داعش ما بعد البغدادي

الأحد 27/أكتوبر/2019 - 02:28 م
طباعة داعش ما بعد البغدادي حسام الحداد
 
ماذا بعد البغدادي ؟ سؤال كان يجب طرحه في وقت سابق ولكن حسب القاعدة الشهيرة ملا يدرك كله لا يترك جله نحاول في هذه القراءة للمشهد ان نقف على ملامح مشهد الإرهاب العالمي ما بعد البغدادي وكذلك امكانات تنظيم داعش في هذه المرحلة.
بعد ساعات من إعلان مقتل الإرهابي الذي شغل العالم أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم "داعش" مساء فجر اليوم الأحد 27 أكتوبر، في غارة جوية أمريكية في قرية باريشا بمحافظة إدلب شمال غربي سوريا، اتجهت الأنظار صوب خليفته عبد الله قرداش، الذي سبق أن رشحه البغدادي قبل شهرين من مقتله.
ويصنف قرداش بأنه من أشرس وأقسى قادة تنظيم داعش، وربما لهذا السبب أعلنت أجهزة الاستخبارات العراقية، حالة استنفار معلوماتية حول شخصية قرداش وما هي تحركاته وأين يمكن أن يكون موجوداً، لا سيما أن قرداش ينحدر من بلدة تلعفر، شمال غرب مدينة الموصل، وهي من أهم معاقل التنظيم المتطرف، وكانت البلدة مرشحة لتكون مقراً رئيسياً للتنظيم بعد سقوط مدينة الموصل، الا أن القوات العراقية تمكنت من دخول البلدة بسهولة وسمح وقتها لمئات المتطرفين بممرات هروب متعمدة.
هذا ما يجعلنا في انتظار عمليات إرهابية في القريب العاجل للثأر لمقتل زعيم التنظيم خصوصا وأن الدراسات التي أُجريت على حركات وتنظيمات إرهابية ومتمردة أن هزيمة تنظيم مسلح أو متمرد أو إرهابي – خاصة التنظيمات ذات الطابع الديني أو الأيديولوجي- نادرا ما تفضي إلى انهيار التنظيم أو اختفائه. 
تبين دراسة تاريخ تنظيم داعش نفسه منذ كان يسمى بتنظيم “التوحيد والجهاد في العراق”، أن الجماعات قادرة على تجاوز الخسائر، والعودة إلى مراحل مبكرة من العمل والتنظيم. ففي الوقت الذي كان فيه “داعش” (والجماعات السابقة عليه) يركز اهتمامه على السيطرة على مناطق وأهالي متعاطفين معه في الماضي، فقد أظهر أيضًا قدرة ملحوظة على البقاء من دون السيطرة على أي أراض، كما كان الحال خلال الفترة من 2008 وحتى 2013.
وفي حالة التنظيم الأن لن يحتاج إلى عدد كبير من المقاتلين كي يستأنف معركته من تحت الأرض، بعد خسارته أراضيه في العراق وسوريا. فالمقاتلون المخضرمون الموالون للتنظيم لديهم خبرة سابقة في الذوبان وسط السكان المحليين، وشن حرب سرية منخفضة الكثافة، من داخل مناطق حضرية كثيفة السكان نسبيا.
رغم ان هذه الحالة ستؤدي إلى تراجع قدرات التنظيم على تمويل نفسه من موارده الحالية، ولكن لا يعنى أن التنظيم لن ينجح في الحصول على أموال عبر وسائل الابتزاز، والتهريب، وفرض “إتاوات” على أهالي المناطق التي سيحتفظ بنشاطه فيها. أيضًا، ربما تصبح هجماته أقل وأخف وطأة، ولكنه سيظل قادر على تنفيذ هجمات انتحارية، ووضع كمائن، وتنفيذ عمليات اغتيالات وقنص. كذلك، سيعتمد بكثافة على استخدام العبوات الناسفة، كما حدث في العراق في مناطق بعيدة عن معاقله السابقة في الموصل وتلعفر. من ناحية أخرى، ربما سيكون من الصعب على داعش الشروع في حملة إرهابية فعالة خلال الفترة القادمة، وقد تظهر فرق وتيارات داخل التنظيم وربما تحدث انقسامات، واقتتال داخلي بين تيارات مختلفة يسعى كل منها لفرض رؤيته على التنظيم.
