طالبان بين نيران قوات الأمن الأفغانية ومفاوضات السلام الأمريكية
الإثنين 25/نوفمبر/2019 - 12:43 م
طباعة
حسام الحداد
أعلن مسؤولون في الشرطة المحلية بأفغانستان الأحد 24 نوفمبر 2019، مقتل 8 مسلحين من حركة طالبان على الأقل جراء الاشتباكات الجارية بإقليم قندوز الواقع شمالي البلاد على مدار الأربعة أيام الماضية، كما لقى 5 مسلحين من الحركة حتفهم، واُلقي القبض على 4 آخرين في عمليات أمنية نفذتها القوات الخاصة الأفغانية في أقاليم فراه وهيرات وكابول.
ونقلت قناة (طلوع نيوز) الأفغانية عن المسؤولين قولهم إن قوات الأمن الأفغانية أطلقت عملية التطهير من 3 جهات للاشتباك مع متمردي طالبان في ضواحي مدينة "قندوز" عاصمة الإقليم، مضيفين أن القوات الأفغانية مدعومة بدعم جوي يقوم باستهداف طالبان.
من جانبهم، قال مسئولون عسكريون إن القوات الخاصة قتلت 5 مسلحين ودمرت مخبأ للأسلحة في منطقة بوشت-إي رود بإقليم فراه، كما ألقت القبض على 3 مسلحين من طالبان ودمرت مخبأ صغيرا للأسلحة خلال غارة مشابهة في منطقة غوريان بإقليم هيرات، فضلا عن مقتل مسلح واحد خلال غارة أخرى في العاصمة كابول.. ولم تعلق الجماعات المسلحة، بما في ذلك حركة طالبان، على هذه الأنباء حتى الآن.
وبعد شهرين على إعلان الرئيس دونالد ترامب، «موت» مفاوضات السلام بين الولايات المتحدة و«طالبان»، أخذت الدبلوماسية مع المتمردين الأفغان تنبعث من جديد، وبالنظر إلى أن الإدارة تفاوضت من قبل حول اتفاق إطار مع «طالبان»، فإن السؤال الرئيسي الذي يواجه واشنطن الآن، هو ما إن كان ينبغي فقط نفض الغبار عن الاتفاق الذي وضع في الرف في سبتمبر الماضي، أم السعي وراء مراجعات جوهرية له؟
وفي محاولة من العربية نت الغجابة عن هذه الأسئلة قد قدمت تقريرا مطولا حول موقف «طالبان» وقالت أن الحركة تشدد على أن النص الذي كتب قبل وقت سابق من هذه السنة «يحتوي على أجوبة على كل المشاكل»، و«لا يحتاج سوى للتوقيع والتطبيق»، والحال أن تحمس «طالبان» للاتفاق إنما يؤكد لماذا ينبغي على البيت الأبيض أن يعيد بحث بنوده.
الشرط لأي اتفاق سلام مقبول مع «طالبان»، ينبغي أن يكون القطيعة التامة والواضحة للحركة مع الإرهاب الدولي، وعلى كل حال، فإن إيواء «طالبان» قبل عقدين من الزمن، عندما كانت في السلطة في أفغانستان، هو الذي سمح بهجمات 11 سبتمبر الإرهابية، ورفض «طالبان» لاحقاً تسليم أسامة بن لادن هو الذي اضطر الولايات المتحدة إلى غزو أفغانستان.
وفضلاً عن ذلك، فإن تجربة عمليات الائتلاف العسكرية الأخيرة في أفغانستان تُبرز أن روابط «القاعدة» مع «طالبان» تظل قوية.
وتحت الاتفاق الذي رُفض في سبتمبر الماضي، بدت «طالبان» مستعدة للتعهد بأن المناطق الأفغانية الخاضعة لسيطرتها لن تُستخدم مرة أخرى لشن هجمات إرهابية على العالم الخارجي.
صيغة تبدو قوية للوهلة الأولى، ولكنها غير كافية عند التمعن فيها، ذلك أن «طالبان» حتى الصيف الماضي كانت ترفض الاعتراف بأن «القاعدة» هي التي ارتكبت هجمات 11 سبتمبر. والحال أنه طالما أن الحركة تنفي الحقائق بشأن أعمال إرهابية سابقة خُطط لها تحت رعايتها، فإنه من المستحيل أخذ تطميناتها بشأن منع هجمات مستقبلية على محمل الجد.
