هل تستطيع حركة النهضة تشكيل الحكومة في تونس؟
السبت 09/نوفمبر/2019 - 10:26 ص
طباعة
حسام الحداد
أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية، النتائج النهائية للانتخابات التشريعية التي جرت في 6 أكتوبر الماضي، والتي أسفرت عن فوز حزب (حركة النهضة) بأكبر عدد من مقاعد البرلمان.
وأوضحت الهيئة - في مؤتمر صحفي عقد أمس الجمعة 8 نوفمبر 2019- أن حزب (حركة النهضة) حصل على 52 من مقاعد البرلمان البالغ عددها 217 مقعدا، بينما حصل حزب (قلب تونس) على 38 مقعدا، تلاه حزب (التيار الديمقراطي) بحصوله على 22 مقعدا، ثم حزب (ائتلاف الكرامة) الذي حصد 21 مقعدا، كما حصل (الحزب الدستوري الحر) على 17 مقعدا.
ووفقا للدستور التونسي، یكلف الرئیس التونسي الحزب الفائز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان بتشكیل الحكومة، في مدة زمنیة لا تتجاوز الشھرین، على أن یصادق علیھا البرلمان بأغلبیة 109أصوات، وفي حال فشل الحزب في ھذه المھمة خلال تلك الفترة، فإن الرئیس یكلف حینھا شخصیة سیاسیة أخرى یختارھا ھو لتشكیل الحكومة، وإذا أخفق أیضا بعد شھرین، فیكون الخیار الوحید ھو الدعوة لإجراء انتخابات برلمانیة جدیدة.
والدستور التونسي هو ما جعلنا نقوم بطرح هذا السؤال: هل تستطيع حركة النهضة تشكيل الحكومة في تونس؟، خصوصا بعد مؤشرات لحالة عدم قبول الأحزاب السياسية مشاركة حركة النهضة في حكومة واحدة.
وهذا ما أكده الكاتب والمحلل السياسي، سيف الدين العامري حيث قال: أن حركة النهضة التونسية في حالة عزلة، حيث تواجه رفضا تاما من الأحزاب المعنية بتشكيل الحكومة.
وأوضح العامري، أن جماعة “الإخوان المسلمون” في تونس أصبحت غير قادرة على تكوين “حزام سياسي” يدعمها للوصول إلى 109 نواب لتحصل على الثقة من البرلمان.
وأشار العامري إلى أن الفصل الـ89 من الدستور التونسي، والمكون من 3 فقرات يقول إنه يتعين على رئيس الحزب الفائز بأكثر عدد من المقاعد في البرلمان الإشراف على تشكيل الحكومة.
ولفت إلى أن الفقرة الثانية فقرة حساسة، وهي أنه إذا تأخر الحزب الأول في تشكيل الحكومة يمهل إلى شهر ثانٍ، وإذا فشل فيعين الرئيس التونسي شخصية مستقلة لتشكيل الحكومة.
وفي نفس السياق جددت أحزاب رئيسية تونسية رفضها أن يكون رئيس الحكومة المقبلة من حزب "النهضة"، حيث ترى أن المرحلة حرجة، وتستدعي اختيار رئيس يحظى بإجماع من كل الأحزاب، وفقاً لتصريحات للقيادي في التيار، غازي الشواشي.
كما تطلع الشواشي إلى أن تكون خلفية رئيس الحكومة المقبل اقتصادية ليساهم في إنقاذ اقتصاد البلاد.
بدوره، طالب حزب تحيا تونس، في بيان ألا تكون الحكومة "حكومة محاصصة حزبية"، بل حكومة مصلحة وطنية تركز على الإصلاحات الاقتصادية العاجلة، بحسب تعبيره.
يذكر أنه من المنتظر أن تقدم النهضة الأسبوع المقبل مرشحها لرئيس الجمهورية من أجل تكليفه بتشكيل حكومة جديدة.
وفي السياق نفسه، قدّم وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، زياد العذاري، مساء الخميس، استقالته من منصبه الذي تولاه قبل أكثر من سنتين، في خطوة غذّت التكهنات بشأن إمكانية ترشيحه من طرف حركة النهضة إلى رئاسة الحكومة.
ويذكر أن زياد العذاري وهو قيادي في حركة النهضة، التحق بالحكومة منذ 6 فبراير 2015 حيث تقلد خطة وزير التكوين المهني والتشغيل قبل تسميته في أغسطس 2016 وزيراً للصناعة والتجارة ثم وزيرا للتنمية والاستثمار والتعاون الدولي في سبتمبر 2017.
