الفأر التركي في المصيدة السورية.. الارتباك يسود أنقرة بعد اتفاق عين العرب
الثلاثاء 15/أكتوبر/2019 - 12:06 م
طباعة
سارة رشاد
تسبب إعلان الاتفاق، الذي أجري بين دمشق وما يعرف بـ«الإدارة الذاتية الكردية» - الأحد 13 اكتوبر 2019، بهدف بانتشار الجيش السوري في شرق الفرات؛ لوقف العدوان العسكري التركي على الشمال السوري- في إحداث ارتباك داخل الصفوف التركية.
ويفسر هذا الارتباك الأخبار التي تناقلتها وسائل إعلام سورية، عقب سريان الاتفاق بدخول الجيش السوري إلى منطقة عين العرب، وهو ما دفع الإعلام التركي للتساؤل عن رد الفعل التركي حيال هذا التطور الذي يصفونه بـ«الخطير»، فما هي أهمية مدينة عين العرب لتركيا؟ وماذا يعني انتشار الجيش السوري بها؟
المنطقة الآمنة.. جنين مشوه ولد ميتًأ
على مدار سنوات الحرب السورية، لم تكف تركيا عن ترديد مطالبتها للمجتمع الدولي بمساعدتها في إنشاء ما تسميه «منطقة آمنة» على الحدود التركية السورية.
هدفها المعلن في ذلك كان حصار «الإرهاب» في هذه المنطقة، أما دافعها الحقيقي فكان ضرب المشروع الكردي، خاصة بعد شروع الأكراد السوريين خلال الأزمة السورية في محاكاة تجربة كردستان العراق، عبر تأسيس ما يسمى بـ«الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا».
وتسبب تأسيس هذه الإدارة في زيادة المخاوف التركية من الأهداف الكردية الانفصالية، فطرحت مشروع إقامة منطقة آمنة على الحدود مع سوريا بعمق 32 كيلو مترًا، وتمتد لمسافة 480 كيلو مترًا على طول الجانب السوري.
ولتنفيذ هذا الهدف التركي، شنت أنقرة ما تسمى بعمليتي غصن الزيتون ودرع الفرات؛ لفرض سيطرتها بالقوة على المدن الكردية في الشمال السوري.
وبينما تعتبر ماتدعى عملية «نبع السلام» -وهى العدوان العسكرى التركي على شمال سوريا- خطوة جديدة نحو المنطقة الآمنة، إذ وضعت على رأس أهدافها السيطرة التركية على منطقة عين العرب «كوباني»، جاء الاتفاق بين دمشق و«قسد» وانتشار الجيش السوري في عين العرب، عقبة في طريق الحلم التركي؛ إذ يجعل ذلك تركيا أمام خيارين، إما أن تستثني عين العرب من المنطقة الآمنة أو تدخل في مواجهات مباشرة مع النظام السوري.
ووفقًا للكاتب التركي، أديب اليوسف، في تصريحات صحفية، فإن استعادة عين العرب الى قبضة الدولة السورية يعني انهيار لفكرة المنطقة الآمنة، قائلًا: إنه يفقدها معناها.
وأوضح، أن عين العرب هي حلقة الوصل بين مناطق عمليات الجيش التركي في ريف حلب الشمالي «درع الفرات، غصن الزيتون»، ومنطقة عمليات «نبع السلام»، في شرق الفرات، ما يعني فصل مناطق السيطرة التركية عن بعضهم ومنع وصول المياه إلى المنطقة الآمنة.
وعلى خلفية ذلك فيرجح اليوسف، أن تعجل تركيا بالسيطرة على عين العرب، رغم أن هذه الخطوة كانت في المراحل الأخيرة لعملية نبع السلام، وفقًا للخطة التركية المعلنة.
عين العرب.. معقل الاكراد
عين العرب أو «كوباني»، هي ثالث أكبر مدينة كردية في الشمال السوري، بعد القامشلي «في محافظة الحسكة» وعفرين «في ريف حلب»، ويبلغ عدد سكان عين العرب وريفها نحو 400 ألف نسمة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
تنبع أهميتها من اسمها؛ إذ تعني كلمة كوباني الكردية «الإجماع» بالعربي، ما في صلب المشروع الكردي الانفصالي الذي يبحث عن دولة يجتمع بها الأكراد السوريين والعراقيين والأتراك.
وخسارة الأكراد للمدينة بمثابة انهيار لمشروعهم الانفصالي، ومن هذا المنطلق كان التحرك التركي للسيطرة على عين العرب التي تعتبر في صميم المشروع الكردي.
لنفس الهدف، كان التحرك الداعشي باتجاه المدينة؛ إذ كانت عين العرب أهم أهداف التنظيم الإرهابي في الشمال السوري في الفترة ما بعد 2014.
يشار إلى أن داعش يحمل عداءً لمبدأ القومية في حد ذاته، ومن ثم يعتبر سقوط كوباني ضربة للقومية الكردية، ليس ذلك وحسب، بل تعمد التنظيم تحويل اسم المدينة عقب سيطرته عليها إلى «عين الإسلام» في رفض واضح لكلا القوميتين الكردية والعربية التي تطلق على المدينة عين العرب.ة.
ونشرت مجلة «فورين بوليسي» الأحد 13 أكتوبر، مقالة للقائد العام لقوات سوريا الديموقراطية «قسد»، مظلوم عبدي، قال فيها: «قدم لنا الروس والنظام السوري اقتراحات قادرة على إنقاذ حياة ملايين من الناس يعيشون تحت حمايتنا»، معقبًا: «نعرف أنه سيكون علينا تقديم تنازلات مؤلمة، إذا اخترنا طريق العمل معهم، لكن علينا الاختيار بين التنازلات أو إبادة شعبنا، وبالتأكيد سنختار الحياة لشعبنا».
ولهذه الخصوصية، فبدأت من عين العرب معارك القضاء على تنظيم داعش في سوريا؛ إذ لعبت المدينة دورًا رئيسيًّا في حصار المخطط التوسعي لتنظيم «داعش» على الحدود السورية التركية، بعدما نجح العسكريين الأكراد في يناير 2015، في تحرير المدينة من قبضة «داعش»، بعد أربعة أشهر ونصف من القتال.
وعقب التحرير، شهدت المدينة حرب شوارع استمر فيها داعش لآخر لحظة؛ للإبقاء على المدينة التي يعتبر خسارتها انتصار للمشروع الكردي.
ووفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، تركت هذه الحرب آثارًا كبيرة على المدينة وسكانها؛ إذ رصد نحو 3000 منزل مدمر في المدينة بشكل كلي، وأكثر من 5000 بشكل جزئي، إضافةً إلى عشرات القرى التي سُويت بالأرض.
وأفاد التقرير، بأن عشرات القرى الأخرى مدمرة جزئيًّا، مقدّرًا نسبة تدمير المدينة بنحو 70 %.