تركيا وقطر وتفجيرات مقديشيو
الإثنين 30/ديسمبر/2019 - 01:11 م
طباعة
حسام الحداد
ردا على تفجيرات مقديشيو شنّ الجيش الأميركي أمس الأحد 29 ديسمبر 2019، 3 غارات جوية في الصومال استهدفت حركة «الشباب»، وأدت إلى مقتل 4 من عناصرها، حسبما أعلنت الولايات المتحدة، غداة اعتداء أدى إلى مقتل 79 شخصاً على الأقل في مقديشو.
وقالت القيادة العسكرية الأميركية لأفريقيا (أفريكوم) في بيان، إن «هذه الضربات الجوية الدقيقة استهدفت عناصر في حركة الشباب مسؤولين عن أعمال إرهابية ضد مواطنين صوماليين أبرياء بالتنسيق مع (تنظيم) القاعدة».
وأضاف البيان: «بالتنسيق مع الحكومة الفيدرالية الصومالية، نفذت القيادة الأميركية في أفريقيا في 29 ديسمبر (كانون الأول) 3 غارات جوية في موقعين، مستهدفة عناصر في حركة الشباب»، مشيراً إلى أن الضربات استهدفت موقعَي كونيو بارو وكاليو بارو.
وقُتل 79 شخصاً على الأقل وجرح العشرات بتفجير سيارة مفخخة أول من أمس (السبت)، في منطقة مكتظة بمقديشو، عاصمة الصومال. وبين القتلى 16 على الأقل من طلاب جامعة بنادر كانوا في حافلة لدى وقوع التفجير عند تقاطع مكتظ في جنوب غرب العاصمة.
ومنذ عام 2015، شهد الصومال 13 هجوماً أسفرت عن مقتل 20 شخصاً أو أكثر، وقع 11 منها في مقديشو، بحسب حصيلة أعدتها وكالة الصحافة الفرنسية. وتمت كلها باستخدام سيارات مفخخة. ووقع الهجوم الأكثر دموية في تاريخ البلاد في أكتوبر 2017 في مقديشو وأسفر عن مقتل 512 شخصاً وإصابة نحو 295 بجروح.
ومنذ أسبوعين، شنّت حركة الشباب هجوماً استهدف فندقاً في العاصمة يرتاده مسؤولون سياسيون وضباط ودبلوماسيون، ما أدى إلى مقتل 5 أشخاص. ومنذ أبريل 2017، كثفت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية بعد توسيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب الصلاحيات المعطاة للجيش الأميركي لجهة شنّ عمليات عسكرية جوية أو برية، في إطار مكافحة الإرهاب. وفي أبريل الماضي، أعلنت القيادة الأميركية لأفريقيا أنها قتلت 800 شخص في 110 ضربات جوية منذ أبريل 2017 في هذا البلد الواقع في القرن الأفريقي.
وفور وقوع الهجوم أعلنت الخارجية التركية، السبت 28 ديسمبر 2019، مقتل مواطنين تركيين في تفجير مقديشيو الذي راح ضحيته 90 قتيلاً، بينهم عشرات الطلاب، لكن مسؤولين أمنيين صوماليين أكدوا أن عدد القتلى الأتراك في التفجير بلغ 4 أشخاص.
وقال عبد الرحمن عبد الشكور، زعيم حزب ودجر المعارض، " إن القتلى الأتراك مهندسون يعملون ضمن شركة تركية تقوم ببناء الطريق الذي يربط بين أفجوي والعاصمة مقديشيو، مضيفاً أنه طريق بدأت الشركة التركية تنفيذه اعتباراً من يوليو/تموز الماضي لربط العاصمة بأفجوي ضمن مشروعات قطرية لبناء طريقين في جنوب البلاد، بتكلفة تصل إلى 200 مليون دولار.
من جانبه، أكد عبد الله محمد علي الشهير بسنبلولوشي، مدير الاستخبارات الصومالية السابق، أن الأتراك الذين قتلوا في التفجير، يعملون في الشركة التركية التي تتولى بناء طريق أفجوي، مفجراً مفاجأة أخرى وهي أن هؤلاء الأتراك كانوا هدفاً لهجمات واغتيالات سابقة ونجوا منها.
