كوارث السياسة الخارجية التركية وأخطارها على أوروبا. . في ندوة مركز دراسات الشرق الأوسط في باريس

السبت 09/نوفمبر/2019 - 10:02 ص
طباعة كوارث السياسة الخارجية حسام الحداد
 
أقيمت مساء أمس الجمعة 8 نوفمبر 2019، ندوة مركز دراسات الشرق الأوسط في باريس، المنعقدة تحت عنوان «كوارث السياسة الخارجية التركية وأخطارها على أوروبا»، والتي شارك فيها عدد من الخبراء السياسيين وخبراء الإسلام السياسي، منهم الدكتور أحمد يوسف، المدير التنفيذي لمركز دراسات الشرق الأوسط بباريس، وبيير برتلوه، ورولاند لومباردى، وجواكيم فليوكاس وجارين شنورهوكيان، وحضر الندوة، لفيف من الخبراء والمهتمين بشؤون الشرق الأوسط وأوروبا، وكذلك عدد من الصحفيين العرب والفرنسيين.
وفي كلمته الافتتاحية قال الدكتور عبد الرحيم علي، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس: إنه منذ أن أسس أربكان حركة الـ«ميللي جوروش»، بدا في تهيئة الأرضية المناسبة في تركيا لتمكين الإسلام السياسي، ففي عام 1970 أسس حزب النظام الوطني (MNP)، الذي لم يلبث وأن تم حله عام 1971، ومن ثم بدأ أربكان في تأسيس حزبه الثاني عام 1972 الذي عُرف باسم حزب السلام الوطني (MSP)، الذي كان مصيره الحل أيضًا عام 1980، عندما استولى الجيش التركي على مقاليد الأمور في البلاد.
وأكدعبد الرحيم علي أن «أربكان» لم ييأس، فقد عاد مرة أخري عام 1983 بحزب جديد أسماه حزب الرفاه (RF)، الذي حظرته المحكمة الدستورية العليا في تركيا بسبب انتهاكه لبنود الدستور التي تفصل بين الدين والدولة، وحينما كان أربكان وأردوغان وجول محظورين من ممارسة السياسة، قام أعضاء آخرون في حزب الرفاه بتأسيس حزب الفضيلة (FP)، وذلك في أواخر عام 1997، الذي تم حظره أيضًا عام 2001 عن طريق المحكمة الدستورية التركية.
وتابع رئيس دراسات الشرق الأوسط بباريس، حينما تم السماح لأربكان وأردوغان وجول بالعودة إلى الحياة السياسية مرة أخرى، كان هناك انشقاق واضح بين الجيل القديم بزعامة أربكان والجيل الأحدث في الحركة مثل أردوغان وجول، لذا أصبح أربكان زعيم حزب السعادة عام 2001، بينما بدأ كل من أردوغان وجول في تأسيس حزبهما العدالة والتنمية (AK) في العام نفسه. 
وأضاف «علي»، توفي أربكان عام 2011، ولكننا نستطيع أن نقول إن الفكر الإسلامي الذي كتبه أربكان في ستينيات القرن الماضي في بيانه الخاص (المانيفستو)، هو القاعدة الأساسية لحزب العدالة والتنمية الذي أنشأه وترأسه أردوغان فيما بعد، وهو ذاته الفكرة والأيديولوجية التي تستند إليها الحركة الإسلامية التي تحمل اسم «الميللي جروش» والتي أنشئت أساسًا في أوروبا، إلا أنها توسعت ونشطت في الولايات المتحدة وأستراليا، وخرج كل من أردوغان وجول من رحم الـ«ميللي جوروش» (MG)، إلا أنهما انفصلا عنها بسبب صراعات الدائرة الداخلية لأربكان التي كانت تركز على المكاسب المادية لحركة الـ«ميللي جوروش» في أوروبا؛ حيث بلغ دخلهم من الحركة مليون يورو شهريًّا من ألمانيا فقط.
وفي تطرقه لجماعة الإخوان الإرهابية قال رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس، إنه حينما وصل الإخوان إلى سدة الحكم في مصر عقب أحداث يناير 2011 سافر العديد من الأعضاء البرلمانيين للإخوان المصريين والمسؤولين الحكوميين للتدريب في تركيا، وأعطى ما سمي بالربيع العربي لأردوغان الأمل في أن تركيا سوف تلعب دورًا مهما في الشرق الأوسط، فبدأ في تحويل إسطنبول لكعبة التنظيم الدولي في جميع أنحاء العالم،  فنظم العديد من التنظيمات التابعة للتنظيم الدولي العديد من الفعاليات والاتفاقيات في إسطنبول، ومن بين تلك المنظمات، المركز الأوروبي للفتوى والأبحاث، والاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، واتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا.
