الإخوان وأزمة صناعة الفرد.. هكذا صارت الجماعة سجنًا تنظيميًّا لأعضائها
السبت 26/أكتوبر/2019 - 10:09 ص
طباعة
عماد علي عبد الحافظ
تصنف جماعة الإخوان نفسها دائمًا وتعتبر ذلك من بين مزاياها على أنها جماعة شمولية تُعنى بمختلف شئون الحياة وتعمل في كل جوانبها، وتنطلق في ذلك من المبدأ الذي تؤمن به وهو شمولية الإسلام الذي جاء لينظم مظاهر الحياة جميعًا، وفي ذلك يصفها مؤسسها بأنها هيئة سياسية وجماعة صوفية ودعوة سلفية وفرقة رياضية..إلخ، وبغض النظر عن محاولات التفسير وتحديد الأسباب؛ فإن تاريخ الجماعة ينبئ عن حقيقة واضحة وهو أنه تاريخ يتسم بالصراعات والصدامات والأزمات كما أنه يتسم بالإخفاق وعدم القدرة على تحقيق الأهداف الكبرى للجماعة، وهذا التاريخ الصدامي المتأزم لم يكن على مستوى العلاقة بالنظم الحاكمة المتعاقبة في الدولة المصرية فحسب؛ لكنه كان على مستوى علاقة الجماعة بالعديد من الأطراف الأخرى سواءً كانت سياسية أو دينية أو مجتمعية
بالطبع قد تختلف التفسيرات وتتعدد الآراء التي من الممكن أن تُطرح في سبيل تحديد الأسباب الرئيسية التي تنتج تلك الحالة، لكننا سوف نرتكز هنا على سبب محدد نعتقد بأهميته وهو طبيعة التكوين النفسي والفكري لأفراد الجماعة ودوره في خلق هذه الحالة المستمرة من الصراع والصدام، وعلى ذلك سوف نقوم ببلورة الفكرة الرئيسية التي تناقشها هذه الدراسة في السؤال التالي:
هل طبيعة الفرد وتكوينه النفسي والفكري والذي تصنعه الجماعة بشكل ممنهج يُعد من الأسباب الرئيسية في حالة الصراع والإخفاق الدائم الذي تعيشه الجماعة؟
سوف يساعدنا في الإجابة عن هذا السؤال أن نتعرف على عدة أمور من خلال هذا البحث، وهي:
1-المعايير والإجراءات التي تستخدمها الجماعة لضم الأفراد الجدد إليها.
2-طبيعة المجتمع المغلق الذي تقوم الجماعة بتربية أفرادها بداخله.
3-القناعات الرئيسية التي تعمل الجماعة على غرسها في عقول أفرادها.
4-الوسائل والمناهج التربوية التي تستخدمها الجماعة لغرس القناعات.
5-الآثار المترتبة على هذه الطريقة على مستوى الفرد والجماعة والمجتمع والدين.
وعلى ذلك سوف نقوم بتناول الموضوع من خلال ثلاثة محاور رئيسية، وهي:
المحور الأول: مجتمع الإخوان .. سجن بلا أسوار.
المحور الثاني: مناهج الجماعة التربوية وآليات صناعة الفرد.
المحور الثالث: آثار التكوين النفسي لأفراد الجماعة، ومدى فعالية التنظيم.
المحور الأول: مجتمع الإخوان .. سجن بلا أسوار:
إن علاقة الفرد بالمجتمع الذي يعيش بداخله هي علاقة تأثر وتأثير وتفاعل متبادل ومستمر، فالتغيرات التي تحدث في المجتمع في مختلف جوانبه إنما هي نتاج لمجمل التصرفات والتفاعلات الحادثة من جانب الأفراد الذين يعيشون بداخل هذا المجتمع، وكذلك فإن تلك التغيرات إنما تترك أثرها على الأفراد وتساهم في إعادة تشكيل وصياغة ثقافتهم وقناعاتهم ومن ثم سلوكهم، ومن هنا فإن طبيعة المجتمع وظروفه السياسية والإجتماعية والإقتصادية والتي هي ثمرة مجموع التصرفات الفردية لها دور كبير في تكوين شخصية الأفراد المنتمين لهذا المجتمع.
