اليمين المتطرف.. رحلة الإرهاب الأبيض من أوروبا إلى آسيا
الثلاثاء 10/ديسمبر/2019 - 01:47 م
طباعة
أحمد سلطان
قبل ستة أشهر، اندلعت احتجاجات في إقليم «هونج كونج» الواقع على الساحل الجنوبى للصين، على مشروع قانون أعدته رئيسة الإقليم يقضى بتسليم المجرمين إلى بكين، لكن تلك الاحتجاجات كانت بمثابة قبلة الحياة التي أحيت اليمين المتطرف في آسيا، بعد سلسلة من التمدد في الولايات المتحدة وأوروبا.
وخلال الاحتجاجات، ظهر عدد من الأشخاص الملثمين وقد نقشت على أجسادهم شعارات اليمين المتطرف التي تستخدمها كتيبة آزوف الأوكرانية، لكنهم أطلقوا على أنفسهم هذه المرة اسم «Gonor».
وتعتبر تلك المرة الأولى التي تكشف فيها كتيبة آزوف وغيرها من المنظمات اليمينية المتطرفة عن وجود أفراد لها داخل آسيا، عبر سلسلة من الصور والفيديوهات التي بثتها على قنوات تابعة لها على تطبيق «تيليجرام» للتواصل الاجتماعي، وتطبيق «انستجرام» للصور.
متطرفو «أوكرانيا» العابرون للحدود
ظهرت كتيبة آزوف للمرة الأولى في عام 2014، كمجموعات قتالية أوكرانية تابعة لوزارة الداخلية، وهدفت تلك الكتيبة إلى قتال الإنفصاليين الموالين لروسيا في جنوب شرقي أوكرانيا، لكن الكتيبة لم تقصر نشاطها على الداخل الأوكراني، فبدأت في توسيع نشاطها متبعةً تكتيكات في التجنيد والانتشار مشابهة لتنظيمي «القاعدة»، و«داعش».
وأنشأت الكتيبة ما عرف بمكتب التواصل الغربي، لتجنيد المقاتلين المقتنعين بأفكار اليمين المتطرف من خارج أوكرانيا، كما أسست معسكرات تدريب على السلاح للشباب وقاعات محاضرات، لترويج أفكارها ونشر أيديولوجيا اليمين المتطرف.
وقالت مجموعة «صوفان جروب» المعنية بالتحليلات الاستخبارية وشؤون الأمن الدولي، إن «كتيبة آزوف» تتبع نفس تكتيكات الجهاديين في التجنيد، مشبهةً مكتب التواصل الغربي بمكتب خدمات المجاهدين الذي أنشأه "عبدالله عزام" في ثمانينيات القرن الماضي، لتسهيل وصول المقاتلين العرب إلى ساحات القتال في أفغانستان، موضحةً أن «آزوف» تتمتع بميزة إضافية وهي قدرتها على التنقل بسهولة داخل أوروبا.
وبحسب «صوفان جروب» فإن المتطرفين اليمينيين ومن بينهم كتيبة آزوف، كونوا خلايا إرهابية عابرة للحدود، وأصبحوا يتنقلون بين الدول ويقيمون صلات مع داعمي أنشطتهم المتطرفة، معتمدين على نفس أساليب الدعاية السوفييتية القديمة التي استخدمتها روسيا خلال الحرب الباردة، كما بدأوا تجنيد الأفراد بالطريقة نفسها التي تعتمد عليها التنظيمات الجهادية، بما فيها من تركيز على الفوضى وتعطيل المجتمع عن طريق أعمال العنف.
ونجحت «كتيبة آزوف» وغيرها من المجموعات اليمينية المتطرفة في تجنيد عدد من الأفراد في عدة دول أوروبية وآسيوية، مستفيدةً من المساحات التي تمنحها بعض الدول لنشاط تلك المجموعات.
وبحسب تقرير سابق لـ«المرجع» فإن منفذ هجوم نيوزيلندا الإرهابي، الذي وقع في 15 مارس الماضي واستهدف مسجدًا للمسلمين في ضاحية كريستيان تشيرش، تدرب قبل تنفيذ الحادث، في أوكرانيا ضمن «كتيبة آزوف».
وظهر «إرهابي نيوزلندا» في الفيديو الذي صوره للهجوم على المسجد، وهو يرتدي سترة واقية من الرصاص تحمل شعار كتيبة آزوف.
من أوروبا لآسيا
لم تكتف المنظمات اليمينية وعلى رأسها «كتيبة آزوف» بالنشاط داخل القارة العجوز، إذ واصلت توسيع شبكاتها العالمية حتى وصلت إلى قارة آسيا وهو ما ظهر جليًا خلال الاحتجاجات الأخيرة في هونج كونج.
وبحسب تحقيق سابق نشره موقع «ذا جري زون» الأمريكي فإن مجموعات متنوعة من اليمينيين سافروا إلى هونج كونج وشاركوا في تدريب المحتجين على تنفيذ الأعمال العدائية ضد قوات الشرطة.
وهاجم المحتجون في هونج كونج عناصر الشرطة باستخدام قنابل المولوتوف، بالإضافة للأقواس والسهام وهو ما أدى لإصابة عدد من أفراد الشرطة.
