بوابة بلجيكا.. هكذا تحولت عاصمة الاتحاد الأوروبي إلى معبر إرهابي عالمي

الأحد 22/ديسمبر/2019 - 12:03 م
طباعة بوابة بلجيكا.. هكذا علي عبد العال
 
بالرغم من أنَّ بلجيكا واحدة من أصغر بلدان أوروبا الغربية، فإنها باتت تعد أكبر مصدِّر أوروبي للجهاديين في سوريا والعراق، مقارنة بعدد سكانها؛ فوفقًا لتقديرات شبه رسمية تم الوقوف على هوية أكثر من 500 مواطن بلجيكي في صفوف الجهاديين.. ومن بين هؤلاء 269 يقاتلون في ساحات المعارك.
في الطريق للصراع
وبينما عاد أكثر من مائة إرهابي إلى بلجيكا، فإن هناك 6 يُعتقد أنَّهم في طريقهم إلى مناطق الصراع؛ وهؤلاء من بين 59 حاولوا مغادرة البلاد لكنَّهم مُنعوا عند الحدود.
ووفقًا لبيانات كان قد أعلنها وزير الداخلية، يان جامبون، في فبراير 2016 فإن 197 من الإرهابيين من سكان بروكسل، وينتمي 195 آخرين إلى منطقة الفلاندرز.
ومنذ مارس 2016 تعيش بلجيكا حالة من الاستنفار الأمني، بعد سلسلة من الهجمات نفذتها خلية تابعة لتنظيم «داعش» ضربت مطار العاصمة بروكسل ومحطة مترو الركاب، وراح ضحيتها 32 قتيلا إضافة إلى 250 جريحًا.
وفي نوفمبر 2015 شنت مجموعة أخرى من الجهاديين يعيشون في بلجيكا هجمات على العاصمة الفرنسية باريس، وراح ضحيتها 132 شخصًا.
هجمات بروكسيل
ووصف مسؤولون بلجيكيون اليوم الذي شهد هجمات بروكسل بأنه أسوأ يوم مر على بلجيكا منذ الحرب العالمية الثانية. وأن ما وصفوه بـ"مذبحة بروكسل" كشفت أن بلجيكا أصبحت مركزا للإرهاب في أوروبا وبات يتسلل عبرها من معاقله الحصينة في سوريا والشرق الأوسط إلى أعماق أوروبا.
وبحسب تقارير محلية فإن عدد الارهابيين الأجانب مقابل كل مليون نسمة من مواطني بلجيكا يظهر أن بها 42 جهاديا لكل مليون من مواطنيها، وهي أعلى نسبة في العالم وضعف النسبة الفرنسية.
ونوهت هذه التقارير إلى أن بلجيكا التي لا يزيد تعداد سكانها عن 11.2 مليون نسمة لها أكثر من 500 مقاتل من مواطنيها يحاربون في سوريا منذ 4 أعوام، وهو ضعف رقم مواطني الولايات المتحدة.. كما يعتقد أن العشرات من البلجيكيين الذين كانوا يقاتلون في صفوف داعش رحلوا مرة أخرى إلى بلجيكا.
وتزداد الأمور تعقيدا في ظل صعوبات تواجهها الدولة في تعقب الارهابيين وليس أدل على ذلك من أنها لم تستطع ضبط صلاح عبدالسلام إلا بعد 4 أشهر من تنفيذه هجمات باريس رغم اختبائه في منزل بحي مولينبيك في بروكسل العاصمة بالقرب من مقر إقامته.
الخلية
وبناء على ذلك بات ما يعرف إعلاميا بـ«خلية بروكسل» التابعة لداعش، وهي مجموعة من الأشخاص ارتبطت أسماؤهم بشنّ الهجمات في العاصمتين الفرنسية والبلجيكية بين عامي 2015 و 2016، فضلًا عن هجمات أصغر حجمًا في أنحاء متفرقة من الاتحاد الأوروبي. ومن أعضاء الخلية: عبدالحميد أبا عود، صلاح عبدالسلام (منفذو عملية باريس)، وكل من: إبراهيم البكراوي، وخالد البكراوي، ونجم العشراوي، ومحمد أبريني، وأسامة كرايم، (المشتبه بهم في أحداث بروكسل)، ومشتبه بهم آخرون.
وتشهد بلجيكا من وقت لآخر تهديدات خاصة في ظل عودة الارهابيين ، كما تعرضت البلاد لهجمات استهدف بعضها عسكريين أو شرطيين.
