«الخروج المرتبك».. مستقبل إخوان تونس بعد تخلي «النهضة» عن الإسلام السياسي
الأحد 03/نوفمبر/2019 - 10:00 ص
طباعة
دعاء إمام
ناقش الباحث التونسي، حمزة المؤدب، التحولات التي مرت بها حركة النهضة، ذراع جماعة الإخوان السياسية في تونس، معتبرًا أنها اتخذت قرارها المحوري بالابتعاد عن جذورها الدعوية، والتركيز حصريًّا على السياسة؛ ما يعد تحولًا ضخمًا في استراتيجية الحركة، إذ تأكّد هذا التصميم بوقف النشاطات الدعوية، والتخصص الوظيفي في العمل السياسي رسميًّا خلال المؤتمر العام العاشر في مايو 2016.
وأوضح «المؤدب» في دراسة بعنوان «خروج النهضة المرتبك من الإسلام السياسي»، نُشر بمركز كارينيجي لدراسات الشرق الأوسط، أن هذا التحول ليس مجرد وسيلة لمغادرة الإسلام السياسي والدخول إلى ما أسمته الحركة مجال الديمقراطية الإسلامية وحسب، بل هو الحصيلة الطبيعية للمشاركة الكاملة للحزب في مجتمع ديمقراطي.
فصل السياسة عن الدعوة
وبحسب «المؤدب» فإن مصطلح التخصص الوظيفي، الذي طرحه راشد الغنوشي، رئيس الحركة خلال المؤتمر العاشر، يشير إلى فصل كامل للعمل السياسي عن النشاط الدعَوي، والتركيز أساسًا على الرهانات الانتخابية، ما يعني أنه يتعين على النهضة أن يطرح جانبًا مهمته التاريخية كحركة إحياء تستلهم من جماعة الإخوان، التي سعت إلى أسلمة المجتمع من خلال الدعوة والنشاطات الثقافية والتربوية.
وأكد «المؤدب» أن فصل العمل الدعوي عن السياسي أفرز تحديات جمّة للنهضة، أولها الحاجة إلى إعادة تقييم الإسلام كأساس لشرعية الحزب، وكإطار مرجعي جوهري، وثانيها أن القرار طبّع كون الحزب قوة دافعة للتغيير الاجتماعي، وثالثها الحاجة إلى تطوير استراتيجية للحفاظ على النواة الصلبة لأنصار النهضة، وفي الوقت نفسه اجتذاب قواعد انتخابية أوسع.
وتابع: «إعادة التقييم هذه كانت مسألة حاسمة؛ لأن النهضة بدأ يفقد شطرًا من أنصاره الأساسيين (أساسًا الإسلاميين)، فيما هو يجهد لاجتذاب ناخبين مُحافظين غير إسلاميين، ويشير التباين بين القاعدة الانتخابية الراهنة للنهضة وبين الناخبين الذين ترغب الحركة بالحصول على تأييدهم بأنه يتعيّن على الحزب أن يغادر المجال الديني المحدود، ويتوسّع إلى مجالات أخرى».
ويرى الباحث أن الحركة تهدف إلى طرح نفسها كقوة سياسية مُحافظة قادرة على إدارة الشأن العام، وتحقيق التسويات والحلول الوسط مع الأحزاب العلمانية التونسية، لافتًا إلى أن التخصص الوظيفي هو محاولة لتحرير النشاط السياسي من الاعتبارات الدينية، من جهة، وتحرير المواقف والنشاطات الدينية من التلاعب السياسي، من جهة أخرى.
وأكدت الدراسة أن تقليص التركيز على الأيديولوجيا أسفر عن أزمة هوية يُرجّح أن تُواصل فرض تحديات على الحزب، فيما هو يقوم بإعادة تقييم دور الإسلام كإطار مرجعي، وينبري لتكييف الحزب مع وظيفة المحفّز على التغيير الاجتماعي، والسعي إلى الحفاظ على قاعدة أنصاره الأساسية، في الوقت نفسه الذي ينشط فيه لاجتذاب قاعدة انتخابية أوسع.
الخروج المرتبك ومضاعفاته
أوضحت الدراسة أن الخروج من الإسلام السياسي قد يخلق فراغًا يفيد مجموعات أكثر أصولية أو حركات سلفية، بيد أن الحفاظ على الإسلام كمَعْلم رئيسي للهوية من دون طرح أيديولوجيا جديدة مفصلية تربط بين الدين والسياسة، وتُترجم القيم الإسلامية إلى سياسات محدّدة على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، سيفشل على الأرجح في إرضاء الأنصار القدماء والجدد معًا.
