العدو في الداخل... ذيول إيران والمظاهرات في العراق
الإثنين 07/أكتوبر/2019 - 10:15 ص
طباعة
روبير الفارس
ما هو الدور الذى تقوم به مليشيات الملالي في العراق ازاء المظاهرات المشتعلة بعض المدن العراقية ؟ وكيف يمكن ان تستغل هذه المليشيات المظاهرات بعد ان اصبحت قوة ودولة موازية للدولة العراقية ؟ في هذا التقرير نكتشف المزيد حول الدور الايراني فبينما تركّز واشنطن على جعل بغداد تكبح الميليشيات الايرانية وإنهاء اعتمادها على الطاقة الإيرانية، يهتاج المواطنون العراقيون غضباً حول قضايا أخرى. ففي الأول من أكتوبرالجاري اندلعت مجموعة من الاحتجاجات العفويّة من دون قيادة في بغداد وانتشرت في عددٍ من المدن في وسط العراق وجنوبه، بسبب الغضب من الفساد المتفشي للحكومة وعجزها عن توفير الخدمات والوظائف. وبعد أن كانت التظاهرات غير عنيفة في البداية، سرعان ما تسببت بإطلاق نيران فتاكة من جانب قوات الأمن، الأمر الذي أدّى إلى اشتداد غضب المتظاهرين وازدياد عددهم. حيث بلغت حصيلة ضحايا التظاهرات ما يزيد عن 105 قتيلاً وأكثر من 4000 جريحاً، بمن فيهم أفراد من قوات الأمن. وشملت حملة الحكومة أيضاً ايقاف خدمات الإنترنت وحظر التجوّل، الأمر الذي سرعان ما تحدّاه المتظاهرون. ويمكن أن تتفاقم الاضطرابات أكثر فأكثر ما لم تُقّدم حكومة بغداد سبلاً موثوقة لتوفير فرص العمل والتخلص من الفساد، وهي مجالات تستطيع الولايات المتحدة المساعدة فيها.
ويقول الباحث بلال وهاب في تقارير نشرها معهد واشنطن لسياسيات الشرق الادني لقد اندلع الغضب العام الأخير أيضاً بسبب المشاعر القومية التي نمت منذ هزيمة تنظيم «داعش ». ويفتخر الجيل الأصغر سناً ما بعد حُكم صدّام بانتصار الجيش على الإرهابيين وعودة الهدوء لاحقاً إلى معظم المدن. وبالتالي، عندما أعلن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في الأسبوع [الأول من الاحتجاجات] أنه أحال الشخصية العسكرية الأكثر شعبية في الحرب [إلى إمرة وزارة الدفاع]، وهو الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، اشتدّ هذا الشعور. فالساعدي الذي لا يعرف الخوف والذي قاد المعركة لتحرير الموصل وبقي صامداً للمساعدة في قيادة "جهاز مكافحة الإرهاب" المتميّز هو مثال للفخر الوطني العراقي: فهو شيعي، ولكنه يتمتع بشعبية بين السنة، وقد ترقّى في الرتب العسكرية دون الاعتماد على المحسوبية السياسية. وأدّى تخفيض مكانته إلى كشف جميع الغضب المحتقن لعامة الناس على النظام المزيّف.
بالإضافة إلى ذلك، يعرف الجيل الأصغر سناً المتّصل بالإنترنت أنه من غير المنطقي أن يكون في هذا البلد الغني الكثير من الفقراء والطرق الرديئة والمستشفيات المتهدمة والمدارس المتصدّعة. وبالتالي، عندما تستخدم عناصر الأمن خراطيم المياه لتفريق احتجاج سلمي بالقوة، والذي يشارك فيه الباحثون عن الوظائف من حملة الشهادات العالية، لا يكاد يكون الغضب الناتج عن ذلك أمراً مفاجئاً. كما أنّ الكثيرين يشعرون بعدم الارتياح إزاء بروز بعض الميليشيات الايرانية المعتقد والتمويل ضمن «قوات الحشد الشعبي»، التي لعبت دوراً يستحق الثناء في إنقاذ البلاد من تنظيم «داعش » ولكنها أصبحت الآن جزءاً من شبكةٍ جديدةٍ أكثر خطورة أدّت إلى تسريع الفساد والتحدي علناً لسلطة الدولة.
لقد بقيت «قوات الحشد الشعبي» على الحياد حتى الآن فيما يتعلق بالاحتجاجات، تاركةً شرطة مكافحة الشغب وفرق التدخل السريع تخوض المعركة مع المحتجّين. ويتسبب رد الحكومة بخسارتها القلوب والعقول وفعلها ذلك بكفاءة وحشية. وقد تفكّر بعض فصائل «قوات الحشد الشعبي» بالتصدي لهذه القوى الأمنية والظهور بمثابة الجهات المنقذة. وتقليديّاً، كانت ميليشيات العراق أجنحة مسلّحة لأحزاب سياسية قائمة، لكنّ الميليشيات الأكثر نفوذاً اليوم (مثل «عصائب أهل الحق»؛ «كتائب حزب الله») هي كيانات حرة الحركة تتطلّع إلى المزيد من السلطة السياسية والاقتصادية الخاصة بها.
