رغم أن موقع «ويكيبيديا» التوثيقي الشهير، موسوعة ضخمة تضم موضوعات وشخصيات ومعلومات في مجالات عدة بمختلف اللغات، إلا أن طبيعة هذا الموقع تتيح لأي مستخدم تعديل وتحرير وحذف وإنشاء مقالات جديدة فيه، ولذلك دائمًا يشكك المختصون في مدى مصداقية ودقة المعلومات الواردة بالمقالات التي تنشر عبر الموقع.

ودائما ما تثار المخاوف من أنه بإمكان أي مستخدم أن يجري تعديلات على المحتويات المنشورة، ومن تزداد احتمالية أن يضيف مجهولون أو مستخدمو الموسوعة المسجلون معلومات خاطئة أو غير مؤكدة.

ودفع ذلك القائمين على «ويكيبيديا» إلى وضع مجموعة من السياسات والتعليمات الجديدة التي توجب على مستخدمي الموسوعة الالتزام بها عند تحرير وتعديل المحتوى؛ بهدف التصدي لمحاولات التزييف والتخريب، وضمان مصداقية المعلومات.

طمس جرائم النظام

وقد بذل «نظام الملالي»، قصارى جهده من أجل طمس أي جرائم أو انتهاكات لحقوق الإنسان تنشر على هذا الموقع في نسخته «الفارسية» قد تطال النظام، وهذا ما أوضحته المنظمة الحقوقية «العدالة من أجل إيران» في بيان لها 10 أكتوبر الجاري، ونشرته إذاعة «راديو فردا» الأمريكية الناطقة بالفارسية، إذ اتهمت المنظمة، مؤسسة «ويكيبيديا الفارسية» بالتستر على منتهكي حقوق الإنسان في إيران من خلال حذف بيانات المسؤولين المتورطين بالجرائم ضد الإنسانية، ودعت إدارة ويكيبيديا إلى اتخاذ تدابير جدية لضمان عدم استخدام الدول الاستبدادية، مثل إيران ويكيبيديا كأداة للرقابة والقمع والإفلات من العقاب.

وجاءت مطالبة المنظمة بعد ما اتهم بعض المساهمين الإيرانيين في ويكيبيديا بعض أعضاء فريق التحرير الفارسي بتحرير النصوص بشكل منهجي بطريقة لا يتم فيها ذكر جرائم مسؤولي النظام الإيراني. 

وعلى سبيل المثال، تمت إزالة قسم كامل بعنوان «انتهاكات حقوق الإنسان» في صفحة «محسن رضائي»، القائد السابق لقوات الحرس الثوري، وجاء في بيان المنظمة أن ما يجعل هذا المثال دليلًا قاطعًا هو إضافة معلومات مضللة بشكل فاضح عام 2013 إلى صفحة ويكيبيديا، تزعم شطب اسم «رضائي» من قائمة الإنتربول الدولى، والتي لا تزال منشورة على صفحته حتى اللحظة.

اجتماع ويكيبيديا الفارسي

وما يؤكد اهتمام نظام الملالي، بحذف كل ما يضر بسمعته من موقع ويكيبيديا، أقيمت ندوة في وزارة الثقافة والإرشاد سبتمبر عام 2018 تحت عنوان «الاجتماع المهني حول تطبيق تكتيكات ويكيبيديا في التواصل»، وأظهرت مشاركة محرري «ويكيبيديا» بها مدى نفوذ الحكومة الإيرانية في ويكيبيديا الفارسي.

ووفقًا لبيان المنظمة؛ أوضح أحد أعضاء فريق التحرير الفارسي خلال الندوة أن محرري ويكيبيديا الفارسيين، يلعبون دور وزارة الإرشاد في ويكيبيديا، بمعنى أنه يمكنهم إغلاق حساب وفتح حساب آخر، وإعطاء تحذيرات، كما يمتلكون المفاتيح التي تمكنهم من منع نشر صحيفة معينة إذا ما تصرفت خارج دائرة الرقابة، فهناك حوالي 30 محررًا متطوعًا معتمدًا للصفحات الفارسية، ولكن الفريق ليس لديه منسق أو مدير عام.

 نظام استبدادي

يقول أحمد قبال الباحث في الشأن الإيراني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: إن منظمة «العدالة من أجل إيران» رأت أن آليات تطبيق تقنيات «ويكيبيديا» في التواصل تمثل مساسًا بمبدأ الحياد الذي تقوم عليه، واعتبرت أن مسح قسم كامل بعنوان «انتهاكات حقوق الإنسان» من الصفحة الخاصة بالقائد السابق لقوات الحرس الثوري محسن رضائي، وإضافة معلومات مغلوطة بخصوصه على الموقع تعد تسترًا على انتهاكات حقوق الإنسان في إيران.

وأشار «قبال» في تصريح لـه، أن تأثير النظام الإيراني على الفضاء الإلكتروني يبدو أنه لم يعتمد فقط على مدونين ولجان إلكترونية تابعة له، لكنه طال أيضًا القائمين على موسوعة ويكيبيديا ومحرري الصفحات الفارسية بالموسوعة الأكثر انتشارًا وتأثيرًا على مستوى العالم، ما يهدد مصداقية هذا الموقع الموسوعي، ويمثل دعمًا لأنظمة استبدادية قمعية، ولدى النظام الإيراني سجل حافل بحالات التدخل الإيراني لدى مواقع عالمية معروفة لطمس الحقائق وتزييف الواقع، لاسيما إذا تعلق الأمر بصورة النظام وممارساته أو بعض القضايا الإقليمية.

وأضاف الباحث في الشأن الإيراني أنه فيما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي التي كان لها دور فاعل في احتجاجات الإيرانيين في الأعوام 2009، 2017، 2018، يتواصل الجدل بين التيارات السياسية الإيرانية حول حظر تلك المواقع كليًّا، فيما تصر الجهات المتشددة المقربة من المرشد «على خامنئي» على حجب كل مواقع التواصل والمواقع الأجنبية والانتقال إلى شبكة إنترنت داخلية، لافتًا إلى أنه رغم أن الإيرانيين لا يثقون بهذه التطبيقات المحلية، إلا أن الهدف من إنشائها هو السيطرة على الاحتجاجات من خلال رصد تحركات الناشطين، وفي المقابل يستمرون في استخدام التطبيقات العالمية المعروفة من خلال برامج كسر الحجب.