«التلميع الممول» يعصف بالمشهد الانتخابي في «تونس»

الإثنين 07/أكتوبر/2019 - 10:10 ص
طباعة «التلميع الممول» دعاء إمام
 
قبيل جولة الإعادة المنتظرة بين المرشحين الرئاسيين، قيس سعيد، ونبيل القروي؛ لحسم مرور أحدهما إلى قصر قرطاج، أحدثت وزارة العدل الأمريكية جدلًا واسعًا، من خلال الكشف عن وثائق تثبت تورط الأخير، في دفع مبالغ ضخمة لصالح شركات متخصصة في إبرازه وتلميعه؛ ما يؤثر على نتائج الانتخابات، إضافة إلى إثبات تورط حركة النهضة، فرع جماعة الإخوان في تونس، في الأمر ذاته.



وأظهرت وثائق نشرتها وزارة العدل الأمريكية، لجوء شخصيات سياسية وأحزاب تونسية للوكالات المتخصصة في ممارسة ضغوطات وتأثير دولي، موضحة تدخل شخص يدعى "آري بن ميناش"، الذي قدم نفسه كضابط سابق في الاستخبارات الإسرائيلية ومدير شركة الاستشارات السياسية في كندا «ديكنز أند ماديسون»، لصالح "نبيل القروي".



ويرجع تاريخ الوثائق إلى 29 سبتمبر الماضي، وبيّنت  تعهد «بن ميناش» بممارسة ضغوط في الولايات المتحدة وروسيا ولدى الأمم المتحدة؛ من أجل حصول «القروي»  على رئاسة الجمهورية التونسية.



وبحسب العقد المبرم بين الجانبين تعهد الضابط السابق بالاستخبارات الإسرائيلية، بترتيب لقاءات مع  الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بهدف الحصول على دعم مادي لصالح المرشح التونسي، إذ تبلغ قيمة العقد الذي تم توقيعه في 19 أغسطس، مليون دولار لمدة سنة، سدد منها «القروي» 250 ألف دولار في 25 سبتمبر على أن يكمل بقية المبلغ منتصف أكتوبر الحالي.

تورط إخوان تونس أيضًا



الوثائق لم تقتصر على «القروي» فقط، بل أبرزت وكالة الاستشارات «بي سي دبل يو» أن حركة النهضة الإخوانية تواصلت مع الوكالة في أغسطس الماضي، لإعانة الحركة على التواصل مع وسائل إعلام وشخصيات تحظى بنفوذ، مقابل دفع  مبلغ قدره 7.5 ألف دولار.



وفي أول رد فعل، أعلن الناطق الرسمي باسم القطب القضائي والمالي في تونس "سفيان السليطي"، فتح تحقيق عاجل من قبل النيابة العامة، موضحًا أن الوثيقة أحيلت على الفرقة المركزية الأولى للحرس الوطني للبحث العاجل فيها واتخاذ القرارات اللازمة.



بدوره، حذر يوسف الشاهد، رئيس الحكومة، والمرشح الرئاسي الخاسر في الجولة الانتخابية الأولى، من التمويلات الأجنبية التي تقدم  لبعض الأحزاب والشخصيات السياسية، قائلًا: «حذرنا قبل الانتخابات من وجود محاولات إسرائيلية لاختراق المشهد السياسي والانتخابي في تونس»، معتبرًا أن ما ورد في الوثائق يُعد تآمرًا على أمن الدولة.



وقالت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات _بشأن هذه الوثيقة_ إنها بصدد التأكد من صحة ما ورد فيها، فيما أعلن التيار الديمقراطي الذي خسر مرشحه في الانتخابات الرئاسية في دورتها الأولى "محمد عبو"، أنه تقدم بشكوى للمدعي العام بالمحكمة الابتدائية بتونس تتضمن الإعلام بجريمة في خصوص الوثيقة المسربة والمتعلقة بتعاقد رئيس حزب قلب تونس والمرشح للرئاسة نبيل القروي، وجمعية عيش تونسي وحركة النهضة، لتعاقدهم مع مؤسسات إشهار ووساطة أجنبية.



على الفور، نفى راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، توقيع الحركة عقدًا مع دوائر ضغط أجنبية، وهي الرواية ذاتها التي هرع النهضاويين إلى دحضها بعد نشر وثائق على الموقع الرسمي لوزارة العدل الأمريكية تفيد تورط الحركة في تكليف لوبيات بتلميع صورتها والضغط على أطراف خارجية من أجل دعم وصول النهضة الى السلطة.

