بعد الانسحاب الأمريكي والاجتياح التركي.. أوروبا تواجه انتهازية «داعش»
الأربعاء 16/أكتوبر/2019 - 12:36 م
طباعة
شيماء حفظي
في كل معادلة يكون هناك فائز وخاسر، كذلك هي الحروب، وبينما تتقاتل القوات التركية الطامعة في التوسع على حدودها والأكراد الطامحين إلى الاستقلال، ينتظر تنظيم "داعش" اغتنام الفوائد، وتواجه أوروبا أسوأ سيناريوهات المستقبل المحتمل، إذ أثار الانسحاب المفاجئ للقوات الأمريكية من سوريا، وما تلاه من قرار تركي باجتياح الشمال السوري، وإقامة منطقة عازلة، الكثير من توقعات الفوضى.
وتقول القوات الكردية إن مئات من سجناء "داعش" فروا من سجن "عين عيسى" أثناء القتال الدائر في مكان قريب بينها وبين الجيش التركي، بينما قال اثنان من المسؤولين لصحيفة "نيويورك تايمز" إن الجيش الأمريكي فشل في تأمين 60 أو أكثر من المعتقلين من قيادات التنظيم قبل مغادرة قواته، غير أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكد أن قراره لن يشكل تهديدًا للوطن الأمريكي، قائلًا: "سيهربون إلى أوروبا".
ويعلق الكاتب دانيال بايمان، في مقال له بصحيفة "فوكس ميديا" الأمريكية، على تصريح الرئيس الأمريكي بالقول إنه غير مطمئن للأوروبيين، بالنظر إلى الآلاف من الأوروبيين الذين ذهبوا للقتال من أجل "داعش" والمشاكل التي واجهتها أوروبا مع الإرهاب الجهادي بشكل عام.
ويضيف الكاتب :"يجب أن يشعر الأوروبيون بالقلق من تخلي الولايات المتحدة عن الأكراد السوريين والفرار المحتمل لأعداد كبيرة من سجناء داعش".
وتتمتع أوروبا بسجل كبير ومؤلم مع الإرهاب الجهادي، إذ تعرضت لهجمات متكررة في فترة ما بعد 11 سبتمبر 2001، بما في ذلك مجموعة من الضربات التي نظمها تنظيم «داعش» في باريس عام 2015 والتي أودت بحياة 130 شخصًا، كما أنها وعلى مدار سنوات، قطعت خطوات كبيرة لمواجهة الإرهاب، إذ دعمت جمع المعلومات الاستخباراتية وتبادلها، وتشديد قوانينها، وتحسين إجراءات مكافحته.
لكن وبعد كل هذه الجهود، تبرز الأزمة الأخيرة حاجة أوروبا لمواصلة سياساتها العدوانية لمكافحة الإرهاب، وتحسين كيفية تعاملها مع الإرهابيين في السجون، وتطوير مجموعة أكثر تماسكًا من السياسات للتعامل مع المعتقلين المشتبه في أنهم إرهابيون.
يقول الكاتب الأمريكي أنه لطالما كان رد أوروبا على الإرهاب الإسلاموى غير متكافئ - وغالبًا ما كان ذلك بشكل مثير، إذ اعتمدت فرنسا، التي عانت من هجمات متكررة على أراضيها، برنامجًا قويًا لمكافحة الإرهاب، بحسب الكاتب، بينما فضلت المملكة المتحدة الإبقاء على المتطرفين قريبين في التسعينيات من القرن الماضي، ما سمح للندن بأن تصبح موطنًا للمعارضين والدعاة من جميع الأنواع، وشجع الكثير منهم الشباب المسلم على القتال في البوسنة والشيشان وغيرها من الأماكن مع ساحات القتال المتمردة.
وكان الأمل البريطاني، أنه من خلال مراقبتها للجماعات المتطرفة، يمكن السيطرة على مخاطرها، بينما تجاهلت بلدان أخرى مثل بلجيكا وألمانيا وإيطاليا المشكلة ببساطة، بحسب الكاتب.
