استهداف اللواء47.. الوجود الايراني في سوريا بين استراتيجية طهران ورفض القوى الإقليمية والدولية
بات استهداف الميليشيات الايرانية في سوريا، أمرا اعتياديا دون رد حقيقي من إيران تجاه المعتدين على قواتها، في وقت تؤكد فيه التقارير إن القوات الايرانية غير مرغوب فيها من قبل الشعب السوري بالاضافة إلى اللاعبين الاقليميين والدوليين في الملف السوري.
“اللواء 47″
واستهدفت تلك الصواريخ مقر “اللواء 47″ التابع لـ” للميليشيات التابعة لإيران” في وسط مدينة البوكمال بريف دير الزور الشرقي. كما استهدف القصف مواقع أخرى في المنطقة ذاتها، كما أسفر القصف عن مقتل 5 من تلك الميليشيات .
ورصد المرصد السوري لحقوق الإنسان، مساء الأربعاء، انفجارات عدة ضمن المناطق التي تتواجد فيها الميليشيات الإيرانية بريف دير الزور الشرقي بالقرب من الحدود العراقية. وأفادت مصادر لـ”المرصد السوري”، بأن الانفجارات نتيجة قصف مجهول المصدر تضاربت المعلومات حول ما إذا كان عبر طائرات مسيرة أو نتيجة صواريخ بعيدة المدى.
واستهدف القصف مقراً يتبع للميليشيات الإيرانية يقع في حي الجمعيات بمدينة البوكمال، كما دوت انفجارات في بادية الجلاء بريف البوكمال، دون ورود معلومات عن حجم الخسائر.
وتشهد دير الزور رفضا شعبيا لتواجد القوات الايرانية والميليشيات الطائفية الموالية لها، حيث خرجوا أهالي ريف محافظة دير الزور السورية في تظاهرات تطالب بانهاء التواجد الإيراني في سوريا.
وطالب المتظاهرون باستعادة البلدات والقرى بإيقاف تمدد الإيرانيين في دير الزور، رافضين أي أشكال التفاوض مع الحكومة السورية والقوات الروسية.
وفقا لناشطين سوريين معارضين للنظام، تسيطر إيران ووكلاؤها حاليا على سبع بلدات على الأقل على الجانب الشرقي من نهر الفرات الممتد جنوب مدينة دير الزور، من الميادين إلى البوكمال. ويشمل ذلك سلطة عسكرية كاملة وإدارة تنفيذية يمارسها ما يقرب من 4500 عنصر مسلّح، بعضهم من “الحرس الثوري” الإيراني والبعض الآخر من ميليشيات شيعية مثل “لواء الباقر”، و “كتيبة الفاطميون”، و “الحشد الشعبي”، ومختلف الجماعات التي تطلق على نفسها “حزب الله السوري”.
وكان تواجد هذه العناصر قد أضعف بشكل كبير الدور المحلي لميليشيات “قوات الدفاع الوطني” التابعة لنظام الأسد، ويُعزى ذلك جزئيا إلى انعدام ثقة “الحرس الثوري” الإيراني بقدرات هذه القوات، ولكن أيضا بسبب خطة طهران الطويلة الأمد لتعزيز نفوذها الخاص.
استراتيجية وخرطية التغلغل الإيراني
وتم تعزيز مركز دير الزور في تحقيق الأهداف الدينية والاستراتيجية لإيران في يوليو الماضي، عندما زار قائد “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري الإسلامي” قاسم سليماني مدينة البوكمال شخصيا.
وهناك التقى مع قادة مليشيات من أجل تأسيس وحدة جديدة تحت اسم “لواء حراس المقامات”، التي ستُكلَّف بالدفاع عن المقامات الشيعية التي بنيت مؤخرا في دير الزور.
