المنطقة الآمنة.. قصة «الرقص على الحبال» بين «ترامب» و«أردوغان»
الأربعاء 09/أكتوبر/2019 - 01:52 م
طباعة
شيماء حفظي
ينضوي الهجوم الذي تعتزمه تركيا على مناطق حدودية مع سوريا وتحديدًا الشمال على مجازفة كبيرة، في ظل موقف مضطرب من الإدارة الأمريكية، وهو ما يجعل الفرصة سانحة أمام "أردوغان" لتنفيذ مخططه.
ومع بدء الولايات المتحدة سحب قواتها من المناطق السورية الواقعة على الشريط الحدودي مع تركيا، بات الطريق مفتوحًا أمام أنقرة لشن هجوم توعد به الرئيس التركى، غير أنه يضع أنقرة كذلك أمام تحديات جسيمة.
وتلوح تركيا منذ أشهر بشن هجوم على مناطق في شرق الفرات تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المعروفة بـ"قسد" - الشريك الرئيسي للتحالف الدولي بقيادة واشنطن في مواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي.
وشكل المقاتلون الأكراد رأس حربة الهجوم الدولي على "داعش"، إذ نجحوا في طرده من مناطق واسعة في شمال شرق سوريا، وحصلوا على دعم الدول الغربية، كما يتولون الآن الإشراف على مخيمات احتجاز مقاتليه.
لكن وعلى جانب آخر تعتبر "أنقرة" المقاتلين الأكراد "إرهابيين" تمامًا مثل تنظيم "داعش"، وتراهم امتدادًا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردًا ضدها مستمر منذ عام 1984.
تعتزم أنقرة إقامة "منطقة آمنة" في شمال سوريا، والهدف عمليًا هو إقامة شريط بعمق 30 كيلو مترًا وبطول نحو 500 كلم، يمتد من الفرات إلى الحدود العراقية، ويفصل بين الحدود التركية ومواقع قوات سوريا الديمقراطية.
وقال إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئيس التركى إن هذه "المنطقة الآمنة" ستسمح أيضًا بإعادة اللاجئين السوريين الذين فروا إلى تركيا منذ بدء النزاع في بلدهم، وبات عددهم يتخطى ثلاثة ملايين.
وستسمح هذه "المنطقة الآمنة" لأنقرة بتحقيق هدفين، هما إبعاد "خطر" المقاتلين الأكراد والحد من عدد اللاجئين السوريين في تركيا، في ظل تنامي المشاعر المعادية لهم داخل البلاد.
ويرى ستيفن كوك من "مجلس العلاقات الخارجية" الأمريكي أن إعلان البيت الأبيض رغبته في سحب القوات الأمريكية، يشكل انتصارا لأردوغان الذي "لم يوفر جهدًا لإقناع ترامب".
وجاء الضوء الأخضر من واشنطن في أعقاب مكالمة هاتفية بين "ترامب" و"أردوغان"، الذي راهن على علاقاتهما الشخصية لنيل تأييد نظيره الأمريكي، بالرغم من المقاومة التي أبدتها الإدارة في واشنطن.
ومن وجهة النظر التركية، فإن الولايات المتحدة بإعطاء ضوئها الأخضر أعطت الانطباع بأنها رضخت للطلبات التركية، على ما أوضحت خبيرة السياسة الخارجية التركية والأستاذة في معهد "سيانس بو" في باريس "جنا جبور" فى تصريح لوكالة "فرانس برس"، قائلة إن "هذا بحد ذاته هو انتصار دبلوماسي لأردوغان".
وأعلن البيت الأبيض في بيان مساء الأحد 6 اكتوبر أن تركيا ستكون الآن مسؤولة عن جميع مقاتلي "داعش" في المنطقة الذين ألقي القبض عليهم في العامين الماضيين.
وقال المتحدث باسم "أردوغان" الإثنين إن تركيا "ستواصل معركتها" ضد داعش و"لن تسمح له بالعودة بأي شكل كان".
وقد دافع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإثنين 7 اكتوبر عن قرار إدارته سحب القوات من شمال سوريا، وقال في سلسلة تغريدات على موقع التواصل "تويتر": "الأكراد قاتلوا معنا، لكنهم حصلوا على مبالغ طائلة وعتاد هائل لفعل ذلك. إنهم يقاتلون تركيا منذ عقود"، مضيفًا: "سيتعين الآن على تركيا وأوروبا وسوريا وإيران والعراق وروسيا والأكراد تسوية الوضع".
وكتب السناتور الجمهوري لينزي جراهام، الذي يؤيد "ترامب" عادة، سلسلة من التغريدات على "تويتر" قال فيها إنه كان يحاول ترتيب مكالمة مع وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" وإنه سيطرح مشروع قرار في مجلس الشيوخ يعارض قرار الانسحاب ويدعو لإلغائه.
وعلى الرغم من موقفه الداعم لتركيا ظاهريًا، هدد "ترامب" بتدمير الاقتصاد التركي في حال "تجاوزت الحدود"، وذلك بعد ساعات من إعلان البيت الأبيض عن سحب القوات قبيل العملية العسكرية التي تعتزم أنقرة القيام بها.
وقال "ترامب" في تغريدة على موقع "تويتر": "كما قلت بقوة سابقًا، وللتذكير فقط، إذا فعلت تركيا أي شيء أعتبره، بحكمتي العظيمة والتي لا تضاهى، تجاوزًا للحدود، سأدمر وأطمس اقتصادها بالكامل (وقد فعلت ذلك سابقًا)، يجب عليها وعلى أوروبا والآخرين، التكفل برقابة أسرى مقاتلي داعش وعائلاتهم".
وتابع قائلًا: "قامت الولايات المتحدة بأكثر بكثير مما كان متوقعًا منها، بما في ذلك بسط السيطرة على 100% من خلافة داعش، حان الآن دور الآخرين في المنطقة، بعضهم يمتلك ثروة كبيرة، بحماية أراضيهم، أمريكا عظيمة".
ولكن تلك التصريحات، اعتبرتها قوات سوريا الديمقراطية "عدم وفاء" أمريكي بالتزاماتها تجاه الأكراد، محذرة من الفراغ الذي سيتركه سحب القوات الأمريكية من المنطقة، مشيرة إلى أن الجيش السوري تحرك باتجاه مدينة "منبج" الإستراتيجية في ريف حلب، معتبرة أن هذا التحرك يمثل العاقبة الأولى للانسحاب الأمريكي.