ردود الأفعال المتباينة حول رؤية وزير الداخلية الفرنسي.. لـ"علامات التطرّف"
الأحد 10/نوفمبر/2019 - 09:55 ص
طباعة
حسام الحداد
يقدم لنا مرصد الأزهر الشريف في آخر تقرير ضمن عمله في رصد التطرف والإرهاب على مستوى العالم، رصد لحالة التطرف والإرهاب في واحدة من أهم البلدان الأوروبية التي تعاني من الإرهاب "فرنسا" والإجراءات التي تقوم بها الحكومة الفرنسية لمكافحة الإرهاب ولهذا التقرير أهمية كبيرة حيث تطرق لموقف وزير الداخلية الفرنسية من مكافحة الإرهاب وكذلك موقف الرئيس الفرنسي وردود الأفعال من شخصيات مؤثرة وصانعي قرار في الدولة الفرنسية، حيث تشهد فرنسا حربًا ضروسًا ضد التطرّف الذي قد تسبب في حوادث أسقطت العديد من الضحايا الأبرياء. ومن بين هذه الحوادث يأتي الحادث الإرهابي الذي نفذه "ميكائيل آربون"، يوم الخميس 3 أكتوبر 2019؛ حيث أقدم على طعن عدد من زملائه بسكين، ما أدى إلى سقوط خمسة قتلى من رجال الشرطة، من بينهم المهاجم نفسه الذي كان يعمل موظفًا إداريًّا بمقر قيادة الشرطة الفرنسية بباريس.
وكالعادة، فقد أثار هذا الحدث الإرهابي الجدل في الأوساط الفرنسية، حول الوقوف على ماهية ظاهرة التطرّف، واستنباط علاماتها وأسبابها؛ لتفادي خطر تكرار هذه الهجمات الإرهابية الناتجة عن تلك الظاهرة، والتي عَقِب كل هجوم إرهابي منها، يُوضع "الإسلام" في قفص الاتهام وحيدًا من قِبَلِ الساسة الفرنسيين؛ لذا فقد دعا الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" الأمة الفرنسية خلال حفل تأبين ضحايا الهجوم الإرهابي إلى ضرورة التكاتف والتعبئة؛ من أجل التصدي لظاهرة ما أسماه بـ"التطرّف الإسلامي"، متعهدًا بشنِّ معركة بلا هوادة على هذا النوع من الإرهاب. وتابع قائلًا: "لقد سقط زملاؤكم ضحايا لطعنات إسلام مُشوَّه ومُميت، يجب علينا استئصاله".
وأشاد ماكرون بـ"روح المقاومة الفرنسية التي لا تقبل الانقسام"، موضحًا أنّ المؤسسات لن تتمكن وحدها من التغلب على هذا النوع من التطرّف الذي شبهه بـ"الهايدرا" (وهو كائن خيالي متعدد الرءوس، كُلَّما قُطعَ له رأس نبتت له أخرى).
وتابع ماكرون: "على الأمة بأسرها أن تتحد وتتحرك؛ من أجل بناء مجتمع يقظ الضمير، لا يتسم بالشك، وينصت للآخر"، داعيًا الفرنسيين إلى تعلم كيفية تمييز الانحرافات، والسلوك الذي يعارض قوانين الجمهورية الفرنسية وقِيمها، لاسيما في المدارس، وأماكن العمل، ودُور العبادة، والأماكن الأخرى".
وفي نهاية كلمته، أعرب ماكرون عن بالغ أسفه إزاء تلك الأحداث الدامية، قائلًا: "كثيرًا ما تحدثنا عن تلك المعضلة، وقمنا بصياغة قوانين جديدة لمواجهتها، ثم عدنا لمتابعة حياتنا، وكأن شيئًا لم يكن، فتلك المعركة بأي حال ليست ضد دين بعينه، لكنها ضد الانحرافات التي تؤدي إلى الإرهاب".
