ذكرى تنصيب «الهضيبي».. كيف كشف المرشد الثاني أزمة إنتاج القادة داخل الإخوان؟

الخميس 17/أكتوبر/2019 - 06:54 م
طباعة ذكرى تنصيب «الهضيبي».. دعاء إمام
 
لم تسمح جماعة الإخوان على مدار تاريخها، بشكف أسس وقواعد تداول السلطة داخلها؛ إذ جسد تنصيب المرشد الثاني للجماعة، حسن الهضيبي، في أكتوبر 1951، أزمة إنتاج القادة داخل الإخوان؛ فروى كل فرد من جيل الرعيل الأول، مبررات اختيار «الهُضيبي» بالمخالفة للائحة الجماعة ووصية المؤسس حسن البنا.

ذكرى تنصيب «الهضيبي»..
في مطلع عام 1948، طلب مؤسس الإخوان رؤية أحمد حسن الباقوري (نائب مرشد جماعة الإخوان)؛ لأمر عاجل، وعن السر وراء ذلك الاستدعاء قال «الباقوري»: إن «البنّا» أخبره  أنه سيختفي، ولما سأله عن القصد قص عليه رؤية أعقبها بوصية أن يرعى الإخوان من بعده -حسبما ورد في كتاب ثائر تحت العمامة  للكاتبة المصرية نعم الباز- فإن مرشد الجماعة أوصى أن يخلفه الباقوري حال موته أو قتله».
وكان نَص الوصيّة التي تجاهلها الإخوان بعد اغتيال البنّا: «إذا احتفيت فأنت مكاني، ارع الإخوان واصنع ما يرغبون مما يقيم حياتهم، ولكن على أن يبقى لك هذا الوضع إلى أن يخرج الإخوان من معتقل الطور، فإذا خرجوا فهم أحرار عند ذلك أن يختاروا لهم مرشدًا عامًّا، وهذا هو القدر الذي أريد أن أصرح لك به آمرك أن تنفذه».
في فبراير 1949 أُغتيل مرشد الجماعة، أثناء خروجه من جمعية الشبان المسلمين (جمعية دينية، اجتماعية تأسست 1927)، وكان من المُنتظر تنصيب «الباقوري» لحين خروج الإخوان من السجون، إلا أن الجماعة خالفت الوصية، وبحثوا عن إمام آخر يتولى تيسير أمور الإخوان في تلك المرحلة.
كان الإخوان يرمون بطرف خفي إلى وصية أخرى، تُزكّي القاضي حسن الهضيبي (تولى منصب المرشد فيما بعد)، وتناقل «إخوة» - لم تسمهم موسوعة الإخوان الإلكترونية «إخوان ويكي»- تلك الرواية التي ترجح كفة «الهضيبي» في مقابل «الباقوري»؛ إذ زعموا أن البنّا قال لهم: «إذا حدث لي شيء واختلفتم إلى من يكون مرشدًا بعدي فاذهبوا إلى المستشار حسن الهضيبي فأنا أرشحه ليكون مرشدًا بعدي».

روايات متضاربة
مصداقية رواية تزكية مؤسس الجماعة لـ«الهضيبي»، يشكك فيها حديث الأخير نفسه عن آخر لقاء جمعه بالمرشد الأول قبل ليلة واحدة من اغتياله، حين ذهب إليه «البنّا» يخبره بمفاوضاته مع الحكومة المصرية حول مصير الإخوان المعتقلين، وانصرف من منزله دون أن يوصيه بشيء.
وفي توثيقها لاختيار المرشد الثاني، كشفت موسوعة «إخوان ويكي»، أن الإخوان أخذوا يبحثون عن قائد آخر ورشحوا لهذا المنصب أكثر من أخ من الإخوان العاملين: منهم الباقوري، عبد الرحمن البنا، صالح عشماوي، عبد الحكيم عابدين، إلا أن الأغلبية في الهيئة التأسيسية أجمعت على انتخاب الهُضيبي، وبقي يؤدي عمله سرًّا نحو ستة أشهر، لم يترك العمل في القضاء خلالها.
فيما يتمسك «الباقوري» بأنه كان الأحق بمنصب المرشد، إذ لفت في حواره مع الكاتبة نعم الباز السابق ذكرها، إلى تلك الحقيقة فقال: «قد أكون أحق الإخوان بعضوية مكتب الإرشاد بل وبالمرشد العام؛ من ذلك أن حسن البنا أوصاني أن أعتني بأسر الإخوان المعتقلين وهذه وصية كان لابد أن أنفذها وأى أحد يُغالبني عليها لابد أن أغالبه».
وتساءل البعض «هل كان في تنصيب الهضيبي منافاة لقانون الجماعة ووصية البنّا؟»
بتتبع السيرة الذاتية للمرشد الثاني، فإن انضمامه للجماعة كان في 1942 وبقي سريًّا؛ نظرًا لعمله كقاضٍ ورئيس لمحكمة استئناف القاهرة آنذاك، ومع ذلك فإن من شروط تعيين المرشد حسبما جاء في موسوعة الإخوان الإلكترونية، أن يكون مضى على انتظامه في الجماعة أخًا عاملًا مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة هلالية ولا يقل عمره عن أربعين سنةً هلاليةً، وبعد انتخابه يبايعه أعضاء الجماعة وعليه التفرغ تماما لمهام منصبه للعمل بالجماعة.
لجأت الجماعة خلال تاريخها إلى حيلة تحفظ وجود المرشد بعيدًا عن الملاحقات الأمنية، فحين مات «البنّا» انقسمت الآراء حول اختيار إمام لهم، وظلت الجماعة من 1949 حتى 1951 بلا مرشد.
يقول الباحث في شؤون الحركات الإسلامية أحمد بان: إن من شغل هذا المنصب خلال هذه المرحلة، بشكل سري كان مصطفى مشهور (المرشد الخامس للجماعة فيما بعد).
أما «إخوان ويكي»، فلها رواية أخرى عن المرشد السري الثاني، وهو الشيخ الضرير محمد مرزوق الذي كان نائبًا للهضيبي في إدارة الاجتماعات في حال تغيب الأخير، وطُلب منه تيسير أعمال الجماعة منذ نوفمبر 1973 حتى 1975، إلا أن بعض الإخوان رفضوا مبايعة مرشد لا يعلمون اسمه أو هويته، وانتهى الأمر بمبايعة عمر التلمساني المرشد الثالت للجماعة من 1975 حتى 1986.

