حقيقة ولاية باكستان وارتباطها بتنظيم داعش

الخميس 14/نوفمبر/2019 - 01:23 م
طباعة حقيقة ولاية باكستان حسام الحداد
 
أعلن تنظيم داعش الارهابي عن افتتاح فرع جديد في باكستان في النصف الأول من مايو 2019، في خطوة يقول محللون إنها تهدف إلى تعزيز تجنيد وجذب المتشددين المحليين.
وكان التنظيم المتطرف  يعلن عن جميع هجماتها في باكستان باسم "ولاية خراسان" التابعة له، والتي تأسست في عام 2015 لتغطية "أفغانستان وباكستان والأراضي القريبة".
وتم الكشف عن الهيكل التنظيمي الجديد في بيانين صدرا في مايو 2019 ، أعلن فيهما التنظيم مسؤوليته عن القيام بعمليات قتل جديدة في باكستان
ويناقش مرصد الأزهر للغة الأردية في أحدث تقاريره مدى ارتباط ولاية باكستان بتنظيم الدولة داعش وقدرتها على التمدد حيث عرّف تنظيم داعش نفسه منذ ظهوره على أنه "دولة"، وادّعى أن دولته المزعومة هذه - والتي أطلق عليها زورًا صفة "إسلامية"- تهدف إلى إقامة الخلافة، وكانت بدايته التنظيمية من العراق والشام، ولكنه لم ينحسر داخل حدود هاتين الدولتين فحسب، بل امتد -عن طريق فكره وأجندته التخريبية- إلى دول أخرى.
حيث استهدفت عملياته الإرهابية العديد من المدن حول العالم؛ خاصة الأوروبية منها، في تهديد واضح وصريح للأمن والسِّلم العالمييْن.
ثم بدأ في الترويج لنفسه – تنظيميًّا - في دول أخرى تقع في القارة الآسيوية، وتحديدًا جنوبها، ويُطلق على تنظيم داعش أيضًا اسم "تتار العصر الحديث"، نظرًا لما يقوم به من عمليات وحشية يندى لها الجبين.
وفي شهر مايو 2019، أعلن تنظيم داعش الإرهابي عبر حساباته الخاصة، على وسائل التواصل الاجتماعي، عن إنشاء فرعيْن جديديْن له في كل من الهند وباكستان، وأطلق على كل منهما اسم البلد الذي يتواجد به التنظيم، وهما: "ولاية الهند"، و "ولاية باكستان".
وبعد إعلانه عن "ولاية باكستان"، في 13 من مايو الماضي، قام التنظيم بإصدار بيانيْن منفصليْن، أعلن خلالهما مسئوليته عن مقتل أحد ضباط الشرطة في منطقة "مستونج" بإقليم "بلوشستان"، وكذلك مسئوليته عن مقتل أحد العناصر التابعة لحركة "طالبان باكستان" في الإقليم ذاته.
وبعد أيام من هذا الإعلان، صرّح مسئولون بأنهم تمكنوا من تصفية تسعة من العناصر الإرهابية، التي أثبتت التحريات انتماءهم لـ"تتار العصر" أي تنظيم داعش.