من جانبه، اعترف وزير الداخلية الفرنسي "كاستانير" بوجود ثغرات في تتبع منفذ الهجوم، مُعربًا عن استيائه من التصريحات المهينة لبعض السياسيين بخصوص هذا الحادث؛ حيث وصفه البعض بـ"الأمر المخزي للدولة"، متعهدًا بإحكام السيطرة على زمام الأمور، حتى لا يتسنى لأيّ معتنق للفكر المتطرّف، من بين ضباط الشرطة، القيام بعمل إرهابي أو إجرامي، دون أن يتم الإبلاغ عنه مباشرة. وأكَّد "كاستانير" أنَّ هذا الهجوم في حد ذاته يُمثل فشلًا خطيرًا، في إشارة إلى أن العلامات، التي ظهرت على المهاجم لم تكن تصنف قبل ذلك على أنها (متطرفة).
وخلال جلسة استماع عقدتها "لجنة القوانين بمجلس النواب الفرنسي" بعد مرور خمسة أيام على الحادث، اقترح "كاستانير" قائمة تضم مجموعة من العلامات، التي يُمكن أن تُنذِرَ بالتطرّف الديني لمن تبدو عليه. وعَبَّر عن رغبته في أن يكون توافر إحدى هذه العلامات في شخصٍ ما سببًا كافيًا -من الآن فصاعدًا- في اتهامه وتقديم بلاغ ضده مباشرة.
ويرى "كاستانير" أنّ من علامات التطرّف التي يجب الانتباه لها هي "المداومة على ممارسة الشعائر الدينية" خصوصًا خلال شهر رمضان، ثم بدأ في سرد قائمة العلامات المختلفة التي تُنذِرُ بالتطرف الديني، وخص منها: "إطلاق اللحية، الإقلاع عن (العادات الفرنسية) كالتقبيل (بين الرجل والمرأة) عند التلاقي، تغير السلوك مع المحيطين، وممارسة الصلاة بانتظام وبشكل ملفت، وعدم قبول المشاركة في فريق مختلط مع السيدات.
وكإجراء فوري كلّف "كاستانير" مراكز الشرطة الفرنسية المختلفة بالإبلاغ عن أية مؤشرات أو "علامات للتطرف" تظهر على أفراد الشرطة، ومنذ وقوع هذه الحادثة وينتاب جهاز الشرطة الفرنسية حالة من القلق. ووفقًا لمعلومات نشرتها جريدة ""BFM TV، فإنه قد تم نزع سلاح ضابطي شرطة كانا يعملان في منطقة باريس، بعد تقديم بلاغات ضدهم من قبل زملائهم تفيد بتغيير في سلوكهم، حيث إن أحد الضابطين كان يعمل بمنطقة "فيلنو فلاجرين" ولوحظ تغيير في سلوكه من خلال حرصه على مداومة الصلاة في العمل، ورفضه مصافحة النساء، كما أنه كان يقوم ببعض الأعمال الدعوية".
ويذكر أنه تم فصل هذا الضابط، ولكن تمت إعادته بعد تقديم استئناف في المحكمة الإدارية. أما الضابط الآخر فكان يعمل في قطاع الشرطة القضائية بباريس، وكان قد اعتنق الإسلام عام 2011.
ومن جانبه أعلن "ريتشارد ليزوري"، المدير العام لشرطة الدرك الوطني الفرنسية، - "استبعاد حوالي عشرين فردًا" من قوات الدرك الوطني لظهور علامات التطرف عليهم، وأضاف أنه لا يزال هناك "حوالي خمسة عشر فردًا آخرين يخضعون للمراقبة". وأوضح قائلًا: "منذ عام 2013، قُمنا بتطبيق آلية سمحت لنا باستبعاد هؤلاء الأفراد العشرين الذين ظهرت عليهم علامات التطرف".
