دلالات اتخاذ «إدلب» السورية ملاذًا أخيرًا لـ«البغدادي»

الأحد 27/أكتوبر/2019 - 06:54 م
طباعة دلالات اتخاذ «إدلب» علي عبدالعال
 
كان غريبًا أن يُعلن عن استهداف أبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش، في محافظة إدلب السورية، إذ تهيمن عليها جماعات قوية مناوئة له، على رأسها ما تُعرف بهيئة تحرير الشام القريبة من تنظيم القاعدة.
لا نعرف إن كان «البغدادي» اختار هذا المكان طواعية أو اضطر لسبب ما أو في وقت ما ألا يرحل عنه، لكن المؤكد أن هناك أسبابًا جعلته يتخذ من محافظة "إدلب" السورية مأوى له.
دلالات اتخاذ «إدلب»
توجد ولا شك بقية من خلايا لتنظيم «داعش» في إدلب، وكذلك للتنظيم وجود في «دير الزور» القريبة من إدلب، وإن كان لا يُعرف له قوة ضاربة فيها، ومن وقت لآخر كان يتم الإعلان عن اشتباكات بين عناصر التنظيم ومسلحين آخرين يتبعون «تحرير الشام» أغلبها يشهد قتلًا وأحيانًا أسرًا لعدد من المسلحين.
وكما هو معلوم فإن كلًّا من «تحرير الشام» وتنظيم داعش ليسا على وفاق، وكانت وما زالت الاشتباكات بينهما لا تتوقف، وسبق أن تعرضت عناصر وقادة من تحرير الشام لاغتيالات على يد مسلحي داعش؛ ما أشعل الأوضاع بين الجماعتين اللتين خرجتا من رحم واحدة.
وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) على الجزء الأكبر من «إدلب»، بينما تنتشر فصائل أخرى في بقية المناطق، في حين تحضر قوات الجيش العربي السوري في الريف الجنوبي الشرقي.
وفي 12 أغسطس الماضي أعلنت «تحرير الشام» قتلها قيادي كبير في «داعش» قالت إنه يشغل منصب والي إدلب، وقالت إن مسلحيها تمكنوا من قتل هذا القيادي أثناء عملية دهم منزل توجد به «خلية نائمة» على أطراف مدينة سلقين الواقعة على الحدود السورية التركية مع لواء إسكندرون غرب إدلب.
وفي الآونة الأخيرة، تحدثت تقارير متطابقة عن انتشار خلايا «داعش» في بعض قرى ومناطق «إدلب» مشكّلة منطقة خاصة بها تمتد من بلدة «مصيبين» شرقًا مرورًا ببلدة النيرب وسرمين حتى بلدة محمبل غربًا على بعد كيلومترات قليلة من مدينة إدلب.
وتنتشر هذه الخلايا على هيئة مجموعات صغيرة في الأراضي الزراعية، وبعضها ينتشر داخل المدن والبلدات، ويتبعون بشكل مباشر «والي إدلب» ويحصلون من خلاله على التعليمات والدعم المادي، ولديهم استراتيجية معينة لكل فترة، وكل عملية يقومون بها لها هدف محدد ومدروس، فمثلًا هذه الفترة مهمتهم استهداف قياديين في الفصائل، بينما في الفترة السابقة تركز عملهم على تفجير العبوات الناسفة، وبين الفينة والأخرى تنشط هذه الخلايا لتشن بعض الهجمات.
بعض التفسيرات لهذا الوجود ذهبت إلى أن «داعش» كان يختار مناطق الفصل بين الجماعات في إدلب، وهي التي يحظر الوجود فيها لأي من الجماعات المختلفة، وفي حال استقدم أي فصيل قوة عسكرية تابعة له إلى المنطقة يعتبر الفصيل الآخر أن هذا تصعيدًا يستهدفه.
وأمثلة هذه المناطق عديدة بين (هيئة تحرير الشام) و(الجبهة الوطنية للتحرير) التابعة لما يُعرف بالجيش السوري الحر، وتقول الترجيحات أن «داعش» استفاد كثيرًا من الخلافات بين الجماعتين، ونمت عليها خلاياه في المنطقة.
ولعل من الأسباب الأخرى المعتبرة أمام «البغدادي» ليختار الوجود في سوريا بدلا من العراق -والتي يوجد لتنظيمه وأنصاره وجود كبير فيها- هي التحولات في ميزان الأوضاع الأمنية في هذا البلد، وتزايد الملاحقات التي لم تعد تتوقف منذ العمليات العسكرية التي أسفرت عن هزيمة التنظيم في «الموصل» كبرى مدن محافظة نينوى نهاية العام 2017، وما تبعها من مطاردات لبقاياه في مدن ومحافظات العراق مستمرة حتى الآن.
وكانت المناطق الحدودية بين العراق وسوريا –بشكل خاص- شهدت اهتمامًا أمنيًّا كبيرًا من قبل بغداد، وكذلك من قبل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة؛ خوفًا من عمليات التسلل التي كانت تجري في السابق بين حدود البلدين.
وتؤكد التقارير الأمنية والبيانات الرسمية الصادرة خلال العامين الماضيين أن قوات حرس الحدود العراقية المدربة على أيدي القوات الأمريكية ظلت تعمل دون انقطاع على مراقبة وتطهير الشريط الحدودي الممتد بين جبال سنجار وتل عبطة، مدعومة من الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي، وبالتنسيق مع قوات البيشمركة الكردية، وبإسناد من طيران الجيش وطيران التحالف؛ للسيطرة بشكل كامل على مناطق غرب الأنبار وأعالي الفرات.
كما لم تكف هذه القوات عن تمشيط الطرقات، وتنفيذ المداهمات للحيلولة دون عبور أي من عناصر التنظيم أو تركهم يستفيدون من المناطق الرخوة أمنيًّا في الصحاري الشاسعة. 
وكبدت هذه العمليات تنظيم «داعش» خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، وكانت بمثابة استنزاف مستمر للأفراد، وللدعم اللوجستي المقدم للتنظيم.

شارك