والمجتمع ليس هو مجموع أفراده فحسب، ولكنه يتكون من مجموعة من الأفراد والتجمعات والجماعات التي تتكون وتعيش وتتفاعل بداخله، ومن بين صور هذه الجماعات تلك الحركات الإسلامية التي نتخذ هنا من جماعة الإخوان نموذجًا لها، ولاشك أن لتلك الجماعات تأثيرًا على أفرادها المنتمين إليها بشكل يمثل إضافة على ما للمجتمع من تأثير؛ نظرًا لكونها تحمل أفكارًا معينة وأهدافًا خاصة بها، لكن ما نسميه بالحركات الإسلامية فإنها تمثل حالة شديدة الخصوصية من حيث قوة التأثير الذي تقوم به على أفرادها المنتمين إليها؛ ويرجع ذلك لجملة من الأسباب يعد من أهمها الصبغة الدينية التي تتسم بها أفكار وخطاب تلك الحركات الذي له من التأثير على الأفرد ما لا يملكه خطاب أو فكرة مثلها، وثمة سبب آخر وهو الطبيعة المغلقة للحركة، حيث تعمل هذه الحركات على خلق مجتمع بديل تعزل أفرادها شعوريًا بداخله، مجتمع مغلق متشابك العلاقات ومتعدد الروابط الداخلية يحمل قناعاته وتصوراته وأهدافه الخاصة به والغير مشتركة مع باقي المجتمع بل والمتعارضة في جزء كبير منها مع ما هو راسخ داخل عقله الجمعي.
ولكن ماهي المعايير التي تنتقي بها الجماعة أفرادها، وكيف تعزلهم داخل تنظيمها المغلق؟
كما قلنا في البداية فالجماعة يتنوع نشاطها ويتشعب في الكثير من جوانب المجتمع، وهي في ظل ممارسة هذا النشاط دائمًا ما يكون لديها هدف رئيسي من خلاله وهو "ضم أفراد جدد" ممن تتوافر فيهم الشروط الأولية التي تؤهلهم لأن يصبحوا أعضاء بالجماعة، فالفرد غالبًا لا يكون هو صاحب الاختيار منذ البداية في الانضمام إلى الجماعة، كما أن الأمر لا يتوقف على قراره أو رغبته بعد ذلك؛ إذ تكون الجماعة صاحبة القرار النهائي فيمن تقبله ضمن أعضائها طبقًا لمعاييرها وشروطها الموضوعة سلفًا، ونستطيع أن نجمل تلك الشروط والمعايير وبعض السمات التي تميز عملية الاختيار والضم على النحو التالي:
- الانضمام يكون تدريجيًا؛ حيث لا يتم مخاطبة الأفراد المتوسم فيهم صلاحية الانضمام بشكل صريح ومباشر، ولا يتم توضيح أفكار الجماعة وأهدافها الرئيسية وبرنامجها لهم حتى يستطيع الفرد التفكير والتعبير عن مدى قناعته ورغبته في الانضمام والعمل في إطارها من عدمه، لكن الذي يحدث أن يتم دعوة ذلك الفرد للمشاركة في أنشطة الجماعة المختلفة تباعًا، ثم حين يبدي استجابة واندماجًا في ذلك المجتمع يتم البدء في الحاقه بأول مرحلة تربوية في الجماعة.
- الانضمام يكون قائمًا على العاطفة الدينية؛ حيث تعمل الجماعة على استثارة عاطفة الأفراد الدينية عن طريق التهويل من فكرة المؤامرة على الإسلام الذي يجب إنقاذه وعلى ضرورة العمل من خلال الجماعة التي لديها الرؤية الصحيحة لذلك.