وتابع عبد الرحيم علي: منحت تلك الاجتماعات التي عقدت في إسطنبول التنظيم الدولي للإخوان حرية واسعة في التعبير، والحديث بما يجول في صدورهم دون حرج من شيء؛ حيث إن اجتماعات أوروبا كانت دائمًا ما تكون مراقبة من الحكومات هناك، بينما في تركيا لا شيء يضغط عليهم ويضطرهم لاستخدام لغة ثنائية وبراجماتية كما اعتادوا على ذلك في أوروبا.
وقال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية جواكيم فليوكاس: «إن هناك 800 مسجد تدعمه تركيا في فرنسا من أكثر من 2000 مسجد، وقاموا بتنظيم لجنة للتنسيق بين المسلمين الأتراك في فرنسا، ويتبعون لرئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وهو تركي الجنسية، وهذا أمر غريب في هذا التنظيم، ويجب علينا أن نلاحظ أن أردوغان من الناحية الأوروبية، أسس الاتحاد الديمقراطي الأوروبي التركي في 2005، وحضر الافتتاح بنفسه».
وأكد جواكيم فليوكاس أن الاتحاد الذي أسسه أردوغان هو نسخة مبسطة تركية من جماعة الإخوان الإرهابية، مشيرًا إلى أن أردوغان أسس 250 مسجدًا في أوروبا، وكلها تقترب من التفكير الخاص بجماعة الإخوان، وكلهم حلفاء مع جمعية الاتحاد الإسلامي في فرنسا، وهي جمعية من تأسيس التنظيم، بالإضافة إلى أن هناك 150 إمامًا تركيًّا تم إرسالهم من تركيا لتأطير الفكر الإسلامي في فرنسا بما يتناسب معهم، وهو أكثر مما تساهم به المغرب والجزائر مثلًا لمسلميهم هنا.
وأوضح جواكيم فليوكاس أن الأساتذة الأتراك الذين يتواجدون في أوربا لتعليم اللغة التركية، يقومون بإجراء تأثير كبير لصالح أنقرة، ولكن بصورة غير مباشرة، مؤكدًا أنه تم اتهامهم من قبل النيابة العامة في ألمانيا بالتجسس على الأتراك في برلين، سواء كانوا أساتذة أو أئمة، وهذا الأمر يحدث في باريس أيضًا.
واضاف جواكيم فليوكاس إن تركيا تدعم مؤسسات لإدارة العديد من المدارس، وكل عام يتم زيادة عددها بصورة كبيرة في فرنسا، فهناك المدرسة الابتدائية التي تُدعى يوسف سلطان وبها مسجد، ومدرسة النور وبها 225 تلميذًا و12 فصلًا، ويتم توسعتها قريبًا في مدن أخرى، وهناك حوالي 100 مدرسة بالبلاد، وكلها مدارس ناجحة.
واستطرد جوايكم إن هناك كتابًا يسمى «تطور الإسلام السياسي في تركيا»، كتبه مصطفى بيكوز، الباحث في علم الاجتماع، ليكشف العديد من المعلومات عن الوضع في تركيا، ويظهر خطر الإخوان وفكرهم في تركيا، ومدى وجودهم كفكر بين الدعاة والأئمة.
وقال رولاند لومباري، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، إن أردوغان لم يعد مدعومًا إلا من دويلة قطر، رغم أن هناك أيضًا حديثًا في تركيا وإيران، وكلاهما ضعيف أكثر مما نتوقع، كما أقول في الأخير أن التأثير التركي في العالم العربي والإسلامي محدود جدًّا بالمقارنة مع التأثير الذي يبديه المحور المصري والإماراتي والسعودي، والذي يظهر كنموذج في الوطن العربي.
وتابع رولان لومباردي، إن روسيا دعمت الرئيس السوري؛ لأنهم لم يجدوا أي حلول أخرى يمكن أن يقوموا بها، كما دفعوا الأكراد للتواجد مع الجيش السوري خلال الفترة الأخيرة، لذا ذهب أردوغان وتحرك بصورة سريعة، كي يمنع التواصل والتفاهم ما بين الأكراد والحكومة السورية عبر روسيا، وهو ما تم في الفترة الأخيرة في شمال سوريا.