وبحسب مجموعة "صوفان جروب" فإن الأفراد الذين سموا أنفسهم بـ«Gonor»، هم من العناصر التي تلقت تدريبات عسكرية في أوكرانيا وشاركت في القتال مع كتيبة آزوف، ضد المسلحين الموالين لروسيا.
وشارك أفراد تلك المجموعة في تدريب المحتجين في «هونج كونج» على مواجهة قوات الأمن، وتنفيذ الاعتداءات الإرهابية باستخدام الأسلحة المختلفة.
وأظهرت صور نشرها موقع «ذا جري زون» اثنين من المشاركين في الاحتجاجات في هونج كونج وقد رسمت على أجسادهم عبارات (Victory or Valhalla) والتي تعني «النصر أو الشهادة»، وهي إحدى العبارات المقتبسة من كتابات الإرهابي اليميني ديفيد لاين الذي أسس مجموعة إرهابية داخل الولايات المتحدة باسم«The Order».
وحكم على «لاين» في وقت سابق بالسجن لمدة 190 عامًا في الولايات المتحدة، لكن أفكاره بقيت طليقة إلى أن اعتنقتها مجموعة تسمى «C14» وهي إحدى المجموعات اليمينية ذات الأصول الأوكرانية والمشاركة أيضًا في احتجاجات هونج كونج.
وأوضحت مجموعة «صوفان جروب» أن المجموعات اليمينية تسعى لـ«التمدد» في آسيا عبر إنشاء ما يعرف بـ«حركة الكرامة» وهي تجمع لمتطرفي اليمين الأبيض.
وتعمل «حركة الكرامة» في الفترة الحالية داخل آسيا، كحركة احتجاج وشغب شارعي، وشارك عناصر الحركة في احتجاجات سابقة اندلعت في البرتغال وهولندا والتشيك واليونان وغيرها.
وأشارت المجموعة المعنية بالتحليلات الاستخبارية وشؤون الأمن الدولي «صوفان جروب» إلى أن المتطرفين اليمينيين يسعون إلى استغلال الاضطرابات في البلدان الأخرى لاستقطاب عناصر جدد ولنقل الخبرات والممارسات إلى دول جديدة لنشر الفكر المتطرف.
خطر متزايد.. وحملة للمواجهة
خلال الفترة الماضية، تنبهت الأجهزة الأمنية في دول القارة الأوروبية إلى خطر التنظيمات اليمينية المتطرفة عقب اكتشاف شبكات عابرة للحدود تتبع تلك التنظيمات، في حين بقيت الولايات المتحدة على موقفها من اليمين المتطرف، رغم تنفيذ عناصره لهجمات إرهابية داخل البلاد.
واعتبرت «صوفان جروب» أن «الإرهاب اليميني»، هو الخطر الأكبر الذي يهدد أمن الولايات المتحدة، ويتفوق على خطر التنظيمات الإرهابية الإسلاموية، مشيرةً إلى أن دول أوروبا بذلت جهودًا كبيرة لمواجهة هذا الخطر.
وحاولت الحكومة الأوكرانية، خلال شهر أكتوبر الماضي، تقليم مخالب «كتيبة آزوف» وغيرها من الميليشيات اليمينية المتطرفة، بعد حملة ضغط إعلامية مكثفة، وأطلقت ما سمته بـ«الحملة المناوئة للعسكرة» والتي هدفت للتعرف على عناصر ميليشيات اليمين المتطرف وعزلهم من صفوف الجيش والحرس الوطني، لكن الحملة الحكومية فشلت نتيجة ضغط قائد الفيلق الوطني وهو الحزب السياسي لكتيبة آزوف.
وهددت «كتيبة آزوف» الحكومة بالمقاومة العنيفة ما لم تتوقف عن حملتها لاجتثاث المنظمات اليمينية، وحصلت الكتيبة على دعم من قبل عدد من نواب البرلمان الأوكراني.
وأعلن نواب بالبرلمان الأوكراني نيتهم إرسال خطاب إلى الكونجرس الأمريكي لرفع اسم الكتيبة من قائمة المنظمات الإرهابية، وذلك عقب إدراج وزارة الخارجية الأمريكية لها في أكتوبر الماضي.
أيضًا عمدت الحكومة الألمانية إلى زيادة عدد عناصر الوحدة المكلفة بمكافحة التطرف اليميني في جهاز الاستخبارات الداخلية بنسبة 50% في عام 2019؛ لتقترب من مثيلتها المعنية بشؤون التنظيمات الإرهابية ذات الإيديولوجيا الإسلامية.
وفي بريطانيا زادت عمليات مكافحة الإرهاب اليميني بنسبة 88%، وكلفت الحكومة جهاز الاستخبارات الداخلية MI5 بتتبع أفراد اليمين المتطرف الراغبين في إشعال فتيل الحرب الأهلية بين «البيض وغيرهم».
ومن جانبها دعت مجموعة «صوفان جروب» المعنية بالتحليلات الاستخبارية، الولايات المتحدة الأمريكية لاستغلال الشبكة العالمية لمكافحة الإرهاب والتي تم إنشاؤها على مدار
السنوات العشرين الأخيرة مع حلفاء واشنطن؛ لتبادل المعلومات حول التنظيمات الإرهابية، ومكافحة الإرهاب اليميني، معتبرةً أن خطره يفوق خطر تنظيمي القاعدة وداعش.