وردًّا على المطالبة باستقالة وزير الداخلية الفرنسي، رفض "كاستانير" الدعوات لاستقالته، مؤكدًا لإذاعة "فرانس انتر" أن مرتكب الاعتداء كان متخفيًا بأفكاره المتطرفة، ولم يظهر عليه أي سلوك مهين أو أي علامات تحذيريّة.
وصرَّح "كاستانير" أنه تم حظر تجمع لمؤيدي منفذ الهجوم الإرهابي، والذي كان مقررًا يوم الخميس من الأسبوع التالي لارتكاب الحادث، بالحي الذي يسكن فيه منفذ الهجوم. وأعرب عن نيته في إبلاغ العدالة ببعض التصريحات التي صدرت عن منظمي التجمع والتظاهر، وكتب وزير الداخلية الفرنسي على شبكة التواصل الاجتماعي: "قمت بإبلاغ النيابة العامة بالتصريحات البغيضة التي أدلى بها منظمو التظاهر والحشد، وذلك طبقًا للمادة 40 من قانون الإجراءات الجنائية".
كما كشفت صحيفة "هافينتون بوست" أيضًا عن سخط بعض النواب التابعين لأحزاب "الجمهوريون"، و"الجمهورية إلى الأمام"، و"الحزب الاشتراكي". وقال النائب "فرانسوا جوليفيه" في بيان له: "أريد أن أُعَبِّر عن استيائي وبالغ غضبي تجاه هذا الخبر غير اللائق الذي يتجاوز حدود الواقع. إن توظيف مثل هذا الهجوم الذي أدى إلى مقتل أربعة من رجال الشرطة، وإصابة آخرين، واستخدامه لأغراض طائفية وانتخابية، هو أمر لا يليق بالجمهورية الفرنسية". وطالب هؤلاء النواب بمنع تنظيم هذه المظاهرة.
ردود أفعال "الساسة الفرنسيين" بعد إعلان "كاستانير" لـ "علامات التطرف":
لم تكُ "علامات التطرف" التي ذكرها "كاستانير" مُقنِعة لبعض النواب، لاسيما النائب اليساري "مجيد الغراب"، ممثل المنطقة التاسعة للفرنسيين في الخارج، والذي طرح تساؤلًا: "أين؟ وعمَّن سيتم الإبلاغ؟ وبأي درجة؟ ومن سيقوم بتقييم هذه البلاغات؟"، ثم تابع : "خلال شهر رمضان تكون ممارسة الشعائر بشكل أكثر كثافة لأن جميع المسلمين الملتزمين بقدر، ولو ضئيل، يذهبون إلى المساجد في المساء لأداء صلاة التراويح، وبناء على ذلك فإن ممارسة الشعائر الدينية تزداد خلال شهر رمضان".
وتابع النائب موجهًا كلامه لوزير الداخلية بطريقة ساخرة: "ألاحظ أنك تُطلق لحيتك أنت أيضًا، لو كنتَ مسلمًا، أرجو ألا يتم الإبلاغ عنك".
من جانبه ردَّ "آلان رودييه"، المسئول عن دراسة الإرهاب في مركز أبحاث الاستخبارات الفرنسي (CF2R)، خلال حوار له على قناة "إف إم تي في"، قائلًا: "إذا بدأنا التحقيق مع جميع المسلمين الذين يطلقون لحاهم، فلن ننته"، مضيفًا أنَّ: "معيار اللحية غير مجدي حقًا اليوم، لأن الإرهابيين يقومون يتقنون التخفي وسط الجماهير حتى لا يلاحظهم أحد".
وأشار "رودييه" إلى أنه "من الممكن أن يمارس المسلمون شعائر دينهم بشكل منتظم دون أن يكون ذلك علامة تحذيرية... وأنَّ ما ينبغي تسليط الضوء عليه هو الرغبة في ممارسة أعمال العنف، وهو ما يتميز به المتطرفون".