ففي 25 أغسطس 2017 هاجم رجل من أصل صومالي جنودا بالسكين وأصاب أحدهم بجروح في قلب بروكسل قبل أن يقتل برصاص قوات الأمن. وفي أواخر مايو 2018 قتل رجل ثلاثة أشخاص بينهم شرطيان في مدينة لييج، شرق بلجيكا، قبل أن يحتجز رهينة ويُقتل بدوره برصاص قوات الأمن. وأشار مدعي لييج، فيليب دوليو، في مؤتمر صحافي إلى إصابة "العديد" من الشرطيين بجروح خلال عملية احتجاز الرهائن، قبل أن يقتلوا المهاجم بالرصاص. وقد تبنى تنظيم داعش الهجوم.
وفي أغسطس 2015، أطلق مسلح النار وطعن بعض المسافرين على متن قطار فائق السرعة في طريقه من أمستردام إلى باريس عبر بروكسل، قبل أن يتعرض له الركاب.
وفي مايو  2014، هاجم رجل مسلح متحف يهودي في بروكسل، مما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص.
وفي يونيو  2012 اعتقلت قوات الأمن عشرة أشخاص ينتمون إلى جماعة "الشريعة فور بلجيوم" أو "الشريعة من أجل بلجيكا" التي تدعو إلى تطبيق الشريعة الاسلامية في هذا البلد الأوروبي. اعتقلتهم خلال مواجهات بينهم وبين قوات الأمن وقعت في ضاحية «مولينبيك -سان جان»، شمال العاصمة بروكسل بعد اعتقال شابة مسلمة ترتدي النّقاب. حيث تجمع أكثر من مئة من الشبان الملتحين تضامناً مع المنقبة ستيفاني دجاتو (25 سنة) التي رفضت طلب الشرطة كشف وجهها في الشارع. وعلى إثر ذلك حذر جهاز أمن الدولة من ألف سلفي يهددون الاستقرار.
وتعتقد السلطات أن نشاط جماعة "الشريعة من أجل بلجيكا" ممتد إلى خارج البلاد وأن اسمها مرتبطا بعدد من الهجمات. من بينها، هجمات مدريد في عام 2004. وأن لها نشاطا في تجنيد المسلمين الإوروبيين وإرسالهم إلى العراق وسوريا للانضمام إلى تنظيم “داعش”. وقد تم حظر الجماعة مؤخرا، والقي القبض على زعيمها، المغربي فؤاد بلقاسم، و45 قيادياً ، وتمت محاكمتهم بتهمة دعم تنظيم “داعش”  وتجنيد الشباب له.
بلجيكا لديها أيضا العديد من المواطنين الذين سافروا لدعم التنظيمات الجهادية في الشرق الأوسط. وهي من أعلى البلدان الأوروبية نسبة في أعداد المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق اعتبارًا من يناير 2015. 
ويتردد إعلاميًّا أنه بسبب تراخي أمني أصبحت بلجيكا مركزًا للتجنيد الإرهابي والأنشطة المسلحة.
وكان القضاء البلجيكي قد بدأ في العام 2015 النظر في قضية حملت اسم «الشبكة السورية» وركز على الكشف عن حملة جرت بين عامي 2011 و2014 لتجنيد مرشحين في بلجيكا للقتال في سوريا، وحوكم نصف المتهمين غيابيًّا.
وفي فبراير 2017 قضت محكمة بالحكم على حكيم الوساكي (24 عامًا) بالسجن لمدة 28 عامًا لارتكابه جريمة قتل في سوريا. وكان الوساكي عضوًا في مجموعة مقرها (انفير) وتم حلها في 2012؛ إثر مطالبتها بإقامة ما أسمته «دولة إسلامية» في بلجيكا وإرسالها العديد من الإرهابيين   إلى سوريا والعراق. وتوجه الوساكي بنفسه في تشرين الأول/ أكتوبر 2012 إلى سوريا حيث انضم إلى مجموعة مسلحة.
وفي 29 نوفمبر 2019 أعلنت السلطات اعتقال مواطنتين من تنظيم "داعش" إثر وصولهما العاصمة بروكسل قادمتين من تركيا؛ حيث تم ترحيلهما من هناك. وقالت النيابة العامة إن "فاطمة.ب" و"راما.ب" وصلتا إلى مطار بروكسل على متن رحلة مجدولة؛ حيث قام مكتب الإرهاب في الشرطة الفيدرالية باعتقالهما ونقلهما إلى سجن في مدينة أنفرس. وأصدرت محكمة حكما بسجن المواطنتين 5 أعوام بتهمة المشاركة في أنشطة تنظيم "داعش".