وأضاف قائلا لـ "العربية.نت": "على حد علمي هؤلاء الأتراك لم يشتبه بأنهم ضباط مخابرات، ولكنهم مهندسون ومقاولون يتولون تنفيذ وبناء الطريق الممول من الصندوق القطري للتنمية".
واتهمت السلطات الصومالية حركة الشباب الإرهابية بتنفيذ التفجير، وقدم الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، في خطاب متلفز تعازيه إلى أهالي الضحايا، واصفاً حركة الشباب بأنها مجموعة إرهابية تعمل لصالح منظمات إرهابية دولية.
وأضاف فرماجو أن ضحايا التفجير أناس بسطاء كانوا في طريقهم إلى العمل وطلبة كانوا في الطريق إلى مؤسساتهم التعليمية، مشيراً إلى أن هدف حركة الشباب هو إرهاب الشعب.
والجميع يعرف الدول التي تدعم الإرهاب في الصومال، وهي حكومة الرئيس «الإخواني» السابق للسودان عمر البشير، ودولة تركيا، وقطر، بالتعاون مع جماعة «الإخوان» وتنظيم «القاعدة» وغيرها من التنظيمات بمختلف المسميات.
أما الدور القطري فمعروفٌ أيضاً ويكفي التسجيل الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، والذي يثبت بما لا يدع مجالاً للشك دعم قطر لتنظيم «حركة الشباب» الصومالية في تنفيذ العمليات الإرهابية البشعة ضد المواطنين الصوماليين وضد الدولة الصومالية.
أما تركيا، فهي كثفت جهودها على إنشاء أكبر قاعدةٍ عسكرية تركية خارج تركيا في الصومال لا لحماية الدولة والشعب الصومالي بل لمصالح توسعية تركية تسعى من خلالها لمحاصرة الدول العربية ودول الخليج تحديداً بقواعد عسكرية واحدةٌ في الصومال وأخرى في قطر، وثالثة كانت تنوي بنائها في جزيرة سواكن بالسودان قبل أن يسقط نظام البشير «الإخواني» ويطردهم الجيش والشعب السوداني شر طردة.
نوايا تركيا في احتلال الدول العربية لم تعد خافيةً على أحد، فهي تحتل مساحاتٍ من الصومال وسوريا، وها هي تتجه بقوةٍ نحو ليبيا، دون حسيب ولا رقيب من المجتمع الدولي، وهي تستخدم في هذا كله المرتزقة من ميليشيات الإرهابيين من تنظيم «القاعدة» وتنظيم «داعش» الذين تربطهم بتركيا علاقات تحالفٍ طويلة وواسعة.
أحد أهم النماذج التي تعتمدها تركيا هو نموذج «الميليشيات المتنقلة»، والمقصود بذلك تلك الميليشيات الإرهابية التي يمكن تحريكها ونقلها من بلدٍ إلى آخر من الدول العربية، وهي اقتبست ذلك من الميليشيات المتنقلة الإرهابية التابعة لإيران التي تتنقل بين إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن، وتسعى تركيا لاستخدام هذه الطريقة لتحقق أحلامها التوسعية المشابهة لأحلام إيران.
نقلت تركيا أعداداً كبيرةً من مقاتلي تنظيم «داعش» المهزومين في العراق والشام إلى ليبيا من قبل، وهي تسعى الآن لنقل ميليشيات المرتزقة الإرهابيين من سوريا إلى ليبيا، ولكن هذه المرة بشكلٍ علنيٍ وتحت غطاء اتفاق أردوغان مع عميله الصغير في ليبيا وبقيادة عسكريين أتراك، وهو يتغاضى عن المصير البائس الذي ينتظر جنوده وضباطه على الأرض الليبية.
كثيرا ما ترك الغرب الصومال لمصيره الأسود والتغاضي عن سيطرة الجماعات الإرهابية على ذلك البلد المنكوب، وصمت طويلاً عن أدوار تركيا وجماعات الإسلام السياسي وتنظيمات الإرهاب في الصومال، ولكن هذا التغاضي والصمت ستكون له نتائج وخيمة في المستقبل.
أخيراً، فمن أهم العوامل التي ستكتب نهاية ديكتاتورية أردوغان مجازفاته ومغامراته غير المحسوبة في التعامل مع الدول الكبرى في الغرب، ومغامراته في احتلال بعض الدول العربية وهو ما سيدفع ثمنه غالياً في المستقبل القريب.