كما أكد "رودييه" على إمكانية كشف خطر التحول إلى أعمال العنف من خلال معايير أخرى، فعلى سبيل المثال "عندما تكون هناك موافقة على أحداث إرهابية مثل مذبحة تشارلي إبدو"، وهو ما حدث في حالة "ميكائيل هاربون"، الذي برّر بالفعل هجمات عام 2015 أمام أحد زملائه، معلنًا "لقد كان هذا جيدًا". وشَدَّدَ على أنَّ رضا الشخص عن هذه الجرائم يعد مؤشرًا على استعداده لفعل الشيء نفسه" وهو ما يحذر منه مدير الأبحاث في مركز CF2R.
وأوضح "رودييه" أنَّ "تحديد عملية التطرف لا يتم على أساس مؤشر واحد، لكنه مزيج من عدة علامات تعطي شكلًا من أشكال الاتساق التي بدورها تثير الانتباه والحذر"، بحسب ما أوضحت الحكومة في "وثيقة المنع والإبلاغ عن حالات التطرف العنيف"، والتي تشير إلى أن العزلة والانقطاع الطويل عن العائلة والأقارب يُعد مؤشرًا أساسيًّا لعملية التطرف.
ويذكر "آلان رودييه" أنَّ هذه العلامات الضعيفة، والأقل وضوحًا، يجب أن تكون موضع اهتمام خاص. فكلما زاد لدى الفرد الانغلاق على نفسه، زادت ضرورة متابعته بطريقة شاملة لمعرفة ما إذا كان في مرحلة التحول إلى العنف من عدمه".
من جانبها طالبت "نادين مورانو"، النائبة الأوروبية المنتمية لحزب "الجمهوريين" اليميني الفرنسي، خلال مقابلة لها على قناة "بي إف إم" الإخبارية الفرنسية، باستقالة وزير الداخلية الفرنسي. وأعربت "مورانو" عن صدمتها حيال هذا الحادث المؤسف، واقترحت وقف بناء مساجد جديدة في فرنسا؛ حيث قالت: "طالما لم يتم حل إشكالية ممارسة الشعائر الإسلامية في فرنسا حتى الآن، فيجب علينا أن نتوقف عن بناء مساجد جديدة، كما ينبغي علينا التصدي لهذه المشكلة، ومعالجتها".
وأوضحت "إن الخلط بين الإسلام والعنف والإرهاب بات أمرًا واضحًا بالنسبة لمنتقدينا، وأثناء النقاش، أعربت عن استيائها من التهاون فيما يتعلق بمسألة حماية المسلمين الذين يعيشون على الأراضي الفرنسية، والذين يندمجون داخل المجتمع الفرنسي، ويمارسون شعائرهم بطريقة طبيعية". وأضافت بأن مسألة وقف بناء المساجد أو افتتاحها، ليست عقابًا، بل الأمر يتعلق بالحماية من التطرف".
وتفاعلًا مع دعوة "كاستانير" بسرعة الكشف عن "علامات التطرف"، قامت جامعة "سيرجى – بونتواز" بإرسال بريدٍ إلكتروني يحمل عنوان "نداء اليقظة"، إلى موظفيها يتضمن هذا البريد استمارة للكشف عن "العلامات المبدئية للتطرف"، يتعين عليهم ملؤها. وكان من بين هذه العلامات: "الغياب المتكرر خلال أوقات الصلاة، والتغيير في مظهر الملبس، والإقلاع عن شرب الكحوليات...وغير ذلك"، لكن تم سحب هذه الاستمارة في النهاية.
جدير بالذكر أنَّ بريد "نداء اليقظة" مرفق طيَّه "ملف إكسيل" مُدْرَج به "العلامات المبدئية للتطرف"، التي تشير إلى احتمالية تطرف الأشخاص الذين يحملون هذه العلامات، ومنها: تغيير في مظهر الملبس (كارتداء الرجال السراويل التي تنتهي عند منتصف الساق، وارتداء الحجاب بالنسبة للنساء)، والإقلاع عن شرب الكحوليات، أو الاهتمام المفاجئ بالدين، أو الغياب المتكرر خلال أوقات الصلاة، وفي حالة ظهور إحدى هذه العلامات أو أكثر على أحد الموظفين أو الطلاب يجب إبلاع الجهات المختصة بالجامعة عن ذلك.