ويضيف بلال قائلا وإذا نجحت الميليشيات في استمالة حركة الاحتجاجات، ستحرز نصراً كبيراً لصالح تحقيق هدف طهران المتمثّل في تعميق النفوذ الإيراني وإجبار الولايات المتحدة على الخروج من البلاد. وبدوره، سيؤدي ذلك إلى زيادة المخاطر على الدول المجاورة للعراق. لقد خسرت إيران جزءاً كبيراً من الشارع العراقي، لكن لا يزال لها تأثير على النخبة السياسية في البلاد. ومع ذلك، فمن الواضح أنه سيتعين على وكلائها مواجهة السخط والسياسات لعامة الناس في العراق والتعامل معهما في مرحلة ما في المستقبل.
وعلى غرار أسلافه، يركّز رئيس الوزراء بشكل أكبر على تحديد أولئك الذين يقع عليه اللوم على الاحتجاجات بدلاً من إصلاح المشاكل التي أثارت هذه الاحتجاجات. وبما أنّ المتظاهرين هم بشكلٍ أساسي من الشباب الشيعة الذين ضاقوا ذرعاً من الممثّلين الشيعة الذين خذلوهم، يبدو أن عبد المهدي يميل إلى اللجوء إلى نظريتيْ مؤامرة متناقضتين: تتهم إحداهما الولايات المتحدة بإثارة الاحتجاجات، وتلقي الأخرى اللوم على إيران وعملائها المحليين. ومثل هذا الارتياب لن يؤدي سوى إلى عرقلة جهود عبد المهدي لتنفيذ الإصلاحات الجادة التي يطالب بها جمهوره.
عندما اجتمع الرئيس ترامب مع الرئيس العراقي برهم صالح في 24 سبتمبر الماضي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا شك في أن اللقاء كان قائماً على الاستنتاج المشترك الذي توصلت إليه حكومتاهما بأن الهجوم الأخير على منشآت النفط السعودية في بقيق لم ينطلق من العراق. وكانت المخاوف الأولية بشأن هذا الاحتمال قائمة على أسس جيدة - فقد تم تنفيذ هجوم سابق على خط أنابيب رئيسي سعودي من الأراضي العراقية في مايوالماضي، وتم قصف العديد من منشآت الميليشيات العراقية منذ يونيو، من قبل إسرائيل وفقاً لبعض التقارير. وكان كل واحد من هذه التطورات مرتبطاً بـ "الجماعات الخاصة" المليشيات الشيعية التي لها صلات معروفة بإيران.
وفي الأول من يوليو، أصدر رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي أمراً بانضواء هذه الميليشيات وغيرها تحت سلطة الدولة، لكنه لم يتمكن حتى الآن من فرض النظام عليها. وقد فشلت الحكومة أيضاً في منعها من تهديد الدول المجاورة بناءً على طلب إيران المُفترض - وهي زلة خطيرة بشكل خاص نظراً لأن السلطات العراقية لا تستطيع حماية الأراضي التي تحتفظ بها هذه الميليشيات من الانتقام الخارجي.
وسعياً لمنع الدول الأخرى من تحويل العراق إلى ساحة معارك بالوكالة، يترتب على بغداد كبح الميليشيات الجامحة، لكن هذه المهمة شاقة لأن طهران أمضت خمسة عشر عاماً في تطوير هذه الجماعات لتصبح قوة موازية بحد ذاتها. وبالنظر إلى الاستعداد الذي أبدته هذه "الجماعات الخاصة" عندما يُطلب منها مهاجمة القوات الأمريكية أو القتال لصالح نظام الأسد في سوريا أو تأمين المصالح الإيرانية الأخرى، فإنها تخاطر بتورط العراق في مواجهات طهران الإقليمية مع الولايات المتحدة والسعودية أو إسرائيل.
