المندائيون.. ضائعون خارج بلاد الرافدين
الثلاثاء 12/نوفمبر/2019 - 01:11 م
طباعة
أميرة الشريف
في تقرير حديث نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية، تطرقت إلي حياة الصابئة المندائية، التي غادرت للعراق عقب الاحتلال الأمريكي في العام 2003 بعد تغير جذري في حياتهم.
ووفق التقرير، فإن التغيرات التي أصابت حياة أتباع تلك الطائفة بعد مغادرتهم العراق إلى الأردن.
ويعتقد بعض المتخصّصين في تاريخ الأديان أن ديانة الصابئة المندائيين نشأت جنوب العراق، والبعض الآخر يذهب إلى أنها ظهرت في فلسطين. والمؤكد أنها أقدم ديانةٍ موحدة في تاريخ البشرية في البصرة وذي قار وميسان لا يزال مئات المندائيين يعيشون ويتعايشون مع المسلمين بوئامٍ وانسجام.
وتعدّ المندائية أقدم ديانة موحدة عرفتها البشرية، نشأت في أرض وادي الرافدين وتحديدا في جنوب العراق في مدينة "أور" والمناطق السهلية القريبة من الأهوار والأنهار التي ترتبط طقوس هذه الديانة بها.
والمندائية هي ديانة غير تبشيرية، ولا تؤمن بدخول أحد إليها، وتحرم الزواج من خارج الديانة، من بين طقوسها الصلاة، والصوم، والصدقة، والتعميد وهو أحد أهم أركان هذه الديانة.
ونقلت الصحيفة عن عبد الحسن، الصابئي، الذي أغرورقت عيناه بالدموع وهو يتذكر حياته قبل الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، عندما كانت الغالبية العظمى من الصابئة المندائيين تعيش هناك: ليس من السهل أن تترك وطنك، هذا ما قاله الرجل البالغ من العمر 49 عامًا غير المستقر في منزله في العاصمة الأردنية عمان، مضيفًا: شعرت بالهزيمة، أتمنى أن أغمض عيني وأعود إلى العراق الذي أعرفه قبل أن تعمه كل هذه الفوضى.
قبل الغزو الأمريكي كان ما يقرب من 70 ألفًا من المندائيين في العالم يعيشون على طول نهري دجلة والفرات، إلى جانب روافد تتدفق إلى شط العرب أو في جنوب العراق وكان أكبر عدد من المندائيين يتركز في بغداد.
قال حسن، وهو أب لخمسة أطفال صغار: قبل أن تأتي أمريكا إلى هنا، كنا نعيش في سلام، وبعد عام 2003، انهارت حياتنا.
اليوم، هناك أقل من 5000 من المندائيين لا يزالون في العراق، وفقًا لمجموعة حقوق الأقليات.
عاش أجدادُ المندائيين بالقرب من أنهار بلاد ما بين النهرين القديمة؛ إذ يركز نظام معتقداتهم على المياه المتدفقة، والتي يعتقدون أنها تمثل المكون الأساس للحياة.
قال حسن: أينما كانت هناك أنهار في العراق، ستجد المندائيين هناك. أي شيء نفعله من أجل الله، يجب أن نفعله بجانب الأنهار.
يتناقض واقع حسن الحالي كطالب لجوء في الأردن بشكل حاد مع الطريقة التي وصف بها حياته في العراق، يقوم حسن اليوم بأداء صلاته من خلال الانحناء إلى جوار صنبور في الهواء الطلق في منزله في عمان، يقرأ نصوصًا مقدسة باللغة الآرامية وهو يرش مياه الصنبور على وجهه وجسمه.
وذكرت بعض جماعات حقوق الإنسان أن المندائييون عانوا من النزوح القسري تحت حكم صدام حسين، فإن طالبي اللجوء المندائيين في الأردن أخبروا الإندبندنت أن الطائفة في ظل الحكم الاستبدادي شعرت بالأمان.
وذكر قاسم الماضي، أحد الصابئة المندائيين الذين أحضروا عائلاتهم إلى عمان في عام 2017، للبحث عن ملجأ، إن الطائفة بدأت تلاحظ المزيد من الأيديولوجيات المتطرفة تنتشر في جميع أنحاء العراق في أعقاب الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، لكن النظام القانوني كان قويًّا بما فيه الكفاية لاحتوائها.
وقال إبراهيم المرعشي، أستاذ التاريخ المساعد في جامعة كاليفورنيا الحكومية:قبل الإطاحة بنظام صدام عام 2003 ، كان العراق دولة بوليسية؛ ما يعني أنه ستتم متابعة جميع الشكاوى المقدمة إلى السلطات العراقية تقريبًا، واعتبر أي نشاط إجرامي، حتى السرقة البسيطة، تهديدًا لأمن الدولة.
وأضاف مرعشي: مع ذلك، بعد عام 2003، تم تفكيك البنية التحتية الأمنية للعراق، خصوصًا حين أضحَتْ الشرطة في كثير من الأحيان مستهدفة من قبل الميليشيات المسلحة، هذا إلى جانب نقص الموارد؛ ما تسبب في انهيار نظام الشرطة في العراق.
ووفق التقرير، تشكلت ميليشيات مسلحة لحماية المجتمعات في الفراغ الأمني الذي أعقب الإطاحة بصدام، وسرعان ما أصبح المندائيون أهدافًا للميليشيات بسبب ثروتهم كصائغين مهرة ومبادئهم الدينية الصارمة التي لا تسمح بالعنف أو ملكية الأسلحة – حتى في حالة الدفاع عن النفس.