لكن هذه المسألة لم تلق قبولًا لدى موظفي الجامعة؛ حيث إنَّ "كليمون كار بونيه"، الأستاذ الجامعي المُعار في "كيبيك"، كان أول من نشر هذه الوثيقة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، معلقًا: " إن رد فعلي التلقائي هو كتابة هذه التغريدة لإخماد غضبي، على أمل أن أرى رد فعل زملائي؛ فلقد صدمني هذا الأمر بشدة، إنه أمر سخيف تمامًا، وأنا أشعر بالخجل".
كما كان من المقرر أن تطلق جامعة باريس 1 "سوربون - بانتيون"، يومي 21، 22 من نوفمبر القادم، لمدة (16) ساعة، دورة تدريبية للوقاية من التطرف الإسلامي، تحت عنوان "الوقاية من التطرف: فَهْم ظاهرة التطرف، واكتشاف علاماته الأولية". وتستهدف الجامعة بهذه الدورة التدريبية (الطلاب، الموظفين العموميين، رجال الشرطة والجيش، النواب، المدرسين، المحامين، ومدراء الأعمال...)، لمساعدتهم على "الكشف عن العلامات الأولية"، و"الوقاية من التطرف غير العنيف"، لكن الجامعة علَّقت هذه الدورة التدريبية إثر حالة الجدل التي أثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب الإعلان عن هذه الدورة عقب الهجوم الذي استهدف مقر شرطة باريس؛ حيث انتقد العديد من مستخدمي الإنترنت الجامعة؛ لوصمها الغالبية العظمى من المسلمين "المعتدلين"، واتهموا الجامعة باستغلال الحوادث الإرهابية، التي تقع في فرنسا لتحقيق مكاسب مادية، حيث إن تكاليف الدورة تبلغ "890 يورو".
كما ندد نحو مائة نائب محلِّي -على اختلاف انتماءاتهم السياسية- عبر بيان تم نشره على الموقع الإلكتروني لجريدة "جورنال دو ديمانش"، بما يتعرض له المسلمون من "وصم" في فرنسا، وحذَّروا من "الطرق المحفوفة بالمخاطر التي تنجرف إليها فرنسا". مشددين على أنَّ "اتهام طائفة من المسلمين واعتبارهم خطرًا محتملًا لمجرد إطلاق اللحية أو ارتداء الحجاب، يُغرِق المجتمع في حالة من الشَّك عوضًا عن اليقين".
وتابع النواب المحليون: "إن متابعة استخدام هذه المفردات قد يُصبح سببًا في خلق حالة من الإحباط لدى أغلبية المسلمين، الذين يشعرون بالتمييز، ومحاولة الإقصاء من المجتمع الفرنسي. ولن يقتصر الأمر حينها على مجرد صدع في بنية المجتمع، وإنما سيتحول إلى تمزُّق في نسيج الوطن".
وقام النواب في النهاية بتوجيه الدعوة إلى "انتفاضة" الفرنسيين، مع التذكير بأن فرنسا كلها "أُمَّة واحدة غير قابلة للانقسام". وفي الختام قالوا: "إن رئيس الجمهورية هو الضامن لهذا المبدأ. وهو الضامن للدستور وتطبيق القانون، وتلك هي مسئوليته أمام الشعب والتاريخ. ورئيس الجمهورية يرمز لوحدة الأُمَّة، ونحن ننتظر منه أن يقف ضامنًا وحارسًا لتطبيق هذا المبدأ".