وحسب دراسة سابقة للمركز المصري للدراسات الاستراتيجية فان التنظيم سيواجه مشكلة رئيسية تتمثل في حماية مقاتليه العرب والأجانب ممن هاجروا إلى “دولة الخلافة” المزعومة. ففي العراق بعد عام 2007، فقد التنظيم السابق على داعش قدرته على حماية مقاتليه الأجانب، وبدأ في طرد هؤلاء المقاتلين. واليوم، ستكون هذه القوة القتالية (قسمًا كبيرًا من قوة داعش البشرية) نقطة ضعف رئيسية للتنظيم. وهنا تتعين الإشارة إلى أن القسم الأكبر من أولئك المقاتلين لن يتمكنوا – على الأرجح – من العودة إلى أوطانهم الأم…. فمعظمهم بات موضوعا اليوم على قوائم ترقب الوصول لدى كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية لأوطانهم وغير أوطانهم أيضًا. وسيبقى كثيرون داخل الشرق الأوسط. وبالتالي هؤلاء سيكونون أهدافا سهلة للتجنيد من قِبَل تنظيمات أخرى منافسة، وأيضًا الأجهزة الأمنية  فبالإمكان تمييزهم بسهولة عن غيرهم من أهالي البلاد.
لكن من ناحية ثالثة، لا يوجد في الواقع ما يشير إلى أن داعش التنظيم سينتهي قريبا. العاملان الرئيسيان اللذان دفعا التنظيم السابق عليه “دولة العراق الإسلامية” إلى إحياء التنظيم من جديد والتحول إلى تهديد عالمي حقيقي – وهما الصراع السوري والاستقطاب السياسي والتوترات الطائفية في العراق – لا يزالان قائمان وسيلعبان دورا رئيسيا في رسم ما هو آت. يُذكر أن دراسة نشرها مركز “راند” عام 2008، درست أكثر من 60 تنظيما وحركة إرهابية أو متمردة، خلُصَت إلى أن العامل الأهم لتقليص عمر تنظيم ما هو قدرة أجهزة مكافحة الإرهاب والتمرد على سد منافذ الدعم والإسناد المادي والمعنوي لهذه التنظيمات. وتحقيق ذلك يتطلب وجود أجهزة أمنية وحرس حدود يتمتع بالكفاءة. ولا يمكن أن نزعم أن الأجهزة في العراق أو سوريا تتسم بالكفاءة المطلوبة لا من حيث العدد ولا مستوى الاحترافية.
الأمر المثير للتأمل عند هذه النقطة، أن داعش قاتلت بضراوة في الموصل قبل أن تنهزم في النهاية. وأنها نفذت أكثر من 900 عملية انتحارية، معظم منفذيها كانوا عراقيين من الموصل تأثروا بالفكر الداعشى بعد سيطرة التنظيم على المدينة. معنى هذا أن داعش باتت لديها قاعدة شعبية لا يُستهان بها في الموصل والعراق بشكل عام. هنا، قد تلجأ داعش إلى الانتظار بصبر، لتعيد تسليح نفسها وتدريب من بقي من مقاتليها، وتتحين الفرص للقيام بضربات جديدة.
ولنتذكر انه في الوقت الذي كانت تحرز فيه القوات المشاركة في مكافحة داعش في سوريا والعراق تقدما يوما بعد يوم، نجح متطرفو داعش في إعادة اختراق مناطق في العراق من بينها محافظة ديالي، حيث نشرت داعش من قبل خلايا نائمة. وبإمكان داعش أن يستمر في العمل بموارد مالية ضعيفة، مثلما فعلت القاعدة خلال العقد الأول من الألفية الراهنة، وبإمكان التنظيم أن يبقى نشطا في المجال الافتراضي وعبر صفحات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي لا يتطلب استخدامها موارد مالية تذكر.

شارك