ووفقًا لاتحاد جمعيات المندائيين (MAU) ، فإن أكثر من 200 من المندائيين هم من بين مئات الآلاف من المدنيين الذين قتلوا في العراق منذ عام 2003 في حين تم اختطاف مئات من أعضاء الطائفة للحصول على فدية.
وتحول المندائيون إلى استخدام المياه في وادي شعيب، وهو ينبوع قال عيسى (صابئي): إنه ليس نهرًا، لكننا ذهبنا إلى هناك لأنه لم يكن لدينا خيار آخر.
وتقول الصحيفة إن الحكومة الأردنية منعتهم في عام 2016 من الوصول إلى الوادي، بدعوى حمايتهم.
يتعيَّن على المجموعة الآن الوصول إلى المياه على أراض خاصة في ينابيع البحاث في عمان، حيث يدفع كل منهم زهاء 4 دولارات للوصول إلى المياه، التي يؤمونها في المناسبات الدينية الخاصة مثل: الزواج، والتعميد.
ووفقًا لاتحاد جمعيات المندائيين (MAU) ، ينتشر المندائيون الآن في جميع أنحاء الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا، مع ما لا يقل عن 1400 من المندائيين يطلبون اللجوء في الأردن.
وحذرت جماعات حقوق الإنسان من أن لغة وثقافة ودين المندائيين القديمة تواجه خطر الانقراض بسبب نزوحهم حول العالم.
لا يُسمح لطالبي اللجوء بالعمل في الأردن ويقول MAU إن المندائيين لا يتلقون المساعدة من وكالة الأمم المتحدة للاجئين في عمان، ويعيش الكثيرون منهم على مدخراتهم المتضائلة من العراق.
ويقدر حسن أن مدخراته الحالية لن تدوم أكثر من عام آخر، وفرصته الوحيدة في حياة طبيعية له ولأسرته هي إذا تمت إعادة توطينهم، لكن جميع طلباتهم رُفضت حتى الآن.
قال حسن: لا يهمني أي بلد أذهب إليه، أريد فقط أن أذهب إلى بلد يمكن أن تكون فيه عائلتي آمنة؛ سواء كانت تلك هي فرنسا أو الصومال، لا يهمني، حياتنا صعبة للغاية وغير مستقرة. عندما تنتهي أموالنا، لن يكون أمامنا خيار سوى العودة إلى العراق للموت.
ويدعي أتباع الصابئة المندائية أنها حدى الديانات الإبراهيمية وهي أصل جميع تلك الأديان؛ لأنها أولى الأديان الموحدة، وأتباعها من الصابئة يتبعون أنبياء الله آدم، شعيب، إدريس، نوح، سام بن ونوح، يحيى بن زكريا وقد كانوا منتشرين في بلاد الرافدين وفلسطين، ولا يزال بعض من أتباعها موجودين في العراق، كما أن هناك تواجدا للصابئة في إقليم الأحواز في إيران إلى الآن ويطلق عليهم في اللهجة العراقية "الصبّة" كما يسمون، وكلمة الصابئة مشتقة من الجذر (صبا) والذي يعني باللغة المندائية اصطبغ، غط أو غطس في الماء (أقرب إلى معنى المعمودية في الديانة المسيحية) وهي من أهم شعائرهم الدينية وبذلك يكون معنى الصابئة أي المصطبغين بنور الحق والتوحيد والإيمان.
تدعو الديانة الصابئية للإيمان بالله ووحدانيته مطلقاً، لا شريك له، واحد أحـد، وله من الأسماء والصفات عندهم مطلقة، ومن جملة أسمائه الحسنى، والتي لا تحصى ولا تـُعـَـد عندهم الحي العظيم، الحي الأزلي، المزكي، المهيمن، الرحيم، الغفور حيث جاء في كتاب الصابئة المقدس كنزا ربا أي ( باسم الحي العظيم): هو الحي العظيم، البصير القدير العليم، وشريعة أول أنبيائه (آدم وشعيب ونوح وسام بن نوح وإدريس ويحيى) مباركة أسمائهم أجمعين. وعندهم أن الإنسان الصابئي المؤمن التقي يدرك تماماً، أن (القوة الغيبيّة) هي التي تحدد سلوكه وتصرفاته، ويعلم أيضاً أن أي إنسان مؤمن ضمن الإطار العام لهذا الكون الواسع وضمن شريعته السماوية اليهودية والمسيحية والإسلامية، يشاطره هذا الإدراك والعلم، حيث إن مصدر جميع هذه الأديان هي الله مسبح اسمه، واعتبرهم مشايخ المسلمين بكونهم من أهل الذمة لأن جميع شروط وأحكام أهل الذمة تنطبق عليهم؛ لكونهم أول ديانة موحدة، ولهم كتابهم السماوي، وأنبياؤهم التي تجلها جميع الأديان، مع ذكرهم بالقرآن الكريم، ولكونهم لم يخوضوا أي حروب طيلة تعايشهم مع الأديان الأخرى التي تلتهم بالتوحيد، وعند دخول سعد بن أبي وقاص للعراق وعدهم بالأمن والأمان.
للمزيد عن المندائيون أضغط هنا