مقتل «البغدادي».. ارتباطية الزعامة بالبقاء ومستقبل الاستفادة القاعدية
السبت 02/نوفمبر/2019 - 10:20 ص
طباعة
نهلة عبدالمنعم
في ظل الأحاديث المتواترة عن مقتل زعيم تنظيم «داعش» أبي بكر البغدادي، وتصريحات المتابعين للملف الإرهابي مثل «ريتا كاتز» مسؤولة موقع «سايت» حول سعادة العناصر القاعدية بمقتل البغدادي، يبرز التساؤل حول الفرص الحقيقية لتنظيم «القاعدة» في التمدد على حساب «داعش» بعد مقتل زعيمه.
هذا التساؤل هو رد متتالٍ على سؤال آخر مهم أيضًا متعلق بمستقبل «داعش» وهل بالفعل سيتأثر التنظيم بمقتل زعيمه وسيتشتت تمامًا أو سيواصل التماسك والاقتتال على الأرض؟ وماذا عن الملفات الإقليمية وبالأخص جنوب شرق آسيا وأفريقيا اللذين يتنافس على أراضيهما التنظيمان، ويدفعان لتجنيد العناصر الأكثر لكلٍّ منهما؟
رابطة الزعامة والاستمرارية
وفقًا لنظرية الزعامة وتأثيرها على الاستقطاب المتطرف، يطرح البعض احتمالية تراجع «داعش» بعد قتل أبي بكر البغدادي، ولكن نهاية التنظيم بشكل فعلي، فإنها ليست سوى أطروحة سيُسفر المستقبل عن جديتها من عدمها.
وتقول دراسة لجامعة «هارفارد» الأمريكية بعنوان «قطع الرؤوس ونهاية الجماعات الإرهابية»: إن الجماعات الإرهابية ذات البعد الديني تكون أقل مرونة في تكوينها من الداخل، ولذلك فهي أكثر عرضة للتأثر بموت زعمائها، ولكنها في ذات الوقت لا تفقد وجودها بشكل كامل.
وأظهرت الورقة البحثية أن المجموعات الإرهابية الإسلاموية أقل عرضة بنسبة 80% عن الجماعات الإرهابية ذات الأبعاد الأخرى، من حيث التفكك الكلي، وانتهاء الأيديولوجية بمجرد قتل رؤوس القيادة؛ ما يعني أن الفكرة الإرهابية ببعدها الإسلاموي تظل باقية رغم ضعف الجماعة أو قلة الاستقطاب الداخلي لها، ولكن بنيتها الفكرية تبقى موجودة وإن استضعفت.
احتمالات التراجع الداخلي
في رأي آخر، يعتقد هشام النجار، الباحث في شؤون الحركات الإرهابية، في تصريح لـه أن أنباء مقتل أبي بكر البغدادي -إن صحت- فإنها ستؤثر قطعًا على التنظيم، وستربك حساباته الداخلية، وسيكون لها الكثير من الأثر على عملية التجنيد المستقبلي لعناصر التنظيم الجدد.
ولكن «داعش» يشهد بالأساس تراجعًا كبيرًا حتى في ظل زعامة «البغدادي»، فمن وجهة نظر «النجار» عانى التنظيم انشقاقات وانقسامات كثيرة بالداخل، وتعرض زعيمه في حياته للكثير من الاعتراضات من قبل العناصر المختلفة التي دفعت بأن «البغدادي» لا يصلح للقيادة العسكرية للتنظيم، حتى إن بعضهم كون جبهات لمعارضته، وتم قتل بعضهم بتهمة الخيانة والتراجع عن الولاء لزعيم التنظيم، ومن العناصر من حمل «البغدادي» مسؤولية انهيار وتراجع التنظيم وخسارته للمعارك في الباغوز السورية، إذ إن التنظيم دحر في عهده، وخسر معاقله الجغرافية في الشرق الأوسط.
أما المتغير الآخر الذي يرجح تراجع «داعش» بعد البغدادي من وجهة نظر «هشام النجار»، فيعود إلى الصراعات المحتمل أن تتصاعد على الزعامة القادمة للتنظيم، فمن سيخلف البغدادي؟ هذا تساؤل من شأنه أن يثير الكثير من المشاكل داخل التنظيم، كما أنه من المحتمل أن يُسفر عن حالات قتل داخلية.
الاستفادة القاعدية
ويقول هشام النجار، الباحث في شؤون الحركات الإرهابية: إنه بناء على ما سبق فإن الأرجح في الوقت الحالي والقادم أيضًا أن «داعش» سيتراجع كثيرًا داخل مناطق نفوذه السابقة في الشرق الأوسط، وسيؤثر ذلك على المشهد الإرهابي بشكل كبير، إذ إن أي تراجع لداعش يصب مباشرة في مصلحة تنظيم «القاعدة» المنافس الأول له.
ولكن ما قد يظفر به القاعدة في منطقة ربما يخسره في أخرى، فالواقعية السياسية والاستراتيجية قد تحتم على داعش التبلور والتعاون مع القاعدة أو مع غيرها من التنظيمات، وذلك وفقًا للأهداف والمصالح المطروحة، إذ إن التحالف يأتي فقط في مراحل الضعف، أي أن هذا التعاون أو الاندماج المحتمل لن يكون على مستوى الإذابة الفكرية أو الأيديولوجية أو حتى العلاقات المستدامة، ولكنها مرحلية فقط تفرضها الظروف الضعيفة للتنظيم حاليًّا بالشرق الأوسط.
أما مناطق السيطرة القديمة للقاعدة في جغرافية جنوب شرق آسيا، والتي لطالما نافس فيها داعش مؤسسًا ولاية خراسان، فإن احتمالات العودة للجذور ضعيفة، إذ يرى «النجار» أن احتمالية عودة العناصر الداعشية إلى تنظيم القاعدة هي أطروحة ضعيفة، وهو ما ينطبق أيضًا على مواقع أفرع التنظيم في أفريقيا، مرجعًا ذلك إلى قوة داعش في هذه المناطق، وأن الاختلافات الفكرية والأيديولوجية بين التنظيمين جوهرية ولا يمكن القفز عليها بسهولة.
التمويل والبقاء
وعلى الرغم من مشروعية نتائج الفكر والأيديولوجية ولكن يبقى التمويل المتغير الأهم في بقاء الجماعات الإرهابية لتصدر المشاهد الدولية، فالمال يضمن استمرارية المعارك، كما أنه يحمل بوصلة التجنيد الإرهابي، فحيثما يوجد المال يكون التطرف، ولذلك فمن المحتمل أن مقتل «البغدادي» وما سيشهده التنظيم من تراجع قوي أو نسبي وفق سرعة إعادة ترتيب الصفوف سيؤثر على تدفق الموارد المالية للتنظيم، وهو ما سيخلف بدوره تغيرًا مذهبيًّا في عقائد بعض العناصر للانضمام إلى الجماعات التي ستوفر لهم المال اللازم أو سيطرح المستقبل تنظيمًا آخر جديدًا يضم مشتتي داعش وإليهم آخرين جدد من أجيال مختلفة للتطرف.