ردود أفعال "ممثلي الإسلام بفرنسا" بعد إعلان "كاستانير" لـ"علامات التطرف":
وبعد إعلان "كاستانير" لـ"علامات التطرف"، أمام "لجنة القوانين بمجلس النواب الفرنسي"، دعا "نجيب أزيرجي"، مؤسس ورئيس "اتحاد الديمقراطيين المسلمين الفرنسيين" (UDMF)- في رسالة وَجَّهَها إلى الرئيس "ماكرون"- إلى عدم الاستسلام للرغبة المُدَمِّرة في وصم المواطنين المسلمين ظُلمًا، كما دعاه إلى إيثار التلاحم الوطني مهما كَلَّف الأمر. وهذه هي نص رسالة أزيرجي للرئيس الفرنسي في 12 أكتوبر 2019.
رسالة نجيب أزيرجي.. للرئيس الفرنسي
إلى عناية السيد إيمانويل ماكرون،،،
رئيس الجمهورية،،،
"سيدي رئيس كُلِّ الفرنسيين،،،
خلال الساعات الأخيرة، انتشرت في بلدنا أجواء سلبية، ما يُلزمنا بضرورة التصرف حيال الأمر. والقصة، كما تعلمها جيدًا تمتلئ -للأسف- بالأمثلة التي كان السبق فيها لردود الأفعال المُخزية على التفكير العقلاني؛ ما أدى إلى تعرض أقلية من المواطنين للغضب الشعبي لأسباب أمنية.
وأنا أعلم أن أُمَّتَنا تمر بلحظات عصيبة، ويجب أن تكون هذه المحن التي يتأثر بها الشعب الفرنسي بأكمله دافِعًا لنا كي نجمع شمله بدلًا من أن نُشَتِّته.
إن تجريم أي ممارسة شعائرية دينية لأسباب أمنية تُعَدُّ دَليلًا على تدهور ديمقراطيتنا. ولهذا السبب فمن مسئوليتكم السهر على ألا يتكرر تعرض جزء من نسيج المجتمع الوطني للإهانة كما حدث في أعوام 1570 و1680 و1940.
وينبغي ألا تُصبح دولتنا دولة إقصاء؛ يُصبح فيها المواطن عُرضَة للإبلاغ عنه، أو تسجيل اسمه على قائمة، أو اعتباره خطرًا محتملًا لمجرد إعفاء لحيته، أو اعتناق الإسلام، أو ارتداء الحجاب، أو ارتياد المساجد.
ومنذ الهجوم الغاشم الذي ارتُكِب ضد قواتنا الأمنية، ذلك الهجوم الذي كلفنا حياة أربعة من رجال شرطتنا، نشهد نوعًا من الخطاب الانتقامي الذي لا يمكن أن يقودنا إلا إلى مستقبل مُظلم يمكننا جميعًا استشرافه.
فيجب ألا تتحول مكافحة الإرهاب إلى حرب ضد المسلمين. ويجب ألا نُشَبِّه الدين الذي يحتل المرتبة الثانية بين المواطنين الفرنسيين، بتلك الهمجية التي تمارسها الحركات الإرهابية، التي تنتمي لمذهب العدمية أكثر مما تنتمي للإسلام.
ونناشدكم سيادة رئيس الجمهورية بحماية تلاحمنا الوطني، مع التذكير بأن أولئك الذين يهاجمون فرنسا الآن يهاجمون جميع الفرنسيين أيًّا كانت أصولهم أو دياناتهم.
فكم عدد المواطنين المسلمين الذين وقعوا ضحايا منذ الهجمات الدامية التي ألبست فرنسا ثوب الحداد في عام 2015؟ هل يجب علينا أن ننبش قبور أمواتنا، وأن نعرض جثثهم أمام باقي أفراد مجتمعنا الوطني، حتى نجد من يستمع إلى آلامنا ويتفهمها؟ إننا جميعًا ضحايا للإرهاب!
فلنَكُفَّ إذن عن مساعدة أعدائنا الحقيقيين، ولنعمل سريعًا على بناء جسور لتوحيد الفرنسيين. وبالنسبة لاتحاد الديمقراطيين المسلمين الفرنسيين الذين أمثلهم، فدائمًا ما كان هذا هو هدفنا. فنحن نعمل منذ سبع سنوات على مكافحة شتى أنواع التطرف التي تنتشر في بلدنا.
