"داعش".. و غزوة الثأر لمقتل البغدادي وأبي الحسن
الثلاثاء 31/ديسمبر/2019 - 12:22 م
طباعة
حسام الحداد
يتابع مرصد الأزهر يوما بيوم الأحداث والعمليات التحركات التي تقوم بها الجماعات المتطرفة والإرهابية في محاولة منه لتقديم أحدث الأخبار والبيانات والمتابعات لهذه الجماعات ووضعها أما صانع القرار والباحثين، والتحذير من العمليات الإرهابية التي يُعد لها عناصر هذه التنظيمات وفي أحدث هذه التقارير يحذر من عمليات محتملة، أثناء الاحتفالات بأعياد الميلاد، كما يحثُّ أجهزة الأمن في الدول المختلفة بتوخي الحذر من الذئاب المنفردة والخلايا التي قد تنشط في الأيام القادمة خصوصًا عند تجمعات الأخوة المسيحيين وعند الكنائس ودور العبادة، كما يهيب المرصد بالشباب أن لا تنطلي عليهم مثل هذه الخدع، والتي من شأنها التحريض على الأوطان والاعتداء على مقدَّراتها
وقد أطلق تنظيم داعش الإرهابي عبر منصاته المختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي ما أسماه بـ «غزوة الثأر لمقتل أبي بكر البغدادي وأبي الحسن)، حيث تبنى التنظيم العديد من العمليات الإرهابية في سوريا والعراق واليمن والصومال وبعض دول غرب إفريقيا، مبينًا أن هذه العمليات جاءت ثأرًا لمقتل قائد التنظيم "أبي بكر البغدادي" والمتحدث الإعلامي باسم التنظيم "أبي الحسن المهاجر". ففي شهر أكتوبر 2019 أعلن قائد قوات سوريا الديمقراطية، "مظلوم عبدي" أن قواته نفَّذت عملية نوعية بالاشتراك مع المخابرات الأمريكية استهدفت الذراع الأيمن لزعيم تنظيم داعش الإرهابي، "أبي الحسن المهاجر" في قرية «عين البيضة» بالقرب من مدينة «جرابلس» السورية، وفي وقت لاحق لمقتل المهاجر، أعلن ترامب في مؤتمر صحفي أن أبا بكر البغدادي قد قُتل بعد أن حُشر في نفقٍ ففجَّر سترةً ناسفةً كان يرتديها.
بعدها أكَّد التنظيم مقتل كلٍّ من البغدادي والمهاجر في إصدار صوتي بعنوان "وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا"، وتعيين خليفة لكل منهما.
وكعادة التنظيم وراء كل ضربة قاصمة يُصاب بها، فبعد هزيمته في آخر معاقله بالباغوز وذهاب دولته المزعومة إلى حيث لا يرحم التاريخ، أعلن التنظيم عن ما أسماه "بغزوة الثأر لأهل الشام"، ولمَّا تم وضع نساء التنظيم في المخيمات المعدة لذلك في الهول بمدينة الحسكة السورية، أطلق التنظيم ما يسمى "بغزوة الثأر للعفيفات" و "غزوة الثأر للأسيرات".
وكل هذه "الغزوات" -على حدِّ زعمهم- هي عبارة عن عمليات نوعية يقوم بها عناصر التنظيم في مناطق مختلفة، والهدف الرئيس من تلك الأفعال الإجرامية التي يطلق عليها (غزوة الثأر) هو بثُّ الطمأنينة في قلوب المتبقي من عناصر التنظيم فيظهر منها أنهم ينتقمون لأعوانهم من القتلى والمعتقلين، بالإضافة إلى المردود الإيجابي على المعتقلين من عناصر التنظيم، والذين وصل عددهم إلى أكثر من 10.000 معتقل، كما أنها تثير حفيظة عناصر التنظيم لكي يشاركوا فيها من كل مكان في العالم، فهي تعدُّ تحريضًا على تكثيف العمليات الإرهابية، ويكون الحظ الأكبر منها للذئاب المنفردة.
ولعل من أكبر عمليات الثأر التي تمَّت من قِبل عناصر التنظيم، تفجيرات سيرلانكا يوم 21 أبريل 2019، والتي راح ضحيتها أكثر من 350 قتيلاً وما يقرب من 500 مصابًا بحسب وسائل إعلام سيريلانكية.
