هل يستطيع الساسة تفكيك «طالبان»؟
الثلاثاء 05/نوفمبر/2019 - 10:07 ص
طباعة
نهلة عبدالمنعم
قال مستشار الأمن القومي الأفغاني، حمد الله محب: إن على حركة «طالبان»، أن تدعو عناصرها لوقف إطلاق النار، لمدة شهر على الأقل؛ لإثبات أنها لا تزال تسيطر على قواتها في البلاد، دافعًا بأن الحركة لم تعد تعمل كهيئة متماسكة ومترابطة، وربما انضم بعض قادتها إلى تنظيم داعش.
وأعلن حمدالله، فى تصريح له، 29 أكتوبر الماضي، أن بلاده لن تدخل في مفاوضات غير مشروطة مع حركة طالبان، مؤكدًا أن وقف إطلاق النار شرطًا أساسيًّا؛ لبداية أي محادثات بين الطرفين.
ولفت في معرض حديثه، إلى أن «طالبان» عليها أن تظهر أنها مازالت تسيطر على عناصرها المسلحة، وأن قراراتها ملزمة لهم وينصاعون لها، مشيرًا الى وجود ما وصفه بــ«انفصال حقيقي» بين الجناح السياسي لطالبان، الذي يدار من العاصمة القطرية الدوحة، وبين القادة العسكريين في أفغانستان.
ملاحظات للتأجيج
يبدو من حديث المسؤول الأفغاني، الذي ترافق مع زيارة المبعوث الأمريكي للسلام في أفغانستان، زلماي خليل زاده إلى باكستان فى إطار الحديث عن تسوية سلام في المنطقة، أن هناك متغيرين أساسيين، أولهما هو دعوة ضمنية لحركة طالبان للدخول في المفاوضات مرة أخرى، والتي تأتي بعد أيام قليلة من الاجتماع الرباعي لمسؤولي الولايات المتحدة والصين وباكستان وروسيا، خلال يومي 24 و25 أكتوبر الماضي، والذين اتفقوا على ترجيح بكين كموقع جغرافي؛ لاحتضان مفاوضات جديدة بين الحكومة الأفغانية وبين طالبان.
أما المتغير الثاني، فيرتكز على وجود رغبة ما لدى المسؤولين الأفغان؛ لإبراز وجود خلافات وانشقاقات داخل حركة طالبان، وأن القيادات لم تعد تسيطر بشكل صارم على عناصرها المسلحة على الأرض، وأن هناك انفصالًا تامًا بين القيادتين السياسية والعسكرية، وهو ما ظهر بوضوح في دعوة «حمدالله» لطالبان بإثبات جديتها في السيطرة على عناصرها، إلى جانب الدفع بأن عناصر من طالبان انضمت لداعش.
دفاع طالبان
وعلى الرغم من تعامل حركة طالبان مع الحكومة الأفغانية، كأنها طرف غير مؤثر في المشهد السياسي ومجرد لعبة في يد واشنطن، لكن الحركة حرصت على الرد على هذه الأقاويل؛ إذ أصدرت بيانًا رسميًّا في 29 أكتوبر، ادعت من خلاله، أن القتال المسلح الذي تخوضه في البلاد، لايخضع لمعايير التمرد السياسي، ولكنه وُجد؛ من أجل محاربة الاحتلال الأجنبي، كما قال البيان: إن استمرار العمل العسكري مرتبط بخروج المستعمر من عدمه، حسب وصفه.
وفي اليوم التالى للبيان الأول، أصدرت الحركة بيانًا آخر أكدت من خلاله أن «الملا عبدالقيوم ذاكر»، أحد قيادييها، لم ينضم لتنظيم «داعش»، مثلما ردد البعض، لافتًا إلى أنه مازال عضوًا في مجلس شورى القيادة للحركة، فيما قال المتحدث باسم المكتب السياسي لطالبان «ذبيح الله مجاهد»: إن الأقاويل المنتشرة بشأن انضمام عناصر أو قيادات الحركة لتنظيم «داعش»، هى مجرد افتراءات- على حد تعبيره- ، يراد بها إنهاء وحدة وتماسك «طالبان».
هل تعود المفاوضات؟
في ضوء ماسبق، تبرز تساؤلات متعددة حول ماهية المفاوضات، التي تدعو لها الأطراف المختلفة في المنطقة وموقف حركة طالبان من هذه التلميحات، بعد أن أوقفت واشنطن بنفسها المفاوضات، بناءً على تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء السبت 7 سبتمبر الماضي، بأن الحركة لا تلتزم بوقف إطلاق النار، كاشفًا عن اجتماعات سرية في منتجع «كامب ديفيد» الأمريكي، بين الحركة وبين الحكومة الأفغانية، قام بإلغائها عقابًا على استهداف أحد الجنود الأمريكيين، في هجوم لطالبان.
وتقول نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والمختصة في الشؤون الأسيوية فى تصريح لـها: إن واشنطن هي الطرف الأكثر فاعلية وتأثيرًا في المشهد السياسي الخارجي لأفغانستان؛ ولذا فإن موقفها هو الأهم بالنسبة للحركة، وبناءً على إيقاف الرئيس الأمريكي للمفاوضات في السابق، تتوقع «الشيخ»، أن يكون عودة المفاوضات مرةً أخرى أمرًا في غاية الصعوبة، ويلتزم الكثير من الوقت والمطالبات من الطرفين وبالأخص «طالبان».
ويترافق رأي نورهان الشيخ مع بيان كتبته حركة طالبان، في مطلع نوفمبر الجاري، تفاخرت من خلاله، بسطوتها على أي مطالبات سياسية قائلةً: إن الملا عبدالغني برادار القيادي الأبرز فى الحركة، ظل لعدة سنوات في الماضي محتجزًا بسجون باكستان، لكنه في الوقت الحاضر، يسافر لأي مكان، واضعًا شروط الحركة كعقبة أولية لأي نقاش سياسي.
مشاهدات واقعية
بالعودة إلى المشاهدات الواقعية حول جدية التزام عناصر الحركة بقرارات القيادة من عدمه، فإن الوقائع الأحدث والتي كان آخرها في عيد الأضحى الماضي، كشفت ضمنيًّا عن توافق ما بين أفراد الحركة؛ إذ أعلنت «طالبان»، أنها لن تنفذ أي هجوم إرهابي خلال أيام العيد، بل ستساهم في حفظ الأمن بالبلاد، وبالفعل التزم الجميع بهذا الأمر، ولم يبادر أي شخص بتعكير هذا الإعلان؛ ما يثير التساؤلات حول جدية الاتهامات، وإمكانية توظيفها كورقة ضغط نفسي للتلاعب بالحركة وقياداتها.
ومن جانبها، لفتت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن حركة طالبان بها الكثير من التيارات والغالبية للأكثر تشددًا، وهو الأهم تأثيرًا والذي يرفض المفاوضات مع واشنطن إلى حد ما، ولذلك ربما ستتأثر به القيادات، وسيكشف المستقبل عن منحى الحركة.