ولذا فإننا طوع أمركم في سبيل الحفاظ على وحدة فرنسا، وعلى أُخُوَّة شعبها؛ لأننا نحبها على هذا النحو، ولا نحبها أن تكون مرتعًا لقوى الظلام، التي دائمًا ما أَدَّت بها إلى الخراب.
نرجو أن تتقبل سيادة رئيس الجمهورية فائق الاحترام"
نجيب أزيرجي، رئيس اتحاد الديمقراطيين المسلمين الفرنسيين.
وفي سياق الربط بين ظاهرة التطرّف والمساجد السلفية بفرنسا، قال "عبدالله ذكري" رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، والذي يشغل أيضًا منصب رئيس "المرصد القومي لمكافحة الإسلاموفوبيا": "إن المساجد السلفية بفرنسا لا تقع جميعها تحت قبضة الإرهاب؛ ولذا لا نستطيع إغلاقها كلها". وأبرز معارضته لهذه الرؤية الراديكالية للإسلام، قائلًا: "أنا ضد قول بعض رجال الدين بأن قانون السماء أكثر أهمية من قانون الدولة الفرنسية". وأوضح ذكري: "في منطقة إيل -دو- فرانس، هناك ثمانون مسجدًا يديرها سلفيون. وهنا يتضح أن أغلب السلفيين ليسوا إرهابيين. وعلى الرغم من أنهم أناس يمارسون دينهم بطريقة راديكالية، فإنه في الوقت ذاته توجد مسافة فاصلة بين السلفية والإرهاب".
وأضاف "ذكري": "يجب علينا الآن الانتباه، ومراقبة هذه المساجد. فدائمًا ما عبرنا عن إدانتنا للأعمال الإرهابية، وعقدنا الكثير من الاجتماعات لمناقشة التطرّف في المساجد، وشاركنا في إعداد الأئمة، ومصاحبتهم. كما أننا نقوم بإبلاغ المسئولين بالمقاطعة عندما نلاحظ أمرًا مثيرًا للشك، أو نلاحظ تغيرًا في خطاب الإمام".
وفي خِضم الجدل الدائر حول الحجاب الإسلامي في الأوساط الفرنسية، والهجوم الذي استهدف مسجد "بايون" عصر الإثنين، 28 من أكتوبر الماضي، التقى أعضاء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM)، بالرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بقصر "الإليزيه"؛ لتقديم توضيحات بشأن هذا السياق المتوتر، حيث أكَّد المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM)، على "الضرورة الملحة لتهدئة النقاشات الدائرة حول الإسلام"، في الوقت الذي يعيش فيه الإسلام في فرنسا "لحظة تاريخية". وأوضح السيد "دليل بوبكر" رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية المؤقت، وعميد المسجد الكبير بباريس، أنه خلال الجلسة مع رئيس الجمهورية الفرنسية، تمت مناقشة مسألة التطرف، ولكن يجب تحليل العلامات الأولية للتطرف من وجهة نظر مسلمة؛ حتى لا يتم الخلط بين "الممارسة الدينية المستمرة والتطرف".
وأخيرًا يمكننا القول بأن الأمر ليس بغريب، فالإسلام –كما قال فضيلةُ الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطَّيب، شيخ الأزهر– موضوعٌ وحده في قفص الاتهام. وبالطبع يُعَزى هذا إلى أفعال مشينة ومسيئة قامت بها -ولا تزال تقوم - شرذمةٌ قليلة من الجماعات المتطرفة التي عاثت فسادًا في الأرض، وضلَّت، وأضلَّت، وشطَّت عن السبيل، فكان نتاجُها ضياع أجيالٍ اعتنقت فكرها المنحرف، واتَّخذت من العنفِ والإرهابِ دربًا لن تكون عاقبته إلا إلى هاويةٍ وخسران.