إلا أن عملية الثأر للبغدادي يحوم حولها الكثير من التساؤلات والتعجب، فمعروف أن البغدادي ومعاونه قُتلا في شهر أكتوبر، ومع أن عملية الثأر هذه متوقعة إلا أنه تأخر الإعلان عنها حتى نهاية شهر ديسمبر، وهذا أمر يعطينا الكثير من الدلالات، ويطرح سؤلًا مهمًا: لماذا تأخر الإعلان عن هذه العملية كل هذا الوقت؟
في الواقع، يعود هذا التأخير في الإعلان إلى عوامل متعددة أهمها أن الخلافات بين قادة التنظيم كانت تعصف بهم لدرجة أنهم لم يستطيعوا أن يعلنوا عملية الثأر للانشغال بالشأن الداخلي، لا سيّما وأن قتل الرجل الثاني في التنظيم "أبي الحسن المهاجر" كان قبل مقتل البغدادي بأيام، مما ترتَّب عليه أنه لم يكن هناك مرشح محدد وقوي يخلف البغدادي، ويسّير حركة التنظيم الإرهابي في الفترة ما بين مقتل البغدادي وإعلان القائد الجديد.
وحتى مع الإعلان عن خليفتهم المزعوم، إلا أن هناك العديد من المشكلات والعقبات كانت في طريقه مثل وجود المعترضين عليه من داخل التنظيم الذين كانوا يعتقدون أنهم أحق بالخلافة منه، بالإضافة إلى الملفات العديدة التي يجب النظر فيها ومعالجتها، والتي كان من أبرزها ملف الاختراقات الأمنية في صفوفهم، وضعف المنظومة الأمنية للتنظيم، والذي أدَّى إلى مقتل أكبر قامتين في التنظيم في أسبوع واحد، يضاف إلى هذا الانشقاقات في صفوف التنظيم، وتدبير مقر آمن للقائد، كل هذا لم يستطع التنظيم أن يتغلب عليه في أيام معدودة، وإنما احتاج إلى شهر وأكثر؛ نظرًا لصعوبة التحركات على الأرض، والمراقبة الأمنية الدقيقة، وضعف التنظيم الشديد، مما دفعه لمحاولاتٍ تجمع شمل عناصر التنظيم أولًا، والتي كان آخرها ما تداولته وسائل الإعلام من أن هناك أكثر من ألف مقاتل على الحدود ما بين سوريا والعراق يحاولون التسلل إلى الأراضي العراقية.
إذن قد حصل للتنظيم الآن شيء من الاستقرار، وتدبير مقرات أخرى في أماكن مختلفة يشعر فيها بشيء من الاطمئنان والأمان، لذا بدأ في عملية التحريض وارتكاب العمليات الإرهابية ليبدأ العمل الفعلي للقائد الجديد في الظهور، وهذا بالفعل ما حدث؛ حيث تم رصد ما يقرب من 50 عملية للتنظيم المجرم منذ الإعلان عن عملية الثأر للبغدادي.
كما أن هذا التوقيت مناسب جدًا لإعلان مثل هذه العملية، إذ في هذه الأيام يحتفل الأخوة المسيحيون بأعيادهم مما يجعل هناك العديد من التجمعات التي يمكن من خلالها لعناصر التنظيم أن يقوموا بمثل هذه العمليات في مناطق متعددة من العالم، وهو الأمر الذي يحذر منه مرصد الأزهر.
والأمر الذي يدعو للعجب حقًا أن هذا التنظيم الأحمق حين يثأر للبغدادي كان من المتوقع أن يوجِّه بعض العمليات ضد الولايات الأمريكية ومصالحها، ولكن هذا لم يحصل إلى الآن طبعًا؛ لأنهم أضعف من أن يواجهوا الترسانة الأمريكية بأجهزة استخباراتها وقوتها، ونحن هنا لا نلوم أنهم لم يرتكبوا عملياتٍ ضد أمريكا ومصالحها بل نؤمِّل السلام للعالم كله، ولكننا ندلل على مدى الضعف والتخبط والكذب والتزوير الذي ينتهجه التنظيم والخداع الذي ينطلي على المغيبين من أتباعه. هذا التضليل والخداع يظهر حين نعرف أن التنظيم قبل الإعلان عن ما أسماه بغزوة الثأر!! توقف عن النشر لمدة يوم -على غير العادة- حتى يستطيع تجميع العمليات، ثم بعد ذلك الإعلان عنها في صورة الثأر للبغدادي مما يعني أن عناصر التنظيم أنفسهم لم يكونوا على علم بأنهم يثأرون للبغدادي.
ثم بعد ذلك تتابعت العمليات وكثرت حين علم عناصر التنظيم أنهم يثأرون لقائدهم الذي أنشأ لهم خلافتهم المزعومة، وبرز تحت قيادته التنظيم؛ مما يعني أن مثل هذه الأخبار لها جانب آخر تمامًا بعيد عن الإعلان، ألا وهو تحريض عناصر التنظيم في الأماكن التي يصعب فيها التواصل المباشر بين عناصر التنظيم وتحريك الذئاب المنفردة.