ومع بدء الولايات المتحدة الأمريكية، حربًا ضد الإرهاب في أفغانستان، ومساندة دول أوروبية في ذلك كطريقة سهلة لإرضاء واشنطن، التي رأت أن القتال ضد تنظيم "القاعدة" هو الشاغل الأمني الأول في العالم – عمق ذلك العداوة بين الإرهابيين وأوروبا، بحسب الكاتب.
وبدأ تنظيم "القاعدة" بشكل خاص في تحويل الشبكات المطورة لتصدير المقاتلين الأجانب من أوروبا إلى نقاط عمليات لمهاجمة القارة، ووقعت تفجيرات مدريد 2004 وهجمات لندن عام 2005، والتي أسفرت عن مقتل 191 و 52 شخصًا على التوالي، وكانت ثمارًا مريرة لهذا التحول، حتى الدنمارك الصغيرة كانت في خطر بعد أن نشرت صحيفة دنماركية رسومًا كاريكاتورية تسخر من النبي محمد، ما أدى إلى تهديدات متكررة ضد البلاد، وفي عام 2015 ، قتل الإرهابيون 12 من موظفي مجلة "تشارلي إبدو" الساخرة في باريس بسبب إهاناتهم للنبي.
وفي مواجهة هذا العنف، واصلت أوروبا مكافحة الإرهاب، وشرع أولئك الذين تأثروا مباشرة بالتهديد، مثل المملكة المتحدة والدنمارك، في اتخاذ إجراءات صارمة ومجموعة من البرامج تضمنت جمع المعلومات الاستخبارية، واستخدام البرامج الاجتماعية وتحسين العلاقات المجتمعية لتقليل عزلة المجتمعات المسلمة، كما وسعت أوروبا تبادل المعلومات الاستخباراتية بين أعضائها ومع الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من هذا التاريخ الطويل من المواجهة مع الإرهاب، وجدت العديد من الدول الأوروبية نفسها غارقة في تدفق المقاتلين الأجانب وموجة الإرهاب التي اجتاحت أوروبا.
وبحسب الكاتب دانيال بايمان، سافر قرابة 6000 مسلم أوروبي للقتال في سوريا ، مقارنة بنحو 700 بين عامي 1990 و 2010 سافروا إلى أفغانستان والبوسنة والشيشان والعراق مجتمعين.
ولكن بعدما شنت دول غربية، حملة لمكافحة تنظيم "داعش"، في عام 2015، فإنه بحلول عام 2019، لم يعد التنظيم يسيطر على المنطقة، ومات الكثير من المتطوعين الأجانب في القتال، ووجد الآلاف أنفسهم في معسكرات في العراق أو يديرهم أكراد سوريون.
ويضيف الكاتب أن التدمير المستمر لسيطرة "داعش" على الأرض يبدو أنه كان نعمة لأوروبا، إذ انخفض عدد الهجمات الإرهابية ومجموع الوفيات في السنوات الأخيرة.
وإلى جانب انخفاض عدد القتلى، فإن أكبر مؤشر على النجاح هو الدور المتناقص للمقاتلين الأجانب، إذ يشير تقرير استخباراتي دنماركي إلى أن الهجمات في أوروبا يرتكبها أفراد لم يذهبوا إلى منطقة نزاع، وأن معظم المقاتلين الأجانب الأوروبيين إما ماتوا في العراق وسوريا، أو احتُجزوا هناك أو قُبض عليهم عند عودتهم، ومع إطلاق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العملية المعروفة بـ "نبع السلام" ضد الأكراد، سمح ذلك بفرار سجناء "داعش".
ويقول دانيال بايمان، إن "داعش" جماعة انتهازية للغاية، وستستخدم الفوضى والإلهاء لإعادة بناء نفسها، ما يزيد من خطر الإرهاب الدولي والعنف المحلي، لكنه يشير إلى أنه رغم هذه الأوضاع المقلقة، أصبحت الدول الأوروبية أكثر عدوانية تجاه الإرهابيين، وتقلصت الكثير من المشكلات الأمنية، ما سيزيد من صعوبة هروب المقاتلين الأجانب الأوروبيين من سوريا.