت. وفي انتخابات الرئاسة الشهر الماضي حصل مرشحه على 12 في المئة فقط بمجموع 434 ألف صوت.
قوى ثورية
في سوق العالية الأسبوعي كان حزب النهضة واحدا من عدة أحزاب نصبت أكشاكا تنطلق منها الموسيقى والشعارات عبر مكبرات الصوت ويتم من خلالها توزيع منشوراته.
ووقفت مجموعة من الشبان كان أفرادها من الناخبين السابقين لحزب النهضة يوزعون منشورات انتخابية لحزب جديد يركز على التنمية الزراعية.
والعالية منطقة زراعية تحيط بها الحقول وصفوف منتظمة من أشجار الزيتون ويعتبر سكانها نفسهم محرومين من ثروة العاصمة تونس.
ولم يعد حسن المجوبي، الذي أعطى صوته لحزب النهضة في 2011، يؤيد الحزب لأسباب اقتصادية. وقال عن الحزب ”لم يلتزم بوعوده“.
وعندما استقال زبير شودي أحد قيادات النهضة الأسبوع الماضي ودعا الغنوشي إلى التنحي أيضا أشار ذلك إلى عمق الانقسامات الداخلية.
ولا يزال النهضة رغم كل متاعبه أفضل الحركات السياسية في تونس تنظيما إذ يقف في مواجهة مجموعة من المنافسين دائمي التحول ولا يمكن الاعتماد عليهم.
وأمام الحزب فرصة طيبة لاحتلال المركز الأول في الانتخابات البرلمانية يوم الأحد إذ تشير الاستطلاعات إلى أنه وحزب قلب تونس الذي يتزعمه القروي يحظيان بأغلب التأييد.
وسعى الغنوشي إلى الاستفادة من الجو الشعبوي الأسبوع الماضي فأقسم ألا يشارك في ائتلاف إلا مع ”القوى الثورية“ الأخرى بعد الانتخابات.
غير أنه قد لا يملك، حسب نتيجة الانتخابات، خيارا سوى اقتسام السلطة مع أحزاب علمانية في حكومة ستجد نفسها في مواجهة الخيارات المالية الصعبة التي سادت في السنوات الأخيرة.
وقد تخلى ناخبون من أمثال أمين، الذي يؤمن إيمانا قويا بالسياسات الإسلامية، عن حزب النهضة. وهو يريد ”رئيسا إسلاميا يلتزم بمبادئه“.