«النهضة» واللوبيات الأجنبية



وأجرى موقع «بيزنس نيوز شاك» تتبعًا لتعاون النهضة مع جهات أجنبية لتحسين صورتها، وأعلن أن الحركة وقعت في 2014 عقدًا مع مؤسسة (Burson-Marsteller Sprl) المختصة في دوائر الضغط، مشككًا في احتمالية تخلي النهضة عن إعادة استثمار ملايين الدولارات مجهولة المصدر لدى دوائر أجنبية.



وأفاد الموقع أن إخوان تونس وقعوا عقدًا مع وكالة ضغط أجنبية، قيمته أكبر من 100 ألف يورو (أكثر من 330 ألف دينار تونسي).



وعن كيفية الحصول على أدلة تورط النهضة في إنفاق تلك الأموال، أعلن «بيزنس نيوز شاك» أن الوكالة المعنية لديها عقود بمئات الآلاف من الدولارات في جميع أنحاء العالم؛  من أجل أن تكون قادرة على القيام بنشاطها في أوروبا تحت أنظار القانون، فهي ملزمة بالتسجيل على الموقع الرسمي للاتحاد الأوروبي في سجل ممثلي المصالح، أو من خلال وجودها في هذا السجل، تلتزم وكالة الضغط بتقديم أسماء جميع عملائها وتقديم عقودها ويتم تحديث هذا السجل بانتظام من قبل الوكالات العاملة في أوروبا، بل أكثر، تنشر حتى أسماء الأشخاص الذين يمارسون نشاطهم في وكالة الضغط والأشخاص المعتمدين للدخول إلى مباني البرلمان الأوروبي وحتى صلاحية الشارات التي تمكنها من الولوج الى المباني نفسها.



وُوجد اسم حركة النهضة في خانة عملاء اللوبي (Burson Cohn & Wolfe)، ويعد إخوان تونس أحد كبار عملاء وكالة الضغط، إذ دفعت الحركة  ما بين 100000 و199999 يورو.



ويشار إلى أن آخر تحديث لسجل الوكالة، كان في 19 سبتمبر 2019، إذ يجب إجراء التحديثات مرة واحدة على الأقل في السنة لعام 2019، لكن الوكالة قامت بتحديثين، ما يعني أن الأرقام المقدمة حديثة العهد وتعود لسنتي 2018 و2019 وكلاهما تاريخان لانتخابات حاسمة في تونس.



ويعرف عن الوكالة الأجنبية التي تعاملت معها الحركة أنها تقدم خدمات الاتصال والضغط السياسي، إذ  فازت الشركة بالعديد من الجوائز على مر العقود بسبب عملها في إدارة الأزمات الخطيرة مثل الأزمة المالية الآسيوية في أواخر التسعينيات، واحتجاجات العمال في محطة الطاقة النووية في جزيرة ثري مايل، لكنها كانت موضع انتقادات.

الموقف الدستوري



وتقول عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، حسنة بن سليمان، إن القرار القانوني للهيئة يجب أن يتخذ بناء على الفصل 143 من القانون الانتخابي الذي ينص على أنه بعد أن يتم تجميع النتائج يتم التثبت من مدى احترام الفائزين لقواعد الفترة الانتخابية وتمويلها؛ وبناء عليه فان الهيئة تبحث في المسألة ومن المرجح أن تطلب نسخة من الوثائق التي لدى قاضي التحقيق ونسخًا من الوثائق بالموقع الإلكتروني المنشورة بموقع وزارة العدل الأمريكية للاطلاع عليها.



وحول إمكانية تصنيف هذه المسالة كخروقات انتخابية خطيرة جدًا، قالت «بن سليمان» إن عمل الهيئة انطلق حول هذه المسألة وسيتم التثبت من العنصرين الأوليين، ومن ثم عندما تصدر النتيجة النهائية للانتخابات ستقدر الهيئة تأثير مدى القضية على نتائج الانتخابات، أما فيما يتعلق بإمكانية استدعاء ممثلين عن النهضة وعيش تونسي وحزب نبيل القروي، فأكدت أن مبدأ المواجهة موجود والاتصال بالأطراف الثلاثة وارد جدًا.

شارك