- التركيز على شرائح عمرية معينة وخاصة من سن العاشرة حتى سن الحادية والعشرون؛ حيث هي الفترة التي تكون القدرة على التأثير وغرس القناعات وتشكيل العقل والوجدان فيها أكبر، كما أن الفرد أو الشاب خلالها يكون خاليًا من المسئوليات وأعباء الحياة التي تعقب التخرج من الجامعة مما يمنحه وقتًا أوفر للعمل في أنشطة الجماعة المختلفة كما تعطي الجماعة فرصة كافية لإعداده وتكوينه.
- التركيز على شرائح اجتماعية معينة عن طريق اختيار الأفراد المميزين اجتماعيًا أو دراسيًا ويفضل أن يكونوا من طلاب الكليات العملية خاصة الطب والصيدلة والهندسة، حيث تريد الجماعة أن تظهر أمام المجتمع بأنها تضم صفوة من الأفراد مما يكون سببًا في جذب آخرين نحو الجماعة.
- تركز الجماعة على اختيار الأفراد ذوي القابلية للتبعية الذين يسهل قيادتهم والابتعاد عن الأفراد ذوي الشخصية المستقلة التي يصعب قيادتها.
وباختيار الأفراد تنتقل بهم الجماعة إلى مرحلة تالية تعمل فيها على تهيئة المناخ الذي يساعد على ممارسة وسائل التأثير وغرس القناعات المطلوبة وصياغة الروح والعقل، وهذا المناخ هو الذي نطلق عليه "المجتمع المغلق" الذي تتمثل مظاهره في حرص الجماعة على انشاء العديد من الروابط الداخلية لتقوية أوصر العلاقة بين أفراده مثل الروابط الأسرية عن طريق تكوين أسر إخوانية بواسطة الزواج، والروابط المادية عن طريق الاستفادة بأفراد الجماعة في العمل داخل مؤسسات اقتصادية يملكها أفراد من الجماعة، والروابط الإنسانية عن طريق إحاطة الفرد بمجموعة من الأصدقاء ومنح العلاقة عمقًا روحيًا يزيد من تقويتها، كما تتمثل مظاهر المجتمع المغلق أيضًافي حالة العزلة الفكرية التي تعمل الجماعة على ايجادها عن طريق رفضها لأي منتج فكري خاصة إن كان صادرًا من مفكرين غير إسلاميين أو من مفكرين غربيين، واقناع أفرادها بأن لديهم ما يغنيهم وما هو أفضل من أي منتج فكري بشري طالما أنهم يستمدون أفكارهم من مصدر سماوي
المحور الثاني: مناهج الجماعة التربوية وآليات صناعة الفرد:
تتعدد المراحل التربوية التي يمر بها الفرد داخل الجماعة حيث هناك خمس مراحل (المحب، المؤيد، المنتسب، المنتظم، العامل) لكل مرحلة شروطها ومعاييرها ويتدرج فيها الفرد صعودًا أو هبوطًا في حالات معينة حسب مدى توافر شروط كل مرحلة فيه، وتتعدد تبعًا لذلك المناهج حسب المرحلة التربوية التي يكون بها الفرد، وتتمثل المناهج في ثلاثة كتب رئيسية كل كتاب يتكون من عدة أجزاء: 1- كتاب "من مبادئ الإسلام"، 2- كتاب "في رحاب الإسلام"، 3- كتاب "من نور الإسلام"، وأسلوب الكتاب وفكرته الأساسية واحدة فهو يتضمن بعض الأقسام الرئيسية من تفسير وحديث وعقيدة وفقه..