الحرب بالوكالة
ويقول الباحث على الرغم من أن أعمال هذه الميليشيات كانت يجب أن تكون بمثابة صرخة يقظة لبغداد منذ فترة طويلة، إلّا أن الهجوم الذي استهدف السعودية في 14 سبتمبر قد أوضح الخطر بشكل حاد: هل ستستيقظ الحكومة العراقية يوماً ما على خبر استخدام أراضيها لشنّ عملٍ حربي؟ إن حالة عدم اليقين في السعودية بشأن الخطوات التالية التي يجب اتخاذها، والمقاربة المرتكزة على العقوبات التي يعتمدها الرئيس ترامب تجاه إيران، قد منحا الزعماء العراقيين الوقت والحرية الكافيين حتى الآن، لكن عقارب الساعة لن تتوقف طالما تُترك للميليشيات حرية التصرف. وما لا يقل أهمية هو المهمة الأوسع المتمثلة في استعادة الردع ضد طهران، الذي هو أمر حاسم لدرء تهديدات الميليشيات الموالية لإيران وطموحاتها.
والسؤال الذي يُطرح على واشنطن يتعلق بالطريقة المثلى لتحقيق الجزء الملقى على عاتق العراق من هذه المهمة الإقليمية في الوقت الذي تبدو فيه طهران مصممة أكثر من أي وقتٍ مضى على تحقيق آهدافها في الدولة المجاورة. أمام الولايات المتحدة الكثير من "خيارات المنطقة الرمادية" التي لا ترقى إلى مستوى الحرب من أجل الرد على الهجمات التي تنفذها إيران أو وكلاؤها، ولكن المصلحة القوية للولايات المتحدة في تعزيز استقرار العراق وسيادته تعني أنه من الأفضل تطبيق هذه الخيارات خارج العراق. علاوة على ذلك، لا يستطيع أحد احتواء التدخل الإيراني بشكل أفضل من قادة العراق ومواطنيها. فكيف يمكن أن تساعدهم واشنطن في السيطرة على هذه "الحرب الطويلة" وإعادة توازن العلاقات مع طهران؟
ايران حاضرة
عرض الشباب المتظاهرون العراقيون في مظاهرة ساحة التحرير ببغداد، جوازات سفر إيرانية عثروا عليها من رجال الأمن الإيرانيين. هؤلاء الرجال القمعيون فتحوا النار على المتظاهرين في ساحة التحرير ببغداد.
تفيد الأخبار العديدة أن قناصين يستهدفون برصاصاتهم المتظاهرين في بغداد وسائر المدن العراقية. ونقل موقع الحرة الأمريكية تقريرا بهذا الصدد:
منذ اندلاعها قبل أربعة أيام، ارتفع عدد قتلى الاحتجاجات في العراق السبت إلى 100 قتيلا على الأقل، وقد سقط بعض الضحايا بعمليات قنص غامضة لم يستبعد ناشطون وقوف إيران وراءها.
وقالت خلية الإعلام الأمني العراقي إن 4 قتلى على الأقل، هما مدنيان وعنصرا أمن، قتلوا الجمعة برصاص قناصة "مجهولين".
وانطلقت الاحتجاجات، الثلاثاء، في بغداد وعدد من المحافظات العراقية، احتجاجا على الفساد وتردي الأوضاع المعيشية.
ورفع المتظاهرون شعارات تطالب باستقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، ولم تخل الهتافات من شعارات مناهضة لإيران حليفة الحكومة العراقية. وطالب المتظاهرون بـ "خروج الإيرانيين" من العراق.
وكان صحفيو وكالة الصحافة الفرنسية، قد ذكروا في وقت سابق، أنهم سمعوا نيران بنادق أوتوماتيكية، وما بدا وكأنه طلقات قنص في عدة مواقع في وسط بغداد.
ومع اتهام الحكومة العراقية "قناصين مجهولين" بقتل 4 أشخاص يوم الجمعة، لم يستبعد ناشطون وسياسيون عراقيون وقوف إيران وراء عمليات القنص التي تستهدف المدنيين، "بهدف خلط الأوراق".
وقال البرلماني السابق مثال الألوسي لقناة الحرة، إن القناصين منتشرين في أماكن ببغداد و"هم من قاموا بقتل اثنين المتظاهرين واثنين من القوات المسلحة"
وأضاف "المدعو الإرهابي قاسم سليماني ومستشاري السفارة الإيرانية الأمنيين يقومون بإدارة ملف ربما القناصين وشبكات قتل المدنيين، بهدف خلط الأوراق".
ونشر ناشطون على مواقع التواصل مقاطع مصورة قالوا إنها تظهر قنص متظاهرين:
وفي وقت سابق نقلت وكالة رويترز عن شاهد عيان قوله إن "قناصة من الشرطة العراقية" أطلقوا النار على محتجين وسط بغداد
مضيفا أن القناصة اتخذوا مواقع على أسطح المنازل وأطلقوا أعيرة نارية على المتظاهرين.
بيد أن السلطات العراقية نفت تلك الاتهامات، وحملت من سمتهم "قناصين مجهولين" مسؤولية قتل أربعة أشخاص، نافية وجود أوامر لقوات الأمن بإطلاق الرصاص الحي على المواطنين.