وما زالت حركة النهضة تتمسك بأحقية ترؤس شخصية من داخلها للحكومة المقبلة، باعتبارها الحزب الفائز في الانتخابات، إذ يعدّ الوزير المستقيل زياد العذاري، واحدا من أكثر الأسماء المرشحة لتولي هذا المنصب، كونه أحد أهم قيادات النهضة التي تحظى بثقة زعيمها راشد الغنوشي، والذي من الممكن أن يقوم بتزكيته لتولي منصب رئيس الحكومة.
ويعتبر العذاري (44 سنة)، الذي شغل العديد من المناصب العليا في الدولة خلال السنوات الأخيرة، من الوجوه الشبابية الصاعدة في حركة النهضة ومن الشخصيات المعتدلة داخلها، والتي يمكن أن تضعه الحركة في الواجهة للترويج لانفتاحها والتغطية على مرجعيتها الإسلامية.
والعذاري حاصل على أربع شهادات في الدراسات "مرحلة ثالثة" من جامعة تونس وجامعة السربون ومعهد الدراسات السياسية بباريس وهو عضو مؤسس لرابطة حقوق الإنسان بجامعة السربون وعضو بمنظمة الشفافية الدولية بفرنسا.
وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وقع انتخاب العذاري عضوا بالبرلمان عن دائرة سوسة، ويمنع الفصل 90 من الدستور التونسي "الجمع بين عضوية الحكومة وعضوية البرلمان"، وهو السبب القانوني الذي قد يكون وراء استقالة العذاري من منصبه كوزير للتنمية والاستثمار والتعاون الدولي، ولكن مراقبين رجحوا أن تكون هناك دوافع وحسابات سياسية وراء ذلك، ترتبط بالمشاورات الجارية حول تشكيل الحكومة المقبلة التي تقودها حركة النهضة، كونها الحزب الفائز بالانتخابات البرلمانية.
وتأتي استقالة العذاري قبل يومين من اجتماع استثنائي حاسم لمجلس شورى حركة النهضة، لتحديد خياراتها المتعلقة بترؤسها للحكم وبتحديد شركائها في الحكومة المقبلة وكذلك لحسم هوية الشخصية التي ستختارها لرئاسة الفريق الحكومي الجديد.
وفي وقت سابق عرضت حركة النهضة، "وثيقة اتفاق"، قالت إنها ستناقشها خلال مفاوضاتها مع الأحزاب، الغرض منها التوصل إلى تشكيل حكومة جديدة تضم "وزراء أكفاء". واعتبرت النهضة هذه الوثيقة بمثابة "عقد"، يتعين توقيعه من كل طرف يشارك في الحكومة الجديدة.
وقال الناطق باسم الحزب عماد الخميري خلال مؤتمر صحافي إن هذه الوثيقة بمثابة "عقد" يتعين توقيعه بعد المشاورات من كل طرف يشارك في الحكومة الجديدة. وأضاف أن الوثيقة تلخص الخطوط العريضة لبرنامج عمل الحكومة الجديدة التي ستضم "شخصيات تتمتع بالنزاهة والكفاءة".
تشمل الوثيقة مكافحة الفساد والفقر، وتعزيز الأمن، وتنمية التربية والخدمات العامة، وزيادة الاستثمارات، واستكمال المؤسسات الدستورية وإرساء الحكم المحلي.
وأضاف الخميري "لأول مرة في تونس نبدأ بمباحثات حول البرنامج قبل اختيار أعضاء الحكومة الجديدة (..) التي سترى النور قريبا".
وأشار الخميري إلى أن حزبه بدأ مشاوراته الأولية مع ثلاثة أحزاب هي حزب التيار الديمقراطي (22 مقعدا-يسار الوسط) وائتلاف الكرامة (21 مقعدا-إسلامي شعبوي) وحركة الشعب (16 مقعدا- قومية ناصرية).
وأفاد الناطق الرسمي باسم النهضة أن حزبه سيواصل مباحثاته مع أحزاب أخرى باستثناء حزب قلب تونس (ليبرالي- 38 مقعدا)، الذي يقوده رجل الأعمال نبيل القروي الملاحق في قضايا تهرب ضريبي وتبييض أموال، والحزب الحر الدستوري (17 مقعدا) بقيادة عبير موسي المناهضة للإسلاميين.
وكان حزب النهضة أعلن في 20 أكتوبر الماضي أنه سيختار شخصية من الحزب لرئاسة الحكومة الجديدة.