الخ، كما يتضمن كل كتاب بعض الموضوعات الأخرى التي تحمل أهدافًا يعمل على غرسها داخل عقل الفرد، وهذه الأهداف منصوص عليها داخل الكتاب بشكل واضح، فلو استعرضنا أهادف الكتاب الأول نجد أنه يهدف إلى ستة أهداف رئيسية ويناقشها من خلال موضوعات معينة، وهذه الأهداف كما نص عليها الكتاب هي (أن يدرك الفرد المهمة التي خلقه الله من أجلها، وأن يرتبط فى معرفته للاسلام بمصدريه القرآن والسنة وقدوته فى ذلك رسول الله وذلك من خلال أحد يثق فيه ويتلقى منه، وأن يكون لديه الرغبة لتغيير نفسه إلى الأحسن والمسارعة إلى ذلك، وأن يبدى استعدادًا لترك الخلاف حرصًا على علاقته مع الآخرين، وأن يعرف قيمة الحياة وسط مجموعة تعينه على طاعة الله، وأن يهتم بأمر المسلمين ويتابع أحوالهم يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم)، ويتضح من هذه الموضوعات أنها تهدف إلى تهيئة الفرد للدخول في الجماعة والتخلي عن ذاته الفردية في سبيل الذات الجماعية، من خلال حثه على العيش وسط مجموعة يربط بينهم رابط ديني (الأخوة)، وحثه على ترك الخلاف جانبًا ثم العمل على تعلم الاسلام وفهمه من خلال أحد (يثق به)، وتهدف كذلك إلى أن يتولد لدى الفرد الشعور بالمسئولية تجاه الواقع ومن ثم العمل له من خلال ادراك ما يجري للمسلمين ومعرفة أنه مخلوق للعبادة بمعناها الشامل وتوافر ارادة التغيير لديه.
أما الكتاب الثاني فهو يحمل أهدافًا أخرى تتمثل في (أن يعرف الفرد أن الإسلام منهج حياة، وأن يؤمن بوجوب الدعوة إلى الله، وأن يؤمن بوجوب العمل الجماعي و تتحقق لديه الرغبة الأكيدة للإنضمام للجماعة، وأن يقدر على مواجهة منعطفات الطريق و يحسن التصرف حيالها)، وهنا تعمل الجماعة على ترسيخ الأهداف التي تم التأكيد عليها خلال المرحلة الأولى بتناولها بطريقة أعمق وأوضح، مع تهيئة الأفراد لتقبل فكرة الابتلاء التي تقنعهم بأنها لابد منها طالما كانوا ينتمون للجماعة.
والكتاب الثالث يحاول التركيز على فكرة البعد عن الجدال والمراء، كما يتناول الكتاب ثلاثة أركان من أركان البيعة العشر، وهذه الأركان وضعها مؤسس الجماعة وجعل بيعة الفرد للجماعة قائمة على تحققها وهي أمور يجب توافرها سواء على مستوى الوعي أو السلوك عند الفرد، وقد اختار الكتاب الأركان الثلاث الأولى وهم الفهم والذي يعني قواعد عشرين صاغها البنا لتوحيد فهم الإخوان تجاه بعض الأمور الخاصة بالعقيدة والفقه وفكرة شمولية الإسلام،وهكذا، وركن الإخلاص الذي يعني به الإخلاص للفكرة الإسلامية ودعوة الإخوان التي تمثلها، وركن العمل ويعني به المراحل السبع التي وضعها البنا لتحقيق أهداف الجماعة والتي تبدأ بإعداد الفرد المسلم، الأسرة، المجتمع وصولًا إلى الخلافة الإسلامية وأستاذية العالم، ويتناول الكتاب موضوعًا أخيرًا يفند من خلاله بعض الانتقادات أو الشبهات كما يسميها التي تثار في حق الجماعة ويرد عليها ليحمي أفراد الجماعة من أي تفكير قد يزعزع أو يهز ثقتهم في الجماعة ومشروعها.
من خلال هذه المناهج التربوية وعن طريق العديد من الوسائل والإجراءات الأخرى خلال رحلة الفرد داخل ذلك المجتمع المغلق، تتكون لديه الكثير من القناعات التي تمثل إعاداة تشكيل وصياغة لعقله وتكوينه النفسي، ومن هذه القناعات الأساسية:
- أن الجماعة هي التي تُمثل الإسلام وتفهمه الفهم الصحيح وأنها هي الحق المطلق.