حقيقة تنصيب الزعيم جمال عبد الناصر
فيما أثار المستشار الدمرداش العقالي، أحد أعضاء النظام الخاص للإخوان في خمسينيات القرن الماضي -يُوصف بأنه الأب الروحي للشيعة في مصر- حالة من الجدل بشهادته عن وصية لـ«البنا » قبل اغتياله، تفيد رغبته في تنصيب عبدالناصر مرشدًا من بعده، إذ قال إنه بايع «البنا» بالطريقة نفسها التي بايعه بها أي عضو آخر في التنظيم، وأصبح منذ عام 1942، عضوًا عاملًا في الجماعة.
وزعم  « العقالي»، أن الجماعة  ظلت بقيادة البنَّا وعبدالرحمن السندي في القطاع المدني، وجمال عبدالناصر في القطاع العسكري، تعمل لتغيير الأوضاع في مصر والاستيلاء على السلطة.
وتابع في حوار منشور يوم 3 أكتوبر 2010، بصحيفة «المصري اليوم»: «إنه عندما صدر قرار بحل الجماعة في 1948 واعتُقل جميع قيادة الإخوان ما عدا «البنا»، أعدَّ وصيته وذهب بها ليسلمها إلى صالح حرب باشا، في جمعية الشبان المسلمين - وذلك في الليلة التي قُتل فيها (12 فبراير 1948) وكتب «البنَّا» موصيًّا بأن يكون المسؤول عن الإخوان في حالة اغتياله أو غيابه هو عبد الرحمن السندي رئيس الجهاز الخاص، وإذا لم يكن موجودًا يُصبح جمال عبدالناصر هو المرشد العام لجماعة الإخوان.
لكن إسماعيل تركي، أحد قيادات الإخوان (شغل منصب مدير مركز البصائر للدراسات والبحوث)، ردَّ على « العقالي »، في حوار لمدونة « أون إسلام »، قائلًا إنه عند اغتيال البنَّا كان ناصر في العقد الثالث من عمره، ولم تكن ثقافته الشرعية تؤهله لتولي هذا المنصب.

افتراضية كاذبة
فيما تحدث ثروت الخرباوي، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، عن كذب افتراضية انضمام «عبدالناصر» للجماعة من الأساس، قائلًا: «ناصر لم يكن يومًا من الإخوان، ولم يفكر أحد في تنصيبه مرشدًا عامًّا للجماعة».
وأكد لـه أن فكرة انتماء الرئيس الراحل للجماعة، طُرحت بشكل سطحي؛ فطبيعة دخول الأفراد إلى الإخوان، وانتقاء أشخاص منهم لحمل السلاح ودخول النظام الخاص، تناقض طبيعة شخصية «عبدالناصر»؛ لأنها لا تقبل أن يبايع ويعطي الحق للجماعة، أو المرشد أن يحل دمه، إذا أفشى سرًّا أو خالف أمرًا؛ فتلك الرواية مخالفة لسيكولوجية التنظيم و«عبدالناصر»، وهذا ينفي كلية ما تردد عن إطلاق اسم حركي على «عبدالناصر» داخل أروقة الجماعة.

شارك