ومن خلال بناء مقامات شيعية جديدة في مواقع مقدسة قديمة أو على مقربة منها، كان قد سبق لسلالات سنية أن أسستها، يسعى “الحرس الثوري” إلى تشكيل شرعية دينية محلية. وسوف تتماشى هذه المهمة بشكل جيد مع العديد من المنظمات الإنسانية التي أنشأتها إيران في المحافظة، والتي تُعرِّف السكان المحليين على العقائد الشيعية في أثناء توزيع المساعدات عليهم.
وفي الوقت نفسه، تقوم إيران ببناء قاعدتين عسكريتين جديدتين في المنطقة: إحداهما في الضواحي الغربية لمدينة الميادين، والأخرى أكبر حجما في البوكمال أُطلق عليها اسم “الإمام علي”. ويتمّ بناء القاعدتين بالتعاون مع “جهاد البناء” و”منظمة الإمام الحسين”، وهما مؤسستان ترعاهما إيران ولهما فروع في مدن دير الزور، الميادين، والبوكمال. وستعزز هاتين المنشأتين هدف طهران المتمثل في السيطرة على طريق استراتيجي رئيسي: من البوكمال شمالا إلى محطة ضخ النفط في الميادين “تي-2″؛ ومن ثم غربا إلى التياس التي تضّم محطة الضخ/القاعدة الجوية السورية “تي-4″؛ وأخيرا إلى سهل البقاع في لبنان، المعقل الرئيسي لـ “حزب الله”.
وخلصت دراسة للباحث بعنوان زياد عواد"إيران في دير الزور: الاستراتيجية والتمدّد وفرص التغلغل" إلى أن إيران تعتمد في سياساتها المحلية في محافظة دير الزور، على جملةٍ من أدوات وأساليب عسكرية متكاملة، تطبّقها عبر الميليشيات التابعة لحرسها الثوري. توفّر هذه الميليشيات الحماية اللازمة لأنشطة إيران المدنية الخيرية، التي تهدف إلى منح دورها وأدواتها العسكريَّين ما يفتقران إليه من شرعيّة.
وأوضحت الدراسة أن إيران تستغلّ في تلك السياسات ضعف النظام في استمالة مسؤولين محليين كبار، فتعمل على تسخيرهم في خدمتها، وعلى استمالة فاعلين محليين ونخبٍ إلى شبكاتها المتنوّعة، التي تستوعب أيضاً أشخاصاً طامحين أقلّ أهمية، سعياً منها إلى تحقيق وصولٍ أوسع وأعمق إلى المجتمعات المحلية. كذلك تستغلّ إنهاك هذه المجتمعات واستنزاف طاقتها، في توسيع مجالات حضورها العام في مختلف الجوانب، ولا سيما الديني منها، حيث أطلقت دعوات تشيٍّع بدأت تحصد بعض التقدّم.
وقالت :"لكن كل هذا النفاذ السهل في عمق السلطة ونسيج المجتمعات، لن يغيّر وجه هذه الأخيرة، إذ تبرز عوائق جذرية أمام الدور الإيراني، تحدّ من نفوذه: التباين المذهبي الذي يتغذّى على حالة احتقان طائفي سنّية - شيعية مزمنة؛ والتدخّل الإسرائيلي المدعوم من القوات الأمريكية من مواقع انتشارها شرق الفرات؛ وعرقلة القوات الروسية لهذا الدور ولو قليلاً؛ وأخيراً العقوبات الأمريكية التي بدأت تترك بعض التأثيرات المباشرة على القدرات الإيرانية في دير الزور".
وأوضحت أن التغلغل من الأعلى في حلقات الحكم العليا في دمشق، والاختراق الذي تحقّق في نسيج المجتمعات السورية، والانتشار العسكري الواسع على الأرض، يهيّئ لإيران فرصة البقاء الطويل في سوريا، ودير الزور ضمناً، خصوصاً لما تشكّله هذه الأخيرة من أهميةٍ استراتيجيةٍ لإيران، بقاء لن تجتثّه إلا تغييرات جذرية، سواء أكانت سياسيةً مع تغيير النظام في دمشق، أم عسكريةً تقتلع التوطّن الإيراني على الأرض.