«أنس حقاني».. تنازلات واشنطن ترسم خريطة الدم والمحاصصة الأفغانية
الثلاثاء 10/ديسمبر/2019 - 01:39 م
طباعة
نهلة عبد المنعم
بعد أيام من إطلاق سراحه في الصفقة التبادلية للمحتجزين بين حركة "طالبان" والحكومة الأفغانية، والتي مهدت لعودة المفاوضات مرة أخرى، أعلن المتحدث باسم المكتب السياسي للحركة في العاصمة القطرية الدوحة، سهيل شاهين انضمام «أنس حقاني» الأخ الأصغر لقائد شبكة حقاني المتطرفة سراج الدين، والرجل الثاني بها لفريق المفاوضات الجارية حاليًا بين الحركة وواشنطن.
في 19 نوفمبر 2019 أعلنت الحكومة الأفغانية الإفراج عن أنس حقاني، وحاجي مالي خان، وحافظ عبدالرشيد، أعضاء الشبكة، مقابل الإفراج عن الأسيرين الأمريكي كيفين كينج، والأسترالي تيموثي ويكس المحتجزين لدى "طالبان"، بعدما كان أنس يواجه حكمًا بالإعدام لضلوعه في المسؤولية عن جمع الأموال للشبكة وعمله كمستشار لأخيه، في ترتيب أعمال الشبكة المتهمة بتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية.
المفاوض الغائب!
ورجحت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير نشر 19 نوفمبر 2019 أن تشمل عملية الإفراج عن أعضاء شبكة حقاني تعهدات ببقائهم في قطر دون المشاركة في المعارك بالداخل الأفغاني، مشيرة إلى تردد هذه التعهدات في السابق أثناء الإفراج عن خمسة من عناصر طالبان في 2014 ولكنهم انضموا فيما بعد لفريق المفاوضات للحركة مع واشنطن، معبرة عن مخاوفها من تكرار الأمر، وهو ما حدث بالفعل إذ انضم "أنس حقاني"، المفرج عنه حديثًا بعد القبض عليه في 15 أكتوبر 2014 وصدر حكم الإعدام في حقه في 5 سبتمبر 2016، إلى فريق المفاوضات مع واشنطن.
ويعنى هذا أن "أنس" أصبح بريئًا في أعين الحكومة الأفغانية والأمريكية ولم يعد متورطًا في قضايا تودي به إلى الإعدام، إذ لم يكتف المعنيون بتحريره بل انضم لفريق المفاوضين كسياسي يناضل عن قضيته.
والملاحظة الأكثر غرابة في هذا الأمر هو ابتعاد «أنس» عن الساحة السياسية، فمن المفترض أنه كان قيد السجن منذ خمس سنوات، وهو بذلك مفصول عن الواقع على الأرض وتغيب عنه بعض الحقائق والمعلومات والملفات، فهل استطاع مكتب الحركة في قطر إعلامه بكل السياسات التي جهلها لسنوات خلال الأيام القليلة التي أعقبت خروجه، أو بشكل آخر أرادت طالبان إظهار امتلاكها لليد العليا في هذه المفاوضات.
جدلية الأمر الواقع
علاوة على ماسبق، فإن شبكة «حقاني» المرتبطة بتعاون وولاء مشترك لحركة طالبان وتنظيم القاعدة، متهمة بتنفيذ هجمات إرهابية استهدفت المصالح الأمريكية ومنها الهجوم على سفارة واشنطن في كابول، سبتمبر 2011، والهجوم ضد مقر حلف شمال الأطلسي.
كما أن واشنطن أعلنت في مايو 2011 إدراج الجماعة على لائحة الجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى إقرارها مكافأة بقيمة تتجاوز خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تفيد في القبض على زعيمها سراج الدين حقاني، ولكنها الآن ستتجاوز ذلك وتجلس مع شقيقه على طاولة مفاوضات واحدة، وتفترض أنها لا تعلم موقع اختباء زعيم الشبكة ورفاقه، وليس لديها أي معلومات عمن اتهمهتهم في السابق بالإرهاب.
وتفرض سياسة الأمر الواقع على الولايات المتحدة التعامل مع شبكات التطرف في الربع الآسيوي كمفاوضين سياسيين، أو ربما سيمنحها ذلك توسعًا للاتفاق المحتمل فبدلاً من التوافق مع «طالبان» وحدها ومن ثم التعامل معها كضامن لباقي الحركات الإرهابية في المنطقة، أرادت واشنطن إشراك قيادات شبكة «حقاني» في المباحثات لإنهاء الأزمة بشكل كامل دون ترك آثار جانبية كثيرة، أو حتى لخلق منافسة بين التيارات المختلفة.
الإرادة المفرطة لترامب
يبدو مما سبق، وجود إرادة طاغية للإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب لإتمام الاتفاق مع «طالبان» بأي ثمن ممكن وتحت الظروف المتاحة وفقًا لرؤية «طالبان» على الأكثر، وذلك للوفاء بتعهداته الانتخابية السابقة بشأن إنهاء الحرب في أفغانستان وترتيب الأوضاع الداخلية في البلاد، للمزيد حول تنازلات «ترامب» تجاه القضية الأفغانية في إطار المعارك الداخلية لحكومته.. اضغط هنا.
وفي ضوء ما تُقدمه واشنطن حاليًا من تنازلات ممكنة فلم يعد الوضع المستقبلي للبلاد متضحًا بما يكفي، فهل ستكون هناك تيارات سياسية مختلفة تنقل البلاد مما هي فيه من أزمات إلى وضع ديمقراطي مستقر؟، وهل تتم المرحلة الانتقالية بما يمهد لعملية سلام شاملة وحقيقية دون نزاع دموي على السلطة، أو تمدد كيان مسلح يمثل دولة بداخل الدولة، أو على الأقل ضمان عدم خلق نظام سياسي محصحص وطائفي يمنح المناصب الإدارية في الدولة وفقًا للكيانات السياسية