الحقيقة أن إعلان داعش عن نفسه في الأراضي الباكستانية ليس أمرًا جديدًا؛ حيث سبق أن أعلن التنظيم عام 2015 عن تواجده في المنطقة ذاتها، وأطلق على كل المناطق التي يسيطر عليها في كلٍّ من أفغانستان وباكستان اسم "ولاية خراسان".
 وأعلن مسئوليته عن الهجمات التي كان ينفذها هناك، في حين أكدت القيادة السياسية والعسكرية الباكستانية سابقًا أن الجماعات المتطرفة، الموجودة بالفعل في باكستان تستخدم اسم "داعش" لتستمد منه القوة والنفوذ، ولجذب المزيد من الأتباع.  
وحول ذلك يقول "إحسان غني"، الرئيس السابق للمنظمة الوطنية لمكافحة الإرهاب: "لا يمكننا استبعاد وجود داعش في باكستان، بسبب عدم وجود هيكلٍ تنظيمي محدد، ومن ثمَّ لا يشعر المرء بوجوده الواضح؛ فلم تعد لهذه المنظمات المتطرفة مقرات أو أفرع في أماكن محددة أو مراكز تدريب أو تجنيد؛ لأنها غيرت أيدولوجياتها وإستراتيجياتها، ولكن الاعتقاد بعدم وجود هذا التنظيم المتطرف في الأراضي الباكستانية سيكون بمثابة الخداع للنفس".
وتابع: "يتأثر بعض الأفراد، وخاصةً الشباب، بالفكر المتطرف والعنيف لهذه المنظمات ويعتبرون أن هذا الفكر صحيح، وبالفعل يتواصل هؤلاء الشباب مع هذه المنظمات المتطرفة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، فيخططون لعملياتهم الخاصة، وبعضهم يتطوع لتنفيذها بالفعل، وبالتالي يمكننا القول: إن هناك مؤيدين ومتعاطفين وداعمين لهذه التنظيمات المتطرفة، وبهذا  يكون وجودهم في المجتمع مُؤكدًا، حتى وإن لم يعلنوا عن انضمامهم الفعلي للتنظيم أو مبايعتهم، وقد تم القبض على مجموعة من الأفراد في مدينة  "كجرات"، ممن ذهبوا إلى سوريا ثم عادوا للبلاد؛ لتجنيد المزيد".
كما اعتبر قائد الجيش الباكستاني السابق، الجنرال "راحيل شريف"، أنّ تنظيم داعش  يُشكل تهديدًا أكبر من التهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة، قائلًا: "لقد أعلن بعض الأفراد انتماءهم إلى التنظيم، وهذا اتجاه خطير؛ لكن لن يُسمح بأن تخيم ظلال داعش على أرض باكستان، والحكومة حريصة على اتخاذ الإجراءات الممكنة كافة لحماية باكستان من تهديد داعش المحتمل؛ لأنه إذا وصل داعش إلى باكستان، فإن التشدد والإرهاب في المنطقة سوف يسلكان منعطفًا جديدًا، وستتدهور الأوضاع في أقاليم "بلوشستان"، و"خيبر بختون خواه"، و"السند"، وسيؤدي ذلك لإغلاق الطرق التجارية مع إيران وأفغانستان، كما سيؤثرعلى المشاريع الاقتصادية الكبرى في الدولة، وسينعكس هذا بالسلب حتمًا على المجتمع كله".
وكانت حكومة إقليم "بلوشستان" قد أرسلت في وقت سابق تقريرًا سريًّا إلى السلطات الأمنية، تحذرهم من تنامي تأثير التنظيم داخل الأراضي الباكستانية.
من جانبه صرَّح الخبير الأمني الباكستاني، الدكتور "إعجاز حسين"، بأن باكستان تواجه بالفعل تهديد داعش، وإن كان داعش في الوقت الحالي لا يمثل تهديدًا حقيقيًّا، حتى وإن نجحت العناصر التي انفصلت عن الجماعات الإرهابية الأخرى - بما فيها حركة "طالبان باكستان"- في الانضمام إليه.
ووفقًا لما قاله خبير الشئون الأمنية "عامر رانا"، فإن الفكر التكفيري والأنشطة العسكرية لداعش من الممكن أن يكونا مصدر الإلهام بالنسبة للتنظيمات المتطرفة الأخرى.
كما يؤكد الخبراء في باكستان، أن الوضع في سوريا والعراق اختلف كثيرًا بعد أن فقد التنظيم سيطرته على معظم المناطق هناك، ولذلك شرع في البحث عن أماكن أخرى للانتشار، وعمل على تثبيت أقدامه في الشرق الأوسط، وبالتحديد في أفغانستان وباكستان.
وبالفعل خرج علينا الخليفة المزعوم "أبو بكر االبغدادي" قبل وفاته؛ ليعلن عن إقامة ولاية باكستان منذ عدة أشهر، ما جعلنا نتساءل: "هل سيتسبب ذلك في ارتفاع العمليات الإرهابية في المنطقة؟ وهو ما يعني تشكيل تهديد مباشر على أمنها واستقرارها بعد تولي رئيس الوزراء الجديد "عمران خان" منصبه.
وهنا يؤكد مرصد الأزهر أن هذا الوضع لن يُحدِث تغييرًا كبيرًا، فالوضع الحالي في باكستان يختلف تمامًا عن ذي قبل، والعمليات العسكرية الكثيفة، التي شنَّتها القوات المسلحة الباكستانية نتج عنها بالفعل تدمير معظم المعاقل الآمنة للمتطرفين، وباتت المشكلة الحقيقية التي تواجهها الدولة هي ضرورة القضاء على الإرهاب، بوصفه أيديولوجية وفكر راسخ داخل أذهان البعض عن جهلٍ أحيانًا، وعن عمد أحيانًا أخرى.
ويضيف السيد "عامر رانا": " يوجد في باكستان القليل من الجماعات المتطرفة التي ترتبط فكريًّا بداعش". ويتابع: "لقد ضعف التنظيم بالفعل خلال السنوات الأخيرة؛ بسبب الحملات الأمنية التي كانت تُشنُّ ضده، لكنه لم ينته بشكل كامل، وربما يكون الإعلان عن قيام "ولاية باكستان"، عنصرَ جذبٍ وتحفيزٍ لهؤلاء المتطرفين، الذين قلّت لديهم فرص ممارسة أنشطتهم المتطرفة.
 ومن الممكن أن يكون قد تيسرت لـ"ولاية باكستان" المزعومة الموارد البشرية عن طريق الأفراد والمنظمات، التي كانت موجودة من قبل، لكن التغلب على هذا التنظيم سيمثل تحديًا كبيرًا للأجهزة الأمنية؛ فكلما تيَّسرت للجماعات المتطرفة القديمة فرصٌ جديدة، كلما ازدادت قوة عملياتهم، وازدادت العناصر المُنضمة إليهم، وفرص تمويلهم".
لقد بات واضحًا من خلال آراء القيادة العسكرية والمحللين السياسيين في دولة باكستان أن الحرب ضد الإرهاب والتطرف في باكستان لا تزال مستمرة، وتخطو خُطًى ثابتة بهدف القضاء عليه؛ وبالفعل أثبتت الإحصائيات الأخيرة والأخبار التي نرصدها على مدار الساعة أن الحوادث الإرهابية في باكستان انخفضت بصورة ملحوظة.
 ولكن لا يزال التحدي الحقيقي أمام الجميع يتمثل في اقتلاع الإرهاب من جذوره؛ لأن الخطير في الأمر هو الأيديولوجية التي يستند عليها المتطرفون، والإيمان الكامل بها؛ والتي تؤدي في النهاية إلى خسائر فادحة يدفع ثمنها الأبرياء، فإنِ اختلفت المسميات فالإرهاب واحد.  

شارك