ويرى الباحث أن مستقبل النهضة سيعتمد على كيفية إعادة تحديد دور الإسلام بهدف تجاوز الأيديولوجيا وسياسات الهوية، فالتحدي يكمن في التحوّل من الإسلاموية الكلاسيكية (التي تُشدّد على الدين كمصدر للتشريع ومرجعية للسلوك في المجتمع، وإطار للحكومة الرشيدة) إلى نزعة محافظة أكثر شمولية.
كما أضافت الدراسة: «طرح حزب النهضة، بقراره بالتخصص الوظيفي في العمل السياسي، جانبًا الإسلام السياسي كإطار مرجعي كلي، لكنه لايزال يتدارس كيفية المضي قدمًا من هذه النقطة إلى الوضعية التي يجب أن يعطيها للإسلام في مشروعه الجديد للديمقراطية الإسلامية، والآن، الكيفية التي سيختار بموجبها النهضة معالجة أزمة الهوية، لن يكون لها تأثير على مستقبل شرعيته الوطنية والدولية الهشّة وحسب، بل هي تنطوي أيضًا على مضاعفات تطال التجربة الديمقراطية التونسية برمتها».
ويقّر بأن الحركة بهجرها الإسلام السياسي، تواجه معضلة قديمة لطالما تخبّط في لُججها الإسلاميون في المجتمعات التعددية وهي: كيف يمكن أن يشكّل الإسلام قاعدة الشرعية السياسية، ويخدم كإطار مرجعي جوهري في مشهد ديمقراطي؟
وأجاب: «يخاطر النهضة الآن بالوقوع في لجج العزلة السياسية والعودة إلى وضعية المعارضة، إذا ما انحاز إلى طرف دون الآخر في النقاشات المثيرة للاستقطاب السياسي، على سبيل المثال، امتنعت الحركة عن اتخاذ موقف رسمي من قضايا الهوية والمسائل القانونية المشحونة أيديولوجيًّا، على غرار المساواة في الميراث بين المرأة والرجل، من جهة مخافة تعريض الوفاق الُمقر مع الأحزاب العلمانية إلى الخطر، ومن جهة أخرى خشية تنفير قواعد دعمه المُحافظة».
مستقبل الحركة
يجيب الباحث التونسي عن مستقبل الحركة، قائلًا: «الالتباس الراهن بشأن هوية الحزب نابع من تردُّد النهضة في حسم قراره بشأن طبيعة الحزب الذي تريد أن تكون عليه، وماهية قاعدته القابلة للتحديد، فوقف الدعوة الدينية يعني انتهاء الحركة وظيفيًّا لا رسميًّا، فهل سيصبح الحزب آلة انتخابية حيث يُطمس الخط الفاصل بين الأعضاء وغير الأعضاء؟ أم سيكون حزبًا يعطي الأولوية لتوسيع قاعدته الناخبة، ووضع برنامج أيديولوجي وأجندة في السياسات، وتعزيز العدالة الاجتماعية فيما يحافظ على مرجعيته الإسلامية».
أدرك النهضة أن الأسلمة ليست هي الحل للتحديات الاجتماعية الاقتصادية، واختار أن يركّز على تطوير سياسات عمومية بدلاً من الأيديولوجيا، وقد اعتبرت قيادة الحزب أن ترؤس ائتلاف حاكم في الفترة بين 2011 و2013، والاشتراك في حكومات وحدة وطنية منذ العام 2015، أماط اللثام عن حاجتين أساسيتين اثنتين: الأولى، أهمية بناء مصداقية الحزب كلاعب سياسي يمكن له أن يتطلّع على نحو شرعي إلى حكم البلاد، والثانية الحاجة الحاسمة إلى كلٍ من الاعتراف المحلي والدولي به.
واختتم الدراسة بأن تحوّل النهضة غير المكتمل قد يثبت أنه بإمكان تيار إسلامي التكيّف مع سياق ديمقراطي، والفوز في الانتخابات عبر إجراء تحوّل في عقيدته وأسلوبه التنظيمي، وتوسيع قاعدته الناخبة أبعد من دائرة أنصاره التقليديين، ومما لاشك فيه أن آفاق تجربة النهضة سوف تترك بصماتها على المحاولات التي تبذلها تيارات إسلامية أخرى لاكتساب الشرعية، ورفع التحديات في أجواء سياسية تعددية في المستقبل.