وأكد رولاند لومباري أن الرئيس الأسد كان يرفض إعطاء تقرير المصير للأكراد رغم  دحرهم لتنظيم داعش الإرهاب، ولكني أعتقد أن خروج أمريكا من المنطقة وذهاب الأكراد إلى الروس، فإننا سوف نرى تعاونًا أكبر ما بين الأكراد والجيش السوري، وهو ما يدفعنا للتساؤل حول مصير منطقة كردستان، لذا فإن الأكراد الآن في وضعية ضعيفة، ولن يستطيعوا سوى الانصياع لما تقوله موسكو، والدبلوماسيين الروس استطاعوا جمع كل الأفراد على نفس الطاولة، وهو أمر جيد بالنسبة لهم.
وتابع رولان لومباردي في ندوة مركز دراسات الشرق الأوسط في باريس: إن ما تسمى المعارضة السورية لم تعط أية صورة منظمة لنفسها، وظهرت في الأخير في صورة ميليشيات إرهابية تسعى لإقامة ما تدعوه دولة الخلافة، لذا فإن سقوط نظام الرئيس بشار الأسد فيعني وصول هؤلاء المتشددين للحكم.
لذا رفض الروس التخلي عن الأسد؛ لأن وجود نظام إسلاموي سوف يدفع دول القوقاز التابعة لهم إلى التفكير في تكرار التجربة، ووضعوا بعض الجداول بأسماء في الأستانة بأسماء جماعات إسلامية ترفض دخولهم في أية مفاوضات.
الدول الأوروبية كذلك حاولت البحث عن بديل للرئيس الأسد، ولكن ليس هناك أطر بارزة للحل في الأزمة السورية، وتحظى بمصداقية الدول الأوروبية، الكل يبحث عن أهدافه في العلاقات الدولية، لا أحد يتصرف بعاطفية.
وقال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية بيتر برتلو: هناك العديد من الدول التي تعترف بمذابح الأرمن، منها مصر، وألمانيا، وفرنسا، وهذا أمر جيد بالنسبة لهذه القضية، لذا فإن إبادة الأرمن كان قرارًا سياسيًّا تركيًّا صعبًا، لقد قرروا إبادة الأرمن والأقليات المختلفة، وحسب الأرقام هناك مليون ونصف أرمني قتل في هذا الوقت.
وأكد برتلو أن أردوغان ما زال يحاول التنصل من ذلك، واعتبر أنه لن يعترف بالقرار الأمريكي الأخير حول الأرمن، لذا يجب أن نتذكر أن تركيا تكرر نفس الأمر في الشمال السوري تجاه الأكراد، الذين شاركوا قديمًا في هذه المذبحة مع الحكومة التركية، والآن ينقلب الأمر ضدهم.
أردوغان يريد أن يقضي على الأكراد؛ لأنه اعتقد أن بإمكانه دخول الشمال السوري بعد الانسحاب الأمريكي، وهناك آلاف المهجرين من هذه المناطق الشمالية في سوريا.
ويجب أن نتساءل لماذا لا تعترف تركيا بهذه الإبادة؟ والإجابة أن النظام الجديد في تركيا بعد تأسيس الدولة العلمانية كانوا مسؤولين في هذه الإبادة، وشاركوا بها، لذا كان عليهم إعطاء تعويضات للعائلات الأرمينية الذين فقدوا أحباءهم في الإبادة، لذا فإن تركيا لا تريد إعطاء أية تعويضات لهذه العائلات.
ومن الناحية الجيوسياسية فإن أرمينيا دولة صغيرة جدًّا، وليس لها أي تأثير، وهذا ما يجعل الأتراك يرفضون الاعتراف بما حدث، ويصرون على إبقاء الأوضاع على حالتها.
ولم يتوقفوا عند هذا الحد، ولكنهم يحاولون تزييف الحقائق والقول بأن الأرمن هم من حاولوا الهجوم على الأتراك، ويحاولون أن يشرحوا للعالم هذه الكذبة، وإقناعهم بها، وهو أمر مستحيل.
وأضاف برتلو أن هناك مليون لاجئ سوري في ألمانيا، وهناك العديد منهم في فرنسا، واستطاعوا إجراء تغيير كبير في طبيعة الأحزاب في ألمانيا، ورؤيتهم للأوضاع، ورغم ذلك فإن تركيا ما زالت تهدد الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي بإطلاق اللاجئين السوريين تجاه الحدود الأوروبية، وتحاول الحصول على نتائج جيدة في المفاوضات بسبب هذه الأمور، ولا أفهم كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ يجب أن نواجههم بما يكفي.

شارك