وأوائل ديسمبر 2019 أمرت محكمة في بروكسل، الحكومة البلجيكية، بالمساعدة في جلب 10 أطفال ولدوا في سوريا لبلجيكيين من مسلحي تنظيم داعش إلى البلاد. وقالت المحكمة إن الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين 7 أشهر و7 سنوات، يجب جلبهم إلى بلجيكا. ويقبع هؤلاء الأطفال في مخيم الهول للاجئين، شمال شرقي سوريا، وفق ما ذكرت.
وفي سبتمبر  2013 قالت وسائل الإعلام البلجيكية: إن أعدادًا من الراديكاليين البلجيكيين يقاتلون في صفوف حركة «الشباب المجاهدين» الصومالية التي أعلنت وقتها مسؤوليتها عن هجوم دامي على سوق تجارية في العاصمة الكينية نيروبي.
وفي مارس  2015 أدانت المحكمة الجنائية في بروكسل الفرنسي رشيد بنعمري (46 عامًا)، وأصدرت ضده حكماً بالسجن 18 عامًا لقيادة مجموعة ضمن حركة «الشباب» التي كان عضوًا فيها منذ 2011. وخلال جلسات المحاكمة –حيث كان بنعمري يقضي فترة العقوبة في قسم مخصص للمتطرفين داخل سجن «إيتر» البلجيكي- جرى الكشف عن مشاركته في تجنيد أعداد من الشباب البلجيكي وبعدها شكّل بنفسه خلية سافر بها إلى الصومال.
محكمة بنعمري
وفي أثناء جلسات محاكمة بنعمري، أُدين متهمان آخران بـ«الانتماء» إلى المنظمة المسلحة، وهما البلجيكي مصطفى بويحبارن، والجزائري محمد السعيد. وكان المتهمان معتقلان في كينيا وطلبوا إعادة محاكمتهم بعد طردهم إلى بلجيكا.
واعتُقل الثلاثة في كينيا في الرابع من يوليو 2013 لدى عبورهم الحدود قادمين من الصومال. وقال المدعي العام جان مارك تريغو، إن «رشيد بنعمري ينفي أن يكون قياديًّا، ربما ذلك صحيح لكن باعتباره مَن نظَّم الرحيل إلى الصومال يجب أن يُنظر إليه كقيادي وليس مجرد عضو في شبكة إرهابية». وأقر مصطفى بويحبارن ومحمد السعيد أمام القضاة بأنهما تلقيا تدريبات في معسكرات حركة «الشباب» لكنهما نفيا المشاركة في المعارك.
وفي إطار التعامل مع المسألة الجهادية، شكلت بلجيكا جهازاً أمنياً جديداً يضم عناصر من الشرطة والاستخبارات وأمن الدولة لمراقبة أنشطة الجهاديين.
وبهدف مراقبة جيدة لمن يُطلق سراحهم من السجون البلجيكية ممن انتهت مدة عقوبتهم، فقد تم تشكيل ما يعرف بفريق "العمل الداخلي" على مستوى بلجيكا، وله 14 فرعاً في أنحاء متفرقة، ويضم أشخاصاً يعملون في أجهزة الشرطة والاستخبارات الداخلية وأمن الدولة ومركز تحليل المخاطر الإرهابية.
وفرض قانون صدر في 30 يوليو  2018 تعيين مسؤول عن مواجهة التطرف داخل كل بلدية في بلجيكا، وخبير محلي معين إما في إدارة الوقاية أو الأمن أو في إدارة الخدمات الاجتماعية. ويتعيّن على الأول تطوير النهج الأمني، والثاني تطوير نهج يتعلق بكيفية التعامل مع الأفراد والجاليات داخل المجتمع البلجيكي.
ومن حيث النسب المئوية، يعيش في بلجيكا واحد من أكبر تجمعات السكان المسلمين في أوروبا الغربية. وفي العاصمة بروكسل التي يعيش فيها نصف مسلمي بلجيكا تقريبًا يبلغ عدد المسلمين أكثر من 300,000 مسلم، أو ما يقرب من 25% من سكان العاصمة، الأمر الذي يجعل بروكسل واحدة من أكبر المدن الإسلامية في أوروبا. ويعيش نحو 100,000 مسلم في بلدية مولنبيك في بروكسل، التي صارت مركزًا للحركة الجهادية البلجيكية.
يذكر أنه- وبحسب دراسة أجراها مركز (بيو)- إن نسبة المسلمين في بلجيكا أكثر من 6.2% من مجموع السكان.

شارك