والأهم من ذلك، هو أن تعهد «طالبان» بعدم السماح بهجمات أجنبية انطلاقاً من التراب الأفغاني لا تعالج علاقة الحركة مع «القاعدة» ومتطرفين إسلاميين آخرين، يتمتعون بملاذات آمنة في أفغانستان، وأي اتفاق سلام يتجاهل هذا لن يكون منطقياً، ولهذا، يجب على «طالبان» أن تقطع علاقاتها مع تنظيمات إرهابية محددة في كل مكان، وأن تُظهر من خلال التعاون النشط مع الولايات المتحدة رغبتها في محاربتها.
إن أي اتفاق مع «طالبان» ينص على انسحاب كل القوات الأميركية من أفغانستان ينبغي أن يُرفض، ذلك أنه نظراً لأن وعود «طالبان» بخصوص محاربة الإرهاب غير جديرة بالثقة، فإنه من الضروري أن تُبقي الولايات المتحدة على وسائلها المستقلة، من أجل حماية نفسها من الشبكات المتطرفة، التي باتت تشمل الآن فرع تنظيم «داعش»، في كل من أفغانستان والمنطقة المجاورة.
إن مقايضة الوجود العسكري الأميركي بالتزامات «طالبان» ضد «القاعدة» سيكون أمراً غير حكيم، فتحت هذا الاتفاق، كلما نفّذت الولايات المتحدة نصيبها من الاتفاق، قلّت الحوافز لكي تفي «طالبان» بنصيبها منه، وقلّت قدرة واشنطن على رصد الانتهاكات أو معاقبتها.
ثم إنه إذا كانت «طالبان» صادقة بشأن محاربة تنظيمات مثل «القاعدة»، فلماذا لا ترحّب – على غرار شركاء آخرين للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب حول العالم – بكل المساعدة الدولية التي تستطيع الحصول عليها ضد عدو مشترك؟
إن إلحاح «طالبان» الشديد على رحيل كل الجنود الأميركيين، يشير إلى أن هدفها في مفاوضات السلام ليس هو تحويل علاقتها مع الولايات المتحدة، وإنما طرد قواتها حتى تستطيع لاحقاً إسقاط الحكومة الأفغانية، التي تعتبر حليفاً كبيراً للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب.
وبالتالي، ينبغي على إدارة ترامب التشديد على ضرورة، أن يتضمن أي اتفاق سلام وقفاً لإطلاق النار على الصعيد الوطني الأفغاني بين «طالبان» والحكومة الأفغانية، التي ينبغي أن تبقى قائمة بينما ينكب الطرفان على التفاوض، ولا ينبغي لواشنطن تحت أي ظرف الانسحاب من ساحة المعركة الأفغانية، بينما طالبان ما زالت تعيث فيها فساداً.
وبالطبع، «طالبان» ستقاوم كل هذا، ما يستدعي خطر أن يتخلى التنظيم عن الدبلوماسية كلياً لصالح استمرار العنف، على أمل أن تستسلم الولايات المتحدة في الأخير وترحل.
وهذا بالفعل خطر حقيقي، ولكن الجواب الصحيح ليس هو قبول اتفاق يضر بالأمن القومي الأميركي، ويتخلى عن شريك مهم في محاربة الإرهاب، وبدلاً من ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تتبنى موقفاً عسكرياً دائماً ومستديماً، في وقت يواصل شركاؤها الأفغان النهوض بالعبء الأكبر من القتال، بينما توفّر الولايات المتحدة الدعم الحيوي، وفي الأثناء، تستطيع الدبلوماسية الأميركية المساعدة على تعويض تكاليف ذلك بالنسبة للولايات المتحدة، عبر تأمين قوات إضافية والتمويل من حلفاء عبر العالم.
إن الأميركيين والأفغان متحدون في رغبتهم في السلام، ولكن اتفاقاً سيئاً مع «طالبان» سيكون أسوأ من لا اتفاق البتة، واستناداً إلى ما هو معروف بشأن الاتفاق الذي كان مطروحاً على الطاولة في سبتمبر، فربما حسناً فعل ترامب حين تراجع عن الاتفاق.
وبدلاً من احتضان ذاك الاتفاق من جديد، يجدر بالبيت الأبيض أن يطالب باتفاق أحسن، وأن يؤكد لـ«طالبان» ومتطرفين آخرين في المنطقة، أن الالتزام الأميركي المستمر تجاه حلفائنا الأفغان في مكافحة الإرهاب أمرٌ غير قابل للتفاوض.