داعش في النيحر.. تداعيات إرهابية ودلالات سياسية
الأربعاء 18/ديسمبر/2019 - 03:36 م
طباعة
د. كمال حبيب
أسفر الهجوم الدامي الذي استهدف معسكر «إيناتيس»، غرب النيجر قرب حدود مالي، عن مقتل 71جنديًّا نيجريًّا، ويعد الهجوم الأكثر دموية في تاريخ النيجر منذ امتداد العمليات المسلحة إليها عام 2015، وقد تبناه تنظيم داعش الإرهابي وفق مرصد «سايت» الأمريكي –وقال: إنه قتل مائة جندي، بينما أعلنت وزراة الدفاع النيجري أن القتلي 71، بينما أصيب 12 آخرين، ويعبر الهجوم عن تطور في أدوات التنظيم الإرهابي، بينما يعكس إخفاقا مشينا للجيش النيجري، فالتنظيم يمارس حرب العصابات، عبر الكمائن المزدوجة التي يتم فيها استخدام المدفعية، والسيارات المفخخة، ويشارك فيها أعداد كبيرة من المنتسبين المدربين من أعضاء التنظيم، تشير المعلومات إلي أنهم بلغوا مائة شاركوا في هذا الهجوم القاسي المرعب، كما أنهم استخدموا -وفق وزارة الدفاع النيجري - عنفًا نادرًا، لم يستطع أحد إيقافه أو منعه.
يعد الهجوم تطورًا نوعيًّا على قاعدة عسكرية، استمر لساعات طويلة، وهو ما يطرح علامات استفهام جادة، حول إستراتيجية مكافحة الإرهابيين التي تزداد هجماتها جرأة، ويقود إستراتيجية المكافحة قوات فرنسية ضمن ما يُعرف باسم العملية «برخان»، والتي بدأت في أغسطس عام 2014، بالتعاون مع خمس دول في منطقة الساحل والصحراء تُعرف بـ«جي 5 الساحل»، ومركز تلك القوات في نجامينا العاصمة التشادية ، ويبلغ عددها 4500 جندي.
التداعيات والآثار
قطع رئيس النيجر، محمدو يوسوفا فورا زيارته إلي مصر؛ حيث كان يشارك في مؤتمر دولي حول السلام والأمن والتنمية، وعاد إلى بلاده؛ حيث ترأس اجتماعًا لمجلس الأمن الوطني، وعقدت دول «جي 5 الساحل»، وهي «موريتانيا ومالي وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو» اجتماعًا طارئًا كان مقررًا عقده في «واجادوجو»، إلا أنه عقد في «نيامي»؛ تضامنًا مع الصدمة المروعة التي أحدثها هجوم داعش الإرهابي، وتمت مجريات القمة الطارئة على عجل؛ لينتقل رؤساء دول الساحل الخمس إلى اجتماع مغلق لم تعرف أجندته، بينما تأتي فعالية القوة الفرنسية ونجاعة خططها في مواجهة الإرهاب على قائمة الموضوعات، وأهمية خوض الجيوش المحلية للمعركة مع الإرهابيين بدلًا من الاعتماد على الحلفاء الذين يتعاملون بتعال مع الدول التي تقبل بوجودهم على أراضيها ومشاركتها معركة الإرهاب .
ألغت الرئاسة الفرنسية القمة التي كانت مقررًا عقدها مع دول الساحل الخمس، في منتصف الشهر الجاري «ديسمبر 2019» بناءً على مكالمة هاتفية بين الرئيس الفرنسي والنيجري، وتحدد موعد لها يوم 13 يناير عام 2020، بعد التشاور وموافقة قادة دول الساحل؛ حيث ستعقد في جنوب غرب فرنسا في «بو»، القاعدة الفرنسية لأغلب الطيارين الفرنسيين الـ13 الذين قُتلوا في نوفمبر جراء اصطدام مروحيتين ، وكان الرئيس الفرنسي تعامل بطريقة غير لائقة مع دول الساحل، حين دعاهم في مؤتمر صحفي، عُقد على هامش قمة للناتو ، للقمة التي أُلغيت بقوله: فليأتوا إلينا، وليوضحوا لنا هل هم بحاجة إلينا أم لا؟ هل يريدون وجودنا أم لا؟ ننتظر منهم توضيحات وإجابات واضحة وحساسة حول هذه الأسئلة، وكان مصرًا على استمرار العملية «برخان»، فيما اعُتبر كأنه نوع من الاستعمار الجديد .
الدلالات والأبعاد :
1- يبدو أن تنظيم داعش يبحث لنفسه عن نطاق بديل لنشاطه عقب فقدانه لمركزه الرئيسي في العالم العربي في العراق وسوريا، وتعد منطقة الساحل والصحراء المكان الأكثر نموذجية لنقل نشاطه إلى هناك، كما يبدو أن التنظيم يتمدد ويثبت وجوده عبر التفاعل مع القوى القبلية والمحلية، وعبر قدرته على تقديم نفسه باعتباره القوة الرئيسية في المنطقة، وهو ما حجم من نفوذ القاعدة في تلك المنطقة التي كانت مجالًا تقليديًّا لنشاطها، ومن الواضح أن هناك عمليات انتقال واسعة من القاعدة إلى داعش.
2-تشير العملية الأخيرة، إلى خطر تمدد التنظيم إلى البلدان المجاورة لدول الساحل، خاصةً نيجيريا، وقد يمتد حتى يصل ليبيا والشرق الأوسط، وهو ما نبه إليه وزير الخارجية الفرنسي إلى أن الإرهاب دائم في منطقة الساحل وهناك، مجموعات جديدة إرهابية تتشكل تمثل قوسًا، قد يمتد إلى الشرق الأوسط، عبر ليبيا .
3-تري فرنسا ضرورة توسيع المشاركة في محاربة الإرهاب في منطقة الساحل بانخراط الدول الأوروبية فيها بما في ذلك حلف الناتو نفسه، وهناك قوة للأمم المتحدة وقوة أمريكية موجودة، إضافةً إلى أن دول الساحل الخمس تسعى لتشكيل قوة محلية، قوامها خمسة آلاف جندي، لكنها لا تزال عاجزة وحدها عن مواجهة قوة تنظيم تتعاظم بشكل لا يتوقف .
4-يريد التنظيم أن يثبت أنه لا يزال قادرًا علي تنفيذ عمليات كبيرة بعد مقتل زعيمه، أبي بكر البغدادي، وإن كان يمكن تفسير قوة العملية في النيجر إلى أن مجموعات الساحل التي يقودها «أبو الوليد الصحراوي »، تعبر عن فعالية وجودها، وإثبات ذاتها في مواجهة ما اعتبرته بيعة مجهلة «لزعيم التنظيم الجديد »، «أبو إبراهيم الهاشمي القرشي»، ولا يعني ذلك انفصالها عن التنظيم، وإنما إثبات مكانتها الرمزية ذات الطابع المحلي، كولاية هي التي تمثل القوة الرئيسية في منطقة الساحل والصحراء .
5-تصريحات وزير الخارجية الفرنسية«جان إيف لودريان»، لم يشر فيها إلى الخطر الذي يتهدد أوروبا وفرنسا، ولكنه أشار إلى دول أفريقيا التي ينشط فيها التنظيم، وأشار إلى ليبيا، وهو ما يعني أن البوابةالجنوبية لأوروبا، تقع تحت قبضة التنظيم، ومن ثم فإنه بإمكان المجموعات الداعشيه التي تتعاظم قوتها في الساحل أن تتمدد وترسل مقاتلين إلى أوروبا، عبر ما يعرف في أدبيات التنظيم بالخلايا النائمة والمناطق الرخوة، التي لا تزال هدفًا لإرهاب التنظيم.