- أن الجماعة هي الأولى بالاتباع دون غيرها من أي جماعة أو تيار آخر.
- أن كل الأطراف والقوى تتآمر على الجماعة وأن كل ما تتعرض له من أزمات وفشل هو نتيجة لهذه المؤامرات التي تستهدف الإسلام بالأساس.
- أن الجماعة وأفرادها لابد أن يتعرضوا للمحن ويدخلوا في الأزمات الواحدة تلو الأخرى وأن هذا نتيجة حتمية ولازمة كونهم يمثلون الإسلام ويسعون لتطبيق شريعته.
- أن النصر حليف الجماعة وإن طال أوانه، وأن التمكين هو مستقبلها.
- أن "العرق الإخواني" هو الأفضل والأنقى، وأنهم المنقذ للبشرية وأصحاب رسول الله كما قال البنا.
- أن قيادات الجماعة مُلهَمة لا تخطئ على الدوام، وأن لهم على الأفراد حق الطاعة العمياء والثقة المطلقة.
المحور الثالث: آثار التكوين النفسي لأفراد الجماعة، ومدى فاعلية التنظيم:
يترتب على الطريقة التي تتبعها الجماعة في تكوين الشخصية التنظيمية وعلى طبيعة القناعات التي يتم ترسيخها بداخلها الكثير من العيوب التي لا تقتصر آثارها على الفرد والجماعة فحسب ولكن تتعدى إلى آثار تصيب المجتمع والدين ذاته بسبب حالة الصراع الدائم التي تتسبب فيها الجماعة والتي تنتج عن طبيعة التكوين النفسي والفكري لأفرادها ومن ثم تظهر في ممارساتهم على جميع المستويات، ونستطيع أن نجمل أهم تلك الآثار فيما يلي:
1- على مستوى الفرد:
يمكننا القول بأنه يترتب على طريقة التربية والتكوين هذه أن الجماعة تصنع منتجًا بشريًا قليل الجودة عبارة عن نمط واحد من الأفراد لا يختلفون كثيرًا فيما بينهم، وهذا المنتج له صفات معينة، منها أنه يكون فردًا منفذًا تابعًا فقط لا يملك زمام أمره ويفتقد لروح المبادرة، ولا يمتلك عقلًا نقديًا قادرًا على الفرز والاختيار، فرد ضيق الأفق غير قادر على الابداع يمتلئ عقله بالعديد من المسلمات التي لا تقبل الشك لديه والتي قد يكون بعض منها أوهام ليس له من دليل واقعي أو شرعي، فرد متعصب لرأيه ولجماعته لا يقبل النقد ولا يقر بالخطأ دائم التبرير لكل ما يصدر من الجماعة سواء أكان بفهم أم من دون فهم مما يتسبب في حالة دائمة من الصدام مع الآخرين المختلفين معه، فرد سهل التحريك والتوجيه ولو في أمور غير مشروعة طالما أنها صادرة من الجماعة التي تمنح عمله الشرعية الأخلاقية والدينية في نظره، كما يتسم هذا الفرد بحالة من الغرور والاستعلاء على الآخرين، كما يؤدي أخيرًا إلى ارتباط الفرد بالجماعة ارتباطًا معنويًا وماديًا كبيرًا مما يجعل فكرة الخروج منها في الكثير من الحالات أمرًا صعبًا للغاية مهما تبدى له من عيوب.
2- على مستوى الجماعة:
هذا النوع من الأفراد لا يستطيع دفع جماعته - فضلًا عن مجتمعه - إلى الأمام، ولا توجيهها إذا انحرفت عن الطريق، ولا تجديدها إذا ما أصابها الجمود، وبالتالي فهو يمثل عبئًا بشكل كبير، مما يتسبب مع الوقت في أن تُصاب الجماعة بالتكلس لغياب عقلها الواعي وتحول جميع أفرادها إلى نمط المنفذ الذي ينتظر التوجيهات، كما تؤدي ترسيخ فكرة الثقة المطلقة في القيادة إلى إمكانية سير الجماعة في مسارات خاطئة يترتب عليها نتائج كارثية خاصة مع غياب القدرات المطلوبة والمناسبة لقياداتها وافتقاد الجماعة لآليات المحاسبة والشفافية، كما تؤدي فكرة التقة والتقديس لقيادات الجماعة وخاصة مؤسسها إلى حالة من الجمود الفكري لا تستطيع معه الجماعة إعادة النظر في الكثير من أفكارها الرئيسية مما يزيد من حالة الصراع والصدام عمقًا.
3- على مستوى المجتمع:
رغم أن أفراد الجماعة يعيشون كما أوضحنا في مجتمع مغلق وينعزلون بداخله شعوريًا؛ إلا أنهم يمارسون تأثيرًا كبيرًا في هذا المجتمع، فالجماعة بحكم خطابها الديني والذي يجد صدى لدى شريحة كبيرة من الناس وبما لها من انتشار تتغلغل من خلاله في المجتمع؛ فقد استطاعت أن تؤثر في نسبة من الأشخاص ممن يعدوا مؤيدين لها لكن غير تنظيميين، وهؤلاء مقتنعون بأفكارها الرئيسية متأثرون بخطابها الديني والسياسي، مناصرون لها في الكثير من المواقف بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي الجملة هم واقعون تحت تأثير الجماعة بدرجة ما تستطيع من خلالها تحريكهم وتوجيههم في ظل ظروف معينة، لذلك فتأثير أسلوب الجماعة في التكوين كما تؤثر في أفرادها بشكل مباشر فإنها أيضًا تؤثر في شريحة كبيرة من المجتمع بشكل غير مباشر.
4- على مستوى الدين:
يؤدي خلط الجماعة بين نفسها وبين الدين وتصدير هذه الفكرة للناس سواء بالقول أو الفعل إلى اقتناع البعض بصحة الفكرة رغم خطئها، ويترتب على ذلك أن تتكون لدى البعض صورة سيئة ومشوهة عن الدين نتيجة سوء العديد من ممارسات الجماعة وقراءتها الخاطئة للدين؛ وينتج عن ذلك نتائج خطيرة من حيث موقف المجتمع أو بعض شرائحه من الدين ورفضهم له والخروج منه أحيانًا.
خاتمة:
يتضح لنا بعد العرض السابق أن مشكلة جماعة الإخوان ذاتية بالأساس، وأن أزمتها تنبع من داخلها، وأن واقعها المتأزم هي الذي صنعته ولم يصنعه لها أحد، وأن نقطة الخلل توجد في أعماقها في داخل عقلها ونفسها، كما يتضح لنا أن الجماعة لن تستطيع مهما بلغت أن تحقق نجاحًا حقيقيًا مهما توافر لها من الفرص ومهما امتلكت أعظم البرامج والأفكار، لأنها تفتقد إلى أهم عنصر في المعادلة ألا وهو الفرد الواعي ذو العقل المتفتح والنفس السوية الذي يستطيع تنفيذ البرامج وتطبيق الأفكار في أرض الواقع ويحسن استغلال الفرص بل خلقها إن لم توجد من الأساس.
وطالما أصاب الخلل جسد الجماعة الرئيسي وامتد إلى أركانها الأساسية التي تقوم عليها فلا ينفع حينئذٍ معها إصلاح ولا تعديل مسار، ولا ينفع معها إلا الهدم، والبحث من ثم على صيغة أخرى مختلفة في طبيعتها وفي الفلسفة التي تقوم عليها وفي الأفكار والأهداف الرئيسية، صيغة أكثر حداثة وأكثر توافقًا مع روح الشريعة ومبادئها وقيمها العليا.