لهدف سياسي غير معلن.. إيران تغازل ثوار العراق بإلغاء تأشيرة الدخول
الأربعاء 09/أكتوبر/2019 - 01:36 م
طباعة
نورا بنداري
بعد تواصل الرفض الشعبي العراقي للتدخلات الإيرانية السافرة في شؤون العراق، يحاول نظام الملالي تحسين صورته أمام العراقيين، باتخاذ إجراءات قد يري من وجهة نظره أنها قد تجدي نفعًا، وتخفض من حالة السخط الشديدة من جانب العراقيين؛ بسبب الوجود الإيراني وميليشياته، الذي تسبب في سوء الأوضاع بالعراق.
يأتي هذا في إطار قيام إيران بإصدار قرار، يسمح للعراقيين بدخول أراضيها دون تأشيرة لمدة تزيد عن شهرين، وذلك بداية من 24 أكتوبر الجاري إلى 27 ديسمبر المقبل؛ حيث أعلنت السفارة الإيرانية في بيانها 7 أكتوبر الجاري، أن هذا القرار هدفه «المساهمة في تعميق وتوطيد العلاقات بين الحكومتين والشعبين الصديقين والشقيقين أكثر فأكثر؛ تمهيدًا لإلغاء التأشيرات بشكل دائم بين البلدين» حسب نص القرار.
وأوضحت السفارة الإيرانية، أن إلغاء تأشيرة دخول العراقيين إلى إيران يأتي ردًا على قرار مماثل من قبل السلطات العراقية، التي سمحت لرعايا طهران بدخول العراق خلال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين، وذلك بسبب مراسم «أربعين الحسين» في كربلاء التي تعد من أهم المناسبات الدينية لدى الشيعة.
ولكن للوهلة الأولي يمكن النظر إلى قرار طهران بإلغاء تأشيرة الدخول للعراقيين، أنه قرار مماثل مثلما فعلت العراق سابقًا مع الإيرانيين؛ بهدف تحسين العلاقات بين البلدين، ولكن توقيت القرار، الذي يتزامن مع تقارير عن تدخل الحرس الثوري والميليشيات العراقية التابعة له في قمع المظاهرات وقتل المحتجين، يضع أمامنا أهداف أخرى، منها أن إيران تعمل على مواجهة رفض الشعب العراقي لها باتخاذ مثل هذا القرار، على اعتقاد منها أن ذلك قد يؤثر على مصير المظاهرات المندلعة في العراق والتي تندد بشدة للتدخل الإيراني في بلداهم.
أسلوب إلغاء التأشيرة، هو طريقة إيرانية متبعة يتخذها نظام الملالي لصالحه، ففي يوليو الماضي ألغت الحكومة الإيرانية تأشيرة الدخول للرعايا الصينيين إلى الأراضي الإيرانية، وجاء هذا بعد رفض الصين للعقوبات الأمريكية التي فرضها الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» على صادرات النفط الإيرانية؛ حيث أعلنت الصين وقتها دعمها لطهران ضد القرار الأمريكي.
إضافةً إلى أن إيران تستغل المناسبات الدينية؛ لتوسيع هيمنتها السياسية في العراق، ونظرًا لما يعانيه الاقتصاد الإيراني؛ بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة عليه، فإن هدف إيران من وراء هذا القرار، هو محاولة التخفيف من تأثير العقوبات الأمريكية على اقتصادها، من خلال جني أرباح اقتصادية جراء توجه العراقيين إلى إيران، على أمل أن يدخل العراقيون العملة الصعبة إليهم؛ للمساهمة في إنقاذ عملتها الوطنية المتدهورة.
وردًا على قرار إلغاء التأشيرة المتبادل بين البلدين، أوضحت عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية في البرلمان العراقي «ندى الجبوري» في مارس الماضي، أن هذا القرار غير مجدٍ، كونه جاء بدوافع سياسية فقط، موضحة أن العمل على تطوير المصالح الاقتصادية للعراق أولى بالضرورة من تقديم تسهيلات لدولة محاصرة كإيران؛ بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على اقتصادها؛حيث إن هذه التجربة تم تطبيقها بشكل ناجح في أوروبا اعتمادًا على المصالح الاقتصادية المشتركة.
وأعلنت النائبة العراقية،أن العلاقة بين البلدين لم تصل إلى حد يمكن معه إلغاء تأشيرة الدخول، في حين أن العلاقات العراقية الأردنية أولى بهذا الإجراء لو أخذنا بعين الاعتبار حجم التبادل التجاري والسياحة الطبية وحركة رجال الأعمال بين البلدين؛ ما يدعو إلى تقديم هكذا تسهيلات.
من جانبه، أوضح «أسامة الهتيمي» الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون الإيرانية، أن القرار الإيراني بإلغاء تأشيرة الدخول للعراقيين، وراءه هدف سياسي تسعى طهران لتحقيقه في هذه الفترة، فهذه محاولة إيرانية لاحتواء هذه التظاهرات والتخفيف من حدة احتقان الشارع العراقي باتجاهها؛ إذ يأتي القرار تزامنًا مع تصاعد التظاهرات والاحتجاجات الشعبية العراقية المطالبة باستقلال القرار العراقي والحد من النفوذ الإيراني في العراق، وهو ما تجسد في قيام المتظاهرين بحرق صور مرشد الثورة الإيرانية «على خامنئي» وبعض المسؤولين الإيرانيين الفاعلين في العراق.
وأضاف «الهتيمي» أن هذه الخطوة ربما تحمل دلالات خاصة، منها أن إيران تتعاطى مع العراق من مبدأ الندية ولهذا لم تتوان عن أن ترد على المبادرة العراقية بإلغاء التأشيرة بمبادرة مماثلة، وهذا يعني أن الإيرانيين حريصون على توطيد العلاقة وأن لا يكونوا فقط طرف مستفيد من العلاقات الثنائية بين البلدين.
وأشار «الهتيمي»، أن هناك أبعاد أخرى يحملها هذا القرار منها ما هو اقتصادي، يتمثل في أن دخول العراقيين بأعداد كبيرة إلى إيران يعني تنشيطا للأسواق والسلع الإيرانية التي يقبل عليها العراقيون، باعتبارها الأرخص سعرًا والأكثر توافرًا، بعد أن تمكنت إيران من الأسواق العراقية، حتى أن بعض المؤشرات الاقتصادية تشير إلى أن 90 % من السلع الموجودة بهذه الأسواق، هي إيرانية الصنع بعد أن تراجعت الصناعة والزراعة العراقية لأقصى درجة.
ومن بين هذه الأبعاد أيضًا؛ البعد السياسي والأمن؛ إذ تحرص إيران وبشكل جاد ومدروس على توظيف الزيارات السياحة والدينية والتسوقية إليها توظيفًا جيدًا من خلال استقطاب عناصر جديدة بعينها، يمكن أن تساهم بشكل أو بآخر في ترسيخ أقدامها في الداخل العراقي، وهو السلوك الذي تم الكشف عنه مرارا كجزء من مخططات الاختراق ومد النفوذ ليس في